مقال

حرية الصحافة ... حرية الرأي

تصغير
تكبير
في اليوم العالمي لحرية الصحافة 3 مايو تراود الذهن مقولة ثبتت صحتها ودقتها بالتجربة العملية وهي: إن الصحافة من دون حرية ليست صحافة. فالصحافة حريتها. وعمل الصحافي يرتقي أو يتردّى باتساع وضيق مساحة الحرية المتاحة له.

داخل الحدود والقيود والنواهي يصبح عمل الصحافة عسيراً بل ومشوهاً. أي حدود أو أي قيود من شأنها تكبيل يدي الصحافي. من شأنها أن تجزَّ ما يراه ويلمسه. من شأنها أن تُضعف الأضواء التي على الصحافة أن تسلّطها على هذا الموضوع أو تلك الظاهرة، فتظهر أنصاف الحقائق.

لهذا تُمنع العديد من الصحف ووسائل الإعلام في هذا البلد أو ذاك. منع الصحف، أو مصادرة حريتها ذرٌّ للرماد في عيون الناس، إعماؤهم، عصب عقولهم- قبل عيونهم- كي لا تعي ولا تعرف. مصادرة الصحف أو إيقافها إلغاء للرأي الآخر. تعتيم على وجهات النظر الأخرى.

في الدول المحكومة بأنظمة الاستبداد ستتجلى حقيقة السلطة الحاكمة على نحوٍ عارٍ تماماً من خلال علاقتها بوسائل الإعلام المختلفة. منذ أن ظهرت الصحافة في العالم كانت مصدر قلق وخوف وشك من قِبل النظم الاستبدادية. ذلك لأن الصحافة هي مرآة العيوب والكوارث لدى النظام من هدر المال العام إلى اعتقال الناس والتعسف بحقوقهم.

ولذا ليس من المصادفة أن حُورب الصحافيون وتمّت ملاحقتهم واعتقالهم وصولاً إلى اغتيالهم في عدد من البلدان العربية سواء بعد الربيع العربي أو قبله بسنوات وسنوات. الصحافة كلمة مرعبة للاستبداد لأنها تعني كشف المستور. والصحافة موضع شك دائم لدى الحاكم المستبد ليس لأنها تكذب أو تصدق فيما تقول، بل لأنها العين التي ترى ما لا يرغب الحاكم في أن يُرى. والأذن التي تسمع ما لا يريد الحاكم أن يُسمع وهي كذلك اللسان الذي يفضح ويُعرّي ويُعرّف المحكومين بما قد لا يكونون على معرفة به.

هل يعني ذلك أن الصحافة منزّهة، وأن الصحافيين ملائكة على الدوام؟ بالقطع لا. ثمة من هو حر القلب نزيه الضمير، وثمة من هو مأجور. ثمة من يسعى إلى الحقيقة، وثمة من ينفذ مآرب وغايات خاصة. ما من حكم تعميم بالتأكيد. لأن أي تعميم في أي ميدان أو حقل يكون مخطئاً ومضلِلاً دائماً.

تحاول أنظمة الاستبداد أن تصطاد في مياه ما سبق فتلغي العمل الصحافي وتصادره، والأصل هو أن تكون بلدانها بلداناً وأن يكون المواطنون فيها مواطنين، يحكمهم الحق ويوحّدهم العدل.. ثم لتتفضل «صاحبة الجلالة» الصحافة مع مالها وما عليها ولتعمل في البلاد تحت ضوء الشمس.

أليس حريّاً أن نسأل لماذا يملك الإعلام في الدول المتقدّمة تلك المساحات الواسعة من حرية العمل والنشاط والرأي؟ لماذا تلك الهوامش الواسعة أمام الصحافيين؟ بالتأكيد ليس لأنهم جميعهم ملائكة على الدوام، غير أن الصحافة والإعلام والرأي الآخر ضرورة وحق لا يجوز تكميم صوتها. لتكن الدولة ديموقراطية ولتقل الصحافة ما تشاء. لتكن السلطة تعددية، تحترم حق المواطنة وتحافظ على ثروات البلاد وكرامة العباد، ولتنشط الصحافة ما يشاء لها النشاط. ليكن القانون سيد البلاد ولتفترِ الصحافة بالكذب ما تشاء.

هل ادعاء المحافظة على البلدان يتمّ بتكميم أفواه الناس؟ وهل استقرار البلاد وازدهارها لا يكون إلا بمنع الرأي الآخر؟ هل يضر بالتقدّم على الأرض وإنجاز الازدهار الحقيقي قول هنا أو رأي هناك؟ أليس الأصل حالنا، أم ما يصوّره الإعلام عن حالنا؟ تلك آفة الاستبداد الذي إذ يدّعي المحافظة على العربة لا يضع الحصان خلفها فحسب، بل يقتله!
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي