مشاهد / الليلة الموعودة

| u064au0648u0633u0641 u0627u0644u0642u0639u064au062f |
| يوسف القعيد |
تصغير
تكبير
شاهدت هذا الفيلم على إحدى الفضائيات، التي تعرض أفلاما على مدى الأربع وعشرين ساعة. بعد أن عرفت أنه مأخوذ عن قصة لمحمد عبد الحليم عبدالله.

وبعد المشاهد الأولى من الفيلم، أدركت أنه مكتوب عن زمن الانفتاح الاقتصادي. ومن المعروف أن عبدالحليم عبدالله تُوفيَّ قبل الانفتاح الاقتصادي، وقبل خروج مدينة بورسعيد كرمز من رموز الانفتاح للوجود.

فمن المؤكد إذا أنها قصة كتبها عبدالحليم عبدالله في ستينيات القرن الماضي، وعند إعدادها للسينما، تمت إضافة الانفتاح الاقتصادي إليها، وهو ما يحدث عادة عند إعداد القصص القصيرة لكي تصبح أفلاما طويلة، لا بد من إضافات كثيرة للنص.

عدت لمؤلفات محمد عبدالحليم عبدالله كلها، فلم أجد له عملا يحمل اسم الليلة الموعودة، فأدركت أنه عنوان قصة قصيرة أصبحت جزءا من إحدى مجموعاته القصصية.

ساعدني على متابعة الفيلم حتى النهاية- رغم أنني لا أفعل هذا كثيرا- أن نجيب محفوظ له قصة قصيرة طويلة عنوانها: «أهل القمة» جرى تحويلها لفيلم سينمائي. تدور أيضا حول ما فعله الانفتاح الاقتصادي بمصر. كنت أشاهد فيلم عبدالحليم عبدالله، وأستحضر في ذهني فيلم نجيب محفوظ وأقارن بين الرجلين.

ربما كانت المقارنة ظالمة، فنجيب محفوظ رحل عن عالمنا سنة 2006، وعاصر الانفتاح الاقتصادي منذ بداياته، وأدرك من خلال أخبار كل يوم ولقاءاته مع الناس ما فعله الانفتاح الاقتصادي بالشخصيات المصرية، لكن عبدالحليم عبدالله الذي رحل عن عالمنا سنة 1969 ترك الدنيا بما فيها ومن فيها، قبل كل التطورات التي أوصلتنا إلى ما سميناه الانفتاح الاقتصادي والجراح التي أصابت مصر. رغم أن وفاته جاءت بعد حادث تعرّضَ له مع سائق سيارة أجرة. استقلها من دمنهور إلى كوم حمادة في البحيرة، وكانت هذه الحادثة المبكرة من الإرهاصات الأولى لما فعله الانفتاح الاقتصادي بالمصريين.

في كل من العملين نصَّاب، في أهل القمة نشّال يصبح من رموز المجتمع المصري ومن رجال أعماله، بعد أن جاء الانفتاح، قام بدوره نور الشريف. وفي فيلم عبدالحليم عبدالله نصَّاب أيضا، لكن نصبه لا يخرج عن كونه «مزواج»، يتزوج من نساء ثريات وينصب عليهن إلى أن يستولي على أموالهن. وكل ذلك يتم بالتنسيق مع زوجته الأساسية التي لعبت دورها نجوى فؤاد في ظهور نادر لها، حيث اكتفت بالتمثيل. ولم تمارس الرقص من أول لقطة حتى آخرها. وقام بدور النصَّاب فريد شوقي.

تتسلل بورسعيد لليلة عبدالحليم عبدالله الموعودة، عندما نجد أن أحمد زكي يلعب دور شاب فشل في إكمال تعليمه، واشترى سيارة مستعملة، وعرف طريقه لبورسعيد. يهرِّب البضائع المستوردة الموجودة في بورسعيد. ويصل بها إلى القاهرة. عند ضبطه في إحدى مرات خروجه من بورسعيد، يطلب منه مأمور الجمارك أن يخلع ملابسه كلها، وعند خلع الملابس نكتشف أن جسمه كله مغطى بساعات مستوردة. ثم ارتدى ملابسه عليها. هكذا كان يفعل كل يوم. يحضر بضائع مستوردة من بورسعيد ويبيعها في داخل مصر بأسعار غالية. ويستفيد بفارق السعر، خصوصا أنه لا يسدد أي جمارك على هذه البضائع، وأحمد زكي هو ابن المرأة الثرية التي تزوجها فريد شوقي.

ولأنهما كان يعرفان بعضهما– أحمد زكي وفريد شوقي– قرر أحمد زكي الانتقام منه بالطريقة نفسها التي فعلها مع أمه، بأن يتحول من مهرب إلى نصَّاب ينصب على الابنة الوحيدة لفريد شوقي ويوهمها بالزواج ويطلب منها إحضار الأموال المكدسة في البيت لأنه سيشتري بها تذكرتي طائرة، واحدة له والأخرى لها لكي يسافرا بعد الزواج إلى أميركا ومن هناك يرسلان لأمها ولأبيها لكي يلحقا بهما ويتخلصا من الحياة البائسة في مصر. وينعما بالحياة الجميلة في جمهورية أميركا الفاضلة. الغريب أن الابنة تحضر حقيبة أموال والدها التي أخذها من أم أحمد زكي.

من المؤكد أن من حوَّلا قصة عبدالحليم عبدالله للسينما وهما شريف المنبَّاوي ومحمد أبويوسف، قد أضافا عليها الكثير، وأن مخرج الفيلم يحيى العلمي قد ترك فيه بعض بصماته، لكن روح محمد عبدالحليم عبدالله موجودة. فكل قصصه ورواياته تقوم على أساس أخلاقي صرف. وكان حتى على المستوى الشخصي يؤمن بأنه على الباغي تدور الدوائر، وأن الانتقام من المخطئ مسألة لا بد أن تحدث في النهاية مهما نجح هذا المخطئ في التهرب من الجريمة.

كان عبدالحليم عبدالله رومانسيا، ورومانسيته منعته من رؤية الشر الكامن في الطبيعة البشرية. ولا القسوة التي تجلت في المجتمع المصري. ولا الانفتاح – وهو معذور في ذلك لأنه لم يعاصره، ولم يكن قادرا على التنبؤ به - فالسنة التي مات فيها كانت مصر مشغولة بفكرة تحرير كامل للتراب الوطني الذي استولى عليه العدو الصهيوني، وهو التحرير الذي تم بعد رحيل عبدالحليم عبد الله بأربع سنوات.

لا أريد أن أظلم محمد عبدالحليم عبدالله، فهو مسؤول عن قصته فقط. وأعترف أنني لم أستطع التوصل إليها. لأن عبدالحليم عبدالله الذي كانت روايته توزع أكثر من نجيب محفوظ في ستينيات القرن الماضي، لم يكن يسبقه في التوزيع إلا إحسان عبد القدوس، ولو بحثت في مكتبات القاهرة عن عمل أدبي واحد له الآن لما وجدته، لأن مصر بقدر ما احتفظت بأهرامات الآباء القدامى، فهي الآن تنسى من يرحلون عنها من أبنائها في اليوم التالي لرحيلهم.

أنا لا أحب أن أقارن بين رؤية نجيب محفوظ في أهل القمة. ورؤية عبدالحليم عبدالله في الليلة الموعودة لأسباب كثيرة، لكن لا بد من القول ان أهل القمة شرحت المجتمع المصري وأتت بمهرب قرر الانتقام من ضابط الشرطة الذي تسبب في دخوله السجن، وانتقم منه من خلال زواجه من ابنة أخت هذا الضابط رغم أنفه، بعد أن أصبح اللص القديم والمهرب الحديث من أهل القمة في المجتمع المصري. ومما أضاف الكثير لفيلم نجيب محفوظ. أن التي لعبت دور ابنة أخت الضابط كانت سعاد حسني.

قليلة هي الأعمال التي حُولت من روايات عبدالحليم عبدالله إلى السينما. أذكر منها: لقيطة، روايته الأولى التي حولت إلى فيلم باسم: ليلة غرام. وغصن الزيتون التي جرى تحويلها إلى فيلم يحمل نفس الاسم. لكن الرجل رحل قبل هوجة الدراما التلفزيونية التي حولت الكثير من الأعمال الأدبية إلى مسلسلات. ومصر تطوي صفحة من يموت من أدبائها بقسوة وبعنف إلا في حالات قليلة ونادرة.

في حياته كان عبدالحليم عبدالله يعتقد أن رواياته لم تحول للسينما بسبب استيلاء الشيوعيين المصريين على الإنتاج السينمائي والعروض المسرحية، ومات ولديه هذا اليقين الذي تحدث معي عنه كثيرا. وإن كنت لا أعتقد أن كلامه كان فيه قدر من الدقة. لأن الإنتاج السينمائي مسألة رأسمالية لا دخل للشيوعية فيها.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي