خواطر تقرع الأجراس / لماذا يكرهون لغتهم؟

| u0645u0635u0637u0641u0649 u0633u0644u064au0645u0627u0646 |
| مصطفى سليمان |
تصغير
تكبير
اللغة العربية الفصحى هي لغة ثانية للمتعلمين العرب. على خلاف اللغات الأخرى، والأقوام الآخرين. والسبب طغيان اللهجات العامية في الإعلام المرئي الأكثر مشاهدة وتأثيراً، ما عدا نشرات الإخبار والصحف والمجلات فمعظم البرامج المتلفَزة الأخرى، وحتى الثقافية منها تعتمد اللجات المحلية. وبهذا تتبلبل الألسنة، ويضطرب التفكير اللغوي ذو الأنساق الطبيعية في التفكير والتعبير. فاللغة نشاط عقلي منظَّم، ومنظِّم. وهي الوجه الآخر للفكر والإدراك والفهم والتذكُّر والصياغة التعبيرية الشفوية والكتابية الدقيقة باعتماد المنظومة النحوية والصرفية والمعجمية للغة.

ومن خلال خبرتي التدريسية في مجال تعليمها عبر عقود، في أربع دول عربية، فإنه يقلقني دائماً النفور المتزايد لدى المتعلمين العرب من تعلُّم لغتهم، بل أقول من كرهها! مقابل الإقبال الشغوف على تعلم اللغات الأخرى وبخاصة الإنكليزية. لماذا؟

درّست العربية في الجامعة للطلاب غير المختصين. وبداية أسجّل اعتراضاً على اسم هذا المقرر؛ فاللغة الوطنية ليست اختصاصاً. هي الهويّة والذاتيّة الحضارية والفكرية والتعبيرية للفرد.

على سبيل المثال: درّستها لطلاب الكليات العلمية والعلوم الإنسانية، فكان المقرر لا يختلف بين المختصين وغير المختصين. أبواب النحو والصرف هي هي بطريقةِ عرضها وأمثلتها التراثية التي لم تعد تناسب عصرنا، وكأن عقول المؤلفين تعجز عن الإتيان بأمثلة معاصرة يحياها الطالب المنفتح على عالم واسع من الثقافات والمعارف المعاصرة.

والأدهى أن طالباً يدرس تخصصاً في الاقتصاد والتجارة البحرية في دولة شقيقة مجاورة، أتى إليّ متأبّطاً كتاباً للغة العربية لغير المختصين. كان قلقاً ذاهلاً يائساً عازفاً عن تعلمها.

نظرت في المقرر فعذرته في قلقه ونفوره. أعطيكم بعض الأمثلة: هناك من أبواب البلاغة والبيان والفصاحة ما تشيب له ذوائب الولْدان: المجاز المرسل وأنواعه العقلي واللفظي والحقيقي بعلاقاته الكلية والجزئية والمكانية أو المحلية، وباعتبار ما كان، وما سيكون. والكنايات وأنواعها كناية الصفة والموصوف والنسبة. والاستعارات وأنواعها. والتشبيهات، وأغراض الشعر... أما علم الصرف فهذا باب يطول سرده، وفيه فنون، وجنون، وشجون كثيرة.

والمصيبة في الأمثلة المستقاة من المراجع القديمة كما هي: كثير الرماد. طويل العماد. المجد في أثوابه. طاهر الذيل. واسأل القرية التي كنا فيها. إني أراني اعصر خمراً. إني نزلت بكذّابين ضيفهم. ألقى الخطيب كلمة. شربت ماء النبع... هؤلا قوم جبان كلبهم!؟ إلى آخر المتواترات التي يحفظها المختصون منذ عهود البلاغة الأولى. كان طالبي المسكين يُصاب بدوار نحوي، صرفي، بلاغي وهو يحاول استيعاب لغة ليست من لغته رغم عربية حروفها ونطقها الفصيح!

وبعد ذلك نتساءل : لماذا يكرهون لغتهم؟ إذا لم يكن للغة توظيف في حياة متعلميها تموت على ألسنتهم، وعلى أقلامهم، وتُدفن في مقابر الذاكرة العشوائية!

أليس الأجدى بواضعي تلك المقررات أن يراعوا تخصص الطلاب فيضعوا لكل تخصص ما يناسبه من نصوص عصرية تتعلق بتخصصه، ثم يُشار إلى اللغويات والنحويات بطريقة مثيرة، وغير مباشرة، وجاذبة، بحيث تُستنبَط الظواهر بالمحاورة والمقارنة والاستدلال أوالاستنباط والاستقراء أو طريقة المشكلات المتحدية للتفكير، وبهذا يتم تلقينهم ما نريد من مهارات لغوية ونحوية وصرفية، من خلال نصوص تتعلق باختصاصهم. حتى يعرفوا كيف يوظفون لغتهم في اختصاصهم. ولنترك المجاز والكنايات والاستعارات لطلاب التخصص في اللغات والآداب. ولمن يرغب. نعم لمن يرغب. علينا ألا نفرض على أجيالنا ما نريده نحن بعقليتنا ورؤيتنا ومنهجنا وموروثاتنا المجترة التي تتبدل معالم الأرض والسماء، ولا تتبدل هي عبر القرون.

كاتب سوري
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي