خواطر تقرع الأجراس / لماذا هذه الدعوة الآن ؟

| u0645u0635u0637u0641u0649 u0633u0644u064au0645u0627u0646 |
| مصطفى سليمان |
تصغير
تكبير
عادت الدعوة إلى اعتماد العامية بدل الفصحى. بحجة أن الفصحى لغة الخاصة الأكاديمية التي لا يفهمها الشعب! . وقد جرّب التونسيون كتابة الدستور باللهجة التونسية ليفهمه الشعب الذي كُتِب من أجله. فكان الاعتراض على أنه كُتب بلهجة أهل العاصمة فقط!

إذاً هناك اللهجات العربية- الجغرافية، لكن الفصحى يفهمها العرب العاربة والمستعربة. فالكردي والأرمني والشركسي والأمازيغي والسرياني والآشوري... في الوطن العربي يفهم الفصحى ويكتب بها، من خلال التعليم، والعمل، ووسائل الإعلام...

ولكل شعب الحق في التمسك بلغته حديثاً، وكتابةً، فاللغة هويّة، وبصمة الروح. لكن لغة المجتمع السائدة في التعليم والإعلام والأدب... يجب أن تكون باللغة الرسمية لكل دولة، ليس تعصباً شوفينياً، بل مطلبٌ ثقافي حضاري عام .

وهل التعليم الأميركي الرسمي في كل المراحل بلغات ولهجات تلك الأمم؟ وهل هو باللهجات الأميركية المحلية؟ كذلك الإعلام. تصوروا أن محطة (سي إنْ إن) تبث بلهجة حي هارلم الزنجي (السلانغ)! والواشنطن بوست تكتب بلهجات العرب المختلفة، أو حتى بالفصحى.

دار الشروق المصرية تنشر كتابات باللهجة المصرية (عايزة اتجوز، رز بلبن...). واللهجة المصرية مفهومة في الوطن العربي بسبب أسبقية الأفلام المصرية، وتغلغلها عبر آذان العربي. مع العلم أن اللهجة المصرية قريبة جداً إلى الفصحى في مفرداتها، لكن النطق يحوّر ويبدّل في بنية الكلمة. كذلك انتشرت، وفُهِمت اللهجة السورية عبر المسلسلات التلفزيونية الشهيرة.

حاول اللورد كرومر، زمن الاحتلال البريطاني لمصر، ترجمة الكتاب المقدس للأقباط باللهجة العامية، وكذلك القرآن الكريم. وبقي ذلك الكتابان مشرقَين باللغة الفصحى الناصعة. مع ندرة للسريانية والقبطية للكتاب المقدس.

الكتابة بالعامية تطرح مشكلة الترجمة. فمن سيترجم الأدب العربي باللهجة المحلية إلى الآداب العالمية؟ أين هي القواميس العالمية للهجات العربية بحسب الأقاليم الجغرافية؟ في كل دولة عربية العديد من اللهجات التي قد لا يفهم بعض مفرداتها أو مدلولاتها مواطن تلك الدولة. بهذا سينعزل الأدب العربي عن الآداب العالمية.

وإذا أراد مترجم عربي متمسك بالعامية أن يترجم أدباً عالمياً، فإلى أي لهجة عربية يترجمه؟ وهل سيفهم كل العرب، أو الذين يعيشون في الوطن العربي وهم ليسوا بعرب، هذا الأدبَ المترجم إلى لهجة حضرموت، أو الصعيد، أو النوبة، أو جبال الأطلس، أو لهجة حوران جنوب سورية...؟ من يترجم الشعر النبطي الخليجي؟ بل هل يفهمه كل العرب؟ ثم ماذا عن التعليم؟ هل تستوعب العامية مفاهيم العلوم التطبيقية والإنسانية ؟ وإذا أراد عربي أن يتابع دراسته في جامعة عربية أخرى تدرّس باللهجة المحلية، فماذا سيكون مصيره؟ أوإذا أراد صحافي أن يلتحق بهيئة تحرير جريدة، أو مجلة عربية، أو محطة تلفزة... وكانت هذه الوسائل تعتمد اللهجات المحلية، فماذا يفعل؟

سابقاً دعا الشاعر اللبناني سعيد عقل إلى كتابة اللهجة اللبنانية بالحروف اللاتينية، وطبع بعض الكتابات بها، لكنه انقطع عن ذلك. وأشعاره الفصيحة اليوم من روائع الشعر العربي. الزجل اللبناني العامي، وشعر أحمد فؤاد نجم باللهجة المصرية، والأغاني العربية، والمسرحيات الشعبية، ترتفع إلى مستوى جمالي رائع. والعامية تتآكل (فصحَويّاً) شيئاً فشيئاً بسبب التعليم والإعلام.

ترجموا لي أيها االمترجمون العاميون خارج المملكة المغربية هذا الحوار باللهجة المغربية إلى الفصحى، أو الإنكليزية: «بْلاسي هْنايا. دابا نْدوز المارشي، ونْهِزْ كورْبة خِزّو ومَطيشة، ونْروح الكوزينا، ونطيِّبْ المَكْلا...» ؟!

فلماذا هذه الدعوة الآن ؟

*كاتب سوري
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي