قوس قزح / في تعريف الإرهاب (1)

| د. أيمن بكر |


يقدم المفكر الهندي الأصل أرجون أبادوراي تعريفا لأسلوب الإرهاب بأنه ممارسة «أشكال متطرفة من العنف السياسي ضد المدنيين» (أرجون أبادوراي، الخشية من الأعداد الصغيرة، ترجمة/ مفيدة لبيض، مشروع كلمة، أبو ظبي، 2010، ص 15).
لم يتعرض أبادوراي لتعريف الإرهاب بصورة شاملة ونهائية، لأنه مفهوم مربك ومرتبط بعوامل كثيرة تجعل من الصعب اختصاره؛ ولذلك يجتهد كل مفكر في مقاربة الإرهاب من زاوية واحدة. الأسلوب الذي يستخدمه الإرهاب بحسب التعريف السابق يعتمد على عملية تخويف للمدنيين عبر ممارسات عنيفة، وما يقصد بالعنف هنا هو العنف السياسي الذي يمكنه أن يشمل العنف الجسدي المباشر باسم حزب الأغلبية أو باسم أولويات اللحظة، وكذلك العنف المعنوي الذي يتمثل ـ بحسب أبادوراي ـ في أشكال منوعة وقاسية من الارتياب الاجتماعي.
يمكن لنا أن نقترب من تعريف الإرهاب من زاوية أخرى ترتبط بالمنطلقات العقلية التي تبرر ممارسة العنف السياسي على الآخرين سواء معنويا أو ماديا.
تقوم الفكرة التي أود طرحها للنقاش هنا على أن الإرهاب كسلوك عقلي هو مسؤولية الثقافة ككل؛ أي مسؤولية كل مؤسسات الدولة: التعليمية والاجتماعية والثقافية والتي تخلق بنيات الفكر وتوجهها. تمنح المؤسسات التعليمية والثقافية العقل أفكارا صالحة لتبرير العنف حتى إن لم يحولها الشخص إلى فعل عنيف، المهم أنها تبقى هناك في خلفية الوعي كسلاح جدلي تبريري يمكن استخدامه في أي وقت، أما المؤسسات الاجتماعية فتقوم إما بالضغط في اتجاه توازن طبقي في المجتمع يساعد في تجنب الأحقاد الاجتماعية والسلوكيات المستفزة من الطبقات العليا، أو أنها تتحول إلى أداة حماية للطبقات الغنية بما يسهم في ازدياد الهوة بين الفقراء والأغنياء. وسنكتفي بالوقوف عند فكرة واحدة هنا تؤسس للفعل العنيف وتمنحة قوة دافعة من الصعب مقاومتها، وهي فكرة امتلاك الحقيقة.
ممارسة العنف السياسي ضد المدنيين يحتاج لتصنيفات صارمة تضع فئات مدنية متنوعة في وضع ضدي تناحري مع من يقوم بالتصنيف؛ بعبارة أخرى لابد من وضع المجموعات المناوئة والمختلفة في قوائم سوداء لها توصيفات سلبية حادة. هذه التصنيفات تقوم على امتلاك الحقيقة من قبل الفئة التي تقوم بتصنيف الآخرين وصنع حالة التناقض التناحري. إن حالة العنف السياسي لن تجد تبريرها بعيدا عن وهم امتلاك الحقيقة الذي تغذي به الجماعات المغلقة ذاتها. أي إن العقلية المهيأة لممارسة العنف السياسي الإقصائي على الآخرين لا يمكنها أن تتواجد بعيدا عن ثقة كاملة ومطلقة في صحة ما تفعله، وانعدام أي شك بأية نسبة في إمكان أن يكون ما تؤمن به تلك العقلية قابلا للخطأ والضلال.
وحين نتساءل عن كيف تتربى هذه العقلية يكفي أن نتخيل أبا وأما أقنعا طفلهما الصغير بأنهما يعرفان كل شيء وأن كل ما يسمعه في الخارج هو خطأ خطير ما لم يتفق مع ما يقولانه. ولنتخيل أن كل الاختبارات التي مر بها هذا الطفل لبث إحساس النسبية في وعيه قد قوبل من الأم والأب بالرفض والسخرية والاتهام بأبشع التهم كالكفر والانحلال وقلة الورع ... الخ. أضف إلى ما سبق أن هذين الأبوين يعيدان على مسامع طفلهما هذه الأفكار بإلحاح مستمر، كما أنهما يحرصان على أن يبقى في دائرة علاقات تؤمن بما يؤمنان به. من الطبيعي والحال هكذا أن تنتقل إلى هذا الطفل جرأة الجاهل الذي يمكنه ببساطة أن يمارس عمليات إقصاء عنيفة تخلو من التردد على كل من يقترب من أفكاره بالمناقشة والتشكيك. لقد نجح هذا النوع من التنشئة في خلق وحش صغير لا يشعر بالأمان في وجود أي كيان مختلف، كما أنه يملك ترسانة جاهزة من الأفكار الإقصائية التي يمكنه ـ عبر جدل بسيط ـ أن يلقيها على من يشاء؛ أي إنه سيكون جاهزا لممارسة العنف السياسي الذي أشار إليه أبادوراي. لكن الأمر الأخطر هو أن العقلية السابقة ستكون جاهزة تماما لتشكيل ما يسمى بـ «الهوية المفترسة».
لم يتعرض أبادوراي لتعريف الإرهاب بصورة شاملة ونهائية، لأنه مفهوم مربك ومرتبط بعوامل كثيرة تجعل من الصعب اختصاره؛ ولذلك يجتهد كل مفكر في مقاربة الإرهاب من زاوية واحدة. الأسلوب الذي يستخدمه الإرهاب بحسب التعريف السابق يعتمد على عملية تخويف للمدنيين عبر ممارسات عنيفة، وما يقصد بالعنف هنا هو العنف السياسي الذي يمكنه أن يشمل العنف الجسدي المباشر باسم حزب الأغلبية أو باسم أولويات اللحظة، وكذلك العنف المعنوي الذي يتمثل ـ بحسب أبادوراي ـ في أشكال منوعة وقاسية من الارتياب الاجتماعي.
يمكن لنا أن نقترب من تعريف الإرهاب من زاوية أخرى ترتبط بالمنطلقات العقلية التي تبرر ممارسة العنف السياسي على الآخرين سواء معنويا أو ماديا.
تقوم الفكرة التي أود طرحها للنقاش هنا على أن الإرهاب كسلوك عقلي هو مسؤولية الثقافة ككل؛ أي مسؤولية كل مؤسسات الدولة: التعليمية والاجتماعية والثقافية والتي تخلق بنيات الفكر وتوجهها. تمنح المؤسسات التعليمية والثقافية العقل أفكارا صالحة لتبرير العنف حتى إن لم يحولها الشخص إلى فعل عنيف، المهم أنها تبقى هناك في خلفية الوعي كسلاح جدلي تبريري يمكن استخدامه في أي وقت، أما المؤسسات الاجتماعية فتقوم إما بالضغط في اتجاه توازن طبقي في المجتمع يساعد في تجنب الأحقاد الاجتماعية والسلوكيات المستفزة من الطبقات العليا، أو أنها تتحول إلى أداة حماية للطبقات الغنية بما يسهم في ازدياد الهوة بين الفقراء والأغنياء. وسنكتفي بالوقوف عند فكرة واحدة هنا تؤسس للفعل العنيف وتمنحة قوة دافعة من الصعب مقاومتها، وهي فكرة امتلاك الحقيقة.
ممارسة العنف السياسي ضد المدنيين يحتاج لتصنيفات صارمة تضع فئات مدنية متنوعة في وضع ضدي تناحري مع من يقوم بالتصنيف؛ بعبارة أخرى لابد من وضع المجموعات المناوئة والمختلفة في قوائم سوداء لها توصيفات سلبية حادة. هذه التصنيفات تقوم على امتلاك الحقيقة من قبل الفئة التي تقوم بتصنيف الآخرين وصنع حالة التناقض التناحري. إن حالة العنف السياسي لن تجد تبريرها بعيدا عن وهم امتلاك الحقيقة الذي تغذي به الجماعات المغلقة ذاتها. أي إن العقلية المهيأة لممارسة العنف السياسي الإقصائي على الآخرين لا يمكنها أن تتواجد بعيدا عن ثقة كاملة ومطلقة في صحة ما تفعله، وانعدام أي شك بأية نسبة في إمكان أن يكون ما تؤمن به تلك العقلية قابلا للخطأ والضلال.
وحين نتساءل عن كيف تتربى هذه العقلية يكفي أن نتخيل أبا وأما أقنعا طفلهما الصغير بأنهما يعرفان كل شيء وأن كل ما يسمعه في الخارج هو خطأ خطير ما لم يتفق مع ما يقولانه. ولنتخيل أن كل الاختبارات التي مر بها هذا الطفل لبث إحساس النسبية في وعيه قد قوبل من الأم والأب بالرفض والسخرية والاتهام بأبشع التهم كالكفر والانحلال وقلة الورع ... الخ. أضف إلى ما سبق أن هذين الأبوين يعيدان على مسامع طفلهما هذه الأفكار بإلحاح مستمر، كما أنهما يحرصان على أن يبقى في دائرة علاقات تؤمن بما يؤمنان به. من الطبيعي والحال هكذا أن تنتقل إلى هذا الطفل جرأة الجاهل الذي يمكنه ببساطة أن يمارس عمليات إقصاء عنيفة تخلو من التردد على كل من يقترب من أفكاره بالمناقشة والتشكيك. لقد نجح هذا النوع من التنشئة في خلق وحش صغير لا يشعر بالأمان في وجود أي كيان مختلف، كما أنه يملك ترسانة جاهزة من الأفكار الإقصائية التي يمكنه ـ عبر جدل بسيط ـ أن يلقيها على من يشاء؛ أي إنه سيكون جاهزا لممارسة العنف السياسي الذي أشار إليه أبادوراي. لكن الأمر الأخطر هو أن العقلية السابقة ستكون جاهزة تماما لتشكيل ما يسمى بـ «الهوية المفترسة».