تقول كريستين هيلبيرغ إن «الأسد يحتاج الدولة الإسلامية كبعبع وشبح مخيف، لكي يجعل السوريين والعالم في حالة خوف وليتمكن من الاستمرار في لعب دور المنقذ من الإرهاب وراعي الأقليات».
ما يحدث في سورية والعراق اليوم من ظاهرة انتشار «داعش» يمثل فشل الدولة في حل القضايا الكبيرة مثل الفقر والتنمية والمواطنة وحقوق الإنسان...
ويقول عزمي بشارة في مقاله «كيف تشكلت داعش» عن هذا الأمر «فشل الدولة الوطنية في القضايا الرئيسية المتعلقة بالفقر والتنمية والمواطنة وحقوق المواطن، وعجزها عن إدارة العلاقة بين الهويات المختلفة، الوطنية والقومية والدينية والإثنية، وفشلها في عملية بناء الأمة، وتصويرياً، يمكننا، مثلاً، أن نتخيل إنساناً مر بأهوال سجون حكم البعث العراقي أو السوري، ثم عاش في ظل الاحتلال الأميركي الهمجي وحاربه، ثم ذاق مرارة السجن في ظل نظامٍ طائفي سياسي بغيض، مثل نظام المالكي، بحيث أتت كل واحدة من هذه التجارب على مساحة خضراء في نفسه، وطمست لوناً من صورة الإنسان فيه؛ وعليه أن يدرس، أيضاً، لقاء التدين السياسي مع أنماط من السلفية في إنتاج السلفية الجهادية، وأن يتعامل مع مسألة الانفجار الديموغرافي والبطالة والتعليم، والهجرة من الريف إلى المدينة، وهجرة الشباب من بلدانهم بعد أن ضاقت بهم السبل، والتقاء هذا كلّه مع وسائل الاتصال الحديثة».
ففي سورية ومع بدايات الثورة السورية قبل 3 سنوات حين كتب طلبة المدارس على الحوائط عبارات ضد فرعون سورية، فكيف تعامل معهم نظام الأسد؟ بكل وحشية وسادية، ولم يرحم صغر سنهم فقلم وانتزع أظافرهم فبدأت الثورة من أطفال درعا، واستخدم معهم كل أنواع الأسلحة الفتاكة التي لديه...، وفي نفس الوقت كان نظامه يفرح بدخول الجهاديين إلى سورية ويسهل دخولهم حتى تختلط الأوراق، بل قام النظام السوري وأطلق كل السجناء الذين كانوا لديه من أعضاء تنظيم القاعدة من أحد السجون قرب دمشق، وبعضهم الآن في تنظيم «داعش».
وكتب وائل عصام مقالا في صحيفة «القدس العربي» بعنوان «فصل المقال ما بين (داعش) والبعث من علاقة واتصال»، قال فيه في أثناء حديثه عن شخصية قيادية في تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، يُدعى أبو عمر الكردي: (يقول لي أحد مرافقي من كان يُعرف بجزار القاعدة، أبو عمر الكردي، وهو من الذين أعدمتهم الحكومة العراقية، بعد أن نفذ أكثر من مئتي عملية تفخيخ، إحداها كانت عملية اغتيال الحكيم. يقول صديقه الذي كان يرافقه إن الكردي كان يصف نفسه «بالوحش»، ويقول: «تحولت لوحش. هل تعرف كيف يُمكن أن يُصبح الإنسان بعد اعتقاله في زنزانةٍ منفردة خمس سنوات؟!»، كان الكردي معتقلاً في جهاز الأمن في النظام العراقي من عام 1991 حتى 1995 بعد عودته من أفغانستان، وكان ينظر للبعثيين على أنهم من حولوه وحشاً).
ما يقوم به «داعش» اليوم من مشاهد مقززة من قطع الرؤوس أمام شاشات التلفاز يمثل نظاما وتنظيما في قمة التوحش واللاإنسانية، فمعارضو النظام السوري يتهمونه بأنه يقف خلفهم، ومؤيدو النظام السوري يتهمون الأميركيين ومن يقف في صفهم، لأن العقلية العربية تعتبر كل حادث بالنسبة لهم مؤامرة، وخلف كل عملية جهازاً للمخابرات العربية، وقد يكون النظام السوري أكثر المستفيدين من وجود «داعش» خاصة وأنهم يقتلون خصوم نظام الأسد، ولكن ليس شرطا أن يكون الأسد خلفهم، ولا يعني أن المستفيد هو الفاعل والمسؤول عن هذا التنظيم.
وفشل هذه الدول لم ينتج من فقد تنظيم «داعش» المتوحش، وإنما أنتج كذلك قوارب الموت والمهاجرين من هذه البلدان إلى الدول الأوروبية معرضين حياتهم للخطر، بحثا عن لقمة العيش وعن الحياة الكريمة. من يريد أن يفهم عوامل نمو هذه الظواهر مثل «داعش» فهذا يحتاج إلى عقل موضوعي وهذا الأمر غير متوافر في العقلية العربية نتيجة انحيازها، فداعش في البداية كانت توصف بأنها ثورة عراقية ثم صناعة سورية ثم أصبحت بقدرة قادر انتاجا غربيا... وهذا يمثل قمة عجز العقل العربي.
akandary@gmail.com