خواطر تقرع الأجراس
أدونيس... عن الدين والثقافة والثورة
مصطفى سليمان
أدونيس شاعر وباحث ومفكر مثير للاختلاف... والإعجاب! والاختلاف لا يستدعي الرفض. فالمختلف معك يحرّضك على التفكير، ويحفّزك على المجادلة، ويثري عقلك بالثقافة المضادة التي عبْرها تتبلور الأفكار، وتتعدّد الرؤى. هذه هي طبيعة المثاقفة، لا المناكفة. لكن المخالف شيء آخر.
من آرائه «لا ثورة في ظل الدين». هكذا بالتعميم المطلق. لابد من التفريق بين الدين والتديُّن والمتدينين. فالدين، الإلهي أو الأرضي في كل الحضارات، كان ثورياً. فالإخناتونية الفرعونية ثورة توحيدية فريدة في عصر تأليه الإنسان الحاكم. واليهودية الموسوية في مصر ثورة توحيدية أيضاً. وعندما يرقى الدين بالإنسان عقلياً فهو ثورة عقلية تنقذ العقل من الوثنية والصنمية، فكيف إذا دعا إلى القيم السلوكية: لا تقتل. لا تسرق. لا تزنِ. لا تتخذ لك صنماً تعبده. لا تشتهِ حليلة جارك... كما في الوصايا العشر؟ قال تشارلز داروِن: أتمنى أن يكون تديُّن مصر دعماً لتقدُّمها، لا سبباً في تخلُّفها. فالتديُّن هو عقيدة وسلوك المتديِّن. وعندما يسلك سلوكاً شاذاً ويُسوِّغه بحسب رغباته وأهوائه وشهواته... فهذا سبَّة عليه، وليس على الدين. كذلك كانت الكونفوشيوسية والبوذية، وغيرهما من أديان قديمة، ثورةً إنسانية.
إبراهيم كان ثورة على الاستبداد المطلق المتمتّل في المتألِّه: النمروذ، وما أكثر المستبدين المتأليهن في عصرنا! والمسيحية كانت ثورة على مُشوِّهي نقاء اليهودية. والإسلام، في أصوله، ثورة على مختلف مظاهر الحياة العقلية والعقائدية والسلوكية.
وما نشاهده اليوم من حركات طالبانية، وداعشية، وقاعدية، وتكفيرية، وبوكو حرامية... فهي ليست من مفهوم أي دين. المتديّنون المتعصبون المتطرفون هم خارج التاريخ، والعقل، والعصر، والدين. جورج بوش ادّعى أن وحياً إلهيّاً أمره بتدمير بابل! أليس بوش هنا أميراً داعشياً في (ولاية) العقل والعلم والتكنولوجيا؟
ألم يكن الدين حافزاً ثورياُ ضد طغيان شاه إيران، وضد الاحتلال البريطاني، ثم السوفياتي، ثم الأميركي لأفغانستان؟ ألم يكن حافزاً ثورياً للمماليك ضد الغزو المغولي؟ وحافزاً ثورياً لصلاح الدين ضد الغزو الصليبي؟ ألم يكن الأزهر والكنيسة القبطية في مصر ثورة الهلال والصليب ضد الاحتلال البريطاني (المسيحي)؟ نحن الذين نجعل الدين ثورة أو تطرّفاً مهووساً مضادّاً لأيَّ ثورة.
نعود إلى أدونيس. فمن تعميماته الأخرى اللامنطقية: «تاريخنا عبر 15 قرناً لم يعرف سوى الدم»؟!
أنسيَ حروب المئة عام في أوروبا؛ حروب داحس والغبراء الأوروبية؟ وماذا عن الغزوات الصليبية؟ وحملات الدم لنابليون؟ أو الحربين العالميتين الأولى والثانية؟ أكان العرب من موقدي نارهما، أم كانوا هم الضحايا؟
نعم جرت أنهار من الدماء بأيدي العرب والمسلمين من أجل السلطة وشهوة العروش. لكن جرت أنهار أخرى بأيدي الغزاة الطامعين. ثم ألم يكن في تاريخنا علوم وطب وهندسة ورياضيات وفلك وفلسفة...؟ غريب!
ويرى أدونيس أن قلب السلطة لا يعني ثورة. وهذا منطقي. ويرى أن التغيير لا يحدث إلا عندما يصبح الشعب بكل مكوناته العرقية والدينية والمذهبية مثقفاً! وعندما يكون الحاكم مثقفاً.
هل كانت كل الشعوب مثقفةً حين فجّرت ثوراتها التاريخية؟ الثوري الطليعي القائد المثقف المتنوِّر هو الذي يفجر طاقات الشعوب المقهورة ويقودها إلى الثورة، ولو كانت أُميّة. وهذا ليس انتقاصاً من دور الجماهير، تلك الطاقة الذرية الكامنة التي تنتظر من يفجّرها.
إذاً، أدونيس ينتظر الشعب «الإنتلجنسيا». فياعرب! ناموا قروناً لتتثقّفوا وتصبح الأميّة فيكم صفراً، وابقوا خانعين تحت خط الفقر والقهر! وانتظروا الملك الفيلسوف، أو الفيلسوف الملك. عندها فقط ستحدث الثورة و التغيير!
* كاتب سوري
من آرائه «لا ثورة في ظل الدين». هكذا بالتعميم المطلق. لابد من التفريق بين الدين والتديُّن والمتدينين. فالدين، الإلهي أو الأرضي في كل الحضارات، كان ثورياً. فالإخناتونية الفرعونية ثورة توحيدية فريدة في عصر تأليه الإنسان الحاكم. واليهودية الموسوية في مصر ثورة توحيدية أيضاً. وعندما يرقى الدين بالإنسان عقلياً فهو ثورة عقلية تنقذ العقل من الوثنية والصنمية، فكيف إذا دعا إلى القيم السلوكية: لا تقتل. لا تسرق. لا تزنِ. لا تتخذ لك صنماً تعبده. لا تشتهِ حليلة جارك... كما في الوصايا العشر؟ قال تشارلز داروِن: أتمنى أن يكون تديُّن مصر دعماً لتقدُّمها، لا سبباً في تخلُّفها. فالتديُّن هو عقيدة وسلوك المتديِّن. وعندما يسلك سلوكاً شاذاً ويُسوِّغه بحسب رغباته وأهوائه وشهواته... فهذا سبَّة عليه، وليس على الدين. كذلك كانت الكونفوشيوسية والبوذية، وغيرهما من أديان قديمة، ثورةً إنسانية.
إبراهيم كان ثورة على الاستبداد المطلق المتمتّل في المتألِّه: النمروذ، وما أكثر المستبدين المتأليهن في عصرنا! والمسيحية كانت ثورة على مُشوِّهي نقاء اليهودية. والإسلام، في أصوله، ثورة على مختلف مظاهر الحياة العقلية والعقائدية والسلوكية.
وما نشاهده اليوم من حركات طالبانية، وداعشية، وقاعدية، وتكفيرية، وبوكو حرامية... فهي ليست من مفهوم أي دين. المتديّنون المتعصبون المتطرفون هم خارج التاريخ، والعقل، والعصر، والدين. جورج بوش ادّعى أن وحياً إلهيّاً أمره بتدمير بابل! أليس بوش هنا أميراً داعشياً في (ولاية) العقل والعلم والتكنولوجيا؟
ألم يكن الدين حافزاً ثورياُ ضد طغيان شاه إيران، وضد الاحتلال البريطاني، ثم السوفياتي، ثم الأميركي لأفغانستان؟ ألم يكن حافزاً ثورياً للمماليك ضد الغزو المغولي؟ وحافزاً ثورياً لصلاح الدين ضد الغزو الصليبي؟ ألم يكن الأزهر والكنيسة القبطية في مصر ثورة الهلال والصليب ضد الاحتلال البريطاني (المسيحي)؟ نحن الذين نجعل الدين ثورة أو تطرّفاً مهووساً مضادّاً لأيَّ ثورة.
نعود إلى أدونيس. فمن تعميماته الأخرى اللامنطقية: «تاريخنا عبر 15 قرناً لم يعرف سوى الدم»؟!
أنسيَ حروب المئة عام في أوروبا؛ حروب داحس والغبراء الأوروبية؟ وماذا عن الغزوات الصليبية؟ وحملات الدم لنابليون؟ أو الحربين العالميتين الأولى والثانية؟ أكان العرب من موقدي نارهما، أم كانوا هم الضحايا؟
نعم جرت أنهار من الدماء بأيدي العرب والمسلمين من أجل السلطة وشهوة العروش. لكن جرت أنهار أخرى بأيدي الغزاة الطامعين. ثم ألم يكن في تاريخنا علوم وطب وهندسة ورياضيات وفلك وفلسفة...؟ غريب!
ويرى أدونيس أن قلب السلطة لا يعني ثورة. وهذا منطقي. ويرى أن التغيير لا يحدث إلا عندما يصبح الشعب بكل مكوناته العرقية والدينية والمذهبية مثقفاً! وعندما يكون الحاكم مثقفاً.
هل كانت كل الشعوب مثقفةً حين فجّرت ثوراتها التاريخية؟ الثوري الطليعي القائد المثقف المتنوِّر هو الذي يفجر طاقات الشعوب المقهورة ويقودها إلى الثورة، ولو كانت أُميّة. وهذا ليس انتقاصاً من دور الجماهير، تلك الطاقة الذرية الكامنة التي تنتظر من يفجّرها.
إذاً، أدونيس ينتظر الشعب «الإنتلجنسيا». فياعرب! ناموا قروناً لتتثقّفوا وتصبح الأميّة فيكم صفراً، وابقوا خانعين تحت خط الفقر والقهر! وانتظروا الملك الفيلسوف، أو الفيلسوف الملك. عندها فقط ستحدث الثورة و التغيير!
* كاتب سوري