د.عالية شعيب / بوح صريح

أنا أفكر اذاً أنا منبوذ

تصغير
تكبير
عُرف عبر التاريخ تقدير الملوك والخلفاء والأمراء للعلماء والمفكرين والفلاسفة. والأمثلة كثيرة، سواء استدعاء الاسكندر الأكبر لأرسطو لتدريسه الفلسفة والعلوم، أو فتح القصور ومكتباتها وقاعاتها للعلماء والفلاسفة ليكتبوا ويبحثوا ويبتكروا في ظل أجواء توفر الأمان النفسي والاستقرار الفكري. وكان يفتخر الحكام والسلاطين بحظوة الفلاسفة والمفكرين وتواجدهم في القصر للابداع والبحث. وكلما زاد تقدير الحاكم ومحبته للعلم والمعرفة، كلما زاد اعجاب الناس به وبسعة أفقه واطلاعه ومعرفته.

ثم دخلنا العصور المظلمة تدريجيا مع زحف الفساد السياسي وانتشار سرطان المادة والأنانية والوساطة في البلاط السياسي، فتم استبدال العلماء والمفكرين والفلاسفة بالجهلاء والمتسلقين وفارغي العقل والروح، وذوي الألسنة الطويلة والأيدي الرشيقة. وتخلل الظلام العقول التي كانت تشرق عليها شمس المعرفة والتنوير. صار المفكر يقلق السلطة، والفيلسوف يؤرقها، والعالم ينقض عيشها الرغيد. فأبعدوا وجمدوا وقلصت مساحات مشاركتهم ليعملوا في حدود المكتب أو الورقة التي بين أيديهم، فلا يصل صوتهم وثمر أبحاثهم ليزهر في عقول الناس. صعدت هذه التأملات لرأسي وأنا أطالع منذ أيام صورة استقبال الرئيس عباس للكاتب الكويتي سعود السنعوسي الفائز بجائزة البوكر العام الماضي عن روايته ساق البامبو، وذهلت للحفاوة البالغة والترحيب الكبير به في فلسطين. في مقابل، خزي تجاهل السلطات الثقافية الرسمية له، سواء في المهرجانات الرسمية حيث لم تخصص فعالية واحدة له أو عنه، أو حتى في معرض القاهرة الأخير حين كانت الكويت ضيف شرف. مؤسف ومخز فعلا. فبينما تصدّر دول الخليج علماءها ومفكريها وتعلن عنهم اعلاميا وبكثافة بكل فخر واعتزاز، نكنسهم نحن بالتجاهل والنسيان، مثلهم مثل أي مجتهد يحاول اشعال شمعة لتضيء بعض الظلام الدامس. أما الجهلاء ومعدومو الموهبة، فحاضرون في محافل الأمسيات والندوات والجوائز. وان أفلسنا منهم، نستورد جهلاء الدول الأخرى. طالما أنهم ضمن الصفقة المعقودة. قال ديكارت مقولته الشهيرة، أنا أفكر اذاً أنا موجود. وعكسناها نحن بتطبيق، أنا أفكر اذاً أنا معدوم منبوذ مجهول.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي