سلّم أحد نوّاب التجمع السلفي معالي وزير الإعلام وزير الدولة لشؤون الشباب، ملفاً يتعلق بمخالفات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ويبدو أنه حرّض خمسة نواب آخرين، لتقديم طلب تحقيق في شأنها.
وعداء الإسلاميين وبالأخص السلفيون للثقافة والفنون والآداب قديم، فهم يستخدمون نفوذهم كنواب لتصيّد الأخطاء وأحياناً تضخيمها أو تلفيقها، ضد هذه المؤسسة الثقافية الرسمية العريقة، وضد وزارة الإعلام وخاصة في ما يتعلق بمعرض الكتاب أو إقامة الحفلات الفنية.
وهذا ما أدى إلى انحسار الثقافة وحرية الرأي والاطلاع في مجتمعنا، ولذا سبقتنا جميع دول الخليج ناهيك عن الدول العربية، فعادة يقوم الإسلاميون بتهديد وزير الإعلام بالاستجواب، والضغط عليه لمنع كتب عادية كانت تباع قبل سنوات، أو لتعيين أقربائهم والقريبين منهم في الوزارة والمجلس، فإن تحداهم الوزير انتصاراً للثقافة ولسمعة الكويت الثقافية، مثلما فعل المرحوم الشيخ سعود الناصر الصباح، استجوبوه وطرحوا الثقة به، فبعد هذا الوزير الشجاع لم يأت وزير لا يستجيب لتهديدات الإسلاميين، مع احترامي وتقديري لجميع من تولى هذا المنصب.
وأتذكر عندما كنت أعمل في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، في تسعينات القرن الماضي، أنه كان هناك دائماً من يسرّب معلومات، ويتصيد الأخطاء على الأمين العام للمجلس أو على أحد القياديين فيه، وكنا نعرفهم ونعرف دوافع أعمالهم الشائنة.
والآن لم يتغير شيء من ذلك، رغم تغير الأشخاص والموظفين «العملاء» للإسلاميين، وعادة ما يكونون موظفين لا علاقة لهم بالثقافة، وهم معروفون للجميع وللأمناء العامين أنفسهم، وأحياناً يعرف الأمين العام جميع الأمور والمعلومات المسربة، قبل إثارتها من قبل نواب مجلس الأمة، وهذا موجود في كل وزارات وإدارات الدولة.
فعندما بدأت الاتجاهات السلفية والتكفيرية بالبروز قبل سنوات، كان المنتمون لها يستخدمون حتى وسائل العنف والتخريب، مثل تحطيم إعلانات المسرحيات والحفلات الفنية، بل تعرضت بعض محال الفيديو في الكويت، إلى إطلاق النار عليها بعد التحرير مباشرة، باستغلال حالة عدم الاستقرار الأمني حينذاك.
وهذا العداء بين الإسلاميين والثقافة، لا يقتصر على الكويت فقط، ولكنه موجود في كل الدول العربية والإسلامية، وراح ضحية هذا العداء مفكرون وفلاسفة وأدباء، وكاد يودي بحياة الأديب الكبير نجيب محفوظ عندما طعنوه في رقبته، بسبب رواية لم يقرؤوها، كما أحلّو دماء البعض منهم حتى في دول مثل الهند وباكستان وماليزيا وغيرها.
لقد كانت الثقافة في الكويت، أحد تجليات النهضة التي كانت من أسباب احترام الشعوب والدول العربية وغير العربية لنا، بل ان خيار الثقافة في الكويت، كان دائماً الرقم واحد منذ بدايات القرن الماضي وربما قبلها.
وقد لعب المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، منذ عمل على تأسيسه بمرسوم أميري، الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح عندما كان ولياً للعهد، دوراً مهماً ومؤثراً في الحياة الثقافية بالكويت، حيث أعاد روح التنوير والوعي في المجتمع، وقدم خدمات جليلة إلى العالم العربي باعتراف مثقفيه ومفكريه، وقد قال لي أحد وزراء الثقافة العرب في تلك الأيام: إن المجلس الوطني وضع سقفاً عالياً، لا تستطيع وزارات الثقافة في البلدان العربية الوصول إليه.
فأرجو وأتمنى على معالي وزير الإعلام، أن يتحلى بسعة الصدر وبالصبر والانتباه، ويكون مدافعاً صلباً عن الثقافة وسمعة الكويت الثقافية، التي خبت منذ سنوات، وألا يخضع لتهديدات النواب، ولا يستمع للمغرضين ذوي النوايا التخريبية.
osbohatw@gmail.com