يبدو انه سؤال مستحق، فهل حقاً الاسكان هي المشكلة التي يجب ان تحظى بالاولوية حتى مع وجود الاداة العلمية (الاستبيان) التي استفاد منها رئيس المجلس مرزوق الغانم ليحدد خارطة طريق الدورة البرلمانية الحالية؟
تبدو لي ان المشكلة ابعد من الاسكان. ابعد لأن الاسكان قضية واحدة مرتبطة بحلقات من سلسلة طويلة من المشاكل التي نعاني منها جميعا. فالتركيز على مشكلة الاسكان لوحدها ومعالجتها بمعزل عن اخذ القضايا الاخرى بالاعتبار سيكون له اثران سلبيان: الاول ان المشكلة لن تُحل جذريا والمعالجة ستكون قاصرة عن استيعابها كليا. الاثر السلبي الثاني تكلفة حل الاسكان ستكون مضاعفة بمراتب فيما لو حُلّت لوحدها خارج سياقها الصحيح. كيف ذلك؟
انظر للحلول المقترحة. احداها زيادة القرض من 70 إلى 100 ألف دينار، او الحل الآخر بزيادة بدل الايجار. هذه الحلول لم تأتِ لأصل المشكلة ابدا لان مشكلة الناس ليست في مبلغ القرض وزيادة البدل بل في صعوبة توفير الاراضي، والا فالناس (او نسبة كبيرة منهم) حتى مع 70 قادرين على بناء منازلهم. فالمعلوم ان هذه الزيادات لا دخل لها في معالجة الاسكان لان المعالجة المفترضة «دستوريا» توفير مسكن دائم للاسرة الكويتية. اقصد الشكوى الدائمة انه يوجد اكثر من 200 الف طلب على قائمة الانتظار للبيت الدائم، اما المساكن البديلة فلله الحمد متوافرة للعوائل.
لاحظ ان هذه الحلول المقترحة ليست فقط لا تعالج اصل المشكلة ولا تحلها ابدا، بل تعقدها. جميع هذه الزيادات مع انها كانت مجرد اقتراحات الا انها جاءت بآثار اقتصادية عكسية وتسببت في تضخم وارتفاع في اسعار مواد البناء وايجارات الشقق والعقارات.
فضلا عن ذلك والاسوأ من كل شيء، وهو الاثر السلبي الثاني الذي قصدته فوق، ان المشكلة الاسكانية حلقة واحدة مرتبطة بشبكة معقدة من المشاكل الكثيرة الاخرى: منها ندرة الأراضي لكنها ايضا مرتبطة بأمور أخرى ساعدد بعضها على سبيل المثال: احتكار اقتصادي غير مقنن للكثير من المواد والخدمات الضرورية، فراغ قانوني للكثير من المشاكل (التجارة الالكترونية على سبيل المثال)، شبكات طرق متهالكة (لا يوجد نقل عام مناسب)، تقاعس حكومي عن مجاراة الانفجار السكاني (الكهرباء مثلا)، فشل في التخطيط الاستراتيجي (خطوط سريعة وصلت لحدودها القصوى)، تسيب اداري (بطالة مقنعة مثلا)، اختلاسات للمال العام (انظر تقارير ديوان المحاسبة مثلا)، فشل الرقابة الحكومية لتنفيد المشاريع (تطاير الحصى ومحطة مشرف مثلا)، شهادات مزورة (مهندسين ودكاترة من الدكاكين الجامعية مثلا)، الاتكالية وثقافة الاستهلاك لا الانتاج (انظر تقارير انتاجية الموظف الكويتي مقارنة بغيره مثلا)، تراجع المستوى الاكاديمي لخريجي النظام التعليمي (تقرير بلير مثلا)، وهكذا الى باقي الجوانب المهنية والتخصصية.
اجمالا الاسكان ليست سوى خلية من شبكة معقدة من المشاكل. فهل نترك نواب يتسلمون الرشاوى، ووزراء اختلسوا اموال الدولة، ونتوقع أننا سنعالج مشكلة الاسكان! على المجلس ان يترك الاسكان موقتا ويتفرغ لضبط اداء الفساد بشكله العام ويعمل لتحسين مستويات الشفافية فهي اهم ولها الاولوية على كل ما سواها، ومن بعدها يمكن الانتقال لامور اخرى.
hasabba@gmail.com