بصوت تلمؤه الحسرة قالت أم سعود: (ماكو فايدة، حتى لو يزيدون الرواتب عشر مرات ما راح يكفينا معاشنا)!! سألتها عن السبب فقالت: «الواجبات الاجتماعية في الكويت تستهلك أكثر من نصف رواتبنا، فراتبي الذي يزيد على الف دينار شهرياً لا يكاد يمضي خمسة أيام من الشهر الا وقد انتهى، وليتني أصرفه على أشياء مهمة، ولكن كل يوم يتصلون بي ليخبروني بأن فلانة ولدت أو فلانة تزوجت او فلانة عندها مناسبة، وبالطبع فان واجبي ان أشارك النساء في شراء هدية لهن».
في السابق كانت الهدايا التي نقدمها لاصدقائنا رخيصة ولا تتعدى 30 ديناراً، اما الان فقد اصبح كل شيء غاليا، واذا اشتريت هدية رخيصة يزعلون منك وينظرون لك نظرة احتقار ويعلقون! تصور بان زميلات العمل اتصلن بي بالأمس ليجمعن «حطة» لشراء هدية لفلانة الوالدة، مبلغ 80 ديناراً من كل موظفة!! وخلال هذا الشهر كانت لي اكثر من عشرة «مواجيب»!!
أشعر باننا نفعل ذلك للرياء والسمعة، وكثيرا ما نشتري هدايا لا يحتاجها من نقدمها له!!
«حتى عيالنا اصبحوا يزيدون في طلباتهم من اجل زيارة أصدقائهم، ويتباهون في اللبس والماركات، وياويلنا إن قلنا لهم ما عندنا فلوس!! أنا في الحقيقة لا ادري من اين يأتي الناس بالفلوس للصرف على نفقاتهم، هل يسرقونها ام يقترضون من البنوك؟!».
أبو سعود يقول لي دائما: «حرام عليكم ورانا بيت نشتريه ومصاريف مدارس وغيرها، وفوق كل هذا تبون تسافرون كل سنة إلى أحسن الأماكن!! حتى لو كنت صندوق ذهب، ما أقدر اوفر لكم كل هالفلوس براتبي البسيط!! حتى ولادة البنت اصرت على ان تكون في أكشخ مستشفى وصرفنا عدة آلاف من الدنانير على غرفة خمس نجوم لان زوجها ما يقدر يوفر لها فلوساً تكفي!!».
ان مشكلتنا في الكويت ليست بسبب قلة الفلوس ولكن بسبب التنافس الاجتماعي القاتل والتسابق على المظاهر الاجتماعية، والكل يئن تحت وطأتها دون ان نقدر على تغيير تلك الطقوس الاجتماعية التي اصبحت مقدسة ولا نستطيع تجاوزها، وقد لا يلاحظ الانسان بان كثيرا من الافراد يضطر تحت ضغط الظروف الاجتماعية الى الاستدانة من الاقارب ومن البنوك لكي يحقق ذلك المستوى من المعيشة، ثم يتورط بعدها بقضايا في المحاكم وضبط واحضار وامتهان ذليل!!
اتمنى لو تتبنى مجموعة من الشباب الغيور على وطنه تأسيس جمعية تهتم بمقاومة الضغوط الاجتماعية الكثيرة وبترشيد الانفاق، وان ترفع شعارات مثل: «مد ريولك قد لحافك»، وشعار: «البركة في القليل»، فلسنا بحاجة الى الاسراف في الانفاق لكي نحقق السعادة المنشودة، ولسنا بحاجة الى «تصفير» ميزانياتنا من اجل اسعاد اصدقائنا بالهدايا الغالية، ولسنا بحاجة لتكديس اصناف الطعام يوميا، ثم نرمي باغلبه في صناديق القمامة!!
إن نوابنا قد ابتلشوا بمطالباتنا الدائمة بتحسين الوضع ويبذلون جهدهم من اجل رفع الرواتب والعلاوات، ولكن لكل شيء حدود، فالحكومة قد اصبح جلدها سميكاً واصبحت ترد معظم الطلبات المالية متحججة بعدم امكانية تحقيق المطلوب، وعندها حق بذلك، لاننا وللأسف كلما زادوا من اعطياتهم، بحثنا عن سبل لتبديدها، كما ان الاجيال الجديدة ليس لديهم روح التوفير والاقتصاد ولا يفهمون معنى (محدودية الدخل) وإنما شعارهم: (اصرف ما في الجيب، يأتيك ما في الغيب)، وينسون (بأن السماء لا تمطر ذهبا)، وان (الأحلام لا تبني القصور).
د. وائل الحساوي
[email protected]