حرب: رئيس غير قادر أخطر من الفراغ في لبنان والفرنسيون حصلوا على موقف سوري بتسهيل الاتفاق

تصغير
تكبير
| بيروت - من أحمد الموسوي |

اعتبر النائب بطرس حرب ان اللبنانيين اليوم امام ثلاثة احتمالات في ما يخص الاستحقاق الرئاسي، «فاما ان يتفقوا على شخصية سياسية لرئاسة الجمهورية على قاعدة فك مشكل تجنباً للوقوع في الخلاف ومن المرجح في هذه الحال ان يكون هذا الرئيس ضعيفاً غير قادر على حل الازمات وعلى اعادة بناء الدولة وعلى مواجهة التحديات والمخاطر التي قد تعصف بلبنان جراء التوترات في المنطقة»، ووصف هذا الاحتمال بانه «اخطر من عدم انتخاب رئيس لان تجربة العهد الجديد اذا لم تنجح فان لبنان قد يسقط ويُدمّر».

اما الاحتمال الثاني، حسب حرب، فهو «ان يختلف اللبنانيون على الاستحقاق فندخل في مغامرة غير معروفة النتائج قد تؤدي الى اقتسام السلطة والى تعطيل كل المؤسسات الدستورية، والثالث وهو الذي نتمناه، ان يتفق اللبنانيون على رئيس قادر من خلال تاريخه ومسلكه وثوابته الوطنية وخبرته، على توحيد اللبنانيين حول مشروع الدولة، وعلى مواكبة التطورات وايجاد الحلول للازمات».



ونفى حرب وجود اي امكانية دستورية او قانونية لتشكيل حكومة ثانية، رافضاً في الوقت نفسه تعويم الحكومة الحالية عبر توسيعها وعودة الوزراء المستقيلين اليها لتحل محل رئيس الجمهورية اذا لم يحصل الاتفاق، واعتبر ان «هذا الطرح من اخطر الحلول لانه يعني تعويد الشعب اللبناني على تغييب الرئاسة الاولى، بعد ان كان لدينا رئيس معزول عن الحياة السياسية منذ ثلاث سنوات، نأتي الان الى فراغ رئاسي ونستبدله بحكومة يغيب عنها رأس الدولة المسيحي الذي يميز صورة لبنان عن باقي الدول العربية، ولذلك فان المسيحيين سواء في 8 او 14 مارس لا يستطيعون ان يتعايشوا مع هذه الحال».

واشار حرب الى ان خيار الانتخاب بالنصف «زائد واحد» هو احتمال قائم وهو بديل يطرحه البعض لتفادي الوقوع في الفراغ، لكنه ما زال قيد الدرس والمناقشة في اوساط 14 مارس، وان القرار النهائي في هذا الامر سيتم اتخاذه عند انتهاء المفاوضات.

وشكك حرب بوجود تفويض اميركي للفرنسيين في شأن الازمة اللبنانية، وكشف عن ان الفرنسيين حصلوا على موقف رسمي من سورية بتسهيل الاتفاق بين اللبنانيين، واشار الى ان سورية «ما زال لديها حنين الى المرحلة السابقة حين كان لها دور اساسي في لبنان، وانها تسعى للاتيان برئيس صديق لها يعيد مفهوم العلاقات اللبنانية ـ السورية الى حال تختلف عن الحال القائمة اليوم».

وأكد ان قوى 14 مارس «لن تسمح بالتأكيد بالتوافق على اي كان لرئاسة الجمهورية». وكشف عن ان طاولة الحوار الوطني «لو قدر لها ان تستمر لجلسة او جلستين اخريين لامكن التوصل والاتفاق على مسألة سلاح حزب الله بما يعزز بسط سلطة الدولة على كل اراضيها وبما يطمئن الحزب الى ان الاهداف التي يريد تحقيقها ستكون هناك دولة تحملها عنه وهو سيكون جزءاً من الحل».

«الراي» التقت حرب وكان الحوار الاتي:

•  الاستحقاق الرئاسي على مرمى ايام، وحوله حركة زيارات ولقاءات ومشاورات واتصالات عربية ودولية غير مسبوقة، فهل من مؤشرات على امكان اجراء الانتخابات في موعدها الدستوري؟

- المفترض ان تجري هذه الانتخابات في موعدها الدستوري قبل 23 الشهر الجاري، لكن التعقيدات السياسية جعلت من هذه الانتخابات في خطر لان فريقاً من اللبنانيين رفض ان يعتمد الاسلوب التقليدي الدستوري في مقاربة هذا الاستحقاق، بمعنى انه هدد بسلاح مقاطعة جلسة الانتخابات بسبب معرفته المسبقة ان اجراء هذه الانتخابات ضمن الاصول المتعارف عليها لن يفوز مرشحه فيها. وطبعاً هذا الموقف غير دستوري، بل سياسي وهو الذي وضعنا في مأزق كيفية تمرير الاستحقاق الرئاسي، وهو الذي دفع الدول الصديقة المعنية باستمرار دولة لبنان الديموقراطية الى التحرك لدرجة اننا بتنا في حاجة الى «بوليس» سير لتأمين عدم اصطدام الوفود والمبعوثين، ولدرجة تجعلني اشعر وكأن اللبنانيين في تصرفهم هذا يقولون للعالم نحن لا نعرف قيمة بلدنا بقدر ما انتم تعرفونها، وهذا شعور مؤذٍ، لانه يفترض بنا، نحن اللبنانيين، ان نكون مدركين لاهمية الحفاظ على نظامنا وعلى دولتنا ووحدتنا، ويؤسفني ان اجد الاميركي او الفرنسي او الاسباني او ... او... يتدخل لتذكيرنا بوجوب الاتفاق لحماية بلدنا. وبالطبع انا شعوري ان اللبنانيين محكومون في هذا الشأن بثلاثة احتمالات: الاحتمال الاول هو ان يسعوا الى اتفاق على شخصية سياسية تختار على اساس «فك مشكل» بدعوى عدم الوقوع في الخلاف، فيكون هذا الرئيس رئيساً ضعيفاً غير قادر على حل الازمات ومواكبة التحديات التي يواجهها لبنان والتي قد يواجهها مستقبلاً، وبالتالي هذا الرئيس سيأتي لادارة الازمة، في حين ان المطلوب هو ايجاد الحلول وانجازات فان ذلك يكون في الحقيقة دفعاً بالبلاد الى الوراء، اما الخيار الثاني فهو ان يتفق اللبنانيون على رئيس قادر من خلال تاريخه ومسلكه وثوابته الوطنية وخبرته، على مواكبة التطورات وعلى التعاطي مع اللبنانيين في شكل واعٍ وضابط للحياة السياسية، وبالتالي قادر على توحيد اللبنانيين حول مشروع الدولة، وانا اتمنى ان يتحقق هذا الاحتمال وان نتمكن من التوافق على مثل هذه الشخصية القادرة الكفؤة.

اما الاحتمال الثالث فهو ان نختلف، وهذا قد يدخلنا في مغامرة غير معروفة او غير محمودة النتائج، منها ان صلاحيات رئيس الجمهورية حين تنتهي ولايته تنتقل الى مجلس الوزراء في حين ان هناك اطرافاً لا تعترف بان مجلس الوزراء هذا دستوري، ولا تعترف به، ما سيجعل عمله متعثراً، وقد طرحت في هذا الاطار افكاراً حول تطعيم الحكومة ببعض العناصر الجديدة وعودة الوزراء الشيعة عن استقالاتهم، لكي تصبح اكثر تماسكاً وقدرة على مواكبة المرحلة المقبلة في حال حصول الفراغ الرئاسي، لكن نحن المسيحيين المعنيين اكثر بالاستحقاق الرئاسي نرى ان هذا الطرح من اخطر الاحتمالات، لانه يعني تعويد الشعب اللبناني على تغييب الرئاسة الاولى، فبعد ان كان لدينا رئيس معزول عن الحياة السياسية منذ ثلاث سنوات، نأتي الان الى فراغ رئاسي ونستبدله بحكومة يغيب عنها رأس الدولة المسيحي الذي يميز صورة لبنان عن باقي الدول العربية، لذلك نرى ان هذا الاحتمال خطير والمسيحيون سواء في 8 مارس و 14 مارس لا يستطيعون ان يتعايشوا مع هذه الحال، وعدا عن ذلك كله هناك خوف من ان تقع البلد في فراغ وان يحاول كل فريق من الفرقاء اخذ قسم من السلطة فيؤدي ذلك الى تعطيل كل المؤسسات الدستورية فتتعطل رئاسة الجمهورية لانه ليس هناك رئيس، وتتعطل السلطة التنفيذية لان وضعها معروف ومختلف عليه، ويتعطل مجلس النواب، لانه غير قادر على القيام بأي دور في ظل تعطيل عمل الحكومة، ولذلك من بين هذه الاحتمالات الثلاثة هناك احتمال واحد نتمنى ان نصل اليه نتيجة تدخل اصدقائنا الاوروبيين والفرنسيين والعرب وهم مشكورون، لكن ايضاً هذا التدخل يجب ان يقف عند حدود ترك الامر والخيار للبنانيين، وان لا يتجاوز تقديم المساعدة الى الحلول مكان اللبنانيين، ولذلك ادعو اللبنانيين الى ان يتفقوا وان يترفعوا عن لعبة «القط والفار» وان يتجاوزوا عملية من ينتصر على من وان يجعلوا لبنان هو المنتصر، وان يتفقوا على رئيس قادر على ان يحمل مشروعاً توفيقياً ومشروع بناء دولة.

•  وماذا عن خيار النصف زائد واحد؟

- هذا الاحتمال بديل كي لا نقع في حال فراغ، وهو ما زال قيد الدرس والمناقشة ونحن نعرف صعوبة هذا الاحتمال ومخاطره، وهناك جو في 14 مارس يدعو للذهاب الى النصف زائد واحد الا ان القرار النهائي لا يؤخذ اليوم، بل عند انتهاء المفاوضات، لكن الموضوع مطروح جدياً ونتمنى الا نصل اليه.

•  ايضاً هناك خيار تلوح به ثلاث قوى اساسية «حزب الله» والعماد ميشال عون ورئيس الجمهورية وهو تشكيل حكومة ثانية؟

- معلوماتي، اولاً من الناحية القانونية والدستورية ليست هناك امكانية لتشكيل حكومة ثانية، ثم ان رئيس الجمهورية اعلن انه لن يشكل حكومة ثانية، ثم ما ورد على لسان العماد ميشال عون او «حزب الله» من دعوة لتشكيل حكومة ثانية اعتبره يدخل في اطار «التكتكة» السياسية، ولكنه ليس طرحاً دستورياً وقد يعرض البلد للانقسام، ولذلك اعتقد ان من يطرحون ذلك يطرحونه لغايات سياسية وهم يدركون ان هناك مخاطر كبيرة.

•  لكن الرئيس لحود اعلن امكان اللجوء الى اتخاذ خطوة ما دستورية؟

- درسنا هذا الامر، وانا رجل قانون وفي الحقيقة ليس لدى رئيس الجمهورية اي حق دستوري، هو في منتصف ليل 24 الشهر الجاري تسقط عنه صفة الرئاسة ولا يستطيع البقاء في القصر، واذا بقي فيه فبقاؤه يكون من دون اي مسوغ شرعي وقانوني، وثانياً ليس لرئيس الجمهورية القدرة على اتخاذ اي تدبير، ونعرف ان بعضهم تحدث عن حكومة طوارئ، لكن حال الطوارئ لها اصول، فهي تتخذ بقرار من مجلس الوزراء وبعد ثمانية ايام يجب ان يجتمع المجلس للمصادقة عليها والا تسقط، وهناك من يقول ان الرئيس قد يستدعي قائد الجيش ويطلب منه استلام من البلد، وبرأيي ليس من الضروري القيام بذلك لان امن البلد مناط اساساً بالجيش اللبناني.

•  قد يسلم الحكم للمجلس العسكري او لمجلس الدفاع الاعلى؟

- هذه ايضاً مزحة، فمجلس الدفاع الاعلى مؤلف من رئيس الجمهورية ومن رئيس الحكومة ووزير الداخلية ووزير الدفاع ووزير الاقتصاد والاتصالات، وهؤلاء الوزراء لو كان بالامكان الاجتماع بهم من قبل رئيس الجمهورية لكانت مشكلة الحكومة كلها قد حُلت، ولكن هو لا يعترف بهم فكيف يجتمع بهم وهؤلاء من جهة ثانية، لن يلبوا دعوته اذا دعاهم، وزيادة على ذلك فان مجلس الدفاع الاعلى صلاحياته ان يرفع اقتراحات لمجلس الوزراء ومجلس الوزراء هو من يتخذ القرارات، فليس له اذاً صلاحية اتخاذ القرار، لذلك هذا الطرح هو للتهويل ولكنه تهويل بلا شيء.

•  نستنتج وكأن الازمة هي ذات وجه داخلي فقط؟

- لا طبعاً فالتحديات التي تواجه لبنان داخلية وخارجية، ولو كنا قادرين على عزل لبنان عن مجريات احداث المنطقة لم يكن هناك مشكلة، لكن مشكلة لبنان انه دولة صغيرة في منطقة حساسة جداً ومحاط باسرائيل من جهة وبسورية من جهة ثانية، وسورية واسرائيل لاعبان اساسيان في الصراع العربي الاسرائيلي، عدا عن وجود الصراعات الاخرى في المنطقة كالصراع العربي - العربي والصراع السني - الشيعي والصراع الايراني - الدولي، والصراع مع المتطرفين، وكل ذلك اشبه بكوكتيل «مولوتوف» قابل للانفجار، لذلك نمر في مرحلة دقيقة جداً تستدعي ان يكون اللبنانيون اكثر وعياً وحكمة وحذراً ووطنية لتجاوز الازمة.

•  وصفت مواقف العماد عون الاخيرة ومواقف «حزب الله» بانها «للتكتكة» او التهويل، في حين يرى آخرون في قوى 14مارس انها نسفت كل مساعي الحل القائمة؟

اذا اخذنا الموقف الاخير الذي صدر عن السيد حسن نصرالله، فان اللافت فيه هو توقيته واللهجة التي استعملت فيه، وليس محتواه، في المحتوى ليس من جديد، لكن التوقيت جاء في وقت يوجد فيه مبادرة قائمة بين بكركي والرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري، وهذا الذي اثار المخاوف لدى بعض الاطراف، فالخطاب بمحتواه ككل يقول نحن ندعو الى الوفاق واذا لم يحصل الوفاق فهذه عدتنا وهذه طريقتنا للعمل، وهذا يعني ان «حزب الله» شعر بالحاجة الى التعبير عن استعداده للذهاب بعيداً اذا لم يحصل الاتفاق، هذا تفسيري، وقد اجتهدت في هذا التفسير، لان التفسير العادي وردات الفعل ذهبت الى اماكن اخرى، ورأت فيه تعطيلاً للمبادرات، غير ان نقطة الضعف في خطاب السيد حسن انه لم يعلن في شكل واضح التزامه ودعمه لحركة المفاوضات القائمة لايجاد مخارج للازمة. هو قال كلاماً يفهم منه ذلك لكنه لم يشدد عليه، بينما شدد على ردة الفعل اذا فشلت المفاوضات فبدا وكأنه ضرب التفويض الذي اعطاه للرئيس بري وطرح بدائل تتناقض مع التوجهات التوفيقية، وهذا الانطباع تعزز بالمواقف التي صدرت عن العماد عون في اليوم التالي اذ طرح نفسه صاحب الحل الوحيد والقادر وحده على حل كل مشاكل لبنان، وان احداً غيره لا يملك الحل، وكأنه اراد القول اذا لم انتخب انا رئيساً فنحن ذاهبون في الاتجاه الذي قاله السيد حسن نصرالله، فاعطى انطباعاً بان هذا الفريق لا يسعى لانجاح مساعي التوافق.

•  هناك من يقول ان سورية تكلمت بلسان العماد عون والسيد نصرالله في رفض المبادرات المطروحة؟

- في التحليل السياسي بالامكان القول اي شيء، وبرأيي ان سورية اعلنت موقفاً رسمياً بانها تؤيد الوفاق في لبنان، وطبعاً بالسياسة هذا الموقف حمّال اوجه عدة، وبالتأكيد هي تسعى الى ان يأتي رئيس جمهورية صديق لها يمكن ان يعيد مفهوم العلاقات اللبنانية - السورية الى حال تختلف عن الحال القائمة اليوم، وهناك حنين سوري الى المرحلة السابقة حين كان الدور السوري اساسياً في لبنان، ولذلك فان سورية تنظر الى هذا الاستحقاق على انه محطة كبيرة ومفترق طريق كبير، فاذا ذهبت الانتخابات باتجاه رئيس لا يُكنّ لسورية صداقة فانها ستعتبر ذلك خطراً جديداً اضافة الى المخاطر العدة التي تشعر بها، وستعتبر ذلك نذيراً لمزيد من التأزم في العلاقات مع لبنان، لا سيما وان سورية امامها المحكمة الدولية، وبعض النظريات تقول اذا استطاعت سورية ان تنجح في لبنان بالاتيان برئيس صديق لها فهذا الرئيس قد يأخذ مصالح سورية بالاعتبار حتى في موضوع المحكمة الدولية، وهذا امر لا يمكن المساومة عليه، وايضاً لا ننسى ان سورية ما زالت عينها على لبنان وتأمل برئيس يحقق مصالحها وعلى الاقل لا يكون معادياً لها، وانا لا اعتقد ان احداً من المرشحين لرئاسة الجمهورية لديه عداء لسورية، سواء في 8 او في 14 مارس، لا احد لكن هناك نسب في التعامل مع سورية تختلف بين شخص وآخر، فهناك فريق من المرشحين كانوا يترشحون في الماضي على اساس انهم حلفاء لسورية، وهم مرشحون من جديد الان على اساس انهم مستقلون، وطبعاً وصول احد هؤلاء المرشحين للرئاسة امر ترتاح اليه سورية كثيراً، وتتمناه، وهناك مرشحون ليسوا اعداء لسورية ولكن لديهم مسافة في التعاطي مع سورية على اساس مبادئ ترعى اي علاقة بينها وبين لبنان، ومن الاكيد ان سورية اذا قُدر لها ان تختار فستختار رئيساً من الفريق الاول الذي يضم اصدقاءها الذين تمون عليهم والمعتادة على التعامل معهم كما في الماضي والمستعدين حتى للقبول بالتنازلات.

•  استئناف الحركة الفرنسية الكثيفة باتجاه لبنان تزامنت مع معلومات عن وجود تفويض اميركي لفرنسا، وشهدنا حركة فرنسية حثيثة باتجاه سورية. هل هناك معطى واضح عن حقيقة الموقف السوري من الاستحقاق الرئاسي؟

 اولاً لستُ اكيداً بان هناك تفويضاً اميركياً لفرنسا، ولكن حتى بين الاخوة والحلفاء يوجد عادة تنافس، وبين الاميركي والفرنسي قد لا تلتقي الرؤى في شكل كامل حول كيفية التعاطي مع هذا الملف او معالجته، وما اعرفه ان الاوروبيين في موضوع اعادة العلاقة السورية الدولية الى حال شبه طبيعية، لهم مطالب اقل من مطالب الاميركيين، والاميركيون ليس لديهم حماس بان يكون هناك تسامح مع السوري لدفعه لتمرير الاستحقاق الرئاسي، بينما الفرنسيون والاوروبيون اقل تشدداً، والفرنسيون لهم طرح يقول دعونا نعمل على هذا المسعى علنا نستطيع تمرير الاستحقاق.

•  ... ما طبيعة الدور السوري هنا؟

- هذا المسعى يتوجه الى اللبنانيين والسوريين على السواء، والفرنسيون اجتمعوا بالسوريين وحصلوا على موقف رسمي منهم بتسهيل الاتفاق بين اللبنانيين.

•  ... في مقابل ماذا؟

- الحقيقة لا اعلم، لكن ما اعرفه ان هناك وعداً باعادة العلاقات بين الغرب وسورية الى طبيعتها بمقدار ما تتعاون سورية بايجابية مع لبنان ومع الاستحقاق الرئاسي، وطبعاً الغرب يرى في سورية دولة كبرى في المنطقة، وهو في المبدأ يقف الى جانب لبنان، واذا كان بامكانه ان يوفق بين لبنان وسورية فهذا امر جيد بالنسبة اليهم، ولكن الفرق بيننا وبين الفرنسيين والاخرين ان الفرنسي اذا استطاع تمرير الاستحقاق الرئاسي يعتبر انه حقق انجازاً، بينما نحن لا نعتبره انجازاً الا اذا استطعنا ان ننتخب رئيساً صالحاً، فليس المهم ان ننجز الانتخابات لحل مشكل فقط، بل المهم ان ننتخب رئيساً صالحاً وقادراً على توحيد اللبنانيين وايجاد الحلول، لان الفرنسي اذا انتخبنا رئيساً غير قادر لن يكون عنده الحماس او الاهتمام نفسه الموجود اليوم واذا جئنا برئيس لادارة الازمة وغير قادر على حل المشاكل، حينها نكون وقعنا في التهلكة، ويكون الفرنسيون والاوروبيون بذلوا جهداً سيذهب هباء لكنهم سيأخذون بالمقابل انتصاراً ديبلوماسياً وسيقولون انهم استطاعوا انجاز الانتخابات. وبالنسبة اليّ شخصياً اعتبر ان الرئيس غير الصالح والقادر هو اخطر من عدم انتخاب رئيس، لانه اذا انتخبنا ذلك الرئيس ستذهب المسألة الى ست سنوات مقبلة، بينما عدم حصول الانتخاب قد يضطر اللبنانيين بعد شهر او شهرين لانتخاب الرئيس المطلوب.

•  كوشنير اعلن صراحة ان الجهد الدولي كله يقف وراء انتخاب رئيس توافقي.

- ... رئيس تسوية وليس رئيساً توافقياً! لان بالتوافق قد نتمكن من الاتفاق على رئيس جيد.

•  ... هو قال ذلك؟

- ... هذا لا يكفي. نريد ان يقال ندعم توافق اللبنانيين على رئيس جيد قادر على ادارة البلاد.

•  هل تعتقد ان الفرنسيين يعرفون تماماً ماذا تعني كلمة الرئيس «التوافقي»؟

- نحن دائماً نشرح لاصدقائنا انه ليس مهماً ان نتوافق على شخصية ما لرئاسة الجمهورية، وانما المهم ان نتوافق على الشخصية الملائمة لرئاسة الجمهورية، الشخصية الصالحة، واذا لم نستطع الاتفاق على الجيدين فلا يعني ذلك ان نذهب الى السيئين، لانه اذا لم تنجح تجربة لبنان في العهد الجديد فلبنان قد يسقط، والمشاكل التي قد تنشأ في المنطقة كلنا نراها، واذا وصلت الى لبنان وليس فيه حكم واعٍ مدرك قادر على التعامل معها ومع الاخطار التي قد تعصف بالمنطقة فان لبنان قد يُدمر، لذلك ليس المهم ان ننتخب رئيساً انما ان ننتخب رئيساً قادراً وصالحاً، وهنا كل القصة.

•  هناك محاولة لاقناع بكركي بوضع لائحة باسماء مرشحين، وهذه الرغبة يلتقي عليها الرئيس بري والنائب الحريري والفرنسيون، وهناك من يراها محاولة لرمي كرة نار ملتهبة في حضن البطريرك صفير وتحميل المسيحيين مسؤولية عدم الاتفاق، في حين يرى آخرون انه طالما الجميع اعلنوا السير خلف البطريرك فعلى البطريرك ان يبادر، ماذا ترى انت؟

- الحاجة ام الاختراع. ونحن لدينا ازمة نتيجة الموقف الذي اتخذته المعارضة بمقاطعة جلسة انتخاب الرئيس، ومن جملة الافكار التي طرحت، ان تقدم البطريركية التي لها دور وطني كبير على تلك الخطوة، فصحيح ان للبطريركية دوراً وطنياً وروحياً كبيراً، لكن ليس لها دور سياسي، وبهذا الطرح هناك محاولة لاعطاء البطرك دوراً سياسياً وهذا يتناقض مع دور بكركي التاريخي، فبكركي بالنسبة الينا هي مرجعيتنا الروحية، ولكن السياسة شغلتنا. والطلب الى بكركي ان تسمي فلاناً او فلاناً امر محرج ومربك لبكركي، والبطرك غير ميال الى هذا الامر، لكن البطرك حين نصل الى مرحلة يطلب فيها كل الناس وكل الاطراف المساعدة منه لايجاد مخرج سيجد نفسه في حال حرج كبير، واذا تأكد انه في حال اعتمد آلية ما وان هذه الالية هي الوحيدة وان هناك مساعدة ومساندة وموافقة من كل الناس فقد يغامر ويخرج عن الدور الوطني التاريخي لبكركي فقط للمساعدة على حل مشكلة بهذه الالية، لكن انا لست اكيداً ان هناك آلية مضمونة النتائج بحيث لا ترتد على بكركي سلباً.

•  هل رمي المسألة على بكركي هروب الى الامام؟

- البطريرك يتعاطى بحكمة مع هذا الامر وبادراك، ولا اعتبر ان طرح الموضوع على بكركي فيه سوء نية، وليس فيه نية لوضع الجمرة الحارقة في حضنها لا ليس الامر كذلك، وانما هو مطروح من باب لعل بكركي بمونتها على الموارنة قادرة على ايجاد آلية ما لاختيار رئيس عجزت عن ايجاده المؤسسات الدستورية من خلال اللعبة السياسية، وانا ارى في بادرة ان تسمي بكركي عملية دقيقة ويجب التعاطي معها بحذر. واعتقد انه اذا طرح البطريرك لائحة اسماء ما واوجدوا له شبكة امان من عدم حصول انحراف وردود فعل، قد تدخل بكركي في هذا الامر ولكني لست اكيداً.

•  لائحة بكركي المطلوبة اذا تم التوصل اليها برسم من ستكون؟ ستقدم الى مجلس النواب ام الى الرئيس بري والنائب الحريري؟

- هناك نظريتان، الاولى تقول بارسال اللائحة الى بري والحريري اللذين يفاوضان باسم الاطراف السياسية كلها. فالشيخ الحريري يفاوض باسمنا والرئيس بري يفاوض باسم «حزب الله»، ويفترض انه يفاوض باسم العماد عون ايضاً. وحين تصل اليهما اللائحة قد لا يتفقان وقد يتفقان واذا اتفقا على شخصية ما من اللائحة قد يذهبان الى مجلس النواب باسم القوى التي يمثلانها وبعد ان يأخذا موافقتها، ويقولان هذا هو الرئيس وهذا امر جيد. واذا لم يتفقا على اسم فيمكن ان يتفقا على اسمين او ثلاثة على اساس ارسال الاسماء الى مجلس النواب ونزول كل الاطراف الى جلسة الانتخاب لان معارضة اي طرف يفشل هذه الالية اما الاحتمال الثالث الذي نطالب به، ويشكل شبكة امان، فيقول ان لائحة بكركي، اذا لم يتم التوافق على شخص او شخصين من بينها تذهب كلها الى مجلس النواب، ويلتزم اطراف المعارضة والاكثرية بالنزول الى جلسة الانتخاب لينتخبوا من يريدون من اسماء هذه اللائحة ومن يأخذ اصواتاً اكثر تسمح له بالفور يصبح هو رئيس الجمهورية، وحتى الان لم نتمكن من انجاز هذه الفقرة الاخيرة التي تشكل شبكة امان لبكركي، واذا كانت بكركي مترددة حتى الان فلانها لا تريد ان تقع في المحظور.

•  بصراحة اذا حصل توافق بالطبع لن يكون حول رئيس بالمواصفات التي تضعها فمرشحا 14 مارس مرفوضان من 8 مارس والعماد عون مرشح 8 مارس مرفوض حتى منكم؟

- ليس على علمي ان «حزب الله» اعلن تأييده الرسمي لعون، ولا نبيه بري .. وليس على علمي ان هناك رفضاً بالمطلق لمرشحي 14 مارس من 8 مارس، وانا اعرف بعض قوى المعارضة ليس هذا موقفها، واسمي مطروح لدى بعضها.

•  تحدثت مع هذه القوى في هذا الامر؟

- اعرف ان اسمي مطروح لدى بعض هذه القوى كرئيس توافقي، وعلمت ان احدى الكتل النيابية، ولست اكيداً، زارت الرئيس بري واعلنت انها طرحت لائحة من خمسة اسماء وان اسمي بينها وهذه الكتلة هي في المعارضة. اذاً الامر ليس مطروحاً على اساس اما ابيض واما اسود، واي اسم تتوافر فيه الشروط الصحيحة والمواصفات التي تكلمت عنه هو المرشح التوافقي سواء في الاكثرية او المعارضة، واياً كان الرئيس المقبل ولديه المشروع لخدمة لبنان وحماية لبنان فانا اول انسان في خدمته، لان مصلحة لبنان قبل مصلحة المعارضة ومصلحة 14 مارس، ومن يؤمن مصلحة لبنان فانا جندي صغير في ورشة هذا الرئيس، ونحن نقبل بالتوافق ولكن ليس على اي كان، واذا كنا كقوى 14 مارس سنتوافق على اسم يفرط بالمنجزات التي تحققت، فلا يصبح هذا توافقاً لكن يصبح تنازلاً وهذا ليس لمصلحة الوطن، وسيعتبر ذلك مساومة على دماء الشهداء والتضحيات، فاذا تم التوافق على رئيس نعرف الا قدرة له على خوض معركة تثبيت استقلال لبنان وسيادته وقراره الوطني الحر وانجاز المحكمة الدولية، فان ذلك ايضاً مساومة على الاستقلال والسيادة، ولذلك نحن لسنا متمسكين بمرشحي 14 مارس على انهم وحدهم العظماء وان الاخرين سيئون، لا فنحن نقول فلنحدد مواصفات الرئيس المقبل واينما وجدناها في 14 او 8 مارس او غيرهما فليكن، اما ان نأتي بناس لاخبرة ولا رأي لهم ونسلمهم البلد فهذا جريمة بحق لبنان في هذه المرحلة الدقيقة والخطيرة، وتنكر لدماء الشهداء والتضحيات، وهذا ايضاً يضع لبنان في مهب الريح.

•  في خطابه الاخير اطلق السيد نصرالله جملة هواجس تبدأ بالرئيس وشخصه وبرنامجه ومن ثم الحكومة وتوجهاتها وصولاً الى المؤسسات الامنية وقيادة الجيش ودوره وعقيدته، وانت كمرشح كيف ترى انه يمكن التعاطي مع تلك الهواجس؟

- لنكن صريحين وواضحين في هذا المجال. فصلاحيات رئيس الجمهورية المعطاة له في النظام اللبناني تجعله غير قادر على اعطاء هكذا التزامات مسبقة، فليس بامكان اي مرشح ان يقول لـ «حزب الله» اي قائد جيش تريد وانا التزام به، او ان يقول اي حكومة تريدون فهذا يكون كذباً. لان رئيس الجمهورية ليس صاحب السلطة وحده. والقاعدة التي يجب ان ننطلق منها هي ان نرى فيما طرحه «حزب الله» مخاوف وليس تهديدات وشروطاً هكذا ارى انا، يبقى ان نستطيع التوصل الى شخصية لا يرى «حزب الله» في وطنيتها وتاريخها ومسلكيتها ومناقبيتها انها شخصية تريد التآمر عليه، وطبعاً على الا تكون في خدمة حزب الله من جهة ثانية، وألا تكون بالتالي في خدمة 8 مارس وحدها او 14 مارس، لكن ان تكون شخصية رئيس لكل اللبنانيين وان يشكل ضابط ايقاع للحياة السياسية اللبنانية، ويحمل مشروعاً قادراً على التوفيق بين اللبنانيين، ومثل هذا الرئيس يطمئن «حزب الله». ويطمئن اليه الاخرون. لان الفريق الاخر لديه هواجس ايضاً، هواجس «حزب الله» افهمها باعتبار ان لديه منظمة مسلحة ومدربة وممولة بينما الفريق الاخر فليس عنده ذلك، ويجب ان انظر الى هواجس الجميع اذا كنا منصفين. واعتقد اننا لو عدنا الى الحوار، وانا اكيد انه لو استمرت طاولة الحوار لجلسة او جلستين اخريين بعد لكنا اتفقنا على مسألة سلاح «حزب الله» بما يعزز بسط سلطة الدولة على كل اراضيها وبما يطمئن «حزب الله» الى ان الاهداف التي يريد تحقيقها ستكون هناك دولة تحملها عنه وهو سيكون جزءاً من الحل، وفي موضوع سلاح «حزب الله» نحن على قناعة بان هذا الموضوع لا يحل بالقوة، وكل من يفكر بذلك يكون غشيماً ومجنوناً، وحين نتفق لبنانياً على اننا سنحترم القرارات الدولية، فان ذلك على اساس ان موضوع سلاح «حزب الله» يجب ان يحل بالحوار، ولن نقبل من المجتمع الدولي ان يحله بالقوة، وكلنا في 14 مارس لم يقل احد يوماً ان هذه المسألة يمكن ان تحل بالقوة بل بالتفاهم والحوار وعلى ذلك اجماع لبناني، لان عكس ذلك تدمير للبنان وانتحار.

•  هل ما زلت عند موقفك من عدم الترشح اذا استمر الخلاف على النصاب؟

- انا اعلنت انني لن اقبل ان اكون رئيساً للجمهورية منتخباً بنصاب مختلف عليه، وهذا موقف نهائي لا تراجع عنه، بالرغم مما اتعرض له من ضغوط لاغير رأيي.

•  ضغوط من 14 مارس؟

- منها ومن كل الناس ومن دول تسأل وتستفهم موقفي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي