أنوار مرزوق الجويسري / فواصل فكرية

القيم تُكمّل بعضها

تصغير
تكبير
حينما أبحثُ عن الأطروحات التي تنادي بالستر أجدها في الغالب أطروحاتٌ شرعية، وعندما أبحثُ عن الأطروحات التي تنادي بالحرية أجدها في عمومها ليبرالية. هذه الحقيقة تستثير أسئلة تبحث في العلاقة بين الستر والحرية، فهل الستر يتعارض مع الحرية بما أن أصحاب الشريعة والليبراليين في تعارض مستمر؟ هل المبدأ الذي يطرحه أحدهم ينتج عنه طمس المبدأ الذي ينادي به الطرف الآخر؟ هل المرأة الحرة لا تستطيع أن تحقق مبدأ الستر؟ وهل الرجل الذي حقق مبدأ الستر لا يستطيع أن يكون حراً؟

للإجابة عن تلك الأسئلة يتحتم علينا تفحّص مفهومي الحرية والستر، فماذا يعني كل منهما؟ متى يتعارضان ومتى يتوافقان؟


الستر ببساطة يتضمن ستر العورة، غض البصر وخفض الصوت، والحرية تشير إلى القدرة على الاختيار واتخاذ القرار باستقامة ودون تعدٍ على الآخرين. بناءً على تلك المفاهيم لا يجد أحد تعارضاً بين الستر والحرية، فمن سترت بدنها وغضت بصرها وخفضت صوتها تستطيع أن تتخذ قراراتها دون إكراه وتعبّر عن رأيها دون خوف، لم يؤثر الستر أبداً على محاكمتها العقلية وتدبيرها للأمور، والحر الذي يقرر ما يشاء متى ما شاء لا شيء من ذلك يمنعه من غض بصره وستر عورته، بل إن الستر هنا مبدأ أصيل من مبادئ الحرية، فمن أخلاقيات الحر ألا يتجاوز حريات الآخرين، ومن ستر عورته وخفض صوته احترم غيره بالتوقف عند حدود حرياتهم.

تخيّل معي منظر مجموعة من الأصحاب يجلسون في ممرات الكلية يتغامزون في ما بينهم، يرفعون أصواتهم وضحكاتهم وكأن الواحد منهم جالسٌ في بيته، إن كنت تجد أنهم أحرار في ما فعلوا فحقيق عليك أن تعيد مراجعة مفاهيمك، وتفكّر ماذا لو تعدّى أحدهم بكلمة على طالب مر من أمامهم؟ أعتقد بأن الموقف سيؤول للعراك! والحرية التي تنتج لنا نتائج سلبية حرية ناقصة سقيمة تحتاج للمراجعة.

الستر في أصله يحقق الراحة والأمان، دون تشدد ولا مغالاة يقينا الوقوع في كثيرٍ من المشكلات، والستر في أساسه مبدأ قيمي عالمي، تجده في الغرب عند أصحاب الأخلاقيات العالية، الستر مبدأ لا يقتصر على المرأة كما نظن، بل هو عام يشمل المرأة والرجل وكلاهما مكلّفٌ به، الستر قاعدة تربوية تزرعها في أبنائك وتحققها بين أهلك إذا ما التزمت بها، وبه تتعلّم كيف تكون الحرية أرقى من «التحرر» الذي ينادي بالانفلات دون ضوابط والتعدّي دون التفكّر في العواقب، وأنت الرابح الأول إذا ما كنت مستوراً ساتراً أميناً على غيرك وعلى نفسك، حافظاً لحريتك ولحريات الآخرين. ولتدعو الله دائماً بـ «اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي»، فالستر أمان الدنيا والآخرة.


[email protected]
@anwar1992m
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي