في رحم واحد عاشا معاً 9 شهور، وحين ولدا كان متشابهين في الشكل والصفات، أو مختلفين ذكر وأنثى أو ذكرين أو أنثيين، كما أن العدد قد يزيد من اثنين إلى ثلاثة أو ربما أكثر... هذه ملامح التوأم باختصار، لكن حين الغوص في التفاصيل تتكشف مفارقات «شيّقة» تعتري حياة التوائم، التي لا تقتصر على تَشابُه الشكل الذي قد ينعدم في بعض الأحيان، بل تشمل العديد من الأمور بدءاً من المشاعر، وروابط أخرى قد لا تنتهي.قصص كثيرة عن هذا العالم الغامض تدفع الكثيرين إلى طرح الأسئلة عن شخصين أو أكثر أمضيا 9 شهور معاً قبل أن يبصرا النور، وإذا كانا يتشاركان الجينات عينها، فهل حقاً هما «روح واحدة في جسدين» ولديهما الأحاسيس ذاتها، وهل شخصيتهما واحدة أم أن لكل فرد شخصيته الخاصة؟قد يكون الجواب الشافي عند الحاجة فاطمة التي عانت لسنوات حتى كبر توأمها المتطابق هيام وسهام، وهي تقول لـ «الراي»: «كانتا كشخص واحد تنامان وتنهضان معاً، كذلك الأمر بالنسبة إلى الرضاعة ثم الطعام، تجوعان وتشبعان في اللحظة ذاتها، أما الوجبة التي لا تعجب سهام فلا يمكن أن تأكلها هيام».وعما إذا كانت عانت صعوبة في التمييز بينهما في ظل التشابه الكبير، أجابت بشكل قاطع «أبداً، على عكس والدهما واخوتهما الذين كانوا يعانون دائماً من هذا الأمر».الشبَه الكبير بين هيام وسهام ساعدهما في ممارسة «هوايتهما» المفضلة، ألا وهي تضليل الجميع بمن فيهم أقرب المقربين الذين توصلوا بعد فترة من الزمن إلى اكتشاف علامة صغيرة في وجه هيام وهي «شامة» اعتمدوا عليها لفكّ «اللغز» الكبير.عانت الحاجة فاطمة حتى كبرت طفلتاها، لكن تعلُّق الفتاتين ببعضهما البعض أنساها التعب وليالي السهر التي قضتها وهي تهتمّ بهما، ولا سيما أنهما كانتا تمرضان معاً، فتبكيان في اللحظة ذاتها، الأمر الذي أربكها كثيراً في حينه، إذ كان عليها أن تعمل على إسكات واحدة قبل الأخرى، وهو ما كان يشعرها بذنب التمييز بينهما.«تشابهنا لا يقتصر على الشكل فقط، فنحن روح واحدة في جسدين، حركاتنا وطريقة... كلامنا ونبرة صوتنا وأسلوبنا في التعامل مع الأصدقاء كلها واحدة، نحن متماثلتان في أدق التفاصيل الصغيرة»... بهذه العبارات تقاطع سهام والدتها التي عادت بذاكرتها إلى زمن مضى، زمن أملت لو يعود بعدما تراكمت الهموم، فشعرت للحظات بأن سنوات المعاناة التي واجهتها لم تكن سوى «حلم» جميل تمنّت لو لم تستيقظ منه أبداً.سهام التي شاركت هيام طفولتها ومراهقتها ثم شبابها إلى أن فرقتهما المسافات بسفر الأخيرة إلى دبي، جلستا على المقاعد الدراسية ذاتها وأكملتا الاختصاص نفسه وهو «التمريض» وعملتا في المستشفى ذاتها، ولكبر الشبه بينهما كانتا تقبضان رواتبهما عن بعضهما البعض، فجميع العاملين معهما لم يستطيعوا التمييز بينهما.«كلما نظرت إحدانا إلى الأخرى شعر كأنها ترى انعكاس صورتها في المرآة، كما أن القلب والعقل واحد، ارتباطنا الروحي جعل الغيرة بيننا أمراً مستحيلاً، باستثناء الغيرة البنّاءة كالمنافسة الشريفة في الدراسة» تقول سهام.ولكل مَن يشكك بأن التوأم يشعر بالألم في اللحظة ذاتها قالت: «حين كنا نعمل في المستشفى وكلما آلمني رأسي، وقصدتُ الصيدلية للحصول على مسكن للألم يقول لي الموظف «الله أكبر منذ لحظات قدمت هيام للحصول على مسكن للألم لأن رأسها يؤلمها أيضاً».وتضيف: «قد يكون من الطبيعي أن نتشارك الأصدقاء وأن نقوم بالرحلات معاً، لكن غير المعقول هو ما حصل عندما قصدتُ هيام في دبي للاطمئنان على صحتها بعد إجهاضها، وكنتُ حاملاً حينها، ولكن لدى عودتي إلى المنزل شعرتُ بآلام في بطني، وحين قصدتُ الطبيبة التي طمأنتني إلى صحتي وبأن الأمور تسير بشكل طبيعي، عبّرت لها عن خشيتي من الإجهاض كون أختي التوأم أجهضت قبل أيام، فابتسمتْ واستبعدتْ الأمر، إلا أن ما حصل صدمني وصدمها، فقد أجهضتُ بعد ساعات من خروجي من العيادة».تتوقف سهام قليلاً عن الكلام، تتنهّد، تلمع عيناها اشتياقاً، فقد مرّ عام من دون أن ترى «روحها»، وتضحك قائلة: «تذكرتُ موقفاً طريفاً عن مدى تطابق نبرة صوتنا. فمنذ مدة اتصلتُ بمكان عمل هيام وأجاب عامل السنترال، أهلاً بالآنسة كايد. تعجبتُ وسألته كيف عرفتني؟ قال كيف لا أعرفك وصوتك كصوت هيام ولو لم تكن أمامي الآن لاعتقدتُ أنك هي».وتختم سهام «كانت هيام وستبقى صندوق أسراري، وما زلت إلى هذه اللحظة أخبرها بما لا أخبر به أحداً غيرها، سواء تعلق الأمر بعائلتي أو أخوتي أو أي موضوع آخر وستبقى معزة أولادها كمعزّة أولادي».أما التوأم غير المتطابق يارا وليال (23 عاماً) فتتشاركان أموراً عديدة رغم بعض الاختلافات. وتروي يارا لـ «الراي» قصصاً عن طفولتها وأختها، مما أخبرتها به والدتها، حيث كانتا شقيّتين، تفتح الأولى باب الثلاجة وتلقي ببيضة على الأرض، فتأتي الثانية لتقلّدها بفعلتها. أما في عمر السنتين، فتغيّرت لعبتهما المفضّلة من رمي البيض أرضاً إلى سكب الحليب على رأس إحداهما الأخرى. وفي المرحلة الابتدائية جلستا جنباً إلى جنب على مقاعد الدراسة، وحين تم فصلهما في الصف السادس، دخلتْ المعلمة إلى الصف فوجدت يارا تبكي، وحين سألتها عن سبب حزنها كان جوابها أنها لا تعلم، فتعجبت المعلمة لأن ليال أيضاً كانت تبكي من دون معرفة السبب.وعند سؤال يارا إن كانتا تمرضان في الوقت عينه، أجابت: «إلى حد ما، فأحياناً أشعر بضيق في صدري، وحين ألتقي بأختي تخبرني عن أمر كان يزعجها فأدرك حينها أسباب الضيق الذي شعرتُ به».الأمر يمتدّ إلى الثياب أيضاً «نرتدي الألوان عينها رغم أننا لا نرى بعضنا البعض عند مغادرتنا المنزل، لكن ستايل ليال شبابي أكثر، فهي تحب الألوان الفرحة، أما أنا فأفضل الكلاسيكية».ليس هذا ما تنفصل به يارا عن أختها. ففي ما خص المأكولات لكل منهما مذاقها الخاص، ففي الوقت الذي لا تأكل يارا الدهن فإن ليال تحبه، والأخيرة لا تأكل التبولة المفضّلة عند يارا. وتضيف الأخيرة: «ليال اختارت اختصاص الهندسة الداخلية وأنا هندسة الكمبيوتر، كما أن شخصياتنا مختلفة، أنا خجولة ولا أندمج سريعاً مع الآخرين، أما ليال فعلى العكس، لكن العصبية قاسم مشترك بيننا».في النهاية يبقى التوأم شخصين مستقلين، لكل منهما حياته الخاصة وإن كان ارتباطهما يتجاوز الشكل إلى ما يُعرف بالتوحد الوجداني والتخاطر الروحي بينهما.