في ورقة بحثية ألقتها ضمن ملتقى الشارقة للسرد

ميس العثمان: الرقيب لم يسلبني حرّيتي ... ولعلّني سلبته ارتياحه!

u0645u064au0633 u0627u0644u0639u062bu0645u0627u0646 u0641u064a u0627u0644u0645u0644u062au0642u0649
ميس العثمان في الملتقى
تصغير
تكبير
شاركت الروائية الكويتية ميس العثتمان بورقة بحثية ضمن ملتقى الشارقة للسرد في دورته الــ 11، الورقة حملت عنوان نحن السرديّين... ماذا نريد؟، قالت فيها:

أتذكّر بأنني نفضت عن كتفيّ عبء التعليم النظامي، حين تحصّلت على الشهادة الجامعية في الاتصال والإعلام من جامعة الكويت في العام 2000، ومنذها، دخلت إلى العالم السردي/ السحري عبر بوابة القصة القصيرة، إذ كانت- حينها- الحياة بمساحة محدودة تشبه في اختلاجاتها الومضة القصصية، التي تبقى تعيد تفاصيل الحدث الناشيء/ الناتئ تواً في الروح، وكل تحوّل يلامسنا، كان بالضرورة يحتاج لمساحة مناسبة من البياض على الورق ليستقبل نصاً مكتوباً، ونتخفف.

لعلّ من الضروري الإشارة إلى أن في العام 2000، حين طوّقتني هالة السرد القصصي، لم تكن الساحة الأدبية في الكويت «مُرحبة كما ظننت أو كما ينبغي» بمن يقترف الكتابة.

ففي دولة سلكت دروبا طويلة في التجريب والإنتاج الإبداعي، كنت أنتظر احتفاءً حقيقياً بأي صوت جديد يلوّح بأمل منتظر، بل كان الترحيب «مجتمعيا» بالأصوات النسائية حينها هو الأقل.

مع ذلك، وبرغم العثرات الكثيرة التي حاصرت الانطلاق القصصي، كنت قد دخلت لعالم الكتابة بإصدار أول/ عتبة بداية مع تباشير العام 2001 (عبث)، وصارعت الخشية من الحرب على العراق في العام 2003، بمجموعة قصصية ثانية (أشياؤها الصغيرة)... حتى حانت اللحظة الفائقة التورّد.

كانت قد توسعت أفكاري قليلا.

كما أن نصاً قد بدأ يطول ويتمدد رغما عني!

وانشطرت التفاصيل في حيوات أبطالي وصار مستحيلا حبسهم في قمقم» القصة القصيرة»!

ففتحت- من دون أن أقرر- عالماً مختلفاً وجديداً، وتركت شخصياتي لتنعمَ بفضاء أرحب، بحيث ساعدوني جميعهم كي أمكّنهم من ممارسة حرياتهم للتحرّك في الزمان والمكان والحكي والاختلاف والحب والخوف، واحتوتهم الأوراق التي جاوزت على حين استرسال أكثر من مئة صفحة، بحرية تامة. وهكذا،خطوت نحو «الرواية»، وحين تذوقتها حقيقة متكونة وملموسة، وجدت بأن هذا العالم «الصعب» هو الأقرب لي!

كان ذلك مع الإصدار الروائي الأول لي في العام 2004 (غرفة السماء)، وتوالت الروايات من بعدها.

14 عاما- حتى اللحظة- أمضيتها و ما أزال في الاقتراب والتعلّم وتلمس كل جديد في السرد والقراءة الكثيرة في حقول مختارة بعناية فائقة، ثم الكتابة فيما يشعرني بضرورة تناوله، لامستُ حجم التغيرات التي طرأت على المجتمع، وعلى مؤلفيه، وناشريه، بل وحتى على قرائه واختياراتهم.

ولم اكترث للتحولات العجائبية. التي تبهرني كل لحظة.

بقيت بإصراري كما بدأت، لم أكتب إلا ما يُلامس خاطري، وما يشبهني، وما أود أن أقوله.

لم تبهرني يوما الاحتفالات اللامعة باسم الأدب، ولا الاحتفاءات الصارخة على أغلفة المجلات، ولا المراقبة النديّة للأرفف الأكثر مبيعا، والأهم... لم يسلبني الرقيب حرّيتي ولعلني سلبته ارتياحه!

لم تربكني الآراء العائلية/ المجتمعية فيما أنشر من إصدارات، فمازلت أتنقّل برشاقة بين الأجناس السردية وفقاً لضرورة الحكاية/ الفكرة الكتابية.

فنحن السرديين نتحدث كثيرا عن القصص الصغيرة/ البسيطة/ العابرة التي قد لا ينتبه لها سوانا! هائمون نحن لا نأبه لنثار الحبر على أيادينا بل للحكاية المربوطة بنا، المخزونة في صدورنا، ننحتها متكاملة/ دافئة التفاصيل كأنها لحن غامر يسري جيدا في أرواحنا، وحين الاكتمال، ندسه في جيوبكم، كي لا تفقدوا شغفكم في الحياة كلما ران على قلوبكم تعب!

ولأننا لا نمل من «دورة الفتك» المتواصلة في الكتابة.

اخترت التحوّل قليلا للتجريب، وملامسة أنواعا أخرى، فكانت النصوص السردية في «صلوات الأصابع» 2010 ثم السرد الذاتي في «أفتح قوسا وأغلقه» 2013، وهي كتجارب تؤكد على إيماني بأن الإبداع قرين الحريــــة، وبأنه من حقنا ككتّاب ألا نُحشر- إعلاميا ونقديا– في قوالب محددة وكأننا– ننفذ أجندات إعلامية.

إن بتجربتي لأشكال أخرى من السرد، أعيش مناخا صحيا للعطاء والخلق، فالكاتب السردي وتحديدا في العالم العربي وليس الخليج فقط،هو في الأصل محارب وحيد،إذ أننا نحارب على أكثر من جبهة، نحارب لنحمي أبداعنا من التدخل،ومن المنع والمصادرة ومن التأويل!

ونحارب كذلك لنعزز الحرية كفكرة/ مبدأ وتوجّه وسلوك.

فالإعلام الذي يحرّك القراء نحو ما يقرؤون يجعل الكتّاب- غالبيتهم- يفكرون في عواقب اختياراتهم كأثر عليهم عبر القلق بشأن البيع والانتشار والشهرة والجوائز، مما يجعلهم وياللأسف ضمن قالب رائج- الآن- وهو «الرواية»، الأمر الذي ربما عُقد لأجله هذا الملتقى، لمزيد من الفهم والتحرّك والفعل والتغيير!

خلاصة القول: أرى بأن الإبداع الجيد حقا، مقروء بشكل جيد بل ومطلوب بشكل جيد أيضا من القارئ الجيد فعلا، أيا كان قالبه الذي يُعرّف به.

دعونا نجرّب، ولنعيد فتق السائد وحياكته من جديد، وليلحق بنا القارئ الواعي، فهذا العالم تسيّره «الآلات الإعلامية» الضخمة المتكسبة في الحروب والأمراض والسياسات الدولية، ولا نستثني الفعل الإبداعي من كل ذلك.

لنعيد النظر والتفكير والتجريب، لعلّنا بهذا الفعل المختلف نفتح شبابيك أوسع للكلمة وجرسها الرحيم.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي