مجموعتها القصصية صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر

قراءة / لمى سخنيني تعزف سرداً... «تنويعات على وتر منفرد»

u063au0644u0627u0641 u0627u0644u0645u062cu0645u0648u0639u0629
غلاف المجموعة
تصغير
تكبير
«تنويعات على وتر منفرد»... المجموعة القصصية الأولى للدكتورة لمى سخنيني صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

في تقديمه للمجموعة يقول الناقد الأكاديمي الأردني الدكتور خالد عبد الرؤوف الجبر: تفاجأت بكل معنى المفاجأة، واستسلمت للكلمات تقودني: ضريرا يتلمس السطور بيديه قبل عينيه!

الدهشة الأولى تسوقك أحياناً الى أخرى، وتقذفك في حدود الاحتمال! وأعترف أني حين أخذتني القراءة كنت كالمستلب، فليس من عادتي أن أسلم القياد للسرد الذي يعيد تشكيل خارطة الكلام، وقد يسترق السمع الى الهواجس البريئة فينحت الوجدان. الشعر أحب الي مما يدعونني اليه، ولو أقمت في غيابه جبه سنين عددا!

اللغة وحدها تأسرني، وتملك علي وجهي ويدي ولساني، كذاك الفتى العربي غير مغترب في أضاليل الصورة، وأوهام الحلم، وشتات المخادعة عن النفس والهوى والسذاجة الاولى. وأنت، هنا، تأخذك اللغة المبينة الشفيفة الندية غير المواربة ولا المراوغة، اذ عند كل زاوية للمراوغة عليك أن تتنبه، بكلك، على سم زعاف يدس في حلاوة المراوغة.

اللغة، هنا، بكر كزيت زيتون «أول عصرة» يتهادى طازجا لاذعا لذيذا، لكنه ابن أرضه وبيئته وعروقه وأغصانه وجذوره المعمرة في القلب. اللغة، هنا، بسيطة بجملها وتركيباتها، تخترق مواطن الكتمان أحيانا ببوح خجول يشف عفيفا، ويحكي ظريفا، وتلمح في لحن القول منها ما يثير غير بعيد، ويصرح دمثا لطيفا، هذا وهي تخوض أعماق «الأنثى» المتفصدة حنينا ولهفة واشتعالا، المفعمة بالتباك تقاد اليه، وتراد عليه، الواضحة الحدية تصميما وعزيمة!

وهي لغة تثير فيك الوجدان، وتشعل الأحاسيس والمشاعر الانسانية، وتولد فيك اللهفة لتمعن في مسايرتها على طريق البوح، غير أنها لا تقف عند حد!تنتقل بك من لغة بسيطة لا تحتاج الى تفكير، كاشفة عن نفسها «نزرع شجرة في باحة كل بيت نسكنه، ونضرب جذورا بجانبها، فنقتلع نحن وتبقى لتشهد ألم اقتلاع الآخرين»، الى لغة تصهل جامحة بكرامة مهرة عربية، عزيزة متأبية غير مبتذلة «كان مثيرا بأن تغمس خبزتها في صحنه»، و«ضمت أصابعها الى راحة يدها مخبئة دفء يده في يدها»، الى لغة تثير فيك السؤال، وتحثك على أن تجسدها أنت قارئا مشاركا في السرد» وصلت، وأرسلت له، ولم يجبني الا بعد يومين برسالة من كلمتين»، أكملت: أتعرف كلمة المرور؟ همس: لا. قالت: هي كلمة من أربعة أحرف اسمك يحتضن اسمي»!

وهذه قصص ثلاث، أخوات متعانقات: وردة، وزهرة، وأسماء (أنت لي... أنت لغيري). تتشابه الحكايات وتختلف، وتتلاقى وتفترق. الفراق في ثلاثتهن نهاية متحققة، والاحتفاظ بالذكريات، والألم، لا مناص منه، والسياحة في المكان والبلاد وبين العباد تؤول في الغاية الى رائحة من بقايا فلسطين، وشظايا أهلها من النكبة الى النكسات المتلاحقة بعدها حتى مدريد وأوسلو. والمكان الذي يؤوب الى كهفه الاول: فلسطين، مهما تنتقل بنا الحكايات بين دير اللوز، وعمان، ومخيم اليرموك، وبيروت، وأبو ظبي!

و«الأنثى» الفلسطينية حاضرة بقوة، هنا: صبية تساق الى الزواج وهي غضة يافعة يانعة لا تعرف من الدنيا الا القليل، ولاجئة غريبة في وطنها تريد ويتأبى عليها جور الزمان وأهله «الأهل في الوطن»، فتتحطم مريقة جسدها محتفظة في روحها بالرمق الأخير، وطبيبة أطفال في الشتات «المنفى» تؤوب الى نفسها وترحل لتحتفظ بصورتها في مرآة ذاتها نقية: ترحل مخلفة الحبيب لطفلته! و«الأنثى» الفلسطينية، هنا، حاضرة: اما قوية تجبر ابنها على الزواج بمن تريد لتحافظ على ميراثها المشترك مع اخيها، وتحرف ابنها عن مسار حبه للاجئة «البايرة» فيغدر بها، وعجوزا كهلة في المنافي وحيدة يلفها الموت باهابه لتتحرر ابنتها من حاجتها، وتطلق لها الساردة حرية الرحيل حفاظا على بقية من نقاء عميق.

قوة «الأنثى»، في هذه القصص الثلاث، كامنة في قدرتها على البوح، وعلى الفعل ايضا. لكن مصدر القوة الحقيقي أعمق من ذلك، وقد يتجلى لقارئ القصص سريعا، انه الايمان بان الحياة قاسية تماما، وبانها تتيح للانثى خاصة ما تريده، جهارا نهارا، حتى لو حاولت وأقدمت على ما يخالف البيئة الاجتماعية، وما دام ذلك كذلك، فليس أقل من أن تحتفظ بما تريد عميقا في كهفها الخاص الوثير!

وثمة ما يير في بناء هذه القصص الثلاث، وهو جدير بالدراسة الحقيقية المعمقة، انه تعدد الساردين في كل منها. تبدأ القصة على لسان سارد يفتتح أحداث القصة ممهدا لشخصياتها وللقضية الاساسية فيها، ثم تحكي كل شخصية بلسانها أحداث القصة، كيف دارت كما رأتها وعاشتها وفهمتها.

وهكذا، يمكن الفصل بصورة حقيقية بين كاتبة القصص، وسارديها/ سارداتها في المقدمات/ الفصول الافتتاحية منها، وسارديها/ سارداتها في الداخل. انها تجربة جديدة في ما قرأت - وهو قليل- غير أن الاختلافات التي يثيرها تعدد الساردين/ الساردات في كل قصة تثير الدهشة، ويتعلم القارئ بها أن يتنبه على رؤية غيره للامور، ويتقبل وجهات نظر الآخرين الذين ينظر كل منهم للشيء نفسه من زاوية مختلفة! ومما يثير الدهشة أن الكاتبة لا تغفل التفاصيل الصغيرة للعموميات، بل تخوض فيها خوض من يعرفها بصورة علمية، هي طبيبة في الطب، و«درويشة» مع الشيخ عبد الهادي القادري، وفلاحة مع «حسن الحراث»، وعالمة ببعض خفايا النحو وقصصه، وعميقة في علم النفس ودقائقها، و«طباخة» متميزة... انها لا تسرد متجاوزة البحث عن الملائم تماما للعبارة في وصف الحدث والشخصية، والروائح والنكهات والالوان. وهذا جدير بالثناء والاحترام والتقدير!

لمى سخنيني... الاستاذة الجامعية المتخصصة في الفيزياء الطبية، كاتبة قصة مغمورة تماما، قد يكون بعض الأهل والأصدقاء قرأ ما كتبته. لكنها كاتبة قصة رائعة بكل المقاييس، ومبشرة بان لديها صوتها السردي الخاص، واهتماماتها الفكرية، وقدراتها الفنية، وحوكها وحبكها ولغتها واسلوبها.

تقع الرواية في 112 صفحة من القطع المتوسط ولوحة الغلاف للفنان العراقي سيروان باران.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي