إني أحملُ همّ الطفل الذي ينام على صراخ والديه لا على قصصهم، وهمّ الغريب الذي يُذكّر بغربته في كل لحظة ولا تُستثنى لحظات الفرح، وهمّ المظلوم الذي لا ينال قسطاً من الرحمة من أصحاب النفوذ والسلطة، إني أحمل همّ الخادم الذي يُصرخ في وجهه كلما ارتكب خطأ وكأنه لا ينتمي لجنس البشرية، وأحمل همّ الأحلام التي لم يُبذل في سبيلها جهدٌ ولا أمل، ألا تحملُ تلك الهموم؟
لا يكفي أن نحمل همّا واحداً يتعلق بنا، ولا يكفي أن نحمل هموماً كثيرةً تتعلّق بنا أيضاً، فمسيرنا الحياتي لا ينفصل كما نظن عن مسير غيرنا، وسعينا الذي نسعاه لا يتمحور حولنا فحسب، فدائرة سلوكنا الضيقة يتّسع تأثيرها ويتضخم ليمس العديد من البشر ويؤثر في كُثر علمنا أم لم نعلم، لكن الغريب أننا نُعزل بطريقةٍ ما عن الآخرين، نُعزل عن المظلوم الذي ظلمناه والخادم الذي صرخنا في وجهه والطفل الذي عبسنا أمام نكاته البسيطة، نُعزل بالكبرياء حيناً وبحجة النسيان حيناً وبالانشغال أحياناً كثيرة، نتكبّر على الانسانية وننسى حقوق البشر التي لا ننساها لأنفسنا، وننشغل عن الإحساس بالذنب، متعمدين أحياناً وأحياناً أخرى عن غير قصد.
نحن نُطارد أنفسنا بالأخلاق دون أن نقتني مُعجماً أخلاقياً خاصاً بنا يُترجم سلوكياتنا ويتعقب ألفاظنا ويُدقق حتى في نظراتنا، واكتفينا بوراثة الأخلاق عن مجتمعاتنا دون غربلةٍ أو تمحيص وردّدنا بـ«إنا وجدنا آباءنا على أمة» واستسلمنا لهديهم.
إن سُنة آبائنا ومجتمعاتنا تحتمل الصواب والخطأ، وتحتمل التعديل والتحسين، فلماذا نقف عند ما وقف عليه السابقون، ونخشى المُضي قُدُماً في سبيل الاستزادة؟، فإني ذُهلتُ بموقف شابٍ كان يضع لنفسه قائمةً أخلاقية ويُطبّق في كل شهرٍ خُلُقاً معيّناً ليُضيف على الأخلاق التي تعلمها من بيئته ويُصحح ما احتاج إلى تصحيح.
من الأخلاق أن نعترف بإنسانية الطفل، الخادم، الغريب، الضعيف، والمظلوم، ومن الأخلاق أن نقف في وجه الكبرياء والتناسي والانشغال لنُحقق الإنسانية في أنفسنا ونُثبتُها للآخرين، فقد تعلّمنا من المدرسة النبوية أن نُعامل الغريب كالعزيز في موطنه، وأن نُعامل الطفل مُعاملة تليق بطفولته، ونكون محمديين بتعاملاتنا وباجتهاداتنا الأخلاقية.
@anwar1992m
[email protected]