نساء مسلمات / الطاهرة (زينب بنت علي) رضي الله عنهما


من أقوالها: «من أراد أن يكون الخلق شفعاءه إلى اللَّه فليحمده.. ألم تسمع قولهم: سمع اللَّه لمن حمده.. فخف اللَّه لقدرته عليك! واستحِ منه لقربه منك».
لُقبت بالطاهرة لطهارة سريرتها ونسبها، فقد وُلدت في السنة السادسة للهجرة لأبوين شريفين، فأبوها علي بن أبي طالب - رضي الله عنه-، وأمها السيدة «فاطمة الزهراء» - رضي الله عنها - بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم- وإخوتها: «الحسن» و«الحسين» و«أم كلثوم».. إنها السيدة زينب.
تزوجت «عبداللَّه بن جعفر بن أبي طالب»، وأنجبت له ستة أولاد، منهم: «علي» و«محمد» و«عون»، و«عباس»، و«أم كلثوم».
أدركت السيدة زينب جدها النبي صلى الله عليه وسلم في طفولتها فحملها بين يديه، ونعمت برؤيته المباركة.
نشأت في بيت علم ودين، وشهدت اتساع دولة الإسلام في عهد جدها عليه الصلاة والسلام، ثم في عهد «أبي بكر» و«عمر» و«عثمان» وأبيها «علي» -رضوان اللَّه عليهم أجمعين-.
عاشت السيدة «زينب» أحداث الفتن التي وقعت في صفوف المسلمين، فقد احتضنت أباها حين قُتل، ورحلت مع أخيها «الحسين» إلى الكوفة، وشهدت يوم كربلاء وكان أشد الأيام عليها حزنا وألمـا.
ففي هذا اليوم -وهو يوم العاشر من شهر المحرم سنة 61 من الهجرة- كانت مع أخيها الحسين تحت الحصار الذي فرضه عليهم «عبيد اللَّه بن زياد» والى الكوفة، وفي أثناء الليل قال لها أخوها «الحسين»: يا زينب إني رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: «إنك تروح إلينا». فاضطربت «زينب» وأدركت أن ذلك يعني أن الحسين قد حان أجله، فقالت: يا ويلتاه. فقال لها «الحسين»: ليس لكِ الويل يا أخُيَّة! اسكتي يرحمك اللَّه. فاغرورقت عيناها بالدموع وقالت: واثكلاه، ليت الموت أعدمني الحياة اليوم، ماتت «فاطمة» أُمي، و«علي» أبي، و«حسن» أخي، فنظر إليها الحسين بعطف وشفقة وقال: ياأُخية، لايذهبن حلمَكِ الشيطانُ. فقالت «زينب»: بأبي أنت وأمي يا أبا عبداللَّه، جعلت نفسي فداك، فقال: يا أُخية، اتقى اللَّه، تعزِّي بعزاء اللَّه، واعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأن أهل السماء لا يبقون، وأن كل شيء هالك إلا وجه اللَّه الذي خلق الأرض بقدرته، ويبعث الخلق فيعودون، وهو فرد واحد، أبي خير مني، وأمي خير مني، واخى خير مني، ولى ولهم ولكل مسلم برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أسوة. فعزاها بهذا وبمثله، وقال: يا أُخية، إني أقسم عليك فأبرِّي قسمي، لا تشقِّي على جيبا، ولا تخمشي على وجها، ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا أنا هلكت. وبالفعل استشهد الحسين -رضي اللَّه عنه- واستشهد معه ولداها «محمد» و«عون» وآخرون من أهل بيتها. فجعلت «زينب» تنظر إلى جثثهم، وتجمع أشلاءهم يشاركها في ذلك من بقي معها من النساء والأطفال ودموعها لا تنقطع، وقلبها يكاد ينفطر من شدة الحزن والألم.. وحين أخذوها ومن معها إلى قصر ابن زياد بالكوفة، ومرت على جثة أخيها «الحسين» هاجت أشجانها وأحزانها وأخذت تنادي: «يا محمداه.. يا محمداه، صلى عليك ملائكة السماء، هذا حسين بالعراء، مُزَمَّل بالدماء، مقطع الأعضاء، .. يا محمداه، وبناتك سبايا، وذريتك مقتَّلة». فأبكت كل عدو وصديق.
