فاصلة / لأنك أنت!

| فهد توفيق الهندال |


تقود سيارتك كل يوم، من منزلك إلى مقر عملك، والشارع يضج بالتذمر والسخط على كل شيء، و مشاعر السائرين فيه أقرب إلى الحجر في أنانيتها وفقدانها لصبر الوقت في محاولة صب كل غضبها في موقف سخيف لا يرتقي إلى أقل اهتمام ما. تزاحمك السيارات الفارهة والوجوه العابسة، وكأنك شاهدت ملامحها يوما صاخبة غاضبة في إحدى جلسات اسقاط القروض!
تدخل من البوابة ذاتها، وفيك شعور متناقض، هل أنا أدخل أم أخرج.
والعكس كذلك يطرح نفسه عندما تخرج من البوابة ذاتها!
تجلس على كرسيك الوظيفي الذي تعرفه منذ سنوات طويلة، لدرجة أنه باتت بينكما علاقة وجودية، لكونك لا تُرخي همومك إلا عليه، فلا يشعر بثقلها غيره.
هل تذكر مرة، عندما اكتشفت أن كرسيك الملازم لك، اختفى فجأة، دون مبرر، فأخذت تبحث عنه في المكاتب المجاورة، الممرات، ولم تجده. انتابك وقتها شعور بالغضب والحزن معا، فلم يكن كرسيا عابرا أو موقتا أشبه بكرسي حلاق، وإنما رفيق لك بالمكتب وجزء من الملكية التي لا تبيحها لأحد، وما كنت لتستبدله بأي كرسي آخر!
تتحدث إلى الشاشة المقابلة وتحادثك، وكم مرة أفلتت منك ضحكة متمردة على موقف قرأت عنه أو مقال أثار سخريتك، أو حوار تواصلي- مفترض- أشبه بمشهد محذوف من مسرحية «مدرسة المشاغبين»!
أو تحضر اجتماعا مهما وعاجلا، منذرا ومحذرا من يغيب عنه، فتدخل متأخرا، لتسمع عبارات التشديد والتأكيد، والجزم والحزم، فتعتذر لعدم رغبتك في الاستمرار بحضوره وقد بانت أهلة التعجب على وجوه الجميع، فتبرر أن الاجتماع ليس معنيا بك، وأن الدعوة جاءتك بالخطأ!
تعود إلى أصدقائك الصامتين في مكتبك، فتنظر إليهم، وقد فضلوا منذ زمن الصمت مع الجميع إلا معك. فتتبادر معهم إلى ذهنك قصص الحكايات العالمية، وأدوار البطولة التي تنتهي حتما بالفوز بحب الأميرة، ولو كنت بشع المنظر!
تتعوذ، تنظر إلى المرآة الصغيرة على مكتبك، تراقب ملامحك التي تتغير مع مرور الزمن، ولا تقتنع أن حجمها صغير جدا، فتعتقد أن الناس لم تعرفك بعد، لا تفهمك، لهذا تتجاهل دورك، وتظلم جهدك، وقد تحاول التقليل من أهمية حضورك، و... لتتساءل: هل كان واجبا علي أن أسبح مع التيار بدلا من معارضته؟
هل كنت سأفقد شيئا إن تنازلت عن بعض ما أملك وأعتقد؟
قبل المغادرة والعودة، تقتنع أنك تيار وليس عكسه، وأنك تكسب نفسك، حيث تولد كل يوم فلا تخسرها.
وبينما انت في الطريق، راض مقتنع، لا تتوقف يدك من مبادرة سلام أو مبادلته مع كثيرين... مثلك.
والعاقبة لمن يعقل ويتدبر.
* كاتب وناقد كويتي
@bo_salem72
تدخل من البوابة ذاتها، وفيك شعور متناقض، هل أنا أدخل أم أخرج.
والعكس كذلك يطرح نفسه عندما تخرج من البوابة ذاتها!
تجلس على كرسيك الوظيفي الذي تعرفه منذ سنوات طويلة، لدرجة أنه باتت بينكما علاقة وجودية، لكونك لا تُرخي همومك إلا عليه، فلا يشعر بثقلها غيره.
هل تذكر مرة، عندما اكتشفت أن كرسيك الملازم لك، اختفى فجأة، دون مبرر، فأخذت تبحث عنه في المكاتب المجاورة، الممرات، ولم تجده. انتابك وقتها شعور بالغضب والحزن معا، فلم يكن كرسيا عابرا أو موقتا أشبه بكرسي حلاق، وإنما رفيق لك بالمكتب وجزء من الملكية التي لا تبيحها لأحد، وما كنت لتستبدله بأي كرسي آخر!
تتحدث إلى الشاشة المقابلة وتحادثك، وكم مرة أفلتت منك ضحكة متمردة على موقف قرأت عنه أو مقال أثار سخريتك، أو حوار تواصلي- مفترض- أشبه بمشهد محذوف من مسرحية «مدرسة المشاغبين»!
أو تحضر اجتماعا مهما وعاجلا، منذرا ومحذرا من يغيب عنه، فتدخل متأخرا، لتسمع عبارات التشديد والتأكيد، والجزم والحزم، فتعتذر لعدم رغبتك في الاستمرار بحضوره وقد بانت أهلة التعجب على وجوه الجميع، فتبرر أن الاجتماع ليس معنيا بك، وأن الدعوة جاءتك بالخطأ!
تعود إلى أصدقائك الصامتين في مكتبك، فتنظر إليهم، وقد فضلوا منذ زمن الصمت مع الجميع إلا معك. فتتبادر معهم إلى ذهنك قصص الحكايات العالمية، وأدوار البطولة التي تنتهي حتما بالفوز بحب الأميرة، ولو كنت بشع المنظر!
تتعوذ، تنظر إلى المرآة الصغيرة على مكتبك، تراقب ملامحك التي تتغير مع مرور الزمن، ولا تقتنع أن حجمها صغير جدا، فتعتقد أن الناس لم تعرفك بعد، لا تفهمك، لهذا تتجاهل دورك، وتظلم جهدك، وقد تحاول التقليل من أهمية حضورك، و... لتتساءل: هل كان واجبا علي أن أسبح مع التيار بدلا من معارضته؟
هل كنت سأفقد شيئا إن تنازلت عن بعض ما أملك وأعتقد؟
قبل المغادرة والعودة، تقتنع أنك تيار وليس عكسه، وأنك تكسب نفسك، حيث تولد كل يوم فلا تخسرها.
وبينما انت في الطريق، راض مقتنع، لا تتوقف يدك من مبادرة سلام أو مبادلته مع كثيرين... مثلك.
والعاقبة لمن يعقل ويتدبر.
* كاتب وناقد كويتي
@bo_salem72