الخيام... أسطورة الغزل الروحاني

u062f. u0639u0628u0627u0633 u062eu0627u0645u0647 u064au0627u0631
د. عباس خامه يار
تصغير
تكبير
اختارت منظمة اليونسكو يوم الثامن عشر من مايو «أمس» يوماً عالمياً لاحياء ذكرى الشاعر والفيلسوف العملاق عمر الخيام، تلك الشخصية التي أذهلت العالم طوال الف عام مضت برباعياتها المضمخة بتعابير فلسفية عميقة تعالج هموم الحياة و متاهاتها.

ولد الخيام في نيسابور سنة 1040 م في عهد اول ملوك السلاجقة وعاش وتعلم في مدارس نيسابور ومعاهدها وتفوق على أقرانه بفضل ذاكرته وذكائه وكان أبوه صانع خيام فاشتقّ اسمه من حرفته.

وكان أثناء صباه يدرس مع صديقين حميمين، وتعاهد ثلاثتهم على أن يساعد من يؤاتيه الحظ الآخرين، وهذا ما كان.

فقد وصل إلى الوزارة نظام الملك (الطوسي) فخصّ عمر بن الخيَّام عندها بمائتين وألف مثقال يتقاضاها راتباً سنوياً يتقاضاه من بيت المال كل عام مما ساعده على التفرغ للبحث والدراسة.

وهكذا صار لعمر بن الخيام الوقت الكافي للتفكير بأمور وأسرار الحياة، بعد أن توفّرت له أسباب المعيشة وسافر الى اكثر بلدان العالم المتمدن آنذاك وحج بيت الله الحرام وزار بلخ و بخارى وبغداد وأقام في مرو وبالرغم من تلك الأسفار فانه قضى معظم حياته في مسقط رأسه مدينة نيسابور طالباً وعالماً و مدرساً يزيد قدره على مر الأيام ويذيع صيته عبر الأقاليم.

يقول:

أفنيتُ عمري في اكتناه القضاء

وكشف ما يحجبه في الخفاء

فلم أجد أسراره وانقضى

عمري وأحسست دبيب الفناء

وقد نظر الخيام الى الحياة نظرة التفاؤل والاستمتاع باليوم الذي يعيشه دون النظر الى ما يخبئه الغد من سعادة او شقاء وأمعن في التعبير عن فلسفة الحياة و أنماطها أمعاناً لا حد له واختلف العلماء في تصنيف عمر الخيام والأرجح أنه لم يخرج عن المألوف إنما هي صرخة في وجه الظلم والأمور الدخيلة على الدين الإسلامي في عصره.

ولم يفكّر أحد ممن عاصره في جمع الرباعيات. فأوّل ما ظهرت سنة 865 هـ، أي بعد رحيله بثلاثة قرون ونصف القرن. ولعلّهم كانوا يخشون جمعها لما حوته من جرأة وحكمة.

وأوّل ترجمة للرباعيات كانت للغة الإنجليزية، وظهرت سنة 1859، أما الترجمة العربية من الفارسية فقام بها الشاعر المصري أحمد رامي. وهناك ترجمة أخرى للشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي.

من أبرز حوادث التزوير في التاريخ أن معظم الناس يقولون بأنّ الخيام لم يكن إلا شاعراً. والصحيح انه كان من أكبر علماء الرياضيات في عصره، واشتهر بالجبر وعلوم الفلك واشتغل في تحديد التقويم السنوي الهجري وفق النظام الشمسي.

وهو أوّل من اخترع طريقة حساب المثلّثات والمعادلات الجبرية من الدرجة الثالثة بواسطة قطع المخروط.

وقد وضع الخيام تقويما سنوياً أدقّ من التقويم السنوي الميلادي الذي نعمل به اليوم.

وبسبب الفهم الخاطئ لفلسفته ولتصوّفه اتهم بالإلحاد والزندقة وأحرقت كتبه، ولم يصلنا منها سوى الرباعيات لأنّ القلوب أحبّتها وحفظتها من الضياع. غير أن الخيام كان عالماً عبقرياً وملماً ومبدعاً أكثر بكثير من كونه شاعراً. وضياع كتبه في الرياضيات والفلسفة حرم الإنسانية من الاستفادة من الاطلاع على ما وضعه في علوم الجبر والرياضيات.

من جهة أخرى، تم الكشف عن جزء بسيط فقط من عبقريته، من خلال ما تبقى لنا من رباعياته. ولو لم تحرق كتبه لساهمت في الكشف عما خفي على العلماء، وربما توصّلوا لما في كتبه بعد قرون وربما لم يهتدوا حتى الآن إلى ما توصّل إليه.

آه لو تمهّل أهل السلطة والقرار في إحراق الكتب القيمة... فقد احرقوا على سبيل المثال لا الحصر كتاب الغزالي «إحياء علوم الدين» بحجة الكفر وحجج أخرى، وما لبث هذا الكتاب أن أصبح بعد سنين من أهم الكتب الإسلامية!

ويذكر هنا أن الأقدار شاءت أن يموت الخيام، وهو الذي اتهم بالإلحاد وأحرقت كتبه، بشكل لافت للنظر... مؤكداً إيمانه بالله... فقد مات الخيام بعد أن صلى ركعتين.

* المستشار الثقافي الإيراني لدى الكويت
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي