الأجوبة المفيدة عن أسئلة العقيدة

الدكتور وليد العلي


زاوية نعرض من خلالها لكل ما يعن لقراء «الراي» الأعزاء من أمور تتعلق بالعقيدة الاسلامية، وتحتاج الى توضيح وبيان، يجيب عنها الأستاذ الدكتور وليد محمد عبدالله العلي، امام وخطيب المسجد الكبير، والعميد المساعد بكلية الشريعة والدراسات الاسلامية جامعة الكويت.
وللتواصل أرسلوا بأسئلتكم عبر إيميل الجريدة (w-alali@hotmail.com) أو فاكس رقم: (24815921)
حراسة العقل وحماية النفس (2من2)
إن تطرُّق الشُّبهات إلى العقل مرضٌ، ووُقوع النَّفس في الشُّبهات مرضٌ، وقد وقعت الإشارة إلى المرض الأوَّل وهو مرض شُبهات العُقول في قول الله تعالى: ?فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ?، كما وقعت الإشارة إلى المرض الثَّاني وهو مرض شهوات النُّفوس في قول الله تعالى: ?يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا?.
فالذي يُحقِّق الأمن الفكريَّ هو: يقين العُقول الذي يحرسها من الشُّبهات، وصبر النُّفوس الذي يكلؤُها من الشَّهوات.
لذا قد قيل: بالصَّبر واليقين: تُنال رُتبة الإمامة في الدِّين، ومصداقه قول ربِّ العالمين: ?وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ?.
فالصَّبر: هو أمارة الدِّيانة، واليقين: هو علامة الصِّيانة.
فالدِّيانة: تتمثَّل في غرس الدِّين بالنَّفس البشريَّة وتنشئة المُسلم النَّشأة التي تروي جُذور الفطرة السَّليمة فيه، والصِّيانة: تتمثَّل في صيانة العقل من الغزو الفكريِّ الذي يطمس شخصيَّته ويُزيل معاني الأصالة والقُوَّة فيه.
فأمَّا الدِّيانة: فيشترك في تعميق معانيها: الأُسرة والمسجد والإعلام والمُعلِّم والصَّاحب.
وأمَّا الصِّيانة: فتتمثَّل في صيانة العقل من موروثات الثَّقافة فهي ممَّا يرد عليه من المكاسب.
فالغفلة والتَّهاون في دعم وترسيخ الأمن يتولَّد منه انحراف الإنسان؛ انحرافاً ليس له سمةٌ لازمةٌ لفكرٍ أو دينٍ أو مُجتمعٍ أو زمانٍ أو مكانٍ.
وبهذا تتجلى أهميَّة الأمن الفكريِّ؛ لكونه سبباً للالتزام الشَّرعيِّ، فأَمَانُ الإنسان؛ وعافيةُ الأبدان: سببٌ لعبادة الرَّحمن، كما قال الله تعالى: ?فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ?.
وإنَّ أعظم الأسباب الكفيلة في المُجتمع لتحقيق الأمان: التَّنزُّه عن الشِّرك والفُرقة التي هي اتِّباعٌ لخُطوات الشَّيطان، فعن جابر بن عبدالله الأنصاريِّ رضي الله عنهما قال: سمعت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: (إنَّ الشَّيطان قد أيس أن يعبده المُصلُّون في جزيرة العرب، ولكن في التَّحريش بينهم) أخرجه مُسلمٌ.
فعُلم أنَّ الأمن والسَّكينة والاطمئنان: نِعَمٌ مشروطٌ وُجودها بوُجود حقيقة الإيمان، وكون المُجتمع جسدا واحداً كجسد الإنسان.
فمصداق ارتباط الأمان؛ بالتَّحقُّق بأركان الإيمان: قول الله تعالى: ?الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ?.
فعن عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: (لمَّا نزلت: ?الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ?: شقَّ ذلك على أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وقالوا: أيُّنا لا يظلم نفسه، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ليس هو كما تظنُّون، إنَّما هُو كما قال لُقمان لابنه: ?يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ?) أخرجه البُخاريُّ ومُسلمٌ.
فإن كان هذا الحديث الشَّريف قد دلَّ على أنَّ الشَّرك يتنافى مع أمن البلاد، فالواجب أن ننأى بأنفسنا عن الشِّرك وعن التَّشبُّه بأهله لا سيَّما في الأعياد.
فإنَّ شُهود المُسلم لأعياد المُشركين هُو من جُملة الزُّور؛ الذي نُزِّه عنه عباد الرَّحمن كما في آي الذِّكر المسطور: ?وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا?.
فنزِّهُوا أنفسكم وبُيوتكم عن الزُّور الذي يقع في الاحتفال بغير الأعياد الشَّرعيَّة، ناهيك عمَّا فيها من مظاهر الخُروج عن الأخلاق المرعيَّة والعادات الاجتماعيَّة.
وإنَّ من أسباب تحقيق الأمن في البلاد: الأُلفة والمودَّة والرَّحمة التي تسود العباد، وهي من الأسباب التي ينبغي أن يُبادر إليها الكبير قبل الصَّغير، وأن يحرص على بحبوحتها وبركتها في المُجتمع الغنيُّ قبل الفقير.
وتأمَّلوا حرص النَّبيِّ عليه أفضل الصَّلاة وأزكى السَّلام؛ على مُبادرته إلى تطييب خواطر نُفوس أصحابه الكرام، فعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قال: (لمَّا أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا في قُريشٍ وقبائل العرب؛ ولم يكن في الأنصار منها شيءٌ: وجد هذا الحيُّ من الأنصار في أنفسهم؛ حتَّى كثرت فيهم القالة، حتَّى قال قائلهم: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه، فدخل عليه سعد بن عُبادة فقال: يا رسول الله؛ إنَّ هذا الحيَّ قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب؛ ولم يكن في هذا الحيِّ من الأنصار شيءٌ. قال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ قال: يا رسول الله؛ ما أنا إلا امرؤٌ من قومي، وما أنا؟ قال: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة. قال: فخرج سعدٌ فجمع النَّاس في تلك الحظيرة، قال: فجاء رجالٌ من المهاجرين فتركهم فدخلوا، وجاء آخرون فردَّهم، فلما اجتمعوا أتاه سعدٌ فقال: قد اجتمع لك هذا الحيُّ من الأنصار. قال: فأتاهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو له أهلٌ، ثُمَّ قال: يا معشر الأنصار؛ ما قالةٌ بلغتني عنكم، وَجِدَة وجدتموها في أنفسكم؟ ألم آتكم ضُلالاً فهداكم الله؟ وعالة فأغناكم الله؟ وأعداء فألَّف الله بين قُلوبكم؟ قالوا: بل الله ورسوله أمنُّ وأفضل. قال: ألا تُجيبونني يا معشر الأنصار؟ قالوا: وبماذا نُجيبك يا رسول الله؛ ولله ولرسوله المنُّ والفضل؟ قال: أما والله؛ لو شئتم لقلتم فلصدقتم وصُدِّقتم: أتيتنا مُكذَّباً فصدَّقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فأغنيناك، أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لُعاعةٍ من الدُّنيا تألَّفت بها قوماً ليُسلموا؛ ووكلتكم إلى إسلامكم؟ أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب النَّاس بالشَّاة والبعير؛ وترجعون برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في رحالكم؟ فوالذي نفس مُحمَّدٍ بيده؛ لولا الهجرة لكُنت امرأ من الأنصار، ولو سلك النَّاس شعباً؛ وسلكت الأنصار شعباً: لسلكت شعب الأنصار، اللَّهُمَّ ارحم الأنصار؛ وأبناء الأنصار؛ وأبناء أبناء الأنصار. قال: فبكى القوم؛ حتَّى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قَسْماً وحظًّا، ثُمَّ انصرف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وتفرَّقنا) أخرجه أحمد.
وللتواصل أرسلوا بأسئلتكم عبر إيميل الجريدة (w-alali@hotmail.com) أو فاكس رقم: (24815921)
حراسة العقل وحماية النفس (2من2)
إن تطرُّق الشُّبهات إلى العقل مرضٌ، ووُقوع النَّفس في الشُّبهات مرضٌ، وقد وقعت الإشارة إلى المرض الأوَّل وهو مرض شُبهات العُقول في قول الله تعالى: ?فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ?، كما وقعت الإشارة إلى المرض الثَّاني وهو مرض شهوات النُّفوس في قول الله تعالى: ?يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا?.
فالذي يُحقِّق الأمن الفكريَّ هو: يقين العُقول الذي يحرسها من الشُّبهات، وصبر النُّفوس الذي يكلؤُها من الشَّهوات.
لذا قد قيل: بالصَّبر واليقين: تُنال رُتبة الإمامة في الدِّين، ومصداقه قول ربِّ العالمين: ?وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ?.
فالصَّبر: هو أمارة الدِّيانة، واليقين: هو علامة الصِّيانة.
فالدِّيانة: تتمثَّل في غرس الدِّين بالنَّفس البشريَّة وتنشئة المُسلم النَّشأة التي تروي جُذور الفطرة السَّليمة فيه، والصِّيانة: تتمثَّل في صيانة العقل من الغزو الفكريِّ الذي يطمس شخصيَّته ويُزيل معاني الأصالة والقُوَّة فيه.
فأمَّا الدِّيانة: فيشترك في تعميق معانيها: الأُسرة والمسجد والإعلام والمُعلِّم والصَّاحب.
وأمَّا الصِّيانة: فتتمثَّل في صيانة العقل من موروثات الثَّقافة فهي ممَّا يرد عليه من المكاسب.
فالغفلة والتَّهاون في دعم وترسيخ الأمن يتولَّد منه انحراف الإنسان؛ انحرافاً ليس له سمةٌ لازمةٌ لفكرٍ أو دينٍ أو مُجتمعٍ أو زمانٍ أو مكانٍ.
وبهذا تتجلى أهميَّة الأمن الفكريِّ؛ لكونه سبباً للالتزام الشَّرعيِّ، فأَمَانُ الإنسان؛ وعافيةُ الأبدان: سببٌ لعبادة الرَّحمن، كما قال الله تعالى: ?فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ?.
وإنَّ أعظم الأسباب الكفيلة في المُجتمع لتحقيق الأمان: التَّنزُّه عن الشِّرك والفُرقة التي هي اتِّباعٌ لخُطوات الشَّيطان، فعن جابر بن عبدالله الأنصاريِّ رضي الله عنهما قال: سمعت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: (إنَّ الشَّيطان قد أيس أن يعبده المُصلُّون في جزيرة العرب، ولكن في التَّحريش بينهم) أخرجه مُسلمٌ.
فعُلم أنَّ الأمن والسَّكينة والاطمئنان: نِعَمٌ مشروطٌ وُجودها بوُجود حقيقة الإيمان، وكون المُجتمع جسدا واحداً كجسد الإنسان.
فمصداق ارتباط الأمان؛ بالتَّحقُّق بأركان الإيمان: قول الله تعالى: ?الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ?.
فعن عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: (لمَّا نزلت: ?الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ?: شقَّ ذلك على أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وقالوا: أيُّنا لا يظلم نفسه، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ليس هو كما تظنُّون، إنَّما هُو كما قال لُقمان لابنه: ?يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ?) أخرجه البُخاريُّ ومُسلمٌ.
فإن كان هذا الحديث الشَّريف قد دلَّ على أنَّ الشَّرك يتنافى مع أمن البلاد، فالواجب أن ننأى بأنفسنا عن الشِّرك وعن التَّشبُّه بأهله لا سيَّما في الأعياد.
فإنَّ شُهود المُسلم لأعياد المُشركين هُو من جُملة الزُّور؛ الذي نُزِّه عنه عباد الرَّحمن كما في آي الذِّكر المسطور: ?وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا?.
فنزِّهُوا أنفسكم وبُيوتكم عن الزُّور الذي يقع في الاحتفال بغير الأعياد الشَّرعيَّة، ناهيك عمَّا فيها من مظاهر الخُروج عن الأخلاق المرعيَّة والعادات الاجتماعيَّة.
وإنَّ من أسباب تحقيق الأمن في البلاد: الأُلفة والمودَّة والرَّحمة التي تسود العباد، وهي من الأسباب التي ينبغي أن يُبادر إليها الكبير قبل الصَّغير، وأن يحرص على بحبوحتها وبركتها في المُجتمع الغنيُّ قبل الفقير.
وتأمَّلوا حرص النَّبيِّ عليه أفضل الصَّلاة وأزكى السَّلام؛ على مُبادرته إلى تطييب خواطر نُفوس أصحابه الكرام، فعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قال: (لمَّا أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا في قُريشٍ وقبائل العرب؛ ولم يكن في الأنصار منها شيءٌ: وجد هذا الحيُّ من الأنصار في أنفسهم؛ حتَّى كثرت فيهم القالة، حتَّى قال قائلهم: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه، فدخل عليه سعد بن عُبادة فقال: يا رسول الله؛ إنَّ هذا الحيَّ قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب؛ ولم يكن في هذا الحيِّ من الأنصار شيءٌ. قال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ قال: يا رسول الله؛ ما أنا إلا امرؤٌ من قومي، وما أنا؟ قال: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة. قال: فخرج سعدٌ فجمع النَّاس في تلك الحظيرة، قال: فجاء رجالٌ من المهاجرين فتركهم فدخلوا، وجاء آخرون فردَّهم، فلما اجتمعوا أتاه سعدٌ فقال: قد اجتمع لك هذا الحيُّ من الأنصار. قال: فأتاهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو له أهلٌ، ثُمَّ قال: يا معشر الأنصار؛ ما قالةٌ بلغتني عنكم، وَجِدَة وجدتموها في أنفسكم؟ ألم آتكم ضُلالاً فهداكم الله؟ وعالة فأغناكم الله؟ وأعداء فألَّف الله بين قُلوبكم؟ قالوا: بل الله ورسوله أمنُّ وأفضل. قال: ألا تُجيبونني يا معشر الأنصار؟ قالوا: وبماذا نُجيبك يا رسول الله؛ ولله ولرسوله المنُّ والفضل؟ قال: أما والله؛ لو شئتم لقلتم فلصدقتم وصُدِّقتم: أتيتنا مُكذَّباً فصدَّقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فأغنيناك، أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لُعاعةٍ من الدُّنيا تألَّفت بها قوماً ليُسلموا؛ ووكلتكم إلى إسلامكم؟ أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب النَّاس بالشَّاة والبعير؛ وترجعون برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في رحالكم؟ فوالذي نفس مُحمَّدٍ بيده؛ لولا الهجرة لكُنت امرأ من الأنصار، ولو سلك النَّاس شعباً؛ وسلكت الأنصار شعباً: لسلكت شعب الأنصار، اللَّهُمَّ ارحم الأنصار؛ وأبناء الأنصار؛ وأبناء أبناء الأنصار. قال: فبكى القوم؛ حتَّى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قَسْماً وحظًّا، ثُمَّ انصرف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وتفرَّقنا) أخرجه أحمد.