مما لاشك فيه أن بر الوالدين فريضة على كل منا وأمر إلهي وواجب شرعي ومن خالفه كان مرتكبا كبيرة من الكبائر، فلقد سمعنا كثيرا عن عقوق الأبناء للآباء، لكن أغفلنا جانبا مهما وهو من الذي جعل العاق عاقا؟!
الأب والأم هما المسؤولان عن التربية والغرس، فالطفل ما هو إلا صفحة بيضاء وعجينة سهلة التشكيل بيد أبويه، يغرسان به ما يريدان من قيم ومبادئ محمودة أو مذمومة.
قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: (كلُّ مولودٍ يولدُ على الفطرةِ، وإنما أبواه يُهودانِه أو يُمجسانِه أو يُنصرانِه).
من غير المنطقي أن يعلم الوالد ولده أمرا وهو لا يطبقه، فالبر اقتناع وتعلم وممارسة وثقافة، وهو لا يتأتى بين ليلة وضحاها، فالأب العاق يعلم ابنه حرفية العقوق من حيث لا يعلم... من شابة أباه فما ظلم!!
فقد جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يشكو إليه عقوق ابنه؛ فأحضر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ابنه وسأله عن عقوقه لأبيه، فقال الابن: «يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟». قال: «بلى». قال: «فما هي يا أمير المؤمنين؟»، قال: «أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب -أي: القرآن-». فقال الابن: «يا أمير المؤمنين إنه لم يفعل شيئـًا من ذلك؛ أما أمي فإنها كانت لمجوسي، وقد سماني جعلاً -أي: جعرانًا-، ولم يعلمني من الكتاب حرفـا واحداً»! فالتفت أمير المؤمنين إلى الرجل، وقال له: «أجئت إليّ تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك؟!».
نعم! هناك عقوق الآباء للأبناء العقوق الذي يتجاهلة الكثير بقصد أو بغير قصد، فهم يرددون دائماً (ولا تقل لهما أفٍ) ويتناسون (عققته قبل أن يعقك)، فعقوق الآباء للأبناء تكمن في صور وأشكال مختلفة لكنها بنفس المضمون وهي تتمثل بعدم سد الحاجات الأساسية للأبناء وعلى رأسها الاستقرار والأمان والتقدير، فضلاً عن أن كثيرا من الآباء يهملون أبناءهم بعدم التربية السليمة والمحبة والإنفاق والمعاملة السيئة وعدم الاحتواء... إلخ.
كن على يقين إن علمت ابنك العقوق فإنه سيعقك ويعق مجتمعه، إذ إن التنشئة الاجتماعية هي اللبنة الأولى ولها تأثير عميق على الفرد، رحم الله امرأً عرف قدر نفسه، فإذا كنت لا تصلح أبا فلا تنجب، تذكر أنك أنجبت ابنك بقرار شخصي، أما ابنك أتى بأمر إجباري، إن من يزرع شوكاً فلا يحلم بقطف الثمر.