... قرية من نوع آخر، «صديقة للبيئة» وتصنع مختلف أنواع الصابون العطري والعلاجي والزيوت، وصولاً إلى الكريمات ومستحضرات العناية بالبشرة وجميعها منتجة من «روح الطبيعة» ومن دون أن تدخل في تركيبتها أي مادة كيميائية.إنها قرية بدر حسون البيئية التي بناها «حجراً حجراً» منذ ما يقارب خمس سنوات، وبالأشكال التراثية التقليدية حتى باتت قبلة لمحبي التراث والمواد الطبيعية.في محلة ضهر العين (الكورة شمال لبنان)، تقع القرية المبنية وفق معايير منظمة الصحة العالمية، والحائزة على ترخيص من «ايزو» للجودة والنوعية، والتي تمتدّ على مساحة 15 ألف متر مربع وتضمّ معملاً ومختبراً علمياً وحديقة يشرف فيها حسون على زراعة جميع المواد العضوية الطبيعية اللازمة لهذه الصناعة، بالإضافة إلى مبان سكنية له ولأبنائه الثلاثة أمير وأحمد وأسامة وبناته ولبقية عائلته المكونة من 61 شخصاً يعملون معاً كـ «خلية نحل».لعائلة حسون تاريخ طويل في صناعة الصابون، يعود إلى ما يقارب 600 عام بعدما توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد. لكن لبدر قصة مختلفة نقلته من عالم الذهب وأعادته إلى عالم أجداده، ويقول لـ «الراي» التي قصدت القرية البيئية: «لعب القدر دوراً في وصولي إلى ما أنا عليه اليوم. فبعد سرقة معمل ومتجر الذهب الذي ورثته عن والدي، نصحني أحد أقاربي بالعودة إلى حرفة أجدادي. فخلعتُ الثوب الذي كنت أرتديه لأعوام وابتدأت من الصفر في المادة وليس في المعرفة بصناعة الصابون»، مضيفاً: «في البداية اعتمدتُ الطريقة الأهلية التقليدية في محترف خان الصابون الشهير في طرابلس، فوجدت إقبالاً من التواقين للصابون البلدي المفقود، ما شجّعني على المتابعة والابتكار».إذا كان البعض يتغنى بحبه للطبيعة، فإن ابن سير الضنية عمل على حمايتها، معلناً «أنا بيئي حتى العظم، وأعشق المحافظة على الطبيعة من خلال مهنتي التي جعلت الدورة الاقتصادية بيئية. الجميع يستفيد من البيئة، المزارع الذي يزرع أو يربي الحيوانات، والمصنع الذي ينتج. وأنا أعلف البقر بطعام عضوي مثلاً كي ينتج حليباً صحياً. علاقتنا مع أمنا الطبيعة لا تضرّ، فهل من أم تضرّ بولدها! قد تكون الوالدة ديكتاتورية، لكنها تمارس ديكتاتورية حنونة».وعن سبب تسميته لمصنعه بـ «القرية» قال: «لأنه يحتوي على كل مقوماتها. مبدأ صناعتي هو مبدأ القرية التي تعتمد على إنتاج سكانها، وهدفي أن أعود إلى الأساس الذي يقبله أي إنسان له ميول إلى الطبيعة ويفهم لغتها التي هي بالتأكيد لغتي».منتجات حسون تُعتبر الأولى في الشرق الأوسط الحاصلة على شهادة «حلال طيبة» التي تعني أن المنتج خال من أي مواد حيوانية أو كيميائية أو اصطناعية، بحسب ما أكده مدير التسويق في القرية أمير بدر حسون لـ «الراي»، موضحاً «أن الدقة في التصنيع هي أكثر ما تحتاج إليه هذه الصناعة، فنحن نستخدم العطور النادرة التي تعتبر أقوى من الزمن لأنها تعيد إلى الذاكرة عطر الماضي بحلاوته ومُرّه.ولفت إلى أن «منتجات القرية تلقى رواجاً كبيراً في الأسواق الخارجية لما تتمتع به من جودة عالية، فنحن أول من صدّر الصابون إلى مرسيليا، وها هي تغزو الصين وأميركا وأوروبا بالإضافة إلى الدول العربية، ولدينا 1400 صنف من الزيوت الطبيعية العضوية المنتجة من الأعشاب كالخزاما والمرمية وأكليل الجبل ونحو 700 نوع من الصابون». وأضاف: «نفاخر أن نقول إن صابوننا (ابن عيلة). عطر الصابون يستمرّ على الجسم 24 ساعة بأنواعه المختلفة سواء كان من المسك أو العنبر أو الياسمين وغيره الكثير، إلى درجة أن الصابونة باتت تحوّل الاستحمام من روتين يومي إلى متعة، ولا يخفى على أحد ما للعطور الشرقية من تأثير على نفسية الإنسان».عائلة حسون تبحث دائماً عن الابتكارات لتطوير منتجاتها، وهي لذلك تعقد اتفاقات مع الجامعات لتطوير المختبر ومراكز الجودة، ويشير أمير حسون إلى «أن لدينا أطباء واختصاصيين في الأعشاب يضعون كل طاقاتهم لإنتاج الأفضل».أغلى صابونة في العالمأسعار منتجات بدر تراوح بين 10 إلى 2800 دولار، وهو سعر أغلى صابونة في العالم صنعتها عائلة حسون وهي تحتوي على 17 غراماً من الذهب الصافي (عيار 24)، وغرامات من بودرة الماس إلى جانب المكونات الطبيعية من زيت الزيتون النقي وعسل النحل العضوي والعود المعتّق والبلح. ويؤكد أمير حسون «أن هذ الصابونة المرشحة لدخول كتاب غينيس للأرقام القياسية كأغلى صابونة في العالم، ليست مصنوعة للـ «فانتزي»، بل لها فوائد عضوية ونفسية وروحية، فهي خاصة للأنوثة وللمحافظة على جمال البشرة. ومعلوم أن معدن الذهب يزيد من هرمون الأنوثة، ولهذا فإن المرأة التي عشقت الذهب ولا تزال تعشقه، ستعشق أيضاً هذه الصابونة، لأن الذهب كما هو معروف يُحسّن نوعية الجلد ويعالج الأكسدة». أما عن هدف صناعتها، فيقول: «بعد أجواء الاقتتال في لبنان، قررنا أن نبعث رسالة معطّرة إلى العالم أن بلدنا بلد الحضارة والثقافة يصدر رائحة طيبة وليست تفجيرات».عرضت الصابونة في قطر العام الماضي، وها هي تلاقي اليوم رواجاً بعد الطلبات العديدة عليها سواء من فندق «أتلانتس» في دبي إلى رجال الأعمال ومنهم رجل أعمال كويتي مشهور.شخصيات عالميةالقرية التي جمعت في اليوم الديبلوماسي في الثالث في شهر مارس الماضي ما يقارب الخمسمئة شخصية من مختلف الأطياف السياسية بالإضافة إلى سفراء ورجال أعمال، زارها العديد من الشخصيات العالمية منها رئيس مجلس النواب اليمني يحيى علي الراعي، والسفير ديفيد ساترفيل،د بالإضافة إلى سفراء إيطاليا وفرنسا والسفير البابوي وغيرهم الكثير.منتجع للقريةيجري العمل اليوم على بناء منتجع صحي داخل القرية، يعيد قاصديه إلى الحياة الطبيعية التي كان الأجداد يعيشونها قبل مئتي عام. والوصول إلى المنتجع في قلب الوادي سيكون عبر حمير لا مركبات، والملابس ستكون لبنانية تقليدية، والإقامة في مغارات وليس في غرف، أما الطعام فعضوي مئة في المئة من مزارع القرية التي تضم أبقاراً وخرافاً ودجاجاً.الجودة سفيرة عائلة بدر حسون الذين مثّل وأولاده لبنان في مختلف أصقاع الأرض وقريباً سيكونون حاضرين في قصر المؤتمرات في أبو ظبي لنقل رائحة بلاد الأرز إلى العالم.بعد مسيرة 18 عاماً، يؤكد بدر حسون أن الاسم الجيد لا يأتي من خلال الإعلان، بل من خلال جودة المنتج «فإذا كان الكذب ينجي فالصدق أنجى».