خواطر صعلوك / هاتوا لي راجل!

| u0645u062du0645u062f u0646u0627u0635u0631 u0627u0644u0639u0637u0648u0627u0646 |
| محمد ناصر العطوان |
تصغير
تكبير
قبل كتابة هذا المقال اتصلت بأحد أصدقائي الليبراليين لأسأله عن معنى الديموقراطية، فوجدت هاتفه مغلقا مع رسالة مسجلة يقول فيها «هذا تلفون فلان، اترك اسمك أو تلفونك بعد سماع مواد حقوق الإنسان»، ولأني أعلم مسبقاً أنه يقصد بحقوق الإنسان حقوق الشواذ وليس حقوق المحتل في الدفاع عن أرضه أو حقوق الجائعين في حصولهم على الطعام فقد حدثتني نفسي الأمارة بالسوء أن أُسجل له بعد الصفارة أغنية للست رتيبة أحمد « ياسمباتيك خالص يامهندم، تجيش تزورني الليلة يافندم!» ولكني استعذت بالله وقررت أن أكتب عن الديموقراطية كما رأيتها.

يقولون إن كلمة «ماما» هي الكلمة الوحيدة التي تشترك في لفظتها جميع لغات العالم كما هي، ولكني أعتقد أن مصطلح «ديموقراطية» هو كذلك يشترك في لفظته جميع شعوب العالم رغم اختلاف ثقافاتها وتراثها ولهجاتها وتصوراتها، فمن الهند إلى السند إلى إيران وحتى لبنان مروراً بقناة السويس إلى قناة بنما وحتى قناة العربية والجزيرة كلهم ينطقون المصطلح كما هو، وهذا شيء يدعو للتأمل والتعجب، ويحق لك عزيزي القارئ أن تتفلسف على طريقة طاليس وتقول «ولكن حتى لفظ «الكاكاكولا» تشترك فيه جميع اللغات، ومن حقي أيضا أن أتفلسف عليك وأُراوغ على طريقة ميسي فأقول: «ولكن الكولا منتج تجاري والديموقراطية نظام حكم سياسي، ومعلوم مدى الفرق بين الاثنين وإن كانا يشتركان في كونهما مستوردين من الخارج»!

فكوكلة البشرية قد تؤثر على عظامها، ولكن ديموقرطة البشرية تكسر عمودها الفقري.

وفي أثينا اخترعوا الديموقراطية من أجل حماية حريتهم وسلب حرية العبيد، والغرب اليوم استخدم الديموقراطية من أجل سلب حرية العرب.

وديموقراطية التمثيل النيابي لا تختلف عن معهد التمثيل المسرحي، فكلاهما يقدم عروضاً من أجل التصفيق لا من أجل التنمية. والكويت تسير للتنمية ولله الحمد بدليل أننا جميعا ننمو ونسمن، بل ونحتل نسبة متقدمة في السُمنة والزبدة والجبنة البراميلي التي لا تختلف عن الأجساد الأكثر براميلية، ونستورد العجول ونصدر العقول والبدون.

وفي طفولتي كان لي صديق رأسه مليء بعالم الحشرات، ورغم ذلك كانت له القدرة على التعايش معهم بسلام، بينما بعض الديموقراطيين في العالم رأسه مليء بعالم الأفكار ورغم ذلك غير قادر على التعايش مع الآخرين المختلِف معهم.خصوصاً إذا كانوا من الإسلاميين.

وفي اللعبة الديموقراطية تكون علاقة الحكومة بالمعارضة مكررة ومملة ومستهلكة، وهي لا تختلف عن علاقة المتصل بالمذيع، فالمتصل في البرامج رغم أنه يتكلم على الهواء واشترك فعلا في البرنامج نجده يقول «ممكن أشترك في البرنامج» وكأن المذيع سيقول له لا مثلا!، والمذيع يرد عليه لعبارة المستهلكة نفسها»ممكن تقصر صوت التلفزيون عندك!» ولك عزيزي القارئ أن تتخيل أيهما الحكومة وأيهما المعارضة.

وديموقراطية الغرب جعلتهم يصنعون القنبلة الذرية في المعمل من أجل استباحة الآخرين، بينما ديموقراطيتنا جعلتنا نصنعها في عيادات التجميل من خلال النفخ… والتفخ… والسلخ من أجل إغراء الآخرين، حتى إنني قدمت اقتراحا بأن نضع لوحات على البشر كتلك التي تُوضع على مؤخرة السيارات ونكتب عليها» أماكن قابلة للانفجار» .

أسوأ ما في الديموقراطية أنها ليست فقط تعطيك حرية أن تُغني مع نفسك في الحمامات، ولكنها أيضا تعطيك حرية أن تُغني على الناس في الحوارات والندوات والمؤتمرات.

والتنمية في ظل الديموقراطية لا ترفع مستوى المعيشة ولكنها ترفع مستوى الأسعار، وأحياناً ترفع أحد الشخصيات في الجرائد من صفحة الحوادث إلى صفحة الاقتصاد .وبفضل ديموقراطية ورأسمالية السوق فإن ما كنت تدفعه قبل عشرين سنة ثمناً لسيارة جديدة هو ما تدفعه الأن ثمناً لتصليحها. فالحمد لله على أن الأسعار أصبحت نارا لنتدفأ بها في الشتاء المقبل على الأبواب.

وسقراط وأفلاطون وأرسطو رفضوا الديموقراطية، ويقال إنهم اشتركوا في تأليف كتاب بعنوان»هاتوا لي راجل» عن طريق التأليف التتابعي حيث من يموت يسلم الكتاب للذي بعده، وسبب الكتاب أنهم لاحظوا أن الديموقراطية أدت إلى اختفاء ظاهرة «رجل البيت» وظهور مرحلة «رجل الشارع» المحاط بكمية كبيرة من الإعلانات والأسواق والمحلات للدرجة التي تجعله يتحول إلى»رجل المهمات الصعبة» بمجرد دخوله السوق مع المدام… وهذا أدى إلى ظهور المرحلة قبل الأخيرة وهو «رجل المرحلة»، وهو ذلك الكائن المنفتح جداً والذي لايدقق على تفاصيل سطحية وسخيفة مثل ملابس زوجته وبناته وقصة شعر أبنائه وقيمهم، وفي النهاية يتحول إلى «رجل البيت» مرة أخرى، ولكن مع وقف التنفيذ. وما هو مؤسف أن ديموقراطية أثينا كانت تتسامح مع فكرة « إبداء العورة» للعامة في الوقت الذي حكمت بالموت على سقراط بسبب» إبداء الرآي» لهم.

والحقيقة مثل امرأة متزوجة لا يمكن اقتسامها (وإن كانت الديموقراطية ترى عكس ذلك)، لذلك سأكون صريحاً معك أيها القارئ اللطيف، فمنذ السنة التي تم تعليق سليمان الحلبي فيها على الخازووق، انتهاء بتعليق الرؤوس على يد البغدادي والذي يعتقد نفسه الفاروق، لم تقدم الديموقراطية لنا سوى الكلام المعسول… ومشكلة الكلام المعسول أنه لا يطهو الجزر الأبيض كما يقول المثل الإيطالي. واعلم أيدك الله بنصره أن وراء كل ديموقراطية مستبداً لا يعرف الرحمة وهو الإعلام بالإضافة إلى طاغية آخر وهو رأس المال… ورجل الشارع لا يختار بناء على قناعات ولكن بناء على إعلانات، لذلك فالمرشح دائماً لا يختلف عن موس حلاقة يقدمه لك التلفزيون أو منتج رديء يقوم رأس المال بعمل فوتوشوب له على يد متخصص تزوير.

ولا تعتقد أيها القارئ النبيل أنني أفضل حكم الديكتاتور على حكم الشعب باسم الشعب، ولكن النظام الديموقراطي والديكتاتوري ينطبق عليهم قول الشاعر:

كلا الأخوين ضراط ولكن

شهاب الدين أضرطُ من أخيه.

قصة قصيرة:

إنسان أوروبي يعرج لأن في قدمه شوكة تؤلمه إذا اتكأ عليها، فأتى إنسان عربي مسلم سليم القدمين قال فرحاً: أريد أن أعرج مثل هذا الرجل لأن عرجته تعجبني!

حكمة:

خذ الحكمة من أفواه المجانين… فاعتبرني مجنوناً

* كاتب كويتي

Moh1alatwan@
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي