فاصلة / نازك... النزق امرأة

فهد توفيق الهندال


«عندما نصف امرأة بأنها القمر فنحن صادقون... لأن القمر له وجهان، واحد تراه والآخر لا تراه إلا عندما تصاب المرأة بالغرور والغيرة!».
هكذا يلخص الكاتب الراحل أنيس منصور صورة من صور المرأة في أبسط تشبيه بينها وبين أقرب الأجرام السماوية من الأرض... القمر الذي وصفه الشعراء القدماء في أعذب صور الشعر وأجملها، كان أبلغها ربطهم إياه بالحبيبة والمرأة الجميلة، ولو كانوا يعلمون حقيقة القمر كجرم سماوي، لغيروا وجهة نظرهم، ربما!
في روايتها الأخيرة «نازك خانم» الصادر عن منشورات ضفاف والاختلاف عام 2014 تقدم الروائية السورية لينا هويان الحسن صورة مغايرة عن المرأة في كتاباتها، حيث جاءت تركيبة منوعة من خليط من الشخصيات في تكوينها، كما هي خلطة مارلين مونرو، فنازك أيضا امرأة جميلة، فاتنة، مثقفة، متمردة، طائشة، مخادعة وعاشقة!
لدرجة أن تصف نازك نفسها مرة قائلة: «لا أنام براحة إذا مر يوم دون أن أسبب ألما لأحد». هذا ما يجعلها تطلق إشاعة بأنها جلست مرة أمام بيكاسو كموديل ليرسمها، لدرجة أنها صدقت ذلك وتوهمت حوارا معه عن عشتار وبقية آلهة الجمال حتى هيلين الخائنة التي تسببت بحرب بين الاغريق وطروادة، في إشارة إلى الحروب أيضا تكون المرأة سببا في اشتعالها بين الأمم. وهو ما تبرره نازك لبيكاسو: «لولا الجميلات لكان التاريخ سمجا وسخيفا وذكوريا؟!».
تعيش نازك خانم حياة حافلة بالمغامرات مع الرجال رافضة كـل محاولات التطويع والترويض، حتى أسماء التدليع تمقتها: «أريد اسما يمسكني لا يسمح لي بالانزلاق أو الانحشار». برغم ذلك، فهي تسخر من اسمها الذي سميت به تيمنا باسم جدتها القوية المستقيمة، لتكون نازك الحفيدة خلاف نازك الجدة، فتؤمن «لابد من النزوات، فلنكن شيطانيين قليلا». ليستمر اعتزازها بذاتها برغم كل ما تمر به، على اعتبار أن «الثمين الذي تكوّن على مهله لا يحسب الساعات الهاربة والسنين المندثرة إلا أن يكون أنيقا راقيا».
الزمن الذي عاشته نازك، كان كفيلا لأن يبعث روح العصر في العمل ففي أوروبا حيث ثورات التغيير تطول كل شيء، بدءا من الفن مرورا بالأدب إلى السياسة، تختلط به ثقافات جديدة، متزاحمة ما بين الروحية والمادية. بينما يشهد الواقع العربي حروبا مدمرة بأسماء مقدسة لا تزيده إلا انعزالا وغرورا بتاريخه وتقاليده التي خرجت عن وصاياه نازك.
العمل يمتاز بلغة جميلة خفيفة، مرجعيتها ثقافة مطلعة وافرة، قدمت لينا عبرها شخصية امرأة نزقة/ نازك بكل حضورها السردي الفاتن والماكر، مستندة عليها في إدارة أدوات العمل السردية الأخرى، تمهد لكل فصل منه بمقولة مقتبسة لعدد من الشخصيات، تشكل نصا موازيا له، تلخص روحه، فابتعدت بالعمل عن الصراع التقليدي بين الرجل والمرأة، بقدر ما ركزت على أن الحب هو المعركة الخالـدة، ولا خاسر فيها أبدا، فحـقا أنه من الحب ما قتـل، كذلك فإن من الجمال ما يقـتل قبله!
والعاقبة لمن يعقل ويتدبر.
* كاتب وناقد كويتي
@bo_salem72
هكذا يلخص الكاتب الراحل أنيس منصور صورة من صور المرأة في أبسط تشبيه بينها وبين أقرب الأجرام السماوية من الأرض... القمر الذي وصفه الشعراء القدماء في أعذب صور الشعر وأجملها، كان أبلغها ربطهم إياه بالحبيبة والمرأة الجميلة، ولو كانوا يعلمون حقيقة القمر كجرم سماوي، لغيروا وجهة نظرهم، ربما!
في روايتها الأخيرة «نازك خانم» الصادر عن منشورات ضفاف والاختلاف عام 2014 تقدم الروائية السورية لينا هويان الحسن صورة مغايرة عن المرأة في كتاباتها، حيث جاءت تركيبة منوعة من خليط من الشخصيات في تكوينها، كما هي خلطة مارلين مونرو، فنازك أيضا امرأة جميلة، فاتنة، مثقفة، متمردة، طائشة، مخادعة وعاشقة!
لدرجة أن تصف نازك نفسها مرة قائلة: «لا أنام براحة إذا مر يوم دون أن أسبب ألما لأحد». هذا ما يجعلها تطلق إشاعة بأنها جلست مرة أمام بيكاسو كموديل ليرسمها، لدرجة أنها صدقت ذلك وتوهمت حوارا معه عن عشتار وبقية آلهة الجمال حتى هيلين الخائنة التي تسببت بحرب بين الاغريق وطروادة، في إشارة إلى الحروب أيضا تكون المرأة سببا في اشتعالها بين الأمم. وهو ما تبرره نازك لبيكاسو: «لولا الجميلات لكان التاريخ سمجا وسخيفا وذكوريا؟!».
تعيش نازك خانم حياة حافلة بالمغامرات مع الرجال رافضة كـل محاولات التطويع والترويض، حتى أسماء التدليع تمقتها: «أريد اسما يمسكني لا يسمح لي بالانزلاق أو الانحشار». برغم ذلك، فهي تسخر من اسمها الذي سميت به تيمنا باسم جدتها القوية المستقيمة، لتكون نازك الحفيدة خلاف نازك الجدة، فتؤمن «لابد من النزوات، فلنكن شيطانيين قليلا». ليستمر اعتزازها بذاتها برغم كل ما تمر به، على اعتبار أن «الثمين الذي تكوّن على مهله لا يحسب الساعات الهاربة والسنين المندثرة إلا أن يكون أنيقا راقيا».
الزمن الذي عاشته نازك، كان كفيلا لأن يبعث روح العصر في العمل ففي أوروبا حيث ثورات التغيير تطول كل شيء، بدءا من الفن مرورا بالأدب إلى السياسة، تختلط به ثقافات جديدة، متزاحمة ما بين الروحية والمادية. بينما يشهد الواقع العربي حروبا مدمرة بأسماء مقدسة لا تزيده إلا انعزالا وغرورا بتاريخه وتقاليده التي خرجت عن وصاياه نازك.
العمل يمتاز بلغة جميلة خفيفة، مرجعيتها ثقافة مطلعة وافرة، قدمت لينا عبرها شخصية امرأة نزقة/ نازك بكل حضورها السردي الفاتن والماكر، مستندة عليها في إدارة أدوات العمل السردية الأخرى، تمهد لكل فصل منه بمقولة مقتبسة لعدد من الشخصيات، تشكل نصا موازيا له، تلخص روحه، فابتعدت بالعمل عن الصراع التقليدي بين الرجل والمرأة، بقدر ما ركزت على أن الحب هو المعركة الخالـدة، ولا خاسر فيها أبدا، فحـقا أنه من الحب ما قتـل، كذلك فإن من الجمال ما يقـتل قبله!
والعاقبة لمن يعقل ويتدبر.
* كاتب وناقد كويتي
@bo_salem72