قوس قزح / شين كان سين

| د. أيمن بكر |


«مرحبا بكم على متن هذه الرحلة المتجهة إلى هيروشيما، ستنطلق الرحلة بعد ثلاثين ثانية وتستغرق ساعة وثلاثا وعشرين دقيقة، برجاء اتخاذ أماكنكم ووضع الهواتف النقالة على الوضع الصامت».
ما سبق ليس إعلانا عن قيام رحلة طيران؛ إنه إعلان عن قيام رحلة قطار الشين كان سين.
في الخمسينات من القرن الماضي توقع اليابانيون حدوث مشكلة في شبكة السكك الحديد لديهم. دلت حساباتهم أن القطارات ساعتها، بأعدادها وسرعاتها القائمة، لن تتمكن من الوفاء باحتياجات الدولة والمواطنين. لذلك ابتدع اليابانيون شبكة سكك حديد جديدة للقطار فائق السرعة اسمها باليابانية: شين كان سين.
تصل سرعة القطار فائق السرعة أو ما يطلق عليه «القطار الطلقة» إلى ثلاثمئة كيلو متر في الساعة، وهي سرعة استطاعت أن تحل مشكلة النقل ليس في اليابان وحدها، بل في كثير من دول جنوب شرقي آسيا كالصين وتايوان.
منذ دخولك إلى محطة الشين كان سين ستشعر أنك في مطار أوروبي فاخر: محلات تشبه السوق الحرة على جانبي أنفاق متعددة الطوابق، ومطاعم من كل شكل ولون وشاشات في كل مكان لعرض مواعيد القطارات وأرقام الأرصفة التي تنطلق منها. على رصيف القطار يقف مراقبون على مسافات متساوية يقومون بإشارات غير مفهومة لك... عرفت بعد ذلك أنهم يقومون بالتأكد من عمل كل مكونات النظام بصورة صحيحة. عند وصول القطار على الرصيف وقفنا في صف محدد بخطوط على الأرض. مقاعد القطار وتجهيزاتها تشبه الطائرة، وفي نهاية العربة هناك شاشة إلكترونية تخبرك بكل المعلومات التي تريد معرفتها عن رحلتك وعن المحطات التي سيقف فيها القطار ومواعيد ذلك بدقة كاملة.
يبدأ القطار بالتحرك فتعود إليك ذاكرة القطارات التقليدية: صوت القطار والمشاهد المتحركة للخلف، لكن سرعان ما ستشعر بالضغط في أذنيك نتيجة السرعة الفائقة التي يصل إليها القطار بعد حوالي دقيقة واحدة من انطلاقه. حولك ستجد المسافرين بين نائم ومنشغل بجهاز الكمبيوتر. وطبقا للتعليمات المعلنة والمكتوبة على ظهر الكرسي؛ لن تجد أحدا يستخدم الهاتف النقال داخل عربة القطار حتى لا يزعج الآخرين. من يرغب في إجراء مكالمة يتحرك إلى المسافة بين العربات. وهو أمر قليل الحدوث عموما لأن الهاتف النقال في اليابان كما هو الحال في الدنيا كلها ـ إلا عندنا ـ يستخدم في الاتصالات الضرورية العملية.
بعد تحرك القطار بقليل دخلت المضيفة وهي تجر أمامها عربة المشروبات، قبل أن تبدأ مرورها انحنت باحترام لكل الموجودين ثم بدأت المرور بهدوء ملائكي. أردت أن أشرب شايا فأشرت لها. توقفت وانحنت لتسمع طلبي. ثم قامت بإعداد الشاي وتمريره بالهدوء نفسه. انتهى مرورها ففتحت باب عربة القطار وأخرجت عربة المشروبات ثم عادت بمفردها فقط لتنحني مرة أخرى للركاب المنشغلين عنها.
سرعة القطار مذهلة.. المشاهد تتحرك بأسرع من اعتياد عينيك على المتابعة. يمر القطار كثيرا داخل أنفاق تخترق الجبال، المدن التي مر عليها القطار بين مدينتي أوساكا وهيروشيما تتشابه كثيرا فلا وجود للمباني العالية إلا في ما ندر.. المساحات الخضراء مسيطرة ولا وجود تقريبا للون الأحمر أو البرتقالي... لا وجود للألوان الصاخبة.. يسيطر اللون الأخضر والأزرق الخافت والأبيض.
دورة المياه في القطار ضيقة جدا لكنها تعمل بتكنولوجيا فائقة؛ فمع فتح الباب يرتفع غطاء كرسي الحمام تلقائيا، وهو كرسي يعمل بالكمبيوتر بصورة كاملة ويقوم بتنظيف نفسه تلقائيا، ثم يغلق الغطاء في أثناء مغادرتك للحمام.
قبل أي محطة بدقيقتين ينطلق تنبيه باللغتين اليابانية ومن بعدها الإنكليزية يخبرك باسم المحطة وتوقيت الوقوف فيها، وبحسب التقاليد يقف من يريد النزول قبلها بقليل لأن وقوف القطار لن يتجاوز الدقيقة الواحدة. حين وصلنا هيروشيما لم أصدق أننا قطعنا ما يزيد على ثلاثمئة كيلو متر في ساعة وثلاث وعشرين دقيقة. في هيروشيما قضيت النهار كله وبداخلي شوق للعودة إلى أوساكا فقط كي أعيش مرة ثانية تجربة الشين كان سين.
ما سبق ليس إعلانا عن قيام رحلة طيران؛ إنه إعلان عن قيام رحلة قطار الشين كان سين.
في الخمسينات من القرن الماضي توقع اليابانيون حدوث مشكلة في شبكة السكك الحديد لديهم. دلت حساباتهم أن القطارات ساعتها، بأعدادها وسرعاتها القائمة، لن تتمكن من الوفاء باحتياجات الدولة والمواطنين. لذلك ابتدع اليابانيون شبكة سكك حديد جديدة للقطار فائق السرعة اسمها باليابانية: شين كان سين.
تصل سرعة القطار فائق السرعة أو ما يطلق عليه «القطار الطلقة» إلى ثلاثمئة كيلو متر في الساعة، وهي سرعة استطاعت أن تحل مشكلة النقل ليس في اليابان وحدها، بل في كثير من دول جنوب شرقي آسيا كالصين وتايوان.
منذ دخولك إلى محطة الشين كان سين ستشعر أنك في مطار أوروبي فاخر: محلات تشبه السوق الحرة على جانبي أنفاق متعددة الطوابق، ومطاعم من كل شكل ولون وشاشات في كل مكان لعرض مواعيد القطارات وأرقام الأرصفة التي تنطلق منها. على رصيف القطار يقف مراقبون على مسافات متساوية يقومون بإشارات غير مفهومة لك... عرفت بعد ذلك أنهم يقومون بالتأكد من عمل كل مكونات النظام بصورة صحيحة. عند وصول القطار على الرصيف وقفنا في صف محدد بخطوط على الأرض. مقاعد القطار وتجهيزاتها تشبه الطائرة، وفي نهاية العربة هناك شاشة إلكترونية تخبرك بكل المعلومات التي تريد معرفتها عن رحلتك وعن المحطات التي سيقف فيها القطار ومواعيد ذلك بدقة كاملة.
يبدأ القطار بالتحرك فتعود إليك ذاكرة القطارات التقليدية: صوت القطار والمشاهد المتحركة للخلف، لكن سرعان ما ستشعر بالضغط في أذنيك نتيجة السرعة الفائقة التي يصل إليها القطار بعد حوالي دقيقة واحدة من انطلاقه. حولك ستجد المسافرين بين نائم ومنشغل بجهاز الكمبيوتر. وطبقا للتعليمات المعلنة والمكتوبة على ظهر الكرسي؛ لن تجد أحدا يستخدم الهاتف النقال داخل عربة القطار حتى لا يزعج الآخرين. من يرغب في إجراء مكالمة يتحرك إلى المسافة بين العربات. وهو أمر قليل الحدوث عموما لأن الهاتف النقال في اليابان كما هو الحال في الدنيا كلها ـ إلا عندنا ـ يستخدم في الاتصالات الضرورية العملية.
بعد تحرك القطار بقليل دخلت المضيفة وهي تجر أمامها عربة المشروبات، قبل أن تبدأ مرورها انحنت باحترام لكل الموجودين ثم بدأت المرور بهدوء ملائكي. أردت أن أشرب شايا فأشرت لها. توقفت وانحنت لتسمع طلبي. ثم قامت بإعداد الشاي وتمريره بالهدوء نفسه. انتهى مرورها ففتحت باب عربة القطار وأخرجت عربة المشروبات ثم عادت بمفردها فقط لتنحني مرة أخرى للركاب المنشغلين عنها.
سرعة القطار مذهلة.. المشاهد تتحرك بأسرع من اعتياد عينيك على المتابعة. يمر القطار كثيرا داخل أنفاق تخترق الجبال، المدن التي مر عليها القطار بين مدينتي أوساكا وهيروشيما تتشابه كثيرا فلا وجود للمباني العالية إلا في ما ندر.. المساحات الخضراء مسيطرة ولا وجود تقريبا للون الأحمر أو البرتقالي... لا وجود للألوان الصاخبة.. يسيطر اللون الأخضر والأزرق الخافت والأبيض.
دورة المياه في القطار ضيقة جدا لكنها تعمل بتكنولوجيا فائقة؛ فمع فتح الباب يرتفع غطاء كرسي الحمام تلقائيا، وهو كرسي يعمل بالكمبيوتر بصورة كاملة ويقوم بتنظيف نفسه تلقائيا، ثم يغلق الغطاء في أثناء مغادرتك للحمام.
قبل أي محطة بدقيقتين ينطلق تنبيه باللغتين اليابانية ومن بعدها الإنكليزية يخبرك باسم المحطة وتوقيت الوقوف فيها، وبحسب التقاليد يقف من يريد النزول قبلها بقليل لأن وقوف القطار لن يتجاوز الدقيقة الواحدة. حين وصلنا هيروشيما لم أصدق أننا قطعنا ما يزيد على ثلاثمئة كيلو متر في ساعة وثلاث وعشرين دقيقة. في هيروشيما قضيت النهار كله وبداخلي شوق للعودة إلى أوساكا فقط كي أعيش مرة ثانية تجربة الشين كان سين.