فاصلة / أول الكفر...

تصغير
تكبير
أن يستحيل العيش في حضرة العذوبة دون العذاب، أن يستعذب الإنسان ألم الحبيب البعيد، أن يحب المرء الحيـاة بكل ما فيها من تناقـضات، أن يتناقض المكان مع الزمان أكثر من مـرة، أن يكرر التاريخ أخطاءه بحق الأجيال، أو يجايل الفقد لوعة الحنين أو يحنو الغريب على الغريب، أن يجثو الفن على ركبتيه لخاطر الجمال. تلك هي المفارقة الأبدية التي نعيشها منذ رعشات النبض الأولى.

يومها كنت تفكر في متاهات الغيب ودوائره اللامتناهية، وتجول في عقلك محيرات الكون والنملة، وتسأل فيك البراءة أسئلتها ولا تنعدم الخيارات، وتمضي دروبك الصغيرة بين حدائق اللعب ويغترف منك الفضول مشاربه، تسحب وراءها ذيول الشقاوة والعبث، وتمهد للقادم جاداتك المتشكلة وما نقش عليها من تفكير.

تتبادل الأفكار المجنونة مع أقرانك، وتبدأ خيوط الاستماع/ الاستمتاع في تشابكها المحموم، وتتلون القمصان في ما بينكم، حتى يأتي يوم، ينظر كل منكم للآخر بعين آبائهم وأجدادهم وصراع السابقين، ومن مضوا إلى حالهم منذ آلاف السنين، فتتنازع الصدام مع كل موروثات السابق مع يومك وغدك، مع ما تحاول اطلاقه ليحلق في فضائه، وآخر يريد سجنك في ظله وضلاله، فيكبح كل حلم شارد، وكل طموح واعد، لأنه يعكر صفو الوداد، ويطيل عمر الشرود.

وتكبر فيك الأسئلة، وتصبح الحياة جملة من الحقائق، لقمة قلقة من السوابغ، لا تطمح إلا لإزعاج نوم الخالدين، بكل إحساس، بأي قيمة لمعنى تعاقب المطلوب وتدبر القلوب، فتتسع الدائرة من حولك، وتضيق نظرة الماضي بعينك. وكما قيل « المعقولات الغريزية تؤخذ أوائلها من المحسوسات».

ليباغتك النفري قائلا: «نار المعرفة تأكل المحبة»!

فأجيب على لسان ابن الفارض:

رَضُوا بالأماني، وَابتُلوا بحُظوظِهِم

وخاضوا بحارَ الحبّ، دعوَى، فما ابتلّوا

فَهُمْ في السّرى لم يَبْرَحوا من مكانهم

وما ظَعنوا في السّيرِ عنه، وقد كَلّوا

عن مَذهَبي، لمّا استَحَبّوا العمى على الـ

هُدى حَسَداً من عِندِ أنفُسِهم ضَلّوا

وهنا... أول الكفر!

* كاتب وناقد كويتي

@bo_salem72
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي