حوارات القاهرة / الدكتور رفعت السعيد لـ «الراي»: وزراء الحكومة لا يشعرون بالناس... قلت لـنظيف عليهم أن يسكتوا

تصغير
تكبير
الحصاد السياسي المصري الساخن لولا... النيل / الحلقة الثامنة



|   القاهرة - «الراي»   |


لماذا نبدأ هذا المسلسل المختلف من الحوارات الساخنة والمقالات المتعمقة المستندة إلى معلومات دقيقة؟

 الأمر واضح من عنوانه: «الحصاد السياسي في مصر» في نهاية موسم سياسي، أي إننا، وقبل أن يذهب السياسيون، ونجوم المجتمع، والصحافة إلى «إجازات المصيف»، بعد أن كادت الدورة البرلمانية أن تنتهي، نجري عملية تقييم واجبة ودقيقة.

 والهدف: أن نعرف كيف بدأنا، وأين وصلنا، وما الذي تحقق، وما الإيجابيات؟ وبالطبع لا ننسى أو نتجاوز السلبيات.

وقد كان هذا الموسم السياسي في مصر، الذي يوشك على الانقضاء، مختلفاً وتاريخياً في مسيرة مصر... لأنه الأول الذي مورست فيه التفاعلات بناء على التعديلات الدستورية الأكبر التي أقرت في العام الماضي، وهي تعديلات شملت مختلف جوانب العملية السياسية، لها تأثيرات اقتصادية، ولها أبعاد اجتماعية. وعلى الرغم من أن جميع النصوص لم تفرض عليها وجوبية التطبيق الفوري، لأنه لم يحن وقتها بعد، إلا أن قدراً هائلاً من التعديلات الدستورية كان حاضراً، بعد أن أقرت وصارت سارية عقب موافقة الشعب المصري عليها من خلال الاستفتاء.

 وفي التعديلات الدستورية حظي مجلس الشورى بصلاحيات جديدة، وصار عليه أن يوافق وجوبياً على أي نص قانوني مكمل للدستور، ولا يصبح القانون قانوناً بموافقة مجلس الشعب فقط ولكن ...وفوق كل هذا صار المجلس نفسه يناقش مختلف القوانين حتى لو لم تكن مكملة للدستور، فلماذا يرسل الرئيس جميع القوانين إلى مجلس الشورى رغم عدم وجود ضرورة دستورية؟

 وفي التعديلات، ولأول مرة، صار على مجلس الشعب أن يقر الميزاينة في توقيت دستوري محدد، وله الحق في أن يتدخل في بنودها، وأن يحدث عليها تعديلات، من دون أن يؤدي تدخله إلى زيادة نسبة العجز في الموازنة، وفضلاً عن هذا فقد كان المجلس ساحة لجدل حاد حول عدد هائل من القوانين شديدة التأثير في الحياة المصرية، بدءا من قانون الضريبة العقارية، وحتى قانون الطفل وقانون المرور، وغيرها كثير.

ويفرض عدد من الظواهر أسئلة مختلفة: هل يسعى الشورى إلى مزيد من الصلاحيات الدستورية الموسعة لدوره، هل يمكن أن يصاب أعضاؤه الحكماء، كما يوصفون، بمرض المزايدات السياسية، كيف يدير حزب الأغلبية هيئته البرلمانية، هل واجه صعوبة في السيطرة على ممثليه، هل يعاملهم بمنطق الإملاء والطاعة، ما الذي يدور بينهم وبين «الإخوان»؟ وأسئلة أخرى كثيرة.

وإذا ما انتقلنا إلى مسائل أخرى لها علاقة بالتعديلات الدستورية، والتطبيق على أرض الواقع، يجب أن نطرح تساؤلات حول دور الأحزاب، ومستقبلها، وهل هي استفادت من الحوافز الدستورية التي حصلت عليها بشكل أو بآخر، وهل هي على قدر المسؤولية السياسية والتاريخية الملقاة على عاتقها، وهل هي ضحية لتعنت تقول إنها تتعرض له من «الحزب الوطني» والدولة، أم أنها ضحية تفاعلاتها، وهل نحن نتجه إلى نظام الحزبين أو الثلاثة أحزاب الكبيرة حقاً، أم أننا سوف نستغرق وقتا طويلا لذلك؟

إن عملية التقييم في هذا الحصاد السياسي في مصر لن تكتمل من دون الإنصات إلى رؤى أهم حزبين معارضين وأعني بذلك: «الوفد»، و«التجمع»، وربما أحد المستقلين، من دون أن نكشف جميع الأوراق فهي سوف تنكشف رويداً رويداً، ومن خلال هذا العمل الصحافي المنظم على مدى الأسابيع المقبلة.

 والمسألة لا تقف عند حد القوانين، أو الظواهر المتعلقة بالتعديلات الدستورية، المسألة في هذا التقييم تمتد إلى مجموعة من التفاعلات التي تتعلق بوقائع وأشخاص، بالإدراة وبالمعارضة، وبـ «الحزب الوطني» الحاكم في مصر، وبعدد من الوزراء تتعلق بأمور كانت مثار جدل كبير شغل الناس خلال الأشهر الممتدة من أكتوبر إلى يونيو بطريقة أو أخرى لم يزل بعضها معلقاً، وبعضها انتهى.

لا يمكن، في هذا السياق، أن تتجاهل مقالات وحوارات التقييم مناقشة ما جرى في مصر يوم 6 أبريل ويوم 4 مايو الماضيين، هل كان هذا مجرد فقاعات سياسية، إلى أي مدى مثَّل ذلك متغيراً في الحياة السياسية المصرية، وما هو مدى ارتباطه بمتغيرات اجتماعية واقتصادية، وهل هي تمثل نوعا من النجاح في القدرة على التأليب لفصيل من المعارضة... أو فصائل غير قانونية، أم أنها كانت مجرد أمور موقتة وانتهى الموضوع؟

 ولا يستطيع تقييم مماثل أن يتجاهل الأسئلة التي فجرتها شخصيات مؤثرة في الساحة السياسية المصرية ...أسئلة نبعت منها أو حولها، ومنها على سبيل المثال الإسهامات التي قدمها أمين مساعد «الحزب الوطني» وأمين السياسات جمال مبارك في مناسبات مختلفة وتفاعلات متنوعة، بدءا من «مؤتمر الحزب الوطني العام التاسع» ...وصولا إلى «منتدى دافوس» في منتجع شرم الشيخ، تساؤلات وأسئلة دفعت البعض لأن يتطوع للاجتهاد في تفسير غير دقيق، قد لا يكون مخلص النية إلى حد بعيد، إن لم يكن بالتأكيد لا هو اجتهاد، ولاعلاقة له بالنية المخلصة من الأصل.

وفي الأجندة المصرية، الممتدة خلال الأشهر التسع التي تكاد تكتمل الآن، هناك قضايا وظواهر أخرى، ومسائل ذات أبعاد جوهرية ومنها مثلاً: الأداء الحكومي في ملفات مختلفة ساخنة وصاخبة، تصدير الغاز إلى مختلف الدول ومنها إسرائيل، مسألة مصنع «أجريوم» وموضوع تقاطع القرار المركزي مع التفاعلات المحلية، وحدود بلوغ العدالة الاجتماعية، وطبيعة الصورة الذهنية للوزراء الذين أتوا من خلفية قطاع البيزنس، ونشاط رجال الأعمال، والتعامل مع الأزمات العمالية، والتفاعلات المختلفة التي أثارتها الطريقة النقابية، وقبل كل هذا الأساليب الجديدة من وزارة العدل في إدارة الموقف سياسيا وقانونيا، وغير ذلك كثير.

ومن المتوقع أن تثير هذه الحوارات، في هذا الحصاد السياسي المصري، عدداً من التساؤلات، وهي تساؤلات سوف تجد إجابة عنها بمضي الوقت ومع توالي حلقات هذا المسلسل، فهي تشمل أمورا كثيرة ومختلفة وصولاً حتى إلى نشر أول حوار صحافي مع أمين التنظيم المثير للجدل في «الحزب الوطني» أحمد عز وقد كان صريحاً في إجاباته، ومفاجئاً في بعضها كما سوف يكشف ذلك الحديث معه الأيام القليلة المقبلة.

لقد اخترنا آلية أساسية ومحورية لإتمام عملية التقييم تلك، وهي الحوار مع مختلف الشخصيات المعنية، الذي تكمله المقالات التحليلية، حيث طرحت على الموائد المختلفة جميع الأسئلة، وجميع علامات الاستفهام من كل نوع سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، وسواء حصلنا على إجاباتها، التي تنشر في «الراي» تزامنا مع صحيفة «روزاليوسف» اليومية القاهرية، كما سوف تظهر في الأحاديث، أو كما سوف تتضمنها المقالات، ومن ثم فإننا نرحب بجميع التعليقات والمناقشات التي يمكن أن تثيرها عملية التقييم.

إن الصحف ليس عليها أن تتوازى مع التفاعل السياسي، وإنما عليها في بعض الأحيان أن تسبقه، أو للدقة تتقدمه، وكون أن الصيف قد بدأ في فرض أجندته على المتفاعلين السياسيين فإن هذا لا يعني أن على الصحف أن تركن وتنام، أو حتى تميل للتثاؤب، على الأقل حتى لا يصبح الصيف مرتعاً للشائعات، وإنما مرحلة زمنية لإعمال العقل فيما مضى، وفيما هو مقبل.


الدكتور رفعت السعيد لـ «الراي»: وزراء الحكومة

لا يشعرون بالناس... قلت لـنظيف عليهم أن يسكتوا

| القاهرة - من عبد الله كمال |


ليس الحصاد السياسي في مصر، مقصوراً على رموز «الحزب الوطني» الحاكم وقياداته ووزرائه، الفاعلون، السياسيون على الساحة أيضا هم من المعارضة، وقد اخترت للإضافة إلى هذه السلسلة من الحوارات كلا من رئيس «حزب التجمع» رفعت السعيد، ورئيس «حزب الوفد» محمود أباظة، وأبدأ اليوم بالأول.

 رفعت السعيد، عضو معين في مجلس الشورى المصري، وقد خاض حزبه عملية تطوير من خلال الانتخابات الداخلية في الموسم السياسي الحالي، وكان هناك صخب وضجيج في الحزب، وعلى الرغم من الفرص المتاحة سياسياً، إلا أنه يبقى حزباً من دون تأثير واسع، في حين أنه يحظى باعتراف قبول التنافس من الحزب الحاكم.

أين تكمن أزمة «التجمع»، وأين تكمن أزمة اليسار المصري عموماً، وأين تكمن أزمة الأحزاب التقليدية في مواجهة حركات احتجاجية جديدة، وكيف يتطور العمل الحزبي في مصر؟ إن تلك هي بعض من الأسئلة التي طرحتها على رفعت السعيد.

ولكني في الوقت نفسه استمعت إلى تقييمه المتكامل حول السياسات الاقتصادية والاجتماعية المطبقة حكومياً، وقد اختار الهجوم على الحكومة من خلالها، واختار أن يكون ذلك مدخله لتقييم الموسم السياسي، وبعد أن استمعت إلى رؤيته وناقشته فيها، من دون أن أعطي اعترافاً بمصداقيتها فهي من وجهة نظري مليئة بالثغرات، انتقل الحوار الذي تنشره «الراي» تزامنا مع صحيفة «روزاليوسف» القاهرية اليومية، إلى مساحات أخرى متنوعة.

 فيما يلي الجزء الأول من الحوار:

• ما الملاحظات الأساسية التي تسجلها على مصر في الفترة من نوفمبر 2007 حتى انتهاء الدورة البرلمانية؟

- المشكلة الحقيقية بيننا وبين الحكومة، أو مع الحكم ككل، أننا نعتقد أن هناك ما يسمى بفكرة التنمية الاقتصادية في مصر، أتصور أن الرأسمالية أن تترك للجميع، ليس الجميع من المواطنين، وإنما هي تترك الآن للجميع من الأغنياء أن يفعلوا ما يشاؤون بالاقتصاد، ويأخذوا ما يشاؤون، ويتركوا ما يشاؤون من فتات، هذا إن تركوه. ولهذا يتكلمون كثيراً عن نمو الاقتصاد وعن الناتج القومي العام.

وبغض النظر عن الأرقام، لأنني ممن يعتقدون أن الأرقام يساء استخدامها، ويساء التلاعب بها، هناك حكمة صينية تقول، «إن هناك كذبة كبرى وكذبة صغرى وكذبة الأرقام»، وهم في الحكومة لا ينظرون إلى أين تتجه نتيجة الدخل القومي العام، أعتقد أن هناك حالة من الخلل  في مصر، غير معتاد في أي مجتمع متحضر أو نصف متحضر، وتتصاعد الأمواج بشكل سريع لتتركز الثروة في يد حفنة محدودة من البشر، ربما يكونون أفراداً، أنا أتكلم عن مجموعة من الأفراد تنحاز إليهم الثروة ولا يترك للمجموع سوى الفتات.

• ألا تؤدي التنمية إلى تحقق المجتمع الرأسمالي، وهو له أيضا إيجابيات؟

- لا، هذا مجتمع رأسمالي أحمق، أخرق، لا يعرف النتائج المأسوية التي تترتب على هذا الخلل المخيف في توزيع الدخل العام، هناك نظرية كانوا يحاولون أن يروجوا لها وهي «التساقط»، يعني لما الفلوس تطلع لفوق، سوف تنزل لوحدها، ويبدأون في تقديم خدمات اجتماعية، لكن نحن عندنا في كثير من الأحيان رأسمالية رثة، وهي محدثة نعمة. يتباهون، تروح أفراحهم تتخنق، لما تجد أن الواحد فيهم يصرف على الفرح 20 مليون جنيه في تباهٍ أحمق، ناسياً أن هناك من لا يجدون القوت.

• أنت تتكلم عن سلوك الرأسمالية، وليس في مضمون الرأسمالية؟

ـ نعم، ولكن عملية التساقط التي يتكلمون عنها لم تحدث، يسيطرون على الثروة بنهم شديد، ويفسح لهم أصحاب المجموعة الاقتصادية المجال متوهمين أن هذه هي الرأسمالية.هذا عبث، غرس لعدم التوافق وعدم الرضاء، ومن ثم عدم الثقة في إمكانات التقدم.

سأعطيك نموذجاً، وزير المالية المصري الدكتور يوسف بطرس غالي، مصمم على أن الضرائب التصاعدية جريمة يتعين عدم اللجوء إليها، ويقف بشجاعة أمام مجلس الشورى ويقول ان العالم كله توقف عن الأخذ بالضرائب التصاعدية، وأنها أسوأ شيء، وزراء الحكومة يقدمون أمام مجلسي الشعب والشورى بيانات خاطئة، نظام فك مجالس، أنا رديت عليه وقلت إن هناك ضرائب تصاعدية في السويد 90 في المئة، وفي أميركا 90 في المئة، وفرنسا 60 في المئة، وكندا 40 في المئة، فالراجل يقول هذا كان زمان، لكن هم ليسوا قادرين على التخلص منه، ويقول لكن دول شرق أوروبا «اللي هي دول حكيمة اللي بتخضع لآليات وأوهام زي اللي إحنا بنخضع لها»  لم تقرر ضرائب تصاعدية، يعني هي النتائج اللي بتحصل عليها دول شرق أوروبا «أَمَلَة»، الناس هناك تجوع ولا تجد الأكل.

إذا هناك خط ثابت، هو تدليل حفنة من الأثرياء، واعتبار أن هذه مهمة أساسية للحكومة، ونضرب أمثلة بقانون الاحتكار، قالوا، إن الحديد يرتفع سعره في العالم كله، مهما يكن لكن لو هناك ضرائب تصاعدية ستكون هناك عملية تساقط قانونية، يعني نشوف من ينتجون الحديد كم عددهم ونفرض عليهم ضريبة تصاعدية. ثم الأسمنت، هذا لا مدخلات غالية، ولا سعر السوق العالمي، الطن لا يتكلف أكثر من 120 جنيهاً، لأنك بتجيب تراب وتحط عليه غاز مدعوم وتعمل أسمنت، ويباع بالأسعار التي يقولون عليها، ثم يقولون قدمناه للمحاكمة، مش عارف عملنا إيه، إيه، إيه، ولكن هم جميعاً يستمرون في عملية الابتزاز.

• هناك اتفاق على أن يظل سعر الضرائب مستقراً، وألا يتم اللجوء إلى الضرائب التصاعدية، الاستقرار الضريبي له فوائد أيضاً يا دكتور.

- أنا سأقول لك ماذا سوف يحدث لو فرضت عليهم ضريبة تصاعدية، تحصل عملية التساقط، مثلاً إذا أنا كسبت مليار جنيه، سنكتشف أن شريحة الضريبة ستعلو، بدلاً من أن أدفع 80 في المئة، أو 60 في المئة أدفع 20 في المئة، أتبرع بالفلوس الزيادة، أبني جامعة، أبني مؤسسة لتشغيل العاطلين، كل ما يخطر على بالك من عملية تساقط للثروة الاجتماعية ممكن يتم، لكن الإصرار على عدم فرضها أنا لا أفهم أسبابه، والأمر يبدو كما لو أن «فيه واحد حالف على المصحف أو الإنجيل... أنا مش هعمل ده»، نحن إزاء حالة بدأت تتعقد الآن، الابتسامات التي تراها على الوجوه ابتسامات زائفة، لأنه ما الهدف من إصدار القوانين؟ تحقيق الرضاء الاجتماعي وليس تحقيق الثروة لـ10 أنفار، أنت رئيس تحرير لجريدة قومية تكتشف أن هناك حالة من الرضاء الاجتماعي.

• ليكن هناك طموح أعلى، ورغبة في المزيد، لكن هناك تقدم.

- لتكن كل الإجراءات التي تتخذها حكومة نظيف صحيحة، هي صحيحة في الكتب، لكن إذا لم تحقق الرضاء الاجتماعي فهي خاطئة وفاشلة ومخيفة، لأنه في حالة تصاعد عدم الرضاء الاجتماعي سيكون هناك انفجار، أنا حذرت قبل ذلك في مجلس الشورى، «معرفش حضرتك كنت موجود ولاَّ ماكنتش موجود؟»، قلت: احذروا غضبة الجياع، وبعد قليل بدأت طوابير الخبز تضرب في بعضها، مش معقول(!)...

• لكن هناك أرقاماً صادرة عن مراكز متخصصة تثبت وجود تطوير في المجتمع؟

- حالة افتقاد الرضاء الاجتماعي لن تقاس بكلام مجلس دعم اتخاذ القرار، لأني لا أثق في الأرقام، لأنه يجري تذليلها لإرضاء البعض، أنا «عايز أعرف أقعد في أي قهوة أو أوتوبيس وأسال انتو مبسوطين ولاَّ مش مبسوطين»، ستكتشف أن فيه حالة عدم رضاء اجتماعي، وهي مخيفة، حالة افتقاد الرضاء الاجتماعي مخيفة، ويهيأ لهم إن كام عسكري من الأمن المركزي سوف يحقق الرضاء الاجتماعي، هذا اسمه الكَبْت الاجتماعي، هذا الكَبْت ممكن أن ينفجر، وحصل قبل ذلك.

• سوف أناقش تحذيراتك هذه، وتحذيرات اليسار المتكررة بالتفصيل، ولكن تَفَضَّل أكمل ملاحظاتك.

- أنا عايز أقول ان البعض نظر باستهانة لفكرة التحركات الفئوية، قالوا مجموعة دكاترة أو مهندسين، أو معلمين، أو موظفي الضرائب العقارية «جايبين نسوانهم وعاملين إيه»، يعني الاستهانة بعملية التحرك الفئوي، إذا كان هناك من يشجع على التحركات الفئوية فهو الدكتور يوسف بطرس غالي، لماذا؟ هو صديقي ولا يجوز أن يحمل المسؤولية وحده، ولكنه جزء من منظومة تفكر تفكيراً خاطئاً، لأن الدكتور يوسف بطرس غالي يقولون له عمال المحلة مضربون، يقول: «يتفلقوا»، يقولون له: عمال مين معتصمين، يقول: ما يعتصموا، أنا لا أحد يلوي ذراعي. ثم يخضع في النهاية، والناس تتعلم أن الحكومة «تخاف ما تختشيش»، ويبطلوا أن يأملوا خيراً في أن يروحوا للوزير ويقولوا له: إحنا عايزين كذا.

النقطة الأخيرة في هذا الموضوع هي مواجهة الفساد، كنت زمان أقول إن الأحكام القاسية تجعل الناس تخاف، في ضمير الفاسدين، الفساد يقاوم انتقائياً، وإذا  اسمك لم يأت ضمن الناس المرضيّ عنهم يبدأون في الحفر لك، الفساد، فساد، ويجب أن يحارب على قِدم المساواة، وتسأل هم ساكتين ليه ويهيأ لك أنهم يجمعون المعلومات، وتكتشف أن الفاسد لا يهمه شيئاً.

• ما هي خلاصة قولك إجمالاً لكي نبدأ النقاش الموضوعي؟

- أنا رأيي أننا في وضع خطير، حتى حين كان المديح يكال لهم منذ ثلاثة أو أربعة أشهر أنا قلت للدكتور نظيف، لا تغتر بهذا المديح، ليس المهم أن يرضى عنك الأجنبي، المهم الرضاء الاجتماعي الداخلي، فبدأوا يتكلمون عن التضخم وحالة من ارتفاع الأسعار وانخفاض في مستوى المعيشة، وأنا قلت له قبل ذلك: «خلي وزراءك يصمتون»، لأنه لما كل واحد يعطي تصريحا، وزراء لا يهتمون بمشاعر البشر، واحد يقول لك من يكسب 3 جنيهات في اليوم يبقى مش فقير، ما هذا العبث، لماذا؟ هما جايين من لوكسمبورغ، الا يعرفون أن تذكرة المترو بجنيه، وإنه إذا كان من يكسب جنيها ونصف الجنيه في اليوم يقولون عليه ليس فقيرا، معناه أنه لو نزل من بيته وركب مترو معناه أنه لن ينفع يرجع لأنه لا يوجد نصف تذكرة، ولا يأكل ولا يشرب ولا ينام، وهناك وزراء يقولون نحن لا نقدر نتدخل في السوق الحرة...

• هل ترى أنه لابد من تدخل الحكومة في آليات السوق الحرة؟

- طبعاً، من قال لا يمكن تتدخل، أكثر البلاد رأسمالية تتدخل لحماية الفقراء، أخيراً نحن نعارض هذه السياسات ليس لأننا معارضة ولكن لأن عيوننا على الوطن، وعلى الشعب، حذرت في الماضي، وأحذر الآن... احذروا من تحول كل ما هو فئوي إلى مجتمعي، عمال يعتصمون، موظفون يقولون لما هذا كله يتحول لمنظومة مجتمعية سيكون الأمن والأمر صعباً.

• لقد سألت عن ملاحظتك على الموسم السياسي الذي مضى، أنت أبديت ملاحظتك على الحكومة وسياستها، وقد أخذت راحتك في الكلام، وأريد الآن أن  أستفسر عن مجموعة من النقاط، خلاصة ما قلت انه ملاحظات على الحكومة، على الرغم من أنك تكلمت في البداية على أنها ملاحظات على الحكم، ما أريد أن نفهمه هو هل الخلاف الذي يراه التجمع مع الوضع السياسي هو مع سياسات الحكومة أم أنه خلاف مع الحكم؟

- أنا لا أخاف.

• من الذي اتهمك بالخوف، أنا لا أقصد، أجب يا دكتور عن السؤال.

- الدستور ينص على أن رئيس الجمهورية يرأس السلطة التنفيذية ويمارسها، ولهذا أنا أدعو رئيس الجمهورية إلى أن يغير هذه الحكومة وقبلها أن يغير هذه السياسات، لأنها سياسات ضارة بمستقبل الحكم.

• أنت قيمت هذه السياسات باعتبارها ضارة في ضوء أكثر من استناد وتبرير، منها مثلاً التشكيك في الأرقام، على أي أساس تشكك فيها؟

- «ما أنا قلت من يكسب جنيه ونص».

• هذه ليست أرقاماً، هذا تقييم معايير قياسي؟

- أريد أن أقول، إننا اعتدنا أن نسمع من الحكومة وألا نثق فيها، وسأضرب لك مثلاً في مجلس الشورى، جاءتني الخطة فتحت على صفحة 3، إيه الأرقام كذا، التعليم صرفنا كذا، الصحة كذا، اكتشفت أن الأرقام تنهار، الأرقام في الموازنة تقول فيها زيادة في الاعتمادات والإنفاق، فسألت الأرقام دي بتنقص، فيكون الرد عليَّ ساذج، أصل إحنا كنا بنبني 1000 مدرسة في العام، يعني كنا نبني 3 مدارس في اليوم، هذه أرقام مضللة، ليست صحيحة.

• من الذي كان يقول الأرقام، هل هو الدكتور يوسف؟

- أنا لا أحب أقول أسماء، لكنه كان وزير التنمية الاقتصادية.

- السعيد «ضاحكا»: لا تريد أن تقول أسماء بسبب العلاقة القديمة بين وزير التنمية الاقتصادية واليسار!

- السعيد «ضاحكا أيضا»: لا والعلاقة الجديدة أيضاً، لأن هناك أيضاً علاقة مصاهرة، المهم هناك فصول فيها 80 تلميذاً، ونسي أن هناك فصولاً ليس فيها مقاعد للتلاميذ، ونسي أن في مدارس في القاهرة، وفي المقطم، تكتشف أن دورات المياه مغلقة، وأن هناك 4 آلاف طالب وطالبة يقضون حاجاتهم، وهم في سن خطرة، أمام بعضهم البعض، تعرف أنا رددت عليه وقلت: كل حاجة حلوة، لكن البحث العلمي أرقامه تنقص، فلم يرد عليَّ.

• أنت تتكلم إذا بخصوص أرقام الدكتور عثمان؟

- أرقام الحكومة كلها مضروبة، الأرقام تأتي من استخدام تعريفات غير دقيقة، لما تتكلم مثلاً عن البطالة.

• هو معتمد تعريف بطالة، متفق عليه على الأقل في مقاييس الحكومة؟

- خلاص، ممكن أعطيك مثلاً آخر، العام السابق  في الموازنة اكتشفنا أن هناك 50 ملياراً موضوعة للدعم، تكتشف أنها أصلاً سعر الفائدة الذي يحال لهيئة المعاشات لسداد الدَّين اللي أخذته الحكومة، هذا يدخل في فوائد الدَين لأنها استولت على أموال المعاشات.

• فوائد رقمية ورقية، دفترية تقصد؟

- اعتبر هذه زيادة في الدعم، في حين أنها سداد لدَين، كلام بقى يضحَّك ومحتاج واحد يفحص في الأرقام، لو اكتسبت الحكومة ثقة الرأي العام في أرقامها ومعطياتها نحن أنفسنا لن ننظر في الأرقام ونقعد نفحص فيها.

• ما الرقم الذي تعتقد انه رقم غير حقيقي بخلاف رقم البطالة؟

- رقم الدعم المقدم في الموازنة، رقم الديون.

• أنت تشك أن هناك 125 مليار جنيه ذهبت إلى الدعم هذا العام؟

- منها 50 مليار جنيه كانت سداداً لدَين التأمينات الاجتماعية، المبالغ التي تكلمت فيها هي سداد لفوائد الدَّين الذي أخذته الحكومة، وهي إجمالي أموال التأمينات الاجتماعية، هذا ليس دعماً.

• وكيف ترى رقم معدل النمو؟

- وليكن رقم النمو 20 في المئة، أنا مشكلتي في كيفية توزيع الدخل القومي العام.

• هل تقصد أن المشكلة تكمن في السياسات التي تخص الأداء الاجتماعي؟

- تخص الأداء الاجتماعي وحماية الفقراء، الفقراء يزدادون فقراً، والثروة تتمركز، أنا أريد أن أعطيك نموذجاً... لماذا فشلت صفقة بيع بنك القاهرة.

• قل لماذا؟

- لأن الحكومة تبيع بنك القاهرة في ظل أزمة مصرفية عالمية ناتجة من انهيار سوق العقارات الأميركية، وانهيار المصارف الأميركية بسبب عجز الناس عن سداد قروض العقارات وانتقلت الأزمة إلى أوروبا، إضافة إلى مشكلة ارتفاع أسعار البترول، فالوقت غير ملائم.

• يبدو أنك لا تختلف مع المبدأ، عموماً حين اتخذ قرار بيع بنك القاهرة لم تكن هذه الأزمة على هذا الشكل، كان يمكن للحكومة إذا كانت على هذا القدر من التساهل الذي تتحدث عنه أن توافق على أي رقم عُرض عليها وتنهي الصفقة، لكن هي أخذت قراراً بإفشال المزاد ورفضت إتمامها، ولم أسمع أحداً من المعارضة يتحدث عن أن الظرف العالمي لم يأت بأسعار حقيقية للبنك؟

- بعد قرار بيع بنك القاهرة نحن اعترضنا.

• اعتراضكم لم يكن له علاقة بالأزمة العقارية؟

- لأن الأزمة العقارية لم تكن قد وُجدت.

• الكلام نفسه ينطبق على الحكومة؟

- الحكومة لازم يكون عندها الحساسية.

• والمعارضة ألا ينبغي أن يكون لها حساسية؟

- أنا حذرت أن الوقت غير ملائم، لو حضرتك بتبيع عربية، واكتشفت أن سوق السيارات مضروب، وأن العربية التي تساوي عشرة جنيهات ستباع بـ 6 جنيهات ستعدل عن البيع، هذا العقل الطبيعي، النقطة الثانية التقارير التي نشرت عن الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية وعدم الرضاء الاجتماعي كل هذا يؤثر على الراجل الذي جاء ليدفع كذا مليار، ومن هنا الذين جاءوا كانوا مضروبين أصلاً، يعني البنك الأهلي اليوناني ضعيفا ومضروبا، وقدم سعراً أقل بكثير جداً من قيمة الأصول، تعرف البنك هذا عنده كام فرع؟

• المسألة تختلف، هل يُباع البنك على أساس أنه أفرع وعقارات، أم على أنه مؤسسة اقتصادية؟

- لا، يُباع على أساس أنه كل حاجة، يُباع على سعته وعقاراته وعلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

• أحد المتحاورين في سلسلة «روزاليوسف» قال إن المعارضة أعطت أهمية كبرى لموضوع بيع بنك القاهرة وجعلته أساسياً في النقاش، على الرغم من أنه ليس أولوية للرأي العام؟

- لأن المعارضة تدرك الخطر، لا يوجد بلد نظامها المصرفي في ظل تنمية وطنية مستقلة تبيع مصارفها، وكل مرة يقول آخر مرة.

• لكن الاستراتيجية الاقتصاديه المعلنة هي أن هناك بنكين عامين سوف يظلان موجودين

ـ بيع بنك القاهرة تقصم ظهر بنك مصر.

• لماذا؟

- لأنك حولت كل ديون بنك القاهرة إلى بنك مصر.

• هذا كلام غير منطقي وغير واقعي.

- هذا كلام منطقي وأتحدى، شوف ديون بنك القاهرة راحت فين، أنا أريد القول أنها حيلة صغيرة، أنت تريد بيع بنك القاهرة بيعه، وأنا ضد البيع، أدمجه في بنك مصر وتدخل ديون لبنك مصر ثم تبيعه وهو نظيف، طيب بنك مصر ماذا يعمل، يضعف، هناك سياسة غير منطقية، أن لا توجد مشكلة في التحاور مع هذه الحكومة ونتحداهم، هاتهم يطلعوا ونقعد معاهم ونتحاور في التلفزيون نسمع منهم.

• هذه أسهل حكومة تتكلم معها وتتناقش معها في الأحزاب والتلفزيون.

- كان زمان، لقد أغلقت أبواب التلفزيون أمام المعارضة.

• من قال هذا، ومنذ متى؟

- منذ ثلاثة أشهر، رحت القناة الثقافية، لكن كل البرامج الحوارية هذه اختفت، رفعت السعيد، محمود أباظة، والقياديون في الأحزاب السياسية اختفوا من خريطة التلفزيون عن عمد.

• كيف يكون لا يوجد حوار مع الحكومة وأنت عضو في مجلس الشورى وتناقشها يومياً؟

• أنا اتحاور في الجلسات، حين استدعاني الدكتور نظيف لكي يناقش موضوع الدعم قلت له رأيي في غاية الصراحة، وكان من أهم الطلبات التي طلبتها منه... عايز تحافظ على كرامة حكومتك، امنع وزراءك من الإدلاء بالتصريحات، لأنه كل ما واحد يفتح فمه يسيء للحكومة... فضحك.

• ربما ضحك باعتبار أن هذا كلام لطيف، لست أدري سبب ما أضحكه، ولكن كيف يمكن أن تقترح على رئيس الوزراء أن يمنع وزراءه من الحديث؟

- لأن هذا دليل على أنهم ليسوا أذكياء، أنا أريد القول أنهم لو امتحنوا في الاقتصاد يجيبوا 90 في المئة، لكنهم ليسوا أذكياء في التعرف على مشاعر الجماهير، وهم ليس لهم علاقة بهم، ليسوا هنا، ومستندين الآن إلى أن النظام قوي ومعاه أمن مركزي، والذي يتكلم سنكسر «بقه»، وأن الانتخابات بتتفوت.

• لو أنها تتفوت، تبقى فاتت من أجل أعضاء التجمع الذين دخلوا مجلس الشورى.

- أنا لا أدَّعي أن كل الانتخابات مزورة، ولكن الشفافية نص نص.

• دعنا نتكلم عن فكرة أنك تقول أن الوزراء لا يحسون بمشاعر الناس، هم يتكلمون عن أنهم حققوا إنجازات والدخول تضاعفت، والأوضاع الاقتصادية والأرقام التي ترفضها بخصوص دعم اتخاذ القرار تؤكد أن هناك 300 ألف سيارة تُباع، وأن الشقق تُباع، وأن أعداد الطبقة المتوسطة تتزايد، وأن هناك ناس تدخل المدارس الخاصة كثيرة، وأن الأرقام الموجهة للصحة والتعليم أصبحت أقل لكن الأرقام الموجهة للدعم الغذائي موجودة، هم يقولون نحن لا نسعى للشعبية بقدر ما نسعى للإنجاز، ماهو تعليقك؟

- لاحظ أنك تكلمت عن شراء السيارات وشراء الشقق.

• وتكلمت عن المبلغ الموجه للدعم؟

- ولم تتكلم عن الأشخاص «اللي مش لاقيين ياكلوا» أو يحصلوا على قوتهم اليومي، زمان في مجلة الطليعة عملنا حواراً مع شخص يسمى عبدالتواب، وكنت بسأله «بتصرف إيه، جبت إيه؟» يروح عبدالتواب السوق ويسأل الرجل هات لي «المفعص». عشان يأخذ أرخص شيء.

• عبدالتواب هذا كان عضواً في حزبكم؟

- لا، كان عامل تم انتقاؤه عشوائياً.

• ما الذي يجعلني أصدق، ربما كان مسؤولاً في وحدة تثقيف حزبية؟

- خلاص، أنا عايز نلجأ للفقراء، مثلا خمس ربات منزل من بين اللواتي يحصلن على أجور متدنية، ونسألهن كيف يعشن، ماذا تأكلن؟ أنا فوجئت أن واحد أرسل لي رسالة على الإنترنت لم يوجهها لي، وجهها للرئيس، ولم أنشرها يقول: أنا باخد مرتب 180، وعندي ولد وبنت وساكن في منشية ناصر في غرفة فوق السطح «اروح للراجل بتاع الفول يعطيني مية فول أمشيها على شقة رغيف وأعطيها للولد ساندوتش يأكله.»

• ألا يمكن أن تجددوا في هذه القصص يادكتور، لقد رأيت مثل تلك الطرفة في فيلم «بحب السيما»، وأقرأ هذه الحواديت في جريدة «الأهالي» منذ أعوام؟

- أنت تتوهم أننا نحاول إثارة مشاعر أحد، الوزراء لاتثتثار مشاعرهم بأن تكلمهم عن الفقر، على العكس بالنسبة لهم مش مهم.

• من لديه هذا الإحساس؟

- أحلف لك، بس لن أقولك اسم لأنه عيب، أحد الوزراء استوقفني في أحد الاحتفالات وقال لي: يا أخي بشروا، أنت تقف في مجلس الشورى وتقول احذروا غضبة الجياع، قلت له هو الرسول قال إيه؟ قال «بشروا... ولا تنفروا»، ولم يقل بشروا ولا تتنبلوا، القاعدين سمعوا. خافوا على أنفسكم لأن الناس ممكن تجد نفسها تموت من الجوع، أقسم لك بحياة ولادي وأحفادي لم يهتم، حوار سياسي راقي يعبر عن مشاعر وزراء متحجرة لا تتعامل مع الناس ولا تحس بالناس وهذا نتيجة لأنك تجيب وزراء غير سياسيين.

• هذا الكلام متكرر...

- النتيجة تزداد سوءاً.

• هل لابد أن يأتي الوزير من معسكر اليسار لكي تعتبروا أنه سياسياً، ثم من هو الوزير السياسي؟

- هو أنت مش سياسي؟

• أفهم من سؤالك أنك ترضى عني، عموماً أنا لست وزيراً والحمد لله.

- أنا لا أقول يأتوا بوزير سياسي أنا متفق معاه، أنا أقول يجيبوا وزير تربى سياسياً، يعرف كيف يتحاور مع الناس والجماهير، هاتوا وزراء من قيادات الحزب الحاكم بس يكونوا مثلي، وليس واحد دارس اقتصاد وعلوم سياسية.

• أثبتت هذه الدراسات والسياسات التي وصفتموها كثيراً بأنها أكاديمية أنها تحقق نجاحاً

- الذي يسمونه نجاحاً أنا أرى أنه ليس نجاحاً، أنا أرى أن النجاح يكون في الرضاء الاجتماعي.

• حين كان الدكتور عاطف صدقي يقوم بإصلاح اقتصادي قال اليسار إن هناك ثورة سوف تحدث، وسوف تحدث انهيارات، وتواصل هذا الكلام مع حكومة الدكتور الجنزوري، ثم مع حكومة الدكتور عاطف عبيد، ولا يزال الخطاب اليساري نفسه متكرراً منذ عقد «المؤتمر الاقتصادي»، ولم تحدث الثورة الاجتماعية التي تبشرون بها؟

- أنا أولاً لا أبشر.

• أنت تقول احذروا غضبة الجياع، معناها إيه؟

- أنا لا أخاف من الثورة الاجتماعية، إذا كان هناك حالة من التحرك الشعبي، ولكن أحذر، أحذر من أن هناك من يتربص بالتحركات الجماهيرية التي قد تؤدي إلى وقوع هذا البلد كله في قبضة من لا يستحق، نحن نواصل المعارضة لأننا لا نعارض من أجل المعارضة، نحن نعارض سياسات، ولهذا عندما توجهت وقلت لتذهب هذه الحكومة وليذهب قبلها هذا التوجه السياسي والاقتصادي، فأنا أقول هذا لأنه أدى إلى حالة من افتقاد الحكم كله للرضاء العام.

أنا بصفتي المواطن رفعت السعيد أسأل الرئيس مبارك: إلى متى تصبر على هؤلاء وعلى ما يفعلونه بالشعب المصري؟

• من المؤكد أن لدى الرئيس معلومات لاتتوافر لك بخصوص الوضع الاجتماعي وبخصوص الأرقام التي تشكك فيها؟

- الحَكم هو الشعب.

• أنت تتحدث عن أن هذا الشعب سوف ينفجر ويغضب منذ حوالي 30 عاما، ولم يحدث؟

- الفرق بيني وبينك أنني درست تاريخ، كنت زمان أقول لتلاميذي في الجامعة ما يتحقق تاريخياً لا يتغير إلا تاريخياً، حالة من الإحباط والكَبت للجماهير تتغير تاريخياً، والناس بدأت تنفجر، والظواهر التي تراها لم تكن موجودة قبل ذلك، لم يكن موظفي الضرائب العقارية يعتصموا و«يجيبوا ستاتهم».

• هناك من يحلل ذلك على أنه نتيجة حراك سياسي مختلف، الوضع السياسي في المجتمع مختلف؟

- ليس حراكًا سياسياً، بل حراك اجتماعي مختلف، ضج الناس، عايز أقول أنه لما قامت ثورة 1919 لم يكن يتوقعها أحدا أبداً، كان سعد زغلول حين حذر اعتقلوه، فجاءت القارعة، وبدأت ثورة 1919 مجموعة من الطلبة ذهبوا والتقوا عبدالخالق باشا فهمي في بيت الأمة، وقالوا له عايزين نعمل مظاهرة، قال لهم لا تثيروا غضب القوم علينا، قالوا له لا سنتظاهر، وقال لهم: إن المسألة ليست عبث أطفال، وفي سنة 1935 لم يكن أحد يتوقع التحرك، وفي 1946 لم يكن أحد يتوقع التحرك، وفي 1977 من اللي كان يتوقع إن «شوية» إجراءات اقتصادية تعمل هذا كله، لا تطمئن لهذا الهدوء.

• يا دكتور لا تقحم معايير السياسة في الحكم على التاريخ، أنت تحكم على فترات لها عناصر مختلفة أيام الاحتلال؟

- وما العناصر المختلفة في 1977، «كان فيه إيه»؟

• إذا كنت تريد أن تتحدث عن 1977 لا تتحدث عن ثورة 1919، وماله علاقة بقضية وطنية وتحرر من الاحتلال.

- أنا أقول لك أن تحرك الشعب المصري لا ينتظر أحداً.

• يكرر اليسار كثيراً الحديث عن سيناريو 1977، ما الذي حصل في 1977، أنت هل تعتقد أنه سيتكرر بهذا الشكل كما يعتقد كثير غيرك من اليساريين؟

- أنا لا أعتقد أنه سيتكرر، أنا أحذر أن يتكرر.

• على الرغم من أنك أعلنت لا تنزعج كيساري من حركة اجتماعية؟

- أنا أوقظ النائمين في الحكومة الذين يهيأ لهم أنهم سوف يسيطرون على هذا الجيش من الفقراء بقوات الأمن المركزي، لا أحد منهم سيقدر على إيقافهم، وأنا أخشى على مستقبل مصر أكثر ولا أخشى على مستقبل هذه الحكومة.

• لم يشكك في خشيتك على مصر، ولكن كيف ترى هذه الحركة كما تتوقعها، هل نوع من الفوضى، وهل ترحب بها أم تحذر منها؟

- أنا أرحب بها إذا كانت لها قيادة قادرة على توجيهها نحو المستقبل، أنا أريد تغييراً يحقق لمصر مستقبلاً أفضل.

• صف لي هذه الحركة التي تتوقعها، هل هي تغيير اجتماعي عن طريق صندوق الانتخابات أم تغيير عن طريق فوضى في الشارع؟

- هذا يتوقف على رد فعل النظام، حين خرج مليون مواطن في الشارع مثلما حدث في 1977 اضطرت الحكومة إلى أن تتراجع ولغت قرارها.

• لم يخرج مليون مواطن في 1977؟

- لم يخرجوا! خرج كم إذا.

• ألم تقل ان أي أرقام ليست صحيحة؟

- الناس خرجت من أسوان لإسكندرية وفي كل القرى، أنا في المنصورة رأيت كيف كان الناس يدخلون منزل المحافظ ويطلعون اللحمة من الثلاجات.

• هذه الحالة أنت تعتقد أنها ممكن أن تحصل، أريد توضيحاً، لأن هذا الكلام يتكرر في خطابكم وفي خطاب آخرين؟

- يمنعها، إذا كانوا يظنون أنه يمكن منعها بالأمن المركزي، الأمن المركزي لن يستطيع أن يمنعها، أنا أقول انها ممكن تحصل.

• لماذا، اقنعني بصدق تحليلك، حتى لا أعتبره مجرد كلام.

- لأن الرضاء الاجتماعي مفتقد، لأن الناس أحياناً تبيت بلا عشاء، لأن الناس لا تجد ما يمكنها به أن تلحق أولادها بمدارس محترمة، الناس لا تجد ما تأكل به، أنا كنت في إسكندرية في مؤتمر، واحدة ست قالت لي: «نقلي شوية بتنجان ونتعشى بيهم ،طب الزيت غلى والبتنجان غلى، نتعشى بإيه؟»

• أنت لا تقدم تحليلاً متكاملاً يؤدي إلى دعم ما تقول من توقعات، عموماً كيف يقيم الدكتور رفعت تأثير الأزمة الاقتصادية الدولية على الداخل، وهل تلتمس العذر للحكومة في بعض الأحيان؟

- بالضرورة أي نظام الآن خاصة في ظل عصر العولمة، وحرص الحكومة على أن تربطنا بالدولار، والاقتصاد الغربي، والسوق الأوروبية المشتركة بالضرورة يتأثر، ولا أنكر أن هناك أسعاراً تتزايد عالمياً، أن يؤخذ خبز الفقراء في العالم ليعطى وقوداً لسيارات الأغنياء، هناك جرائم موجودة، وهذا ينعكس على الاقتصاد المصري، ولكن الاستسلام لهذا الأمر أصبح سمة الحكومة والنظام، التي كان يتعين لها أن تغير قانون الضرائب لتفرض الضرائب التصاعدية.

• هل المناداة بالضرائب التصاعدية فكرتكم؟

- هذه فكرة الرأسمالية، باعتبارها المخرج الوحيد.

• الحكومة ترى أن الضرائب التصاعدية ليست حلاً، وأن علينا أن نثبت أسعار الضرائب لفترات طويلة؟

- أنا أريد أن أسأل الحكومة وجهابذتها: لماذا لا تهز الضريبة التصاعدية النظام في السويد أو في فرنسا.

• تقول لأن هذه الضرائب التصاعدية مستقرة هناك منذ زمن، الحكومة تتحدث عن أنها أحدثت تغييراً في أسعار الضرائب، وأنه عليها أن تبقي عليها لفترات لكي تجتذب المستثمرين الخارجيين.

- الحد الأقصى لتحديد الشريحة في مصر هو 40 ألف جنيه، ما الذي يعنيه هذا، يعني 107 جنيهات في اليوم، أي سواق ميكروباص شاطر يكسبهم في اليوم، فهل المنطقي أن يكون سواق الميكروباص في شريحة أغنى أغنياء مصر نفسها، ليس منطقياً.

• على قدر دخلك تدفع نسبة مئوية منه؟

- تدفع الشريحة ذاتها... أي 20 في المئة؟

• إن 20 في المئة من الـ 40 ألفا ليست هي 20 في المئة من 40 مليارا.

-  هؤلاء الرأسماليون وحوش وهم محدثو نعمة.

• أنت تتكلم عن الرأسمالية باعتبارها محدثة نعمة، ألا توجد رأسمالية وطنية في مصر؟

- مصر اجتثت الرأسمالية الكبيرة من جذورها، فأنت عندما تعود الآن تنشئ فئات لم تكن موجودة في الماضي.

• أليس لها تقاليد الرأسمالية القديمة؟

- تعرف أنه لا يوجد في العاشر من رمضان لجنة نقابية واحدة.

• هذه قد تكون مشكلتكم أنتم، تيار العمل النقابي عمل يساري بالدرجة الأولى؟

- عندما يتوظف العامل في المدن الجديدة عند الرأسمالية  المصرية المحترمة يوقع على استقالته.

• أنت شخصياً متهم في بعض الوقت بأنك تفرض على عاملين عندك في الصحيفة «الأهالي» بأن يوقعوا على استقالاتهم أولا، الحكاية نفسها التي تنتقدها؟

- «هنخلص دي وارد عليك»، العامل يوقع على استقالته ويوقع على «استمارة 6 » وأحيانا يوقع على شيكات على بياض، «يبتدي يعمل حفلة نقابية ويوقع على «استمارة 6»، يقل أدبه يطلع شيك على بياض، فيأتي حد ويقول: رفعت السعيد بيمضي الناس، أتحدى أن تثبت أنني قبلت استقالة من واحد.

• أعرف أن الكلام هذا غير دقيق، ولهذا قلت أنت متهم، ولكن قد يجوز أن يكون اتهامك للآخرين غير دقيق، أيضاً.

- أنا أدعوك لأن تذهب لمدن 6 أكتوبر، والسادات، والعاشر من رمضان، وأن تسعى لأن تجد لجنة نقابية.

• لنفرض أن هذا صحيح، أين إبداعكم السياسي، أين تحرككم النقابي؟

- إبداعنا السياسي، من قال اننا ليس لنا عمال هناك، لكن لا نقدر أن ننظمهم في نقابات، لما يكون عندك لجنة نقابية محترمة تعرف  تتفاوض معها، لكن لما راحوا في مصنع العامرية الوزيرة أرسلت وكيل أول الوزارة يقول لهم ابعتوا لي ناس أتفاوض معهم، يقولون له لا، اتفاوض معنا كلنا، آلاف عدة من العمال، ليس لهم ممثلون. هنا تكتشف الرأسمالية أنها أخطأت، لأنها حررت العمال من سلاح العمل النقابي، الآن هم يكتشفون خطأ سياسة أنه لا ينفع أن يكون هناك تكوين نقابة لأنهم يفتقدون شريكًا في التفاوض، أنا اتصلت بعائشة عبدالهادي «وزيرة القوى العاملة والهجرة في مصر»، قلت لها ارسلي حد يتفاهم مع هؤلاء الناس، وقالت لي لا أجد أحدا أتفاهم معه، نحن في حاجة لنظرة جديدة في التعامل مع المشكلات الاجتماعية والاقتصادية بعقل منفتح.

• قل اقتراحا للحل؟

- مزيد من الشفافية والعدل الاجتماعي، وفرض شكل من أشكال إعادة توزيع الدخل، يمكن الدولة المدينة يمكنها سداد ما عليها من التزامات إعلام وصحة وتعليم، لا يمكن أن يكون ذلك إلا بإعادة توزيع الدخل القومي يشترك فيه الجميع، ويدرك الجميع أنها ضرورة اجتماعية ومجتمعية.

• اقترح سياسة من رؤى وأفكار الحزب.

- هذا ما أقوله.

• أنت تتحدث عن مزيد من الشفافية، فهناك أساس في الفكر الذي تتبناه يقوم على الشفافية، وأنت تتحدث عن مزيد من العدل الاجتماعي، وهذا أساس آخر.

- لابد من الشفافية والديموقراطية والعمل النقابي المستقل، نقابات يعني حركة نقابية مستقلة، من دون رضاء اجتماعي يحقق عن طريق فرض الضرائب التصاعدية، وعلى تحقيق العدل الاجتماعي، وزيادة إنفاق الحكومة على الخدمات الأساسية التي لن تأت إلا عن طريق توزيع الدخل، من دون هذا لا أمل.

 ••• غدا الجزء الثاني من الحوار






الزميل عبدالله كمال محاوراً رئيس «حزب التجمع» المعارض



«الحكومة تعتبر أن مهمتها الأساسية تدليل حفنة من الأثرياء»

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي