د. فهيد البصيري / حديث الأيام

أخيرا اتفقوا

تصغير
تكبير
الحمد لله... وأخيرا اتفقت دول مجلس التعاون، من أجلنا وعلينا، وليس مهما نوع الاتفاق، ويكفي أنهم اتفقوا، وألف.. ألف.. الف مبروك على الانضمام لهذه الاتفاقية الأمنية (ومكفيين شرها)، لأننا يا أبطال اصبحنا أعضاء في هذه الاتفاقية، هكذا وبقدرة قادر، ونحن (ولا على البال وعلى الخاطر)، فالمادة العشرون تقول: إذا صادقت أربعة دول على الاتفاقية، فإنها تصبح سارية المفعول على الجميع. وحتى على أعضاء مجلس الثواني الأخيرة من الوقت الضائع.

والديباجة التمهيدية للاتفاقية جاءت روحانية على ملائكية،حيث تبدأ الاتفاقية، بعبارات مثل (وإيمانا بالشريعة الإسلامية)، (وانطلاقا من روح الإخوة والصداقة)، ومن قبيل هذا الكلام جميل، إلى أن تبدأ الاتفاقية بعبارة: وعلى الدول الأطراف أن تتعاون على ملاحقة الخارجيين على القانون والنظام، مع أن القانون هو النظام، ولكن الحرص واجب. ثم بعد ذلك تهل بشائر المواد الأخرى وكل مادة تحتاج إلى مذكرة تفسيرية تفسر (الجمال) المطاطية فيها.


وهناك مواد ظريفة وخفيفة على النفس، وهناك مواد عسيرة على الفهم والهضم، ومن المواد العسيرة على الهضم المادة السادسة، والتي تقول بضرورة توحيد القوانين والأنظمة والإجراءات بين دول المجلس. ولا أدري كيف سنوحد هذه القوانين؟ فبعضنا يستند إلى الشريعة الإسلامية وبعضنا الآخر يستند إلى القانون الفرنسي، ولا حل هنا إلا إما أن نمشى على مزاجهم وإما أن يمشوا على مزاجنا، ومن غرائب هذه الاتفاقية، أنها اتفقت حتى على رجال الأمن أنفسهم، واشترطت عدم السماح لهم بالانتقال من دولة إلى دولة أخرى، إلا بموافقة وزارة الداخلية التي كان يعمل بها رجل الأمن. أما المادة الرابعة فتقول على الجهاز الأمني أن يقدم لشقيقه الجهاز الأمني الآخر، كل المعلومات المطلوبة عن الموطنين والمقيمين لديه، سواء أكانوا من ذوي السوابق أم كانوا من المواطنين العاديين، والحقيقة إن الاحتياط واجب، فمن يدري ربما يتحول المواطنون في مجلس التعاون إلى مجرمين في المستقبل!

أما المادة العاشرة فقد جاءت مفتوحة بلا غطاء، فهي في البداية تدعو إلى التكامل الفعلي بين أجهزة الأمن، وإلى هنا معقول، ثم تقول : والتعاون الميداني، وقلت: ماشي، ولكنها في النهاية تقول: وتقديم الدعم والمساندة في حالة تعرض أي من الدول الأعضاء لاضطرابات أمنية. والمشكلة هنا أن مفهوم الاضطرابات الأمنية أوسع من أبواب جهنم، فمظاهرات العمالة تعني اضطراب أمني، وأي عمل إرهابي ولو كان محدودا يمكن أن يخلق اضطرابا أمنيا، وحتى أي خلاف بين أسرة الحكم (لا سمح الله) قد يعتبر اضطرابا أمنيا!

وكل المواد تهون إلا المادة السادسة عشر، وهذه المادة تسمح بما لا يقبل الشك، لأي دولة بأن ترفع قضية على مواطن في دولة أخرى، وتدينه وتحكم عليه، وتطلب من دولته أن تسلمه لها يدا بيد لتوقع الحكم عليه، وهذه المادة من الممكن أن تنطبق حتى على هذه المقالة، فتعتقد احدى الدول أنني انتقدها، فتقوم بمحاكمتي غيابيا، وربما دون عملي، ويصدر حكم بالسجن ضدي، وعلى الكويت في هذه الحالة أن تسلمني مخفورا مع باقة ورد، مشفوعة ببطاقة شكر إلى تلك الدولة، لأقضي بقية حياتي هناك، وحضراتكم تتابعون كأس الخليج!
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي