دعم خارجي نادر للبنان رغم التصدعات الدولية

بري وجنبلاط يسعيان لتسوية حول بيان الحكومة

تصغير
تكبير
تعود الاهتمامات الداخلية اللبنانية الى مأزق إنجاز البيان الوزاري للحكومة الذي بات أشدّ إلحاحاً وضغطاً على مختلف الافرقاء السياسيين بعد مؤتمر مجموعة الدعم الدولية الذي انعقد اول من أمس في باريس ولم تختلف التقويمات السياسية لنتائجه عن حال الانقسام الحاد الذي يطبع مجمل الوضع السياسي.

ورغم «الانشطار» حيال خلاصات مؤتمر باريس، يمكن التوقف عند ابرز مفاصل هذه التقويمات بشقيها السلبي والايجابي.


في الشق الايجابي اولاً لم يكن امراً عابراً ان يجمع الهمّ اللبناني وزراء خارجية الدول الخمس الكبرى في مجلس الامن ووزراء خارجية عدد كبير من الدول الاوروبية بالاضافة الى الامم المتحدة والجامعة العربية والمملكة العربية السعودية في ظروف دولية تطغى عليها أزمات ضاغطة كأزمة اوكرانيا وظروف اقليمية متفجرة كان آخرها الازمة الخليجية بين قطر وكل من السعودية والبحرين والامارات العربية المتحدة.

اما في الشق السلبي، فيمكن ادراج نقطتين. الاولى تتعلق ببطء المساعدات المقررة للبنان في مجال دعمه على تحمل الاعباء الثقيلة لأزمة اللاجئين السوريين الذين قال الرئيس فرانسوا هولاند في كلمته ان عددهم يقارب مليونين، وذلك رغم اجماع دولي على ان لبنان يواجه خطراً كارثياً من جرائها. فالمؤتمر لم يخرج بنتائج باهرة على صعيد الاكتتابات في الصندوق الائتماني المخصص لأزمة النازحين الامر الذي لفت اليه سليمان نفسه مسجلاً انتقاداً لبطء هذه العملية. واذا كان دعم الجيش اللبناني يجري بشكل جيد تبعاً للهبة السعودية البالغة ثلاثة مليارات دولار، فان ذلك يشكل اكبر دليل على ان مسارات مجموعة الدعم الدولية للبنان لا تسير على سوية واحدة اذ ان الامر الاشد الحاحاً في مسألة اللاجئين يتعثر للافتقار الى الالتزامات المالية اللازمة. علماً ان تقارير نقلت عن أعضاء الوفد اللبناني الى مؤتمر باريس إن المؤتمر لا يهدف إلى الحصول على أموال، بل على دعم سياسي. لكن هذا الوفد عاد وتحدّث عن خسائر لبنان من الأزمة السورية، التي بلغت نحو 7.5 مليار دولار. وهو قدّم خطة عمل قيمتها مليارا دولار، لدعم البنى التحتية وعدد من المشاريع الاستثمارية في لبنان، مع الاشارة الى ان البنك الدولي (الذي يدير الصندوق الائتماني الخاص بتمويل إغاثة اللاجئين في لبنان) منح لبنان 50 مليون دولار، قائلاً إنه سيقدم 20 مليون دولار منها، فيما ستُقدم فرنسا نحو 9 ملايين دولار، والنرويج 4.8 مليون دولار وفنلندا 3 ملايين دولار.

اما النقطة الثانية السلبية الثانية في خلاصات مؤتمر باريس، فتتعلق بطغيان اولويات دولية واقليمية على الملف اللبناني بحيث لا يتوقع تجاوز الاهتمام الدولي بلبنان حدود الدعمي المعنوي والسياسي فيما يتخبط الافرقاء السياسيون في تجاذباتهم وصراعاتهم التي ستشتدّ تباعاً مع الاسابيع المقبلة على خلفية الاستحقاق الرئاسي. وثمة خشية بدأت تتعاظم الآن من تعذر التوصل الى تسوية لصوغ البيان الوزاري قبل انتهاء المهلة الدستورية لنيل الحكومة الثقة النيابية في الـ 15 من مارس الجاري. وهو امر سيفتح البلاد على الازمة الكبرى التي يصبح معها التشابك وثيقاً بين احتمالات الفراغ الحكومي والفراغ الرئاسي الذي تكثر التخوفات منه، ولا سيما بعدما رفع رئيس البرلمان نبيه بري منسوب الضغط على الأفرقاء باعلانه ان مهلة الشهر لوضع البيان الوزاري والمثول على اساسه امام مجلس النواب لنيل الثقة هي مهلة إسقاط وليس حثّ، ما يعني ان الحكومة بحال لم تنجز بيانها ضمن فترة الثلاثين يوماً ستتحوّل حكماً لتصريف الاعمال مع ما يعنيه ذلك من تداعيات كبرى تتصل بالاستشارات الجديدة التي يتعين الدعوة اليها لتسمية رئيس للوزراء وعودة «التفاهمات الموْضعية» الاقليمية التي أمنت ولادة حكومة الرئيس تمام سلام الى «الصفر»، الامر الذي يفترض ان ينعكس سلباً على الاستحقاق الرئاسي ايضاً الذي تدخل البلاد في مداره ابتداء من 25 مارس الجاري وحتى 25 مايو المقبل.

وتقول مصادر وزارية مطلعة لـ «الراي» ان ثمة موجة جهود جديدة بدأت منذ يومين خصوصا بين بري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط للوصول الى تسوية للبيان الوزاري في الاسبوع المقبل على قاعدة تدوير زوايا بند المقاومة ورسم حدود «مرجعية الدولة» بما يوفّق بين شروط فريقيْ 8 و14 آذار، ولئلا تنفتح ازمة حكومية جديدة خطيرة. وهذه الجهود تتسم بطابع حاسم وجاءت في اطارها الزيارة التي قام بها وزير الداخلية نهاد المشنوق امس لزعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون وذلك في سياق التقارب المستمر بين فريق الرئيس سعد الحريري وعون الذي يتهيأ في الفترة المقبلة لزيارة السعودية. علماً ان المشنوق اكتفى بعد لقاء «الجنرال» باستعارة القول العربي المأثور «لا يفتى ومالك في المدينة» اذ قال «لا يفتى والجنرال في الرابية». وحين سئل: «لـ حد هون وصلتوا؟»، أجاب وزير الداخلية: «وأكثر».

وتبعاً لذلك، لا تبدو المصادر الوزارية نفسها متشائمة من امكان نجاح هذه الجهود في اللحظة الاخيرة على قاعدة ان الدفع الاقليمي والدولي الذي امكن معه تشكيل الحكومة يمكن ايضا ان يساعد الافرقاء اللبنانيين على تجاوز مأزق البيان الوزاري بتسوية في اللحظة الحاسمة يحتاج اليها الجميع.

ويُذكر ان الرئيس سلام قال امس «اننا نحرص على ان ننأى بأنفسنا عن التداعيات السورية والتوقعات تشير الى أن أعداد اللاجئين السوريين ستتضاعف»، معتبراً ان «تصريحات الرئيس سليمان ?تعرقل الاتفاق على البيان الوزاري وهناك مساحة من عدم الثقة بين الفرقاء تحتاج وقتا لرأبها».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي