يحتفل العالم اليوم 8 مارس بيوم المرأة العالمي، تقديراً لدورها الرئيسي في الحياة المشتركة للنساء والرجال على حد سواء، فالمرأة هي الأم والأخت والزوجة والابنة، وهي المدرسة الأولى التي تتربى بها الأجيال وتُغرس فيها القيم الأخلاقية والانسانية وقيم التعاون والاخاء والمواطنة، وصدق أمير الشعراء أحمد شوقي عندما قال:
الأم مدرسة اذا أعددتها.. أعددت شعباً طيب الأعراق.
والاحتفال الذي جاء نتيجة لقمع عاملات النسيج في الولايات المتحدة عام 1820، أصبح رمزاً ويوماً لتقدير المرأة ودورها في الحياة في كل أرجاء العالم، فهي شريك لا غنى عنه للرجل في نهضة مجتمعاتها وبناء مستقبلها.
وقد عانت المرأة عبر عصور طويلة من التمييز والقهر والظلم، سواء من المجتمع ذاته أو من الرجل ومن القوانين الجائرة ضدها، التي تجعلها في مرتبة أدنى من مرتبة الرجل، بل تعتبرها مواطنة من الدرجة الثانية، وعانت خلال تلك العصور ولا تزال من العنف والاضطهاد على يد الرجل، بتحقير وازدراء لا يليقان بالتطور الحضاري للبشرية، كما عانت من التخلف الاجتماعي الثقافي، وطُمست حقوقها السياسية والاجتماعية والانسانية.
ورغم أنها أثبتت عبر التاريخ كفاءتها وامكاناتها، وقدمت الكثير من الانجازات العلمية والأدبية وغيرها، حيث لم تختلف بذلك عن شريكها الرجل، بل كانت تقدم هذه الانجازات يداً بيد مع الرجل الذي يجحد وينكر عليها حقها بحياة كريمة متساوية، الا أن معاناتها لم تتوقف خاصة في المجتمعات المتخلفة التي عاملتها كالبهيمة أو كقطعة الأثاث، نازعة عنها صفتها وحقها كانسانة.
وأيضا رغم أن كثيرا من الدول اضافة الى الأمم المتحدة، سنّت قوانين لصالح المرأة ليس نتيجة وعي لهذه الدول، ولكن لأن المرأة بنضالها الدؤوب والمستمر انتزعت هذه الحقوق، الا أن الثقافة لم تواكب تطور هذه القوانين، وحتى في دولة شقيقة مثل تونس التي سنت بها قوانين للأحوال الشخصية متطورة عن كل القوانين المشابهة في الدول العربية، الا أن المرأة التونسية ظلت تعاني من تخلف الرجل ونظرته الدونية لها، فالثقافة لا تتغير أتوماتيكياً مع تغير القوانين أو تغير الوضع الاقتصادي الاجتماعي.
كما أن الحروب والمجاعات لا تفرق بين رجل وامرأة، والظلم والاستبداد لا يفرق بينهما، بل كانت ضحية هذه الحروب ووقودها، كما أن التطهير العرقي والتمييز العنصري والتهجير في اسرائيل لم يقتصر على الرجال الفلسطينيين فقط، بل طال النساء والأطفال، وضمت السجون الاسرائيلية وسجون الأنظمة الاستبدادية عددا كبيرا من النساء، وعوملت المرأة المناضلة من أجل تحرر بلدانها من الاستغلال والقمع والديكتاتورية ربما بأسوأ من معاملة الرجل.
ونحن في الكويت لن ننسى بأي حال ولا بأي وقت من الأوقات شهيدات الكويت، اللاتي قدمن أرواحهن فداء للدفاع عن تراب الوطن وسيادته، ابان الاحتلال عام 1990، حيث قامت المرأة بأعمال بطولية فاقت أعمال كثير من الرجال، فنظمت المظاهرات وانضوت في مجموعات المقاومة ووزعت المناشير، وتعرضت للاعتقال والتعذيب الوحشي والاغتصاب والاعدام على يد المحتل الباغي.
ورغم كل ذلك ما زالت المرأة الكويتية تعاني من التمييز في الأجر والسكن، كما تعاني المرأة المتزوجة من غير كويتي من اجحاف وحرمان أبنائها من الجنسية الكويتية كحق مساوٍ لحق الرجل المتزوج من غير كويتية، ناهيك عما تعانيه المرأة الكويتية البدون من أبسط حقوقها الانسانية والمعيشية.
وقد يقول قائل إن المرأة الكويتية قد حصلت على حقوقها السياسية في الترشيح والانتخاب، ولكن كما أسلفنا ان القوانين شيء والثقافة والعادات والتقاليد شيء آخر، فقد جيّر الرجل هذا الحق لنفسه ووجد فيه فرصة لزيادة عدد أصوات ناخبيه، فأجبرها على انتخاب نائب من اختياره هو.
كما تنتشر في مجتمعنا والمجتمعات العربية ظاهرة خطرة، هي ظاهرة التحرش الجنسي، في الشارع وأماكن العمل والدراسة، دون اجراءات رادعة ومن دون دراسة جدية لمثل هذه الظاهرة وتأثيرها على أرض الواقع.
ان 8 مارس يوم المرأة العالمي هو تذكير بدورها في المجتمع، وفرصة لتسليط الضوء على الظلم الذي يقع عليها من الرجل والمجتمع والقوانين التمييزية، وفي هذا اليوم نتقدم بالتهنئة والتقدير لنساء بلدنا والنساء العربيات اللواتي شاركن بفعالية في ميادين الثورات بالدول العربية، والى نساء العالم أجمع.
وليد الرجيب
[email protected]