قصة قصيرة / قساة القلوب

| u064au0648u0633u0641 u0639u0628u0648u062f u062cu0648u064au0639u062f |
| يوسف عبود جويعد |
تصغير
تكبير
- الو...صباح الخير

- صباح الخير

- اسمع اخي ابو محمد حدث اقتحام الآن للجامعة التي يدرس فيها ابنك من قبل مسلحين سمعت انها احزمة ناسفة... ما زلت اسمع أصوات الانفجارات والطلقات النارية... اسأل عن ابنك محمد لوكان رقم هاتفه لدي لاتصلت به... انه في الجامعة اليس كذلك...؟

- يا ساتر استر يا رب.

تعكر صفو مزاجي، وخوف رهيب في داخلي، أخرجت الهاتف مرتعشاً، اتصلت برقم ابني وسرعان ما اتصل وما ان سمعت صوته حتى استقرت سريرة نفسي.

- محمد كيف الحال

- اهلا بابا

- يقولون اقتحام في الجامعة

- صحيح

- اين انت؟

- حدث الانفجار بعد خروجي من الجامعة بلحظات

- حمدا لله على سلامتك... اذهب إلى البيت

- نعم

انفجار قرب باب الجامعة وآخر يبعد مئة متر القوات الأمنية تحاول السيطرة على الموقف وحماية الطلاب ما حال أبنائنا الطلبة...؟

وما وقع هذا الخبر على الآباء والامهات بقيت على اتصال مع ابني والبيت وأخبرتهم بكل هدوء بوقوع الانفجار ضج البيت بالقلق كانت ساعات الدوام الرسمي تمر ببطء والأصدقاء يسألونني ليطمئنوا على سلامة ابني وسلامة الطلاب رن الهاتف أختي:

- أهلا أم سلام

- اتصلت بابنك

- نعم

- ما اخباره مازلت قلقة ويداي ترتجفان وقلبي يخفق اخبرني

- انه بخير وخارج الجامعة

- الحمد لله أسمع اذبح ديك على سلامته

- سأفعل ان شاء الله

وصلت الى البيت قبلت ابني وفرحت بسلامته، فاطمة وكوثر ابنتاي الصغيرتان وكذلك ملاك ونور ابنتا ابنتي هديل الصغيرتان اللواتي حللن ضيوفاً علينا يلعبن وسط الغرفة، هذه تمسك كرة تدحرجها واخرى تمسك دمية صغيرة تلعب بها والاخريات يهرولن جيئة وذهاباً واصواتهن يفوق اصوات حديثنا.

ضجيج وصراخ جاءتني زوجتي بعد ان صرخت على الاطفال ليصمتوا قليلا، وكانت فكرتها ان نذبح ديكا وهذا ما كنت افكر فيه حاولت أن أتسلل خلسة للخروج لوحدي لجلب الديك، إلا أن الأطفال تعلقوا بي وهم يبكون يريدون الذهاب معي للسوق فطلبت امساكهم حتى اخرج.

اسمع أصوات بكائهم لرغبتهم في المجيء معي الا انني كنت متعبا ولا استطيع متابعتهم اثناء الطريق كان الديك كبيرا ونشطا حاولت الإمساك به وسط القفص لأتفحصه إلا انه كان يقفز من زاوية لاخرى وبعد عناء امسكت به.

أخذته بعد أن أعطيت النقود للبائع... بائعة الخضرة تنادي على بضاعتها بشكل لافت للنظر أخذت منها ما أريد ومشيت انوء بحمل ثقيل.

أستريح قليلاً ثم أواصل السير حتى وصلت البيت احتشد الأطفال ينظرون للديك برأفة وحنان واحدة تعطيه ماء وأخرى تفتت الخبز له وأخرى تقول مسكين تعبان.

طفولة وبراءة وإنسانية وعطف لا نملكه نحن الذين قست قلوبنا وكانت كالصخر بل اشد قسوة.

- انظر اليه انه يغمض عينيه

- انظر اليه انه خائف

دخلت زوجتي تحد السكينة، الأطفال يريدون أن يلعبوا مع الديك هم بدائرة حوله.

فاطمة تمرر بيدها على ريشه وكوثر تقترب منه وملاك امامه ونور مازالت تفتت الخبز له، بينما حاولت كوثر ان تقرب اناء الماء قربه ليشرب صرخوا جميعاً

- انه يشرب الماء

نظرنا نحن الكبار للاطفال بحزن، لأنهم يرأفون على الحيوان ويحنون عليه، بينما تتعالى اصوات الانفجارات في كل مكان والرصاص يتعالى في عنان السماء الأطفال لا يريدون حياتنا لا يحبون العنف يريدون حياة بدون رائحة الدم حياة يغمرها الحنان وتعلوها الرأفة والمحبة

جاءت زوجتي بالسكين طلبت مني ان اذبح الديك، دخلت وسط الدائرة وامسكت بالديك وحملته نظرت للأطفال في عيونهم حزن شديد.

طلبت من زوجتي ان تمسك الاطفال والا يرون الديك عندما اذبحه الا انها لم تستطع الامساك بهن، واصلت مسيري إلى عتبة باب البيت.

كانت زوجتي تمسك احداهن فتنفلت منها نحوي لتمسك الاخرى نظروا إلي وأنا أقوم بذبح الديك. فاطمة تنظر للديك وتنظر الي وفي عيناها تساؤل ألم وحزن كانت ملاك تبكي بصوت عال، أما نور فكانت تصرخ

(لا جدي لا جدي لا تذبحه مسكين).

وضعت قدمي اليمنى على رجليه وقدمي اليسرى على اجنحته أمسكت رأسه وأخرجت لسانه شددت قبضة السكينة الحادة ومررتها جيئة وذهابا، غارت سكينتي الحادة على عنقه، كان يرفس تحت قدمي. احسست بهذه العاطفة والحب الذي بداخل الاطفال، حزنت عليه كما حزنوا عليه هم صرخت فاطمة وهي تبكي:

- ما احبك، ما احبك، ما احبك.

قالت كوثر:

- لا تتكلم معي

انزوت ملاك ونور في احدى الزوايا يبكيان بصوت عال، نظرت إلى زوجتي التي دمعت عيناها لتشارك الاطفال حزنهم وقالت

- في بلد الإنسان فيه رخيص، أطفالنا يبكون على حيوان يذبح، الأطفال هم الإنسانية والرأفة، هم أحسن منا أملنا فيهم كبير.

هم يستحقون ان يعيشوا، وان ينعموا بالامان اما نحن فنظل نحارب الوحوش.

* كاتب عراقي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي