قصة قصيرة / سراج الأعمى

| بشرى خلفان |


بإمكان الراوي أن يصف سالم بن حمد بأنه شاب طويل نحيل البنية، وبإمكان الراوي أن يصف مسقط في ذلك الوقت من أواخر الستينات بأنها أكواخ وعشش وبعض بيوت من الطين متفرقة وقليلة.
بإمكان الراوي أن يضيف إلى وصف سالم بن حمد بأنه كان شابا أعمى وأن له حكاية، وبإمكانه أيضا - أي الراوي- أن يصف مسقط بأنها مقسومة بسور يحفظ حكومتها وميناءها وقلاعها الشهيرة خلف بوابات ثلاث.
وبإمكان الراوي أن يقول وهو يخبرنا بحكاية سالم إنه ولد أعمى، وبإمكانه أيضا أن يقول إنه فقد بصره قبل بلوغه الثالثة عشرة نتيجة إصابته بالتراخوما، وبإمكان الراوي أن يقول أشياء كثيرة عن مسقط أيضا لكنه لن يفعل، لأنها ليست حكاية مسقط هذه التي يحاول سردها.
بإمكان الراوي أن يخبرنا عن طفولة سالم العادية في حارته على ضفة الوادي الصغير، وحفظه للقرآن الكريم على يد المعلم سعود وعصاه، لكنه لن يكون بإمكانه أن يخبرنا بأمانة – التي كان حريصا عليها- عن الأشياء التي كان يراها في تلك الظلمة، والتي جعلته يحمل سراجا غير مشتعل الفتيل طوال الوقت.
بإمكان الراوي أن يخبرنا بالحكاية التي تبتدئ قبل أن يفقد سالم بصره بقليل، عندما تلصص على الفتيات المستحمات عند طوي النل، وليته لم يفعل.
يحب الراوي أن يستخدم ذلك التعبير جداً، فليته لم يفعل فهو يزيد من توتر الحدث، وهو على حق، فلقد تلصص سالم على حوض استحمام الفتيات، ومن الثقب الذي أحدثه في طين الجدار رأى جسد فتاة أسمر باستداراته الكاملة يستحم، وعيناه تتبعتا ذلك الهطول العجيب لقطرات الماء من شعرها الكثيف على ظهرها العاري، طبعا لا أحد يعرف هذه التفصيلة الدقيقة إلا سالم والراوي الذي سرقها من ذاكرته.
يقول الرواي، إن أحداً لم يطلع على فعلة سالم بن حمد تلك، وحتى الفتاة المبللة الشعر لم تنتبه لوجود عين تراقبها- ما يعرض مصداقية الراوي للخطر هنا، لكنه أمر يمكننا تجاوزه إذا ما تذكرنا ولع الراوي كلي المعرفة بلعب دور الإله - مع ذلك نبت في عين سالم جسم غريب أزعجه جداً، والجسم الغريب كبر في عينيه خلال الليل، وتركهما شديدتي الاحمرار دامعتين طوال الوقت، وصارت الشمس تؤذيه جدا، ثم فقد بصره.
سيقول قارئ ما هنا: إن ذلك كان عقاباً إلهياً وسيظن البعض بأنها صدفة مبالغ فيها، والحقيقة لا يعرفها أحد ولا سالم نفسه. مع ذلك فقد بصره، لكن صورة ذلك الانهمار المدهش على ظهر الفتاة العاري التي كان يتلصص على خلوتها لم تتلاشي.
لم يعرف سالم تلك الفتاة؛ لأنه ببساطة لم ير وجهها، ولهذا السبب تحديداً ظلت الفتاة تزوره في ظلمته، وظل هو يطالبها بالاستدارة نحوه، وعندما فعلت كانت الظلمة كثيفة جداً فلم يرَ وجهها ولهذا السبب ربما... يقول الراوي ربما... ظل سالم بن حمد يحمل سراجه.
بإمكان الراوي أن يضيف إلى وصف سالم بن حمد بأنه كان شابا أعمى وأن له حكاية، وبإمكانه أيضا - أي الراوي- أن يصف مسقط بأنها مقسومة بسور يحفظ حكومتها وميناءها وقلاعها الشهيرة خلف بوابات ثلاث.
وبإمكان الراوي أن يقول وهو يخبرنا بحكاية سالم إنه ولد أعمى، وبإمكانه أيضا أن يقول إنه فقد بصره قبل بلوغه الثالثة عشرة نتيجة إصابته بالتراخوما، وبإمكان الراوي أن يقول أشياء كثيرة عن مسقط أيضا لكنه لن يفعل، لأنها ليست حكاية مسقط هذه التي يحاول سردها.
بإمكان الراوي أن يخبرنا عن طفولة سالم العادية في حارته على ضفة الوادي الصغير، وحفظه للقرآن الكريم على يد المعلم سعود وعصاه، لكنه لن يكون بإمكانه أن يخبرنا بأمانة – التي كان حريصا عليها- عن الأشياء التي كان يراها في تلك الظلمة، والتي جعلته يحمل سراجا غير مشتعل الفتيل طوال الوقت.
بإمكان الراوي أن يخبرنا بالحكاية التي تبتدئ قبل أن يفقد سالم بصره بقليل، عندما تلصص على الفتيات المستحمات عند طوي النل، وليته لم يفعل.
يحب الراوي أن يستخدم ذلك التعبير جداً، فليته لم يفعل فهو يزيد من توتر الحدث، وهو على حق، فلقد تلصص سالم على حوض استحمام الفتيات، ومن الثقب الذي أحدثه في طين الجدار رأى جسد فتاة أسمر باستداراته الكاملة يستحم، وعيناه تتبعتا ذلك الهطول العجيب لقطرات الماء من شعرها الكثيف على ظهرها العاري، طبعا لا أحد يعرف هذه التفصيلة الدقيقة إلا سالم والراوي الذي سرقها من ذاكرته.
يقول الرواي، إن أحداً لم يطلع على فعلة سالم بن حمد تلك، وحتى الفتاة المبللة الشعر لم تنتبه لوجود عين تراقبها- ما يعرض مصداقية الراوي للخطر هنا، لكنه أمر يمكننا تجاوزه إذا ما تذكرنا ولع الراوي كلي المعرفة بلعب دور الإله - مع ذلك نبت في عين سالم جسم غريب أزعجه جداً، والجسم الغريب كبر في عينيه خلال الليل، وتركهما شديدتي الاحمرار دامعتين طوال الوقت، وصارت الشمس تؤذيه جدا، ثم فقد بصره.
سيقول قارئ ما هنا: إن ذلك كان عقاباً إلهياً وسيظن البعض بأنها صدفة مبالغ فيها، والحقيقة لا يعرفها أحد ولا سالم نفسه. مع ذلك فقد بصره، لكن صورة ذلك الانهمار المدهش على ظهر الفتاة العاري التي كان يتلصص على خلوتها لم تتلاشي.
لم يعرف سالم تلك الفتاة؛ لأنه ببساطة لم ير وجهها، ولهذا السبب تحديداً ظلت الفتاة تزوره في ظلمته، وظل هو يطالبها بالاستدارة نحوه، وعندما فعلت كانت الظلمة كثيفة جداً فلم يرَ وجهها ولهذا السبب ربما... يقول الراوي ربما... ظل سالم بن حمد يحمل سراجه.