لقد تحدثنا في مقالة سابقة عن الوضع الصحي في البلاد وكيف أن هذه القضية الحيوية نالت المرتبة الثانية ضمن الاستبيان الشعبي الذي تبناه مجلس الامة الحالي ليكون شاهدا امام الحكومة، وليعرف الشعب الكويتي من خلاله من المسؤول الأول في تردي الاوضاع الصحية بالبلاد، وكيف أن المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي المضطرب قد اثر تأثيرا بالغا على مجريات الامور الصحية ليجعلها تعيش في مرحلة متواضعة جدا رغم وجود برلمان ديموقراطي يستطيع أن يستغل صلاحياته الدستورية في المحاسبة عن التقصير الحكومي، إلا أن هذه القنوات السياسة لم تنفعنا في عملية الاصلاح وعملية التنمية في البلاد وهذا ما يحطم احلامنا وآمالنا لاننا لغاية الآن لم نحقق نتائج ملموسة بعملية التنمية في البلاد.
والاسئلة التي تتبادر في ذهني هنا: ما الذي حققته السلطتان التنفيذية والتشريعية في عجلة التنمية للسنوات المقبلة، واين ذهبت تلك الاموال المخصصة لهذا الغرض؟ ولماذا توقفت تلك المشاريع التنموية في البلاد؟ ولماذا اوقفت الحكومة مشروع بناء المستشفيات رغم الحاجة الماسة لها؟ واخيرا لماذا لا توجد قوانين تشريعية من البرلمان تنقذ القطاع الصحي من الاهمال والغرقان؟!! ولماذا تتعمّد الحكومة اهمال الملف الصحي وخطط التنمية الصحية في البلاد رغم تكريس الموازنات الضخمة لها؟!
إن الوضع الصحي الحالي لا يشير إلى تطور ملموس في الكويت، فالخدمات الصحية لا تزال متواضعه وليس بمستوى الطموح الشعبي مع وجود الامراض المتنوعة بين اطياف المجتمع بشكل متزايد وهذا يجعلنا نقف حائرين متساءلين عما يحدث لنا في ظل الاوضاع الراهنة!! من المعروف أن معظم افراد المجتمع الكويتي يعاني من الامراض المزمنة ولكن مع الاسف تقابلها خدمات صحية متواضعة، ومن العادات التي تشكل خطرا كبيرا على صحته الاهمال في مزاولة الرياضة أو النشاط البدني، فكيف يكون الحال حينما يفرط في تناول الاطعمة المشبعة بالدهون والاملاح والسكريات ولا يعير الاهتمام في مراقبة نظام غذائه، وبالتالي هذه العادات السيئة والضارة في نفس الوقت تزيد من معدل انتشار السمنة وزيادة الوزن بشكل مفرط بين اطياف المجتمع وتسبب الاصابة في امراض اخرى مثل تصلب شرايين القلب والجهاز التنفسي وامراض السرطان، ناهيك عن انتشار عادة التدخين بين الجميع، وبالتالي مؤشرات الاصابة بهذه الامراض المزمنة اصبحت مبكرة جدا ومضاعفاتها قد تهدد حياة المجتمع بأسره، فضلا عن الاصابات الخطيرة الاخرى والوفيات الناجمة عن حوادث المرور والتي تتطلب يقظة صحية مكثفة في التعامل مع كل حاله بعد ضياع الثقافة المرورية لدينا!!
ورغم ذلك فإن النظام الصحي المتبع في الكويت غير قادر في التعامل مع هذه الحالات الخطرة بصورة جيدة لانه غير مهيأ لمواجهة هذه التحديات المفاجئة، ولتغيير سلوكيات الافراد تحتاج الدولة إلى حملات ارشادية منظمة ومكثفة وحملات توعية في جميع مرافق التعليم العام والمؤسسات الأهلية والحكومية كافة، نعم لا نجد تحسنا ملموسا بمؤشر تطور الخدمات الصحية في البلاد رغم فرضية الرسوم والتأمين الصحي على الوافدين والمقيمين، فنحن نسمع عن نية الوزارة ببناء مستشفيات ومراكز خاصة للاطفال وعن زيادة القدرة الاستيعابية للمستشفيات العامة والزيادة في عدد الاسّرة وزيادة الطاقم الطبي ولم نر شيئا يواكب نسبة الكثافة السكانية في البلاد، فمشكلة طوابير الانتظار وزحمة المواعيد الطبية ولخبطة جداول العمليات الجراحية لا تزال قائمة، وهذه التصرفات السلبية تثير المشكلات، ولعل ما يحدث في أروقة المراكز والمستشفيات من تعديات لفظيه وجسدية على الاطباء العاملين اكبر دليل على ذلك.
هناك الكثير من المراكز الصحية في البلاد تفتقر إلى الخدمات الصحية المتكاملة ولا يوجد من ينتشلها من هذا الاهمال الواضح نظرا لما تعانيه من وجود مبان متهالكه في بنيتها التحتية وهناك الكثير والكثير...!!
وبالتالي نأسف على وجود عقول وخطط في الوزارة لا تريد مواكبة القدرات الطبية العالمية ولا حتى تغيير النموذج العلاجي في الكويت في ظل الاهتمام العالمي بالصحة العامة، وهذه من المشكلات التي تعيق عملية تطور الخدمات الصحية في البلاد!!
وعلى ضوء ما سبق، على الحكومة أن تعي ما يشهده القطاع الصحي من خدمات متردية وان تلتفت نحوها بجدية كونها من اولويات القضايا الرئيسية التي بيّنها الاستبيان الشعبي اخيرا، وعملية التوسع في المرافق الصحية العامة اصبحت ضرورة ملحة نظرا للاحتياجات المتزايدة والتغيير الكامل في التركيبة السكانية وزيادة نسبة الوافدين والمقيمين في الكويت، فلننظر قليلا إلى عدد مراجعي المستشفيات العامة والمراكز الصحية ولنقارن ما بين الحاضر والماضي، كيف كانت وكيف اصبحت الآن؟!
ويبقى السؤال هنا: هل الحكومة فعلا قادرة على وضع خطط استراتيجية صحية متكاملة في البلاد، فإن كانت موجودة فعلا، متى سيتم تنفيذها على ارض الواقع؟!!
ولكل حادث حديث،،،
[email protected]