بعدما «غزت» لبنان فيديوات تأنيبهم على «الطريقة الداعشية» أو تحويلهم «مادة» لدروس في «فنون الضرب»
تعنيف الأطفال... «ظاهرة» خرجت إلى الضوء مع «عتمة» العنف السياسي
«ضربوا يا عباس»... «مين بدو ادبحوا قبل»؟ «انت داعش»؟ «شو بدّك اقطع ايدك قبل او راسك؟»، عبارات «وثّقها» فيديوان تم تسريبهما في لبنان تباعاً وهزّا الرأي العام ويظهران وجهاً غير مألوف في تعنيف الصغار من أشخاص لم يتوانَ واحدهم عن تلقين طفل لبناني «دروساً» في «فنون الضرب» التي «علّمت» على جسد طفل آخر (سوري نازح) فيما لم يتورّع آخر عن «استنساخ» المشاهد «الوحشية» التي ترتسم في اكثر من ساحة عربية كأسلوب «تربية» لثلاثة أطفال تركتهم والدتهم السورية بعهدته على الطريقة «الداعشية».
وبإزاء هذين الشريطين، «استنفرت» مواقع التواصل الالكتروني واستنكرت، والقوى الامنية تحركت ورفعت القناع عن الفاعلين وحذّرت. لكن هل يقتصر الأمر على هاتين الحالتين، أم أن لبنان مليء بشبيهاتهما وان ما ظهر على العلن لم يكن إلا نقطة في بحر جهل قلوب قاسية لا تعرف عن الرحمة سوى الاسم؟
الفيديوهات التي تم تداولها تشكّ في جانب منها انعكاساً لأحداث سورية والعراق... ضرب تعذيب وتهديد بالسكاكين، لكن تعنيف الطفل لا يقتصر على ايذائه جسدياً عن طريق اصابته بجروح أو رضوض أو كسور وصولاً إلى حد القتل، سواء كان ذلك باستخدام اليد أو أي وسيلة أخرى، إذ ان التعنيف اللفظي يؤذيه أشد من التعنيف الجسدي.
وللعنف أشكال عديدة، وقد يتخذ شكل الاعتداء الجنسي والعاطفي كحرمان الطفل من الحب والحنان والرعاية والشعور بالأمن والأمان، وكذلك القسوة في المعاملة وحرمانه من حقه في التعليم واللعب، كما يُعتبر الإهمال صورة من صور العنف المتمثل بعدم إشباع الأهل احتياجات طفلهم البيولوجية من الغذاء والكساء، والنفسية كالأمان والرعاية.
واذا كان المجلس الأعلى للطفولة في لبنان هو المرجعية الرسمية المعنية بحقوق الأطفال، فيوجد إلى جانبه عدد كبير من مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية التي تهتم بقضايا الطفولة، والتي تعمل ما في وسعها لسحب كل طفل معنف من دائرة الظلم، وهي تتمتع بصلاحيات واسعة تمكنها من التحرك ضمن هذا الاطار.
رئيسة الاتحاد اللبناني لرعاية الطفل فاديا عثمان الاسعد أبدت أسفها في حديث الى «الراي» عن الفيديوات التي تم تداولها في الفترة الأخيرة، مؤكدة اصدار الاتحاد بيانا يدينها ويدين تداولها الكثيف في وسائل الاعلام، مطالبة «بإقرار قانون رادع حتى يتمكن القضاء من انزال أقصى العقوبات على كل من تخول له نفسه تعنيف طفل». كما طلبت من وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس «اتخاذ الاجراءات الرادعة على الأرض ووزير الاعلام رمزي جريج التدخل لمنع تداول صور تعنيف الأطفال، كون ذلك يؤثر على شخصيتهم في المستقبل»، وقالت: «نحن كجمعيات لرعاية الأطفال نعمل كل ما في وسعنا لحمايتهم ومنع الاعتداء عليهم، لكن للأسف حتى لو طالبنا بسحب رعاية طفل من أهله فأين سنضعه؟ إذ لا توجد أي مراكز لاستقباله وتأهيله».
لكن ما الذي يدفع انسان إلى ممارسة العنف ضد الأطفال؟ وهل العنف غريزة متأصلة فيه؟ أم أنه سلوك اجتماعي مكتسب؟
تعزو غالبية الدراسات أسباب تزايد العنف ضد الأطفال في مجتمعاتنا إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فالظروف الاقتصادية الصعبة وتزايد معدلات الفقر والبطالة، قد تكون سبباً في إيذاء الأهل لأطفالهم، كما تلعب الأسباب الاجتماعية مثل التفكك الأسري، الخلافات الزوجية، كبر حجم الأسرة وإدمان أحد الوالدين المخدرات دوراً في ذلك، وقد تكون للمفاهيم الخاطئة حول أساليب التنشئة التي تقوم على افتراض أن التنشئة الصالحة تقضي استخدام قدر من العقاب الجسدي أو اللفظي سبب للعنف ضد الأطفال بالإضافة إلى قصور التشريعات المعنية بحماية الطفولة على كافة المستويات.
ولا شك أن العنف الذي قد يُمارس من الكبار على الصغار أو بين الأطفال بعضهم البعض، يكون له تأثير سلبي على الطفل المعنّف ولا سيما اذا ارتبط التعنيف بالظلم أو إذا وقع بحضور أشقائه أو أصدقائه، ما قد يولد حالة عدوانية لديه تعكس رغبته في الانتقام.
وقد أكد الاختصاصي في علم النفس العيادي الدكتور نبيل خوري لـ «الراي» أن «الأطفال المعنَّفين غالباً ما يعانون من حالات تعنيف لفترة زمنيّة طويلة، فتنشأ لديهم مركبات نقص وشخصية تنعكس سلباً على أدائهم الاجتماعي والإنساني وحتى على صعيد علاقاتهم وتصرفاتهم، كما يمكن أن تكون لذلك تداعيات على نظامهم العصَبي بحيث تكون لديهم قابلية للانهيار والاكتئاب أكثر من غيرهم أو تعرّضهم لحالات الوسواس القهري»، وأضاف: «المعنِّف يوجِد من جهالته عن قصد أو غير قصد مشكلة للطفل قد تبدأ بالظهور بعد سنة أو سنتين وتدوم عشرات السنين، حيث يحتاج كي يشفى إلى علاج ومواكبة من الاختصاصيين. والعنف يجب أن يُعاقب بالسجن وأن يكون حكمه مثَلاً يحتذى به لكل من تخوّل له نفسه الإقدام على هكذا خطوة».
«لبنان من الدول التي صادقت على المعاهدات والاتفاقات التي تحمي حقوق الطفل، كما تتضمن التشريعات اللبنانية قوانين تمنع تعنيفهم من ولادتهم حتى بلوغ سن الثامنة عشرة»، بحسب ما أكدته رئيسة رابطة المرأة العاملة في لبنان المحامية اقبال دوغان لـ «الراي» لافتة الى أن «القاضي يستطيع التحرك من دون شكوى إذا علم بوقوع حالة تعنيف أو ايذاء، كما يحقّ لأيّ شخص أن يتقدم بإخبار عن تعنيف طفل حتى لو لم يكن من أقاربه».
وعن حكم المعنِّف، أجابت: «يختلف بحسب الحالة، وتقدير القاضي لكل جريمة على حدة». وعما اذا كان من الممكن وعلى غرار الدول الغربية سحب رعاية الأهل لطفلهم في حال تعنيفه، قالت: «الأمر ليس بهذه السهولة، ومع ذلك شهدنا قراراً لكنيسة ألغت رعاية الأهل لولدهم».
وبإزاء هذين الشريطين، «استنفرت» مواقع التواصل الالكتروني واستنكرت، والقوى الامنية تحركت ورفعت القناع عن الفاعلين وحذّرت. لكن هل يقتصر الأمر على هاتين الحالتين، أم أن لبنان مليء بشبيهاتهما وان ما ظهر على العلن لم يكن إلا نقطة في بحر جهل قلوب قاسية لا تعرف عن الرحمة سوى الاسم؟
الفيديوهات التي تم تداولها تشكّ في جانب منها انعكاساً لأحداث سورية والعراق... ضرب تعذيب وتهديد بالسكاكين، لكن تعنيف الطفل لا يقتصر على ايذائه جسدياً عن طريق اصابته بجروح أو رضوض أو كسور وصولاً إلى حد القتل، سواء كان ذلك باستخدام اليد أو أي وسيلة أخرى، إذ ان التعنيف اللفظي يؤذيه أشد من التعنيف الجسدي.
وللعنف أشكال عديدة، وقد يتخذ شكل الاعتداء الجنسي والعاطفي كحرمان الطفل من الحب والحنان والرعاية والشعور بالأمن والأمان، وكذلك القسوة في المعاملة وحرمانه من حقه في التعليم واللعب، كما يُعتبر الإهمال صورة من صور العنف المتمثل بعدم إشباع الأهل احتياجات طفلهم البيولوجية من الغذاء والكساء، والنفسية كالأمان والرعاية.
واذا كان المجلس الأعلى للطفولة في لبنان هو المرجعية الرسمية المعنية بحقوق الأطفال، فيوجد إلى جانبه عدد كبير من مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية التي تهتم بقضايا الطفولة، والتي تعمل ما في وسعها لسحب كل طفل معنف من دائرة الظلم، وهي تتمتع بصلاحيات واسعة تمكنها من التحرك ضمن هذا الاطار.
رئيسة الاتحاد اللبناني لرعاية الطفل فاديا عثمان الاسعد أبدت أسفها في حديث الى «الراي» عن الفيديوات التي تم تداولها في الفترة الأخيرة، مؤكدة اصدار الاتحاد بيانا يدينها ويدين تداولها الكثيف في وسائل الاعلام، مطالبة «بإقرار قانون رادع حتى يتمكن القضاء من انزال أقصى العقوبات على كل من تخول له نفسه تعنيف طفل». كما طلبت من وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس «اتخاذ الاجراءات الرادعة على الأرض ووزير الاعلام رمزي جريج التدخل لمنع تداول صور تعنيف الأطفال، كون ذلك يؤثر على شخصيتهم في المستقبل»، وقالت: «نحن كجمعيات لرعاية الأطفال نعمل كل ما في وسعنا لحمايتهم ومنع الاعتداء عليهم، لكن للأسف حتى لو طالبنا بسحب رعاية طفل من أهله فأين سنضعه؟ إذ لا توجد أي مراكز لاستقباله وتأهيله».
لكن ما الذي يدفع انسان إلى ممارسة العنف ضد الأطفال؟ وهل العنف غريزة متأصلة فيه؟ أم أنه سلوك اجتماعي مكتسب؟
تعزو غالبية الدراسات أسباب تزايد العنف ضد الأطفال في مجتمعاتنا إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فالظروف الاقتصادية الصعبة وتزايد معدلات الفقر والبطالة، قد تكون سبباً في إيذاء الأهل لأطفالهم، كما تلعب الأسباب الاجتماعية مثل التفكك الأسري، الخلافات الزوجية، كبر حجم الأسرة وإدمان أحد الوالدين المخدرات دوراً في ذلك، وقد تكون للمفاهيم الخاطئة حول أساليب التنشئة التي تقوم على افتراض أن التنشئة الصالحة تقضي استخدام قدر من العقاب الجسدي أو اللفظي سبب للعنف ضد الأطفال بالإضافة إلى قصور التشريعات المعنية بحماية الطفولة على كافة المستويات.
ولا شك أن العنف الذي قد يُمارس من الكبار على الصغار أو بين الأطفال بعضهم البعض، يكون له تأثير سلبي على الطفل المعنّف ولا سيما اذا ارتبط التعنيف بالظلم أو إذا وقع بحضور أشقائه أو أصدقائه، ما قد يولد حالة عدوانية لديه تعكس رغبته في الانتقام.
وقد أكد الاختصاصي في علم النفس العيادي الدكتور نبيل خوري لـ «الراي» أن «الأطفال المعنَّفين غالباً ما يعانون من حالات تعنيف لفترة زمنيّة طويلة، فتنشأ لديهم مركبات نقص وشخصية تنعكس سلباً على أدائهم الاجتماعي والإنساني وحتى على صعيد علاقاتهم وتصرفاتهم، كما يمكن أن تكون لذلك تداعيات على نظامهم العصَبي بحيث تكون لديهم قابلية للانهيار والاكتئاب أكثر من غيرهم أو تعرّضهم لحالات الوسواس القهري»، وأضاف: «المعنِّف يوجِد من جهالته عن قصد أو غير قصد مشكلة للطفل قد تبدأ بالظهور بعد سنة أو سنتين وتدوم عشرات السنين، حيث يحتاج كي يشفى إلى علاج ومواكبة من الاختصاصيين. والعنف يجب أن يُعاقب بالسجن وأن يكون حكمه مثَلاً يحتذى به لكل من تخوّل له نفسه الإقدام على هكذا خطوة».
«لبنان من الدول التي صادقت على المعاهدات والاتفاقات التي تحمي حقوق الطفل، كما تتضمن التشريعات اللبنانية قوانين تمنع تعنيفهم من ولادتهم حتى بلوغ سن الثامنة عشرة»، بحسب ما أكدته رئيسة رابطة المرأة العاملة في لبنان المحامية اقبال دوغان لـ «الراي» لافتة الى أن «القاضي يستطيع التحرك من دون شكوى إذا علم بوقوع حالة تعنيف أو ايذاء، كما يحقّ لأيّ شخص أن يتقدم بإخبار عن تعنيف طفل حتى لو لم يكن من أقاربه».
وعن حكم المعنِّف، أجابت: «يختلف بحسب الحالة، وتقدير القاضي لكل جريمة على حدة». وعما اذا كان من الممكن وعلى غرار الدول الغربية سحب رعاية الأهل لطفلهم في حال تعنيفه، قالت: «الأمر ليس بهذه السهولة، ومع ذلك شهدنا قراراً لكنيسة ألغت رعاية الأهل لولدهم».