ولما وصلوا الكوفة، أدخلوا زينب وأهلها على ابن زياد والى الكوفة وقتئذٍ، فلما رآها قال لها: الحمد للَّه الذي فضحكم، كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟ فانتفضت قائلة: الحمد للَّه الذي أكرمنا بمحمد (وطهرنا تطهيرا، لا كما تقول أنت، وإنما يُفتضح الفاسق ويكذَّب الفاجر، والذين قتلتهم رجال كُتب عليهم القتال فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع اللَّه بينك وبينهم فتختصمون عنده. فغضب ابن زياد وأمر بقتل علي بن الحسين وكان صبيا صغيرا. فأسرعت عمته زينب، واحتضنته وقالت: حسبك يا بن زياد منَّا، أما يكفيك ما رُويت من دمائنا، وهل أبقيت منَّا أحدا؟ أسألك باللَّه إن كنت مؤمنا، إن قتلته اقتلني معه. فقال ابن زياد: عجبا للرحم ! واللَّه إني لأظنها ودَّت لو أني قتلتها معه، وصاح: دعوا الغلام مع نسائه.
ثم انطلقت جنود ابن زياد بالسيدة زينب ومن معها إلى دمشق مقر خلافة يزيد بن معاوية، فلما دخلوا على «يزيد» في قصره، بكت نساء آل هاشم إلا زينب، فقد قالت: صدق اللَّه يا يزيد: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون) [الروم: 10]. أظننت يا يزيد أنه حين أُخذ علينا بأطراف الأرض وأكناف السماء فأصبحنا نُساق كما تساق الأسارى، أن بنا هوانا على اللَّه وأن بك عليه كرامة؟ وتوهمت أن هذا لعظيم خطرِك،فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفيك، جذلان فرحا حين رأيت الدنيا مستوثقة لك والأمور متسقة عليك؟ إن اللَّه إن أمهلك، فهو قوله:(وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْما وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [آل عمران: 178]. واللَّه ما فريت إلا في جلدك، ولا حززت إلا في لحمك! وسترد على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم برغمك، ولتجدن عترته ولحمته من حوله في حظيرة القدس يوم يجمع اللَّه شملهم من الشعث (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران: 169]. وستعلم أنت ومن بوَّأك ومكَّنك من رقاب المؤمنين -إذا كان الحكَم ربنا، والخصم جدنا، وجوارحك شاهدة عليك- أيُّنا شر مكانا وأضعف جندا. فواللَّه ما اتقيتُ غير اللَّه، وما شكوت إلا للَّه، فكِد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك».
فكان لهذه الكلمات وقع الصاعقة على يزيد، حيث صعب عليه الأمر فتاب إلى اللَّه، وقيل إنه قال للصبي «علي بن الحسين» حين دعاه مودعا: لعن اللَّه ابن مرجانة -يقصد عبيد اللَّه بن زياد- أما واللَّه لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة أبدا إلا أعطيته إياها، ولدفعت عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي، ولكن قضى اللَّه ما رأيت. ثم قال يزيد: «يا نعمان بن بشير» جهزهم بما يصلح، وابعث معهم رجلا من أهل الشام أمينا، وابعث معهم خيلا وأعوانا فيسيرون إلى المدينة. ثم كساهم وأوصى بهم الشامي، فمازال ذلك الشامي يلطف بهم حتى دخلوا المدينة.
فقالت فاطمة لأختها «زينب»: يا أُخية لقد أحسن هذا الرجل الشامي إلينا في صحبتنا فهل لكِ أن نكافئه؟ فقالت زينب: واللَّه ما معنا شيء نكافئه به إلا حُلينا. قالت فاطمة: فنعطيه حُلينا.
فأخذت «زينب» سوارها وبعض حليها، وأخذت أختها «فاطمة» سوارها، وبعثتا بذلك إليه، واعتذرتا إليه، وقالت له: هذا جزاؤك بصحبتك إيانا بالحسن من الفعل. فقال الشامي: لو كان الذي صنعت إنما هو للدنيا كان في حُـلِـيِّـكُنَّ ما يرضيني، ولكن واللَّه ما فعلته إلا للَّه ولقرابتكم من رسول اللَّه).
أخذت «زينب» بعد ذلك تحكي لأهل المدينة ما فُعل بهم وما تعرضوا له، فخشي «يزيد» أن تؤلب عليه الناس، فأرسل إلى والي المدينة آمرا بأن يفرق «آل البيت» في الأقطار والأمصار. فجاء الوالي إلى السيدة «زينب» وطلب منها أن تخرج من المدينة فتقيم حيث تشاء.
فاختارت السيدة زينب أرض «مصر»، وسافرت إليها، فاستقبلها شعبها وأميرها «مسلمة بن مخلد الأنصاري» استقبالا عظيما، فبقيت -رضي اللَّه عنها- فيها حوالي عام.
وتوفيت سنة 65 للهجرة ودفنت في جزء من هذه الدار، التي تحولت بعد ذلك إلى مسجد تقام فيه شعائر الصلاة، وهو المسجد الزينبي المشهور بالقاهرة.
وقد روت السيدة «زينب» الكثير من الأحاديث، وروي عنها، فرضي اللَّه عنها وأرضاها.
لُقبت بالطاهرة لطهارة سريرتها ونسبها، فقد وُلدت في السنة السادسة للهجرة لأبوين شريفين، فأبوها علي بن أبي طالب - رضي الله عنه-، وأمها السيدة «فاطمة الزهراء» - رضي الله عنها - بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم- وإخوتها: «الحسن» و«الحسين» و«أم كلثوم».. إنها السيدة زينب.
تزوجت «عبداللَّه بن جعفر بن أبي طالب»، وأنجبت له ستة أولاد، منهم: «علي» و«محمد» و«عون»، و«عباس»، و«أم كلثوم».
أدركت السيدة زينب جدها النبي صلى الله عليه وسلم في طفولتها فحملها بين يديه، ونعمت برؤيته المباركة.
نشأت في بيت علم ودين، وشهدت اتساع دولة الإسلام في عهد جدها عليه الصلاة والسلام، ثم في عهد «أبي بكر» و«عمر» و«عثمان» وأبيها «علي» -رضوان اللَّه عليهم أجمعين-.
عاشت السيدة «زينب» أحداث الفتن التي وقعت في صفوف المسلمين، فقد احتضنت أباها حين قُتل، ورحلت مع أخيها «الحسين» إلى الكوفة، وشهدت يوم كربلاء وكان أشد الأيام عليها حزنا وألمـا.
ففي هذا اليوم -وهو يوم العاشر من شهر المحرم سنة 61 من الهجرة- كانت مع أخيها الحسين تحت الحصار الذي فرضه عليهم «عبيد اللَّه بن زياد» والى الكوفة، وفي أثناء الليل قال لها أخوها «الحسين»: يا زينب إني رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: «إنك تروح إلينا». فاضطربت «زينب» وأدركت أن ذلك يعني أن الحسين قد حان أجله، فقالت: يا ويلتاه. فقال لها «الحسين»: ليس لكِ الويل يا أخُيَّة! اسكتي يرحمك اللَّه. فاغرورقت عيناها بالدموع وقالت: واثكلاه، ليت الموت أعدمني الحياة اليوم، ماتت «فاطمة» أُمي، و«علي» أبي، و«حسن» أخي، فنظر إليها الحسين بعطف وشفقة وقال: ياأُخية، لايذهبن حلمَكِ الشيطانُ. فقالت «زينب»: بأبي أنت وأمي يا أبا عبداللَّه، جعلت نفسي فداك، فقال: يا أُخية، اتقى اللَّه، تعزِّي بعزاء اللَّه، واعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأن أهل السماء لا يبقون، وأن كل شيء هالك إلا وجه اللَّه الذي خلق الأرض بقدرته، ويبعث الخلق فيعودون، وهو فرد واحد، أبي خير مني، وأمي خير مني، واخى خير مني، ولى ولهم ولكل مسلم برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أسوة. فعزاها بهذا وبمثله، وقال: يا أُخية، إني أقسم عليك فأبرِّي قسمي، لا تشقِّي على جيبا، ولا تخمشي على وجها، ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا أنا هلكت. وبالفعل استشهد الحسين -رضي اللَّه عنه- واستشهد معه ولداها «محمد» و«عون» وآخرون من أهل بيتها. فجعلت «زينب» تنظر إلى جثثهم، وتجمع أشلاءهم يشاركها في ذلك من بقي معها من النساء والأطفال ودموعها لا تنقطع، وقلبها يكاد ينفطر من شدة الحزن والألم.. وحين أخذوها ومن معها إلى قصر ابن زياد بالكوفة، ومرت على جثة أخيها «الحسين» هاجت أشجانها وأحزانها وأخذت تنادي: «يا محمداه.. يا محمداه، صلى عليك ملائكة السماء، هذا حسين بالعراء، مُزَمَّل بالدماء، مقطع الأعضاء، .. يا محمداه، وبناتك سبايا، وذريتك مقتَّلة». فأبكت كل عدو وصديق.
ولما وصلوا الكوفة، أدخلوا زينب وأهلها على ابن زياد والى الكوفة وقتئذٍ، فلما رآها قال لها: الحمد للَّه الذي فضحكم، كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟ فانتفضت قائلة: الحمد للَّه الذي أكرمنا بمحمد (وطهرنا تطهيرا، لا كما تقول أنت، وإنما يُفتضح الفاسق ويكذَّب الفاجر، والذين قتلتهم رجال كُتب عليهم القتال فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع اللَّه بينك وبينهم فتختصمون عنده. فغضب ابن زياد وأمر بقتل علي بن الحسين وكان صبيا صغيرا. فأسرعت عمته زينب، واحتضنته وقالت: حسبك يا بن زياد منَّا، أما يكفيك ما رُويت من دمائنا، وهل أبقيت منَّا أحدا؟ أسألك باللَّه إن كنت مؤمنا، إن قتلته اقتلني معه. فقال ابن زياد: عجبا للرحم ! واللَّه إني لأظنها ودَّت لو أني قتلتها معه، وصاح: دعوا الغلام مع نسائه.
ثم انطلقت جنود ابن زياد بالسيدة زينب ومن معها إلى دمشق مقر خلافة يزيد بن معاوية، فلما دخلوا على «يزيد» في قصره، بكت نساء آل هاشم إلا زينب، فقد قالت: صدق اللَّه يا يزيد: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون) [الروم: 10]. أظننت يا يزيد أنه حين أُخذ علينا بأطراف الأرض وأكناف السماء فأصبحنا نُساق كما تساق الأسارى، أن بنا هوانا على اللَّه وأن بك عليه كرامة؟ وتوهمت أن هذا لعظيم خطرِك،فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفيك، جذلان فرحا حين رأيت الدنيا مستوثقة لك والأمور متسقة عليك؟ إن اللَّه إن أمهلك، فهو قوله:(وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْما وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [آل عمران: 178]. واللَّه ما فريت إلا في جلدك، ولا حززت إلا في لحمك! وسترد على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم برغمك، ولتجدن عترته ولحمته من حوله في حظيرة القدس يوم يجمع اللَّه شملهم من الشعث (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران: 169]. وستعلم أنت ومن بوَّأك ومكَّنك من رقاب المؤمنين -إذا كان الحكَم ربنا، والخصم جدنا، وجوارحك شاهدة عليك- أيُّنا شر مكانا وأضعف جندا. فواللَّه ما اتقيتُ غير اللَّه، وما شكوت إلا للَّه، فكِد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك».
فكان لهذه الكلمات وقع الصاعقة على يزيد، حيث صعب عليه الأمر فتاب إلى اللَّه، وقيل إنه قال للصبي «علي بن الحسين» حين دعاه مودعا: لعن اللَّه ابن مرجانة -يقصد عبيد اللَّه بن زياد- أما واللَّه لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة أبدا إلا أعطيته إياها، ولدفعت عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي، ولكن قضى اللَّه ما رأيت. ثم قال يزيد: «يا نعمان بن بشير» جهزهم بما يصلح، وابعث معهم رجلا من أهل الشام أمينا، وابعث معهم خيلا وأعوانا فيسيرون إلى المدينة. ثم كساهم وأوصى بهم الشامي، فمازال ذلك الشامي يلطف بهم حتى دخلوا المدينة.
فقالت فاطمة لأختها «زينب»: يا أُخية لقد أحسن هذا الرجل الشامي إلينا في صحبتنا فهل لكِ أن نكافئه؟ فقالت زينب: واللَّه ما معنا شيء نكافئه به إلا حُلينا. قالت فاطمة: فنعطيه حُلينا.
فأخذت «زينب» سوارها وبعض حليها، وأخذت أختها «فاطمة» سوارها، وبعثتا بذلك إليه، واعتذرتا إليه، وقالت له: هذا جزاؤك بصحبتك إيانا بالحسن من الفعل. فقال الشامي: لو كان الذي صنعت إنما هو للدنيا كان في حُـلِـيِّـكُنَّ ما يرضيني، ولكن واللَّه ما فعلته إلا للَّه ولقرابتكم من رسول اللَّه).
أخذت «زينب» بعد ذلك تحكي لأهل المدينة ما فُعل بهم وما تعرضوا له، فخشي «يزيد» أن تؤلب عليه الناس، فأرسل إلى والي المدينة آمرا بأن يفرق «آل البيت» في الأقطار والأمصار. فجاء الوالي إلى السيدة «زينب» وطلب منها أن تخرج من المدينة فتقيم حيث تشاء.
فاختارت السيدة زينب أرض «مصر»، وسافرت إليها، فاستقبلها شعبها وأميرها «مسلمة بن مخلد الأنصاري» استقبالا عظيما، فبقيت -رضي اللَّه عنها- فيها حوالي عام.
وتوفيت سنة 65 للهجرة ودفنت في جزء من هذه الدار، التي تحولت بعد ذلك إلى مسجد تقام فيه شعائر الصلاة، وهو المسجد الزينبي المشهور بالقاهرة.
وقد روت السيدة «زينب» الكثير من الأحاديث، وروي عنها، فرضي اللَّه عنها وأرضاها.