إحاطة سعودية عن قرب وحِراك أميركي كثيف وإيران... على الخطّ

لبنان يسابق «المهلة القاتلة» للاستحقاق الرئاسي

تصغير
تكبير
دخل لبنان في مرحلة الـ20 يوماً الفاصلة عن انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية من دون ان يتّضح أفق هذا الاستحقاق الذي يبقى محكوماً إما بان ينتهي الى توافق على اسم الرئيس الـ13 منذ الاستقلال (العام 1943) بتفاهمات داخلية تتكىء على مناخ «المهادنة» السعودي ـ الايراني وإما بـ «انتخاب الفراغ» في 25 مايو لينفتح هذا الملف على لعبة التوازنات الكبرى في المنطقة ويصبح رهناً بمسار الحوار بين الرياض وطهران الذي لا يزال «في مهده».

وقبل ثلاثة ايام من موعد الجلسة الثالثة للبرلمان الاربعاء، تكاد رمزية تاريخ 7 مايو تطغى على وقائع الـ «لا انتخاب» الذي سيتكرّر في ظل استمرار تمترس الاطراف الداخلية الكبرى وراء «أوراقها» وعدم رغبة ايّ منها في «حرقها» قبل استنزافها حتى النهاية في إطار لعبة «عضّ أصابع» بدأت تواكبها عن كثب حركة ديبلوماسية لافتة في بيروت يتصدّرها السفير الأميركي ديفيد هيل والسفير السعودي علي عواض عسيري الذي عاد اول من امس، الى بيروت بعد غياب لأشهر (لأسباب أمنية) للإحاطة بالملف الرئاسي وسط تقاطُع موقفيهما عند الدعوة لإنجاز الاستحقاق في مواعيده الدستورية رافعيْن شعار «ان الخيار يجب ان يكون لبنانياً - لبنانياً».


فالاربعاء «الرئاسي» الثالث يحلّ على وقع الذكرى الثامنة لأحداث 7 مايو 2008 التي شهدت عملية عسكرية لـ «حزب الله» في بيروت والجبل تم «تسييلها» سياسياً باتفاق الدوحة الذي أنتج «سلّة تفاهمات» على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية وحكومة جديدة مع ثلث معطّل لـ» 8 آذار» وقانون انتخاب «متوازن». وثمة في فريق «14 آذار» مَن يتحدّث عن تنفيذ «حزب الله» ومعه زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون 7 مايو دستوري من خلال الإمساك بورقة تعطيل نصاب جلسات الانتخاب (86 نائباً من اصل 128) في إطار الضغط لإيصال رئيس بمواصفات تشبه تلك التي أملتها نتائج العملية العسكرية العام 2008 وبما يسمح لـ»8 آذار» بمواكبة مرحلة التحولات في المنطقة برئيس يعكس موازين القوى على الأرض وإن حمل هذا الرئيس «لبوس» التسوية او التوافق.

واذا كان فريق « 14 آذار» المستمر في دعم مرشحه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع يحاول بهذا الترشيح خفض سقف التنازلات التي ستحصل حين تحين «ساعة الحسم» ومحاولة انتزاع رئيس اذا لم يكن من «صلب» تحالف «ثورة الارز» فعلى الأقل يكون حاملاً «روحها»، فان اوساطاً سياسية ترى ان قوى « 8 آذار» ولا سيما «حزب الله» - الذي جاهر بأنه لن يؤمن نصاب الجلسات اللاحقة ما دام جعجع مرشحاً ولم يتم التوافق خارج البرلمان على الرئيس التوافقي - لا يزال «متخفياً» خلف عون، اي انه لا يتبنى ترشيحه بانتظار ان يعلن الاخير ذلك بعد الحصول على موافقة الرئيس سعد الحريري عليه، فيما يبدو ان هدفه الفعلي ايصال احد مرشحيه المضمرين الآخرين تحت عنوان «رئيس التسوية».

وعشية جلسة الاربعاء، برز رفع قوى « 8 آذار» سقفها التفاوضي على وقع ارتفاع المخاوف الدولية من ألا تجري الانتخابات الرئاسية في موعدها. ذلك ان هذه القوى انتقلت الى المجاهرة بعدم الخوف من الفراغ، مختبئة وراء اصوات مسيحية اعلنت أن «التسوية الدولية والإقليمية لم تنضج بعد وقد يُستعمل الفراغ كهاجس لتخويفنا وجعلنا نقبل بأي رئيس» على ما قال رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، معتبراً «ان ما يحصل الان هو تهويل وتخويف للبطريرك من الفراغ للقبول بالتسوية وبرئيس ضعيف»، او كما اكد النائب حكمت ديب (من كتلة عون) من ان «احداً لا يريد الفراغ بسدة الرئاسة، الا اننا لا نريد فراغاً مقنّعاً بايصال شخصية لا تفعل شيئاً بل تدير الازمة».

وفيما حرص أطراف «8 آذار» على «تثبيت» حقّهم في تطيير نصاب الجلسات، تعتبر الأوساط السياسية ان معادلة «حزب الله» تبقى نفسها اي «الفراغ او رئيس تسوية»، لافتة الى ان عون الذي يفترض ان يكون لمس، عبر صهره الوزير جبران باسيل، من الحريري الذي التقاه في باريس ان السير به مرشحاً توافقياً غير قابل للحياة ما لم يحصل على موافقة مسيحيي «14 آذار»، ربما سيحاول الاستفادة من فتح القنوات مع تيار «المستقبل» لتحصين موقع «8 آذار» في المفاوضات حول الرئيس متى أدرك استحالة وصوله فيكون ساهم في «صنع» رئيس التسوية وفي الوقت نفسه حجز لنفسه مكانة في العهد الجديد انطلاقاً من تموْضع أكثر توازناً ولا سيما حيال العلاقة مع الرئيس الحريري يمكن ان يُبنى عليها لاحقاً في استحقاقات مقبلة.

ولاحظت هذه الاوساط انه رغم عدم تلقي عون اشارات ايجابية من الحريري حيال السير به رئيساً توافقياً فان سلوكه في مجلس الوزراء بقي على ايجابيته وهو ما اتاح توافقاً نادراً على إمرار تعيينات المحافظين في جلسة اول من امس، معتبرة ان استمرار مناخ التفاهم في الحكومة التي وُلدت من رحم «المهادنة» السعودية ـ الايرانية يمكن ان يشكل مؤشراً الى ان المهادنة نفسها قد تتيح تقاطعاً اضافياً على إمرار رئيس في اللحظة الاخيرة او بعد فراغ «مدوْزن» يتيح إنهاك جميع الأفرقاء وتشكيل عامل ضغط كبير عليهم للسير بمرشح تسوية يُخشى ان تتحدد مواصفاته حينها بناء على تطورات امنية معينة وإن «موْضعية».

وكان بارزاً امس، انه غداة تحرك السفيرين الاميركي والسعودي (اجرى اتصالات بكبار المسؤولين وتلقى اتصالاً من جعجع) وسفراء الاتحاد الاوروبي، سُجل تحرك السفير الايراني غضنفر ركن ابادي نحو رئيس البرلمان نبيه بري حيث يفترض ان يكون الاستحقاق الرئاسي شكّل محوراً رئيسياً في اللقاء.

وكان السفير عسيري شدد على ان «المملكة لم ولن تتدخل في الشأن الداخلي اللبناني وانا اقول ان اللبنانيين هم من يختارون رئيسهم وهم قادرون على ذلك». بيد انه لفت الى «ان ما نعمل عليه هو ان يكون هناك توافق بين جميع القوى اللبنانية السياسية في ظل الفترة المتبقية بعيداً من الفراغ». أما عن عودة الرعايا الخليجيين الى لبنان، فقال: «لدينا أملاً وثقة في ان الوضع الامني في لبنان سيتحسن وما من شك في ان الخطة الامنية ستثبت مدى قدرة الحكومة على ترسيخ الامن والاستقرار في لبنان».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي