تصور لو لم يكن «داعش»، فهل من ضرورة للوجود الأميركي؟
لا داعش ولا القاعدة ذات أي أهمية لدى الأميركان. محور ارتكاز السياسة الأميركية كانت وما زالت هو ايجاد موضع قدم في المنطقة لا اكثر ولا اقل.
فمن بين جميع الدول الاستعمارية في عمق التاريخ، تتميز الولايات المتحدة في بُعدها عن بقية الاراضي في دول العالم. فهذا البُعد وفر لها حصانة جغرافية من الضربات التي تتعرض لها بقية الدول بما فيها الاوروبية. بل لو فكّرت في أمر الارهابيين وتهديدهم على الأميركان لوجدتهم أكثر أمنا لأنها قوى اغراضها واهدافها محلية. فهذا من جانب، ومن جانب آخر لانها لا تمتلك من القوة والمعدات العسكرية والامكانات اللوجستية لتمكنها من أن تطول الاراضي والقواعد الأميركية.
فلذلك نقول إن الأميركان يمتازون عن غيرهم من القوى الاستعمارية السابقة في بعدها الجغرافي. طبعا هذا لا ينفي تعرضها لخطر بين الحين والآخر كاختطاف أو اعدام رهينة أو تفجير لأحد المواقع داخل الاراضي الأميركية، فهذا وارد جدا خصوصا انها دولة عالمية ولها تأثيرات في كل مكان بالعالم. لكنها بالتأكيد عمليات لا تشكل ذاك الخطر الذي يستدعي أن تُسيّر الجيوش وحاملات الطائرات وآلاف الجنود ما لم يكن الهدف الحقيقي أخطر وأكبر بكثير من الشيء المُعلن. فمثلا حرب الأميركان على البعثيين في العراق بالتأكيد لم يكن بسبب تهديد صدام، بل بالعكس فقد عرض عليهم الشيء الكثير لطمأنتهم ليتركوه وشأنه. كما أن تلك الحرب لم تكن تتعلق بالنووي لأنهم لم يجدوا شيئا ولا حتى أبسط خيط يدل على وجود لمشروع الدمار الشامل. وأيضا لم تكن حربهم لها علاقة بغزوة مانهاتن، فمن قام بضرب الأميركان هم الإسلاميون. لكنها بالنهاية كانت شمّاعة خولت الأميركان وأعطتهم الذريعة والصلاحية الكاملة كي يطردوا البعثيين ويجدوا مكاناً لهم ويتسلموا الحكم بعد ذلك.
فالموضوع من أوله إلى آخره مصالح سياسية واقتصادية، والأميركان لا يتورعون عن تكرارها ليل نهار على مسامعنا. منطقتنا استراتيجية ومهمة للعالم بأكمله، والأميركان يريدون موطئ قدم دائماً وهذا الهدف لن يتحقق الا بالابقاء على المشاكل والقلاقل والفتن لإفزاع اهل المنطقة ولدفعهم للتوجه إلى «الصديق والمنقذ» الأميركي. لهذا من المستبعد أن يقضي الأميركان على داعش والقلاقل في المنطقة، بل يجب أن يُبقوا عليهم بعض الشيء لزوم الحاجة في المستقبل. كل ما سيقوم به التحالف الدولي اليوم هو تحسين مظهر دواعش وتقليم أظافرهم ليكونوا ورقة يمكن الاستفادة منها في أي حين.
hasabba@gmail.com