إقبال كبير جعل من الاستفتاء معركة طاحنة ستترك أثرها السياسي مهما كانت النتيجة

فجر اسكوتلندي ... مختلف ؟

تصغير
تكبير
من المنتظر أن تعلن فجر اليوم نتائج الاستفتاء على استقلال إقليم اسكوتلندا عن بريطانيا، بعد أن أغلقت صناديق الاقتراع منتصف ليل الخميس - الجمعة حسب توقيت الكويت، (العاشرة ليل الخميس بتوقيت لندن)، حيث شهدت عملية التصويت إقبالاً غير متوقع من جانب الاسكوتلنديين، لدرجة أن طوابير المقترعين اصطفت خارج مراكز الاقتراع قبل وقت طويل من فتح أبوابها وبدء التصويت في الساعة السابعة صباح أمس، مما يكشف عن مدى الحماس الشعبي الاسكوتلندي في هذه المعركة الطاحنة التي ستحدد مصيرهم مرة وإلى الأبد.

ورغم الشكاوى التي تقدم بها المعارضون لانفصال الإقليم عن بريطانيا إلى اللجنة المشرفة على تنظيم الاستفتاء من لجوء المؤيدين للانفصال إلى تهديد المقترعين وإرغامهم على التصويت بنعم، إلا أن عملية الاقتراع جرت إجمالاً بهدوء وفي شكل منظم. مع ذلك اتخذت الشرطة في كل أنحاء اسكوتلندا احتياطات شديدة من أجل منع أي أحداث شغب من شأنها أن تؤثر على سير عملية الاقتراع، فيما اتُخذت احتياطات أمنية في محيط مقرات وسائل الإعلام المختلفة، خاصة مقرات ومكاتب هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية (بي بي سي) خشية تعرّضها لأي اعتداء عقب تلقيها وتلقي العاملين فيها تهديدات من مجهولين بسبب التغطية الإعلامية للاستفتاء، فيما تراجعت وسائل الإعلام التابعة لإمبراطورية روبرت ميردوخ في اللحظة الأخيرة ولم تعلن عن تأييدها التام لانفصال الإقليم، مثلما كان متوقعاً، رغم الصداقة القوية بين ميردوخ والوزير الاسكوتلندي الأول وزعيم الحزب القومي الاسكوتلندي أليكس سالموند.


وشعر المعارضون للانفصال في اللحظة الأخيرة بأن الأجواء في اسكوتلندا انقلبت لصالح الانفصاليين، وازداد ضغط الشارع الاسكوتلندي المؤيد للانفصال لدرجة جعلت أعداداً من الرافضين يغيرون مواقفهم في آخر لحظة، مثلما فعل بطل كرة المضرب العالمي آندي موري، الذي فاجأ المجتمع البريطاني، بتغيير موقفه بدعوته الاسكوتلنديين في تغريدة على «تويتر» الى تأييد الانفصال، وقال: «هذا يوم عظيم لاسكوتلندا. إن سلبية حملة رفض الانفصال في الأيام الأخيرة غيّرتْ رأيي فيها كلياً. إنني متحمسٌ لرؤية النتيجة. هيا بنا لنفعلها».

مع ذلك، أصّرت حملة رفض الانفصال على أنها الأقوى وأن غالبية الشعب الاسكوتلندي ترفض الانفصال، مدعومة بسلسلة من استطلاعات الرأي التي تحدثت عن تقدم الرافضين للانفصال على المؤيدين، ولو بنسبة بسيطة.

إجمالاً يعترف السياسيون البريطانيون من مختلف التوجهات السياسية أنه مهما تكن نتيجة الاستفتاء، فإن طبيعة الحياة السياسية في بريطانيا تغيرت مرة وإلى الأبد نتيجة للحملة لتحديد مستقبل اسكوتلندا.

ويرى المراقبون السياسيون أن هذه الحملة نفخت روحاً جديدة في الحياة السياسية في بريطانيا عامة، بعد أن بلغت مرحلة الملل وعزوف الناس عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع مداها. فالحملة دفعت الأجيال الجديدة من الجانبين الاسكوتلندي والإنكليزي على حدٍ سواء إلى الاهتمام بالسياسة على نحو غير مشهود من قبل.

ففي الشهر الأخير وحده، سجل نحو 118 ألف فتى أو شاب اسكوتلندي أسماءهم في سجل المقترعين، بعد الإعلان عن منح حق التصويت في الاستفتاء من سن 16 عاماً فما فوق (بينما حق التصويت في الانتخابات النيابية يُـمنح من سن 18 عاماً فما فوق). فيما قابله في الناحية الإنكليزية انخراط أعدادٍ كبيرة من الشباب الإنكليزي في الجدل الذي دار خلال الحملة حول استقلال اسكوتلندا، الأمر الذي لم تشهد بريطانيا مثله من قبل. ما يعني أن الاستفتاء على مستقبل اسكوتلندا كان في الواقع ناقوس خطر دعا للانتباه إلى مستقبل بريطانيا ككل، وسيكون لهذا الاهتمام الشعبي في الشؤون السياسية بالغ الأثر على شكل الحياة السياسية في المستقبل وربما على طريقة عمل الأحزاب السياسية وبرامجها الانتخابية، وعلى الانتخابات النيابية نفسها وتركيبة البرلمان.

فقادة الأحزاب الرئيسية الثلاثة، المحافظين والعمال والليبراليين الديموقراطيين، أدركوا حقيقة التغيير الحاصل في الشارع البريطاني وسارعوا إلى تقديم تنازلات جديدة للاسكوتلنديين بزيادة حجم السلطة الممنوحة للبرلمان والحكومة في ادنبرة، لكنهم وإن كانوا فعلوا ذلك لإغراء الاسكوتلنديين للبقاء ضمن المملكة المتحدة، فهم في الواقع أقدموا على هذه الخطوة لعلمهم التام أن الحياة السياسية في بريطانيا لا يمكنها أن تستمر على النهج القديم نفسه. كذلك فإن منح سلطة أوسع للبرلمان والحكومة المحليين في اسكوتلندا يعني أن الحكومة المركزية في لندن ستكون مضطرة لمنح المزيد من السلطة والصلاحيات للبرلمانين المحليين والحكومتين المحليتين في إقليمي ايرلندا الشمالية وويلز، الأمر الذي من شأنه أن يخلق مشاكل عديدة في هذين الإقليمين ويُشجع الانفصاليين لرفع أصواتهم أكثر فأكثر.

يُشار إلى أن منح حق التصويت في الاستفتاء الاسكوتلندي للشباب من سن 16 عاماً فما فوق يُحتم مستقبلاً منح هذا الحق للمصوتين في جميع أنحاء بريطانيا، ما سيترتب عليه نتائج سياسية خطيرة. كما أن حصول اسكوتلندا على استقلالها إذا تم فسيقضي ربما لسنين طويلة على احتمال وصول حزب العمال البريطاني إلى السلطة مرة أخرى، إذ ان هذا الحزب يحصل عادة على غالبية المقاعد النيابية المخصصة لاسكوتلندا في مجلس العموم البريطاني والبالغ 58 مقعداً.

ففي الانتخابات الأخيرة العام 2010 حاز العمال هناك على 44 مقعداً فيما كان مجموع المقاعد التي حصل عليها في المجلس 258 مقعداً، أي أنه في حال نالت اسكوتلندا استقلالها سيخسر حزب العمال جميع مقاعده الاسكوتلندية وينتهي به الأمر بمقاعد أقل بكثير من حزب المحافظين الذي نال في الانتخابات الأخيرة 306 مقاعد لم يكن من ضمنها سوى مقعدٍ واحدٍ من اسكوتلندا.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي