No Script

خواطر تقرع الأجراس

هل حقاً... التاريخ يعيد نفسه؟

u0645u0635u0637u0641u0649 u0633u0644u064au0645u0627u0646
مصطفى سليمان
تصغير
تكبير
من يقرأ تاريخنا يجد مقولة (التاريخ يعيد نفسه) تؤيّد من يعتنقها.

نقرأ في الربع الأول من القرن الرابع هـ : تغلّب كل رئيس على ناحيته وانفرد بها، فصارت فارس والرّي وأصبهان والجبل في أيدي بني بُوَيه، والموصل وديار بكر وربيعة ومضر في أيدي بني حمدان، وأصبحت مصر والشام في يد محمد بن طغْج الإخشيد، والمغرب وإفريقية في يد الفاطميين، والأندلس في يد عبد الرحمن الناصر الأموي، وخراسان في يد نصر الساماني، والأهواز وواسط والبصرة في يد البريديين، واليمامة والبحرين في يد أبي طاهر القرمطي، وطبرستان وجرجان في يد الدّيلم، ولم يبق في يد الخليفة إلا بغداد وأعمالها!

وكان الفاطميون وقتها أوّل مَن جمع بين السلطة الدنيوية والدينية؛ فاتخذوا لقب الخليفة. حتى إن حاكم سجلماسة، جنوبي جبال الأطلس، سمّى نفسه أمير المؤمنين. وعبد الرحمن الأندلسي اتخذ لقب الخلافة وتسمى بأمير المؤمنين.

وكان الخلفاء الجُدد وأمراء المؤمنين يحاولون استمالة بعض (السلاطين) إليهم ضد الخليفة المسكين في بغداد. فقد أرسل الحاكم بأمر الله الفاطمي كتاباً إلى السلطان محمود الغزنَوِي يدعوه فيه إلى طاعته، فرفض وبعث بالكتاب إلى الخليفة القادر، بعد أن خرّقه وبصق في وسطه!

ألا يوجد لدينا الآن (أمير مؤمنين) في المغرب؟ ألم يعلن الداعشيّون دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام ويطلبون من(كل المسلمين في العالم!) البيعة لأمير المؤمنين البغدادي؟ ألم نشاهد الداعشيين يأخذون البيعة في مساجد (ولاية الرّقة) السورية، كما أخذها أول مرة معاوية لنفسه، ثم لابنه في دمشق، بالتلويح بالسيف؟ حتى قال الجاحظ عن توريثه السلطة لنسله: لقد جعلها هرقليّة كِسْرويّة؟

ألا تتجزّأ (الأمة العربية) الآن كأننا ما زلنا في القرون الخالية؟ ماذا عن فلسطين وضفتها وغزّتها؟ ومصر وسينائها الآن، وجنوبها النوبي مستقبلاً؟ وعن السودان وجنوبه المستقل؟ واليمن وحوثيّيه في جباله ومحافظاته وعاصمته؟ وليبيا وقبائلها وأقاليمها؟ وسورية وأمراء حروبها في شمالها وشرقها وجنوبها؟ والعراق وأكراده وشيعته وسنّته وأيزيدييه وآشورييه وسريانييه؟ ولبنان وطوائفه الفولكلورية، وإقطاعاته السياسية الوراثية؟

وبمناسبة الحديث عن السنّة والشيعة في العراق نقرأ عن أحداث سنة 362هـ: لما أغارت الروم على الرّها ونواحيها، وساروا في ديارالجزيرة حتى بلغوا نصيبين، ودخلوا ديار بكر، فغنموا واستباحوا وقتلوا وسبُوا وخرّبوا البلاد، قصد بغداد من نجا مستنفِرين، واجتمع معهم أهل بغداد في الجوامع، وأصابهم جميعاً الغضب، فكسّروا المنابر، ومنعوا الخُطَب، وقصدوا دار الخليفة وخاطبوه بالتعنيف. وقد اجتمع من استنفار العامة جمعٌ عظيم يبلغ ستين ألفاً... فطلب عز الدولة (بختيار بن بُوَيه) من الخليفة المطيع لله أن يبعث له مالاً ليخرج إلى الغزاة، فامتنع الخليفة بحجة أن الأموال لا تُجبَى إليه(؟!) . وبعد تهديده، بذل لهم أربعمئة ألف درهم، بعد بيع ثيابه وأنقاض داره من ساج ورصاص؟!

وانتبهوا الآن إلى ما حدث: ثم تحزّب المقاتلون إلى سُنّة وشيعة، ووثب بعضهم على بعض! وأعرضوا عن ذكر الروم جانباً. ولما قبض بختيارُ المالَ صرفه في مصالحه، وبطلَ حديث الغزاة؟!

واليوم ندّعي أن (الصهيونية العالمية وربيبتها إسرائيل) هي العدو المشترك للأمة العربية، بينما نتقمّص الماضي: فُرقةً طائفية ومذهبية وقومية وحزبية، وتمزُّقاً جغرافياً، وأضغاث احلام ببثِّ الحياة في مومياء التاريخ عبر حلم الخلافة العائم على بحرمن الدماء والجماجم...

ما عليكم الآن سوى تغيير أسماء المناطق الجغرافية الراهنة، وألقاب الحكّام المعاصرين، ثم تساءلوا: هل حقاً التاريخ يعيد نفسه ؟

*كاتب سوري
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي