يصعب على من كان خارج قطاع غزة أن يتصور حجم المعاناة التي يعيشها ذلك الشعب الذي قارب عدد سكانه المليونين من البشر، فقد تم وضعه في قفص صغير ومُنع من دخول أبسط مقومات العيش إليه، فالغذاء والدواء لا يأتي إلا بأن يسمح الكيان الصهيوني بدخول الشاحنات إليه، ومواد البناء ممنوعة عنه، والبحر مغلق أمامه عدا بضعة كيلومترات مسموح بها الصيد.
وعندما تجرأت سفينة الأمل التركية على كسر الحصار واقتربت من سواحل غزة هاجمها الإسرائيليون وقتلوا بعض من كان على متنها وصادروها.
أما التحويلات النقدية التي تصل سكان غزة فهي مراقبة وممنوع أكثرها حتى ولو كانت تبرعات من إخوانهم، وقد لاحظنا حين زرنا غزة عام 2011 مع وفد جمعية الصحافيين الكويتية بأن المياه الجوفية قد أصبحت مالحة، وتشابه مياه البحر بسبب اقدام إسرائيل على سحب الماء من تحت الأرض، كما أخبرنا أهالي غزة بأنهم قد قاموا بإعادة بناء مساكنهم التي دمرها العدوان الإسرائيلي عام 2008 باستخدام نفس الطوب والحجارة لبيوتهم المدمرة لأنه غير مسموح لهم إدخال مواد جديدة للبناء.
وللأسف إن القيادة المصرية في زمن حسني مبارك وحتى اليوم تمارس التضييق غير المبرر على دخول الناس أو خروجهم من غزة، وشاهدنا أشخاصاً يقضون أسبوعاً كاملاً قبل أن تسمح لهم السلطات المصرية بأن يخرجوا من القطاع، بل إن حسني مبارك قد بدأ ببناء مشروع السد الفولاذي لمنع عمليات التهريب عبر الأنفاق.
وسط هذا الحصار الخانق الذي استمر سنوات طويلة، وتخلي العالم كله عن أهل غزة والاعتداءات المتكررة على شعبها، نجد من يتقلب على أريكته ويفرش مائدة طعامه بشتى أصناف الأطعمة ثم يجلس لينتقد هؤلاء الذين فقدوا كل أمل لهم في الحياة: لماذا تعاونتم مع إيران ولم تتعاونوا مع الدول العربية؟! ولماذا أطلقتم على اليهود النار؟! ولماذا انتقدتم مصر والدول العربية؟! ولماذا... ولماذا!!
بل إن فينا من يسعى لفتح ملفات قد طويت مثل تذكيرنا بمواقف بعض القيادات الفلسطينية خلال فترة الاحتلال العراقي أو اتهام القيادات الفلسطينية بأنها من جماعة الإخوان المسلمين وأن واجبنا محاربتها وهكذا!!
والحقيقة اننا لو سلمنا بكل ذلك فإن المروءة والدين والعروبة تأبى علينا أن نتفرج عليهم دون أن نساعدهم، أو أن نشمت بهم ونعين أعداءهم عليهم!!
لقد تمنى رئيس الوزراء الإسرائيلي المقبور «إسحق رابين» أن تنشق الأرض لتبتلع غزة من شدة ما عانى منهم، ولكن الله تعالى لم يحقق له أمنيته، وظل هؤلاء رغماً عنه، وحاول النتن ياهو أن يجرد سكان غزة من أسلحتهم وسلط عليهم جميع أنواع الدمار التي قتلت أطفالهم ونساءهم ودمرت بيوتهم، ولكن التقارير النزيهة جاءت لتبين بأن إسرائيل قد خسرت معركتها مع قطاع غزة، وأن صمود الشعب الفلسطيني في وجه الآلة الحربية الإسرائيلية ورفضه الاستسلام قد سطر ملحمة بطولية نفتخر بها جميعاً.
رجاؤنا لمن يرفض كلامنا ويصر على تأديب غزة والتخلص من قياداتها أن يصمت، إلا أن يكون قلبه أقسى من قلب النتن ياهو، فيكفينا كعرب ما فرطنا فيه تجاه قضية فلسطين، ويكفي زعماءنا ما أكلوه من لحم وشربوه من نخب باسم القضية الفلسطينية، وان أصررنا على رأينا فإن الله تعالى سيتكفل بهذا الأمر بحسب وعده ووعد رسوله!!
د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com