ما أن يأتي حديث عام أو خاص عن الهند الا ويتبادر الى الذهن أن هذا البلد العريق ذا الحضارات المتعددة والمتتالية والتي أثرت التاريخ بتنوعها الثقافي والعلمي والعمراني، حتى كانت الهند إحدى الدول السبعة التي حازت على تصنيف أممي من الأمم المتحدة وضعها في مصاف الدول ذات التاريخ المتمدن بعجائبها المعمارية «تاج محل» والذي أنشئ في القرن السادس للميلاد علي يد الحاكم التاريخي شاه جهان تخليدا لذكرى وفاة زوجته «ممتاز» والتي عانت من ويلاته ابان حياتها واستشعر بخطئه الفادح تجاهها بعد وفاتها، فقرر انشاء نصب تذكاري لها سمي «تاج محل» استمر العمل به مدة 22 عاما من عام 631 للميلاد ولم ينته من تشييده إلا في العام 653 للميلاد لترى تلك التحفة الفنية والمعمارية النور ولتبهر الابصار ولتسلب الالباب لروعتها واعجازها انذاك والتي بقيت حديث الالسن، واستطاعت ان تخترق جدار التصنيفات الاممية لأهم عجائب الدنيا السبعة لتحجز لها مكانا ضمن السبعة الكبار. بيد ان المنصف لا يستطيع ان يقف عند هذه التحفة الفنية بالهند ويقول انها الوحيدة فالهند بلد العجائب التاريخية وإن أهملت قصدا أو دون قصد وتكفي زيارة واحدة الى مدينة التاريخ «أرانغ أباد» لتعرف تاريخ هذا البلد المعماري والفني الذي سبق العالم أجمع بتحفه المعمارية والتي أضحت اليوم شاهدا على جمال العمارة الهندية من سحيق الزمان.واذا تحدثنا عن مدينة «أرانغ أباد» يقفز الى الأذهان فورا ذلك المعلم التاريخي الشهير «بي بي كا مقبرة» وهو تحفة فنية معمارية بناها حفيد شاه جهان ويسمى «أورنجيب سون» أو «عزام شاه» عام 661 للميلاد وهي عبارة عن مبنى تاريخي مشابه الى «تاج محل» ويسمى «نسخة تاج محل» وعلى عكس الجد فإن الحفيد عزام شاه قد بناه تكريما لذكرى والدته الاميرة «ربيعه دوراني» واستغرق بناؤه عشر سنوات منذ عام 651 للميلاد وحتى العام 661 واوجد تحفة فنية اخرى في الهند لتنضم للتحف المعمارية التاريخية ولتتحدث عن حقبة تاريخية مرت على الهند.وهذا الانجاز المعماري التاريخي الذي تحتضنه مدينة «أرانغ أباد» الهندية جعلنا اكثر شغفا لشد الرحال الى تلك المدينة الهندية للوقوف بمشاهدات حية على هذا الصرح الذي قلما سمعنا به رغم كونه عجيبة اخرى معمارية كان لا بد من ان تنضم لتلك العجائب الاممية لا سيما انه قد تم خلال القرن السابع عشر ووسط ظروف وامكانات تعجيزية.وكانت البداية عندما استقللنا طائرة خطوط «جت» الهندية الخاصة متجهين الى مدينة «أرانغ أباد» وكان لابد حين الذهاب الى تلك المدينة ان تتجه الى مطار مدينة بومباي بالهند والتي تبعد عنها مسافة 45 دقيقة او تتجه الى مطار مدينة نيودلهي والتي تبعد عنها مسافة ساعتين بالطائرة وذلك لعدم وجود مطار دولي في تلك المدينة، ولأن المطار الموجود فيها لاستقبال الرحلات الداخلية فقط لذلك كان الاختيار الاول بالتوجه الى مطار مدينة بومباي لقربه من مدينة «أرانغ أباد» ولكونها كانت فرصتنا لمشاهدة مطار بومباي الجديد بحلته الجديدة.وفي الموعد المحدد انطلقت الطائرة وحطت بنا في مطار بومباي الجديد والذي بحق نستطيع ان نطلق عليه تحفة فنية ومعمارية تجمع بين أصالة التاريخ وجمال الحاضر، ناهيك عن أنه يستطيع بمساحته ومدارجه المميزة استقبال العشرات من الطائرات المقبلة والمغادرة في الوقت نفسه على امتداد ما يزيد على الكيلومتر من المساحات الخضراء.وفي المطار كان في استقبالنا المسؤول عن جدول رحلاتنا ومندوب منظم الرحلة ممثلا عن وزارة السياحة والسفارة الهندية بالكويت السيد توماس كدليل سياحي، حيث تم نقل الوفد الصحافي بمركبة خاصة الى احد الفنادق وهو فندق «تاج لاند» في مدينة بومباي قبل الاعداد لرحلة الطيران الداخلية بين بومباي وأرانغ أباد والتي ستكون بعد 5 ساعات لتبدأ مرحلة كرم الضيافة في فندق تاج من حيث حسن الاستقبال وتوفير وسائل الراحة للوفد الصحافي لحين انطلاق الرحلة.وفي الموعد المحدد انطلقلت الطائرة من مدينة بومباي الى مدينة أرانغ أباد التاريخية حيث حطت بنا الطائره في مطار تم بناؤه حديثا على أحدث طراز رغم كونه من المطارات الداخلية وليس الدولية، وهناك كان في استقبالنا ممثل اخر للدولة الهندية قام بنقلنا الى احد الفنادق الراقية للاستراحة لمدة ساعة، ليتحرك الوفد الاعلامي بعدها بدافع الشغف للتحرك والتعرف على هذه المدينة التاريخية.ومدينة «أرانغ أباد» وبحسب المرشد السياحي الذي رافق الوفد الاعلامي في زيارته هي مدينة تاريخية عدد سكانها مليون و700 الف نسمة وسكانها خليط يتكون من 50 في المئة من الهندوس و30 في المئة من المسلمين و20 في المئة متنوعين بين مسيحيين بروتستانت وكاثوليك وكذلك بوذيين وقوميات اخرى، وهي لها اربعة اسماء الاول هو مدينة البوابات وذلك لكثرة عدد البوابات التاريخية التي تحويها حيث يوجد بها ما يقارب من 52 بوابة ضخمة عدا ما تم تدميره والاسم الثاني «راج ترك»، وتعني مدينة الصخور لتنوعها بالصخور الثمينة التي يصنع منها العقيق والمرجان وكذلك الذهب، والاسم الثالث «خركي» والاسم الرابع هو «فتين أختر» وتشتهر كذلك مدينة أرانغ أباد بوجود العمارة والتي تلاحظ انها تحوي الشكل والروح الاسلامية نظرا لانها تحوي ما يقارب من 18 مئذنة تاريخية قديمة ووجود مخطوطات باللغة العربية.وبسؤال المرشد السياحي عن التحفة المعمارية «بي بي كا مقبرة» والتي شيدها عزام شاه تخليدا لذكرى والدته تم نقلنا الى ذلك المبنى والذي نستطيع ان نطلق عليه مجازا «الرائع» والذي استغرق بناؤه عشر سنوات خلال القرن السابع عشر حيث شاهدنا أسوارا عالية على مسافة كيلومتر كأسوار تحيط بمبنى ابيض جميل تزينه أربع مآذن اسلامية ترتفع الى عنان السماء وبداخل هذا المبنى ضريح لوالدته «ربيعه دوراني» او كما كان يطلق عليها «ديل راج بانو» وحيث عمدت الحكومة الهندية الى اغلاق الضريح من الاسفل وفتح بوابة علوية لمواجهة توافد الآلاف من الزوار من مختلف انحاء العالم لمشاهدته حرصا منهم على عدم تسبب الزحام في هذا المعلم التاريخي الجميل.ووصل حد الوفاء من الابن تجاه والدته انذاك الى بناء مسجد بجانب ضريح السيدة دوراني وداخل المساحة المخصصة للصلاة فيه تكريما لروح والدته، وقام كذلك بإنشاء مبنى قريب وذلك لاجتماعات الحكومة، بينما تم عمل حدائق داخل ذلك المبني الكبير المتعاظم البنيان، وامام تلك التحفة الفنية الرائعة التي تجولنا فيها لساعات وجدنا فيها صورا انسانية للحب والوفاء والبر بالوالدين، لم نملك أمامها سوى الانحناء لذلك القائد الملهم، كما لم نجد بدا من ان نغادر بهدوء مثلما دخلنا احتراما وقدسية لحرم الميت وذلك بعد أن شاهدنا بأم أعيننا ما لم تستطع الألسن أن تصوره لنا او ان تعطيه حقه.بعد ذلك اتجهنا ومرشدنا السياحي الى موقع اثري اخر في مدينة «أرانغ اباد» التاريخية وهو مبنى وضريح الزعيم «بابا شاه مسافر»، وهو لشخصية هاجر أبواه من بخارى الى الهند، وكان شخصا محبوبا جدا حيث قام في العام 744 ببناء مشروع «ووتر ميل» وهو عبارة عن بناء نفق قام بتظليله بمياه باردة تشق طريقها من الجبل لتسير بالمجرى وتقوم بتبريد النفق الذي كان يحتمي به الفقراء من الحر، وقام بعمل مطحنة لطحن الشعير من أجل توزيعه على الفقراء للخبز وسقيهم الماء البارد في مشروع استوحاه (بابا شاه مسافر) من الرحمة للفقراء لما يعانونه من ويلات الجوع والفقر وكان ذلك كله في سبيل الاجر من ربه والثواب.وعاش الفقراء سنوات في بحبوحة وانحسر العوز والحاجة والفقر واصبح الفقراء يقدسون هذا الزعيم حتى اليوم، لدرجة أنه حين توفي تم دفنه في ذلك المبنى، الذي يعد اليوم مزارا للفقراء وكل الذين يشعرون بمعروف تجاهه رغم تعاقب الاجيال انطلاقا من حب الجميع لفعل الخير.ومن لم يزر ضريح «دولة أباد» في مدينة «أرنغ أباد» فهو لم يزر هذه المدينة على حد تعبير مرشدنا السياحي وعند سؤاله عند الزعيم «دولة أباد» قال هو الزعيم المغولي الذي قام في القرن الرابع عشر بنقل عاصمة الهند من دلهي الى «أرانغ أباد» وذلك عندما اجتاح المغول الهند في القرن الرابع عشر على يد الزعيم المغولي محمد بن تقلق، ولقد كان المنظر بحق مهيبا في ذلك المعلم التاريخي الذي كان يتحدث لمريديه عن حقبة زمنية أكل عليها الدهر وشرب وباتت في طي النسيان الا انها لاتزال حاضرة في وجدان الكثيرين من المهتمين بالتاريخ لتروي بكل تفاصيلها وتروي ظمأ هواة التاريخ.بعدها اصطحبنا المرشد السياحي الى موقع «ايلورا كهف» وهو من الكهوف النادرة حيث يوجد كهوف نحتت في عهد الزعيم الهندي كريشنا في القرن السابع من الميلاد وذلك معبد ومزار لادارة شؤون الدوله منه وكذلك بهدف الاطمئنان وفي هذه المنطقة يتم استخراج الصخور الثمينه منها، واشار مرشدنا الى ان العديد من التجار بالعراق وإيران يقومون بزيارة بلدنا للحصول على هذه الصخور لعمل الخواتم والمسابيح من العقيق وغيره من الاحجار الكريمة.بعدها جلنا على بعض المصانع التي تشتهر بها «أرانغ أباد» مثل مصانع الملبوسات لا سيما اللباس النسائي الهندي التقليدي «ساري» والجلود والهدايا التذكارية وادوات الزينة وادوات الاستعمال ويطلق عليها «قولتا باد» حيث استمرت الجولة لساعات تخللها عمليات شراء من الوفد الاعلامي للهدايا التذكارية وبأسعار تنافسية لا سيما ان مبيعاتهم تضاهي دولا اخرى بالصناعة وتنافسها بالسعر.بعد هذه الجولة المكوكية والتي استمرت يومين في «أرانغ أباد» أو مدينة التاريخ كما يحب البعض ان يسميها كان لا بد من الوداع لهذه المدينة واهلها الودودين على امل اللقاء بهم وتوجهنا الى مدينة نيودلهي تمهيدا للوصول الى كشمير وهي محطة مهمة في زيارتنا الاعلامية التالية.?