تختلف آراء العلماء المتقدمين والمعاصرين حول الاحتفال بها بين مؤيد ومعارض ... ولكل أدلته وحججه
ذكرى المولد النبوي الشريف... طاقة تجدد الإيمان وتثبت القلوب ... خصوصاً في زمن النوازل والمحن






• «ذلك يوم ولدت فيه...» هكذا أجاب
الرسول صلى الله عليه وسلم
عندما سئل
عن سبب صومه ليوم الاثنين
• نحتاج
إلى وقفة صادقة مع النفس
حتى يكتشف
كل منا قدر
محبته لله ولرسوله ...وهل هذه المحبة صدق أو ادعاء ؟
• ذكرى مولده
صلى الله عليه وسلم تذكّر الأمة
بأنها من نالت الشرف العظيم بأن جعلها الله آخر الأمم
• المحبة الحقيقية للنبي
صلى الله عليه وسلم لا بفعل الموالد وأكل الحلوى
وإنما دليلها
الاتباع والتسليم بكل ما جاء به
• لماذا لا نتخذ
من ذكرى
مولد الهادي البشير دافعاً لاستنهاض
عزائم الأمة
وشحذ هممها لاستعادة
أمجادها وعزتها؟
• من المخالفات الشرعية
التي تقع
في هذا اليوم اتخاذه عيداً والإتيان بأمور
لم تكن
على عهد الصحابة
الرسول صلى الله عليه وسلم
عندما سئل
عن سبب صومه ليوم الاثنين
• نحتاج
إلى وقفة صادقة مع النفس
حتى يكتشف
كل منا قدر
محبته لله ولرسوله ...وهل هذه المحبة صدق أو ادعاء ؟
• ذكرى مولده
صلى الله عليه وسلم تذكّر الأمة
بأنها من نالت الشرف العظيم بأن جعلها الله آخر الأمم
• المحبة الحقيقية للنبي
صلى الله عليه وسلم لا بفعل الموالد وأكل الحلوى
وإنما دليلها
الاتباع والتسليم بكل ما جاء به
• لماذا لا نتخذ
من ذكرى
مولد الهادي البشير دافعاً لاستنهاض
عزائم الأمة
وشحذ هممها لاستعادة
أمجادها وعزتها؟
• من المخالفات الشرعية
التي تقع
في هذا اليوم اتخاذه عيداً والإتيان بأمور
لم تكن
على عهد الصحابة
قبل أربعة عشر قرنا ويزيد من الزمان ، كانت الدنيا قد اطبق عليها الظلام، واستفحل الباطل، واستأسد الضلال، وباتت لا تعرف للنور طريقا، ولا للحق سبيلاً، ولا للعدل مخرجا، وكان الناس يعيشون في جاهلية تلاشت أمام سطوتها القيم الإنسانية النبيلة وانحسرت في مواجهتها الفطرة السليمة، واحتجبت العقول عن التفكير واستسلمت للهوى والرغبة، حتى نزل الإنسان من عليائه وسجد للحجر والشجر والدواب...
ظل الناس هكذا يتمادون في جاهليتهم حتى ظهر النور الذي بدد الظلام، وأضاء الكون بإشراقته في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الاول، الذي أُرخ له حسب البيئة «بعام الفيل» الموافق العام (571) من الميلاد.
«ذلك يوم ولدت فيه...» هكذا أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن سبب صومه ليوم الاثنين... وها هي الامة الإسلامية في شتى بقاع الأرض تعيش هذه الايام ذكرى مولده الشريف صلى الله عليه وسلم الذي غيّر وجه الأرض، وبه عمّ النور ارجاءها.
وجاء الحق وزهق الباطل، وانقشعت ظلمة الجهل وجبروت الجاهلية، وتنسمت الدنيا رياح التسامح والمودة والتراحم والأمن والأمان والصدق والإخلاص والإيثار، وكلها خصال وسلوكيات لم يكن لها وجود يذكر قبل مولده الشريف إلا من النذر اليسير. إنها ليست ذكرى عادية... بل ذكرى مولد خير الأنام، وسيد ولد آدم، وخاتم النبيين والمرسلين، صاحب الحوض والشفاعة.
إن ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم فوق أنها تجدد في الأذهان والقلوب ذكرى الهادي البشير والسراج المنير، فإنها تذكر الامة الإسلامية بأنها خير أمة أخرجت للناس، وأنها أمة الوسط والاعتدال، وأنها الأمة التي نالت الشرف العظيم بأن جعلها الله آخر الأمم، وأمة خاتم الرسل... إنه لفضل لا يدانيه فضل، وشرف لا يطاوله شرف... من هنا تأتي أهمية ذكرى المولد النبوي الشريف... لكن هل لنا ان نحتفل به ونقيم لذلك طقوساً خاصة بهذه الذكرى؟
هذه المسألة تحتاج الى شيء من التفصيل والتوضيح حتى تكون وسطاً في غير افراط او تفريط، وسنوضح في هذه العجالة أراء العلماء الذين يقولون بعدم جواز الاحتفال بذكرى المولد النبوي بأي شكل من أشكال الاحتفال لان ذلك بدعة ولهم في ذلك أدلتهم التي تؤكد وتعضد ما ذهبوا إليه.
وعلى الجانب الآخر فان هناك جمعا كبيرا من العلماء المعتبرين لدى الأمة من أجازوا الاحتفال بذكرى المولد النبوي بالذكر، او ما شابه في غير مغالاة.... بل ان هناك من العلماء من ألف كتباً في المولد النبوي منهم الحافظ عبدالرحيم العراقي، وابن الجوزي، وابن كثير، وابن دحية الكلبي، وابن الجزري، والخطيب الشربيني وغيرهم... وسنعرض في هذا التحقيق لأصحاب الرأيين بشيء من التفصيل مع بيان بعض المخالفات الشرعية التي تقع من الذين يغالون في الاحتفال بذكرى المولد النبوي ويتخذونه عيداً وهذا مخالف لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عليه اصحابه واجماع امته من بعده... أي فخر هذا تحمله هذه الأمة؟
وانني حقيقة لا أدري... هل قدَّر الله تعالى ان يكون الاحتفال بذكرى ميلاد سيد الأولين والآخرين ليقيم علينا الحجة لأننا فرطنا وأهملنا في جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهاون في اتباع أوامره وسنته، أم انها رسالة لاستدراك نسيان قد حصل، وايقاظ للنفوس التي غفلت حتى تنتفض من سباتها وتعود الى رشدها...؟
وأياً كان نوع الرسالة وفحواها من الاحتفال بذكرى ميلاد النور الذي بدد ظلام البشرية وأطل على الدنيا فسرى الخير في ربوعها، وعمّ الأمن أرجاءها، واصبحت الاخلاق الحميدة هي الحاكمة في علاقات الناس. مهما كانت الرسالة فإننا - للأسف - مقصرون في حق رسولنا صلى الله عليه وسلم، في الوقت الذي نهتم فيه بأشياء ما انزل الله بها من سلطان ولا تمت الى عقيدتنا وأخلاقنا بصلة، ونحتاج الى وقفة صادقة مع النفس حتى يكتشف كل منا قدر محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل هذه المحبة صدق أم ادعاء...؟
لماذا لا نتخذ من ذكرى مولد الهادي البشير نقطة الانطلاق لاستنهاض عزائم الأمة وشحذ هممها لاستعادة أمجادها وعزتها...؟ لا أظن... بل أجزم أننا قادرون على ذلك... لو أردنا...!!
يرجع المسلمون الذين يحتفلون بالمولد النبوي بداية الاهتمام بيوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى النبي محمد نفسه حيث كان يصوم يوم الاثنين ويقول «هذا يوم وُلدت فيه»، ويذكر الإمام السيوطي أن أول من احتفل بالمولد بشكل كبير ومنظم هو حاكم أربيل (في شمال العراق حالياً) الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين، والذي وثقه علماء السنة بأقوالهم:
قال السيوطي وابن كثير: أنه أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد، وكان له آثار حسنة، وهو الذي عمر الجامع المظفري بسفح قاسيون.
قال ابن خلكان في ترجمة الحافظ أبي الخطاب ابن دحية: «كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، قدم من المغرب فدخل الشام والعراق واجتاز بأربيل سنة أربع وستمئة فوجد ملكها المعظم مظفر الدين بن زين الدين يعتني بالمولد النبوي فعمل له كتاب (التنوير في مولد البشير النذير)، وقرأه عليه بنفسه فأجازه بألف دينار».
قال الحافظ الذهبي: كان متواضعا خيرا سنيّا يحب الفقهاء والمحدثين.
قال ابن كثير: كان الملك المظفر يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً، وكان شهماً شجاعاً بطلاً عاقلاً عالماً عادلاً.
الدولة الأيوبية
كان أول من احتفل بالمولد النبوي بشكل منظم في عهد السلطان صلاح الدين، الملك مظفر الدين كوكبوري، إذ كان يحتفل به احتفالاً كبيراً في كل سنّة، وكان يصرف فيها الأموال الكثيرة، والخيرات الكبيرة، حتى بلغت ثلاثمئة ألف دينار، وذلك كل سنة. وكان يصل إليه من البلاد القريبة من أربيل مثل بغداد، والموصل عدد كبير من الفقهاء والصوفية والوعّاظ، والشعراء، ولا يزالون يتواصلون من شهر محرم إلى أوائل ربيع الأول. وكان يعمل المولد سنة في 8 ربيع الأول، وسنة في 12 ربيع الأول، لسبب الاختلاف بتحديد يوم مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم. فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيئا كثيراً وزفّها بالطبول والأناشيد، حتى يأتي بها إلى الميدان، ويشرعون في ذبحها، ويطبخونها. فإذا كانت صبيحة يوم المولد، يجتمع الناس والأعيان والرؤساء، ويُنصب كرسي للوعظ، ويجتمع الجنود ويعرضون في ذلك النهار. بعد ذلك تقام موائد الطعام، وتكون موائد عامة، فيه من الطعام والخبز شيء كثير.
الخلافة العثمانية
كان لسلاطين الخلافة العثمانية عناية بالغة بالاحتفال بجميع الأعياد والمناسبات المعروفة عند المسلمين، ومنها يوم المولد النبوي، إذ كانوا يحتفلون به في أحد الجوامع الكبيرة بحسب اختيار السلطان، فلمّا تولى السلطان عبدالحميد الثاني الخلافة قصر الاحتفال على الجامع الحميدي. فقد كان الاحتفال بالمولد في عهده متى كانت ليلة 12 ربيع الأول يحضر إلى باب الجامع عظماء الدولة وكبراؤها بأصنافهم، وجميعهم بالملابس الرسمية التشريفية، وعلى صدورهم الأوسمة، ثم يقفون في صفوف انتظاراً للسلطان. فإذا جاء السلطان، خرج من قصره راكباً جواداً من خيرة الجياد، بسرج من الذهب الخالص، وحوله موكب فخم، وقد رُفعت فيه الأعلام، ويسير هذا الموكب بين صفين من جنود الجيش العثماني وخلفهما جماهير الناس، ثم يدخلون الجامع ويبدأون بالاحتفال، فيبدؤون بقراءة القرآن، ثم بقراءة قصة مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بقراءة كتاب دلائل الخيرات في الصلاة على النبي، ثم ينتظم بعض المشايخ في حلقات الذكر، فينشد المنشدون وترتفع الأصوات بالصلاة على النبي. وفي صباح يوم 12 ربيع الأول، يفد كبار الدولة على اختلاف رتبهم لتهنئة السلطان.
المغرب الأقصى
كان لسلاطين المغرب الأقصى بالاحتفال بالمولد النبوي همة عالية، لا سيما في عهد السلطان أحمد المنصور الذي تولى الملك في أواخر القرن العاشر من الهجرة، وقد كان ترتيب الاحتفال بالمولد في عهده إذا دخل شهر ربيع الأول يجمّع المؤذنين من أرض المغرب، ثم يأمر الخياطين بتطريز أبهى أنواع المطرَّزات. فإذا كان فجر يوم المولد النبوي، خرج السلطان فصلى بالناس وقعد على أريكته، ثم يدخل الناس أفواجاً على طبقاتهم، فإذا استقر بهم الجلوس، تقدم الواعظ فسرد جملة من فضائل النبي صلى الله عليه وسلم ومعجزاته، وذكر مولده. فإذا فرغ، بدأ قوم بإلقاء الأشعار والمدائح، فإذن انتهوا، بُسط للناس موائد الطعام.
الاحتفال بالمولد النبوي
* المؤيدون
- السيوطي، حيث قال: «عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف».
- ابن الجوزي، حيث قال عن المولد النبوي: «من خواصه أنه أمان في ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام».
- ابن حجر العسقلاني، حيث قال الحافظ السيوطي: «وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل ابن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كانت بدعة حسنة، وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم، فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون، ونجى موسى، فنحن نصومه شكرا لله، فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة، أو دفع نقمة... إلى أن قال: وأي نعمة أعظم من نعمة بروز هذا النبي... نبي الرحمة في ذلك اليوم، فهذا ما يتعلق بأصل عمله، وأما ما يعمل فيه: فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة».
- السخاوي، حيث قال عن المولد النبوي: «لم يفعله أحد من السلف في القرون الثلاثة، وإنما حدث بعدُ، ثم ما زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم».
- ابن الحاج المالكي، حيث قال: «فكان يجب أن نزداد يوم الاثنين الثاني عشر في ربيع الأول من العبادات والخير شكرا للمولى على ما أولانا من هذه النعم العظيمة وأعظمها ميلاد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم». وقال أيضا: «ومن تعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم الفرح بليلة ولادته وقراءة المولد».
- ابن عابدين، حيث قال: «اعلم أن من البدع المحمودة عمل المولد الشريف من الشهر الذي ولد فيه صلى الله عليه وآله وسلم». وقال أيضا: «فالاجتماع لسماع قصة صاحب المعجزات عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات من اعظم القربات لما يشتمل عليه من المعجزات وكثرة الصلوات».
- الحافظ عبدالرحيم العراقي، حيث قال: «إن اتخاذ الوليمة وإطعام الطعام مستحب في كل وقت فكيف إذا انضم إلى ذلك الفرح والسرور بظهور نور رسول الله في هذا الشهر الشريف ولا يلزم من كونه بدعة كونه مكروها فكم من بدعة مستحبة قد تكون واجبة».
- الحافظ شمس الدين ابن الجزري، حيث قال الحافظ السيوطي: «ثم رأيت إمام القراء الحافظ شمس الدين ابن الجزري قال في كتابه المسمى (عرف التعريف بالمولد الشريف) ما نصه: قد رؤي أبو لهب بعد موته في النوم فقيل له: ما حالك؟ فقال: في النار إلا أنه يخفف عني كل ليلة اثنين، وأمص من بين أصبعي ماء بقدر هذا- وأشار لرأس أصبعه -، وأن ذلك باعتاقي لثويبة عندما بشرتني بولادة النبي وبإرضاعها له. فإذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم به فما حال المسلم الموحد من أمة النبي يسر بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته، لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنات النعيم.
- أبو شامة (شيخ النووي)، حيث قال: «ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يُفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات، والمعروف، وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مشعرٌ بمحبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكراً لله تعالى على ما منّ به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين».
- الشهاب أحمد القسطلاني (شارح البخاري)، حيث قال: «فرحم الله امرءا اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعيادا، ليكون أشد علة على من في قلبه مرض وإعياء داء».
- الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي، حيث قال في كتابه المسمى (مورد الصادي في مولد الهادي): «قد صح أن أبا لهب يخفف عنه عذاب النار في مثل يوم الاثنين لإعتاقه ثويبة سروراً بميلاد النبي»، ثم أنشد:
إذا كان هـذا كافراً جـاء ذمـه
وتبت يـداه في الجحـيم مخـلداً
أتى أنـه في يـوم الاثنين دائـماً
يخفف عنه للسـرور بأحــمدا
فما الظن بالعبدالذي طول عمره
بأحمد مسرورٌ ومات موحـــداً
- محمد الطاهر بن عاشور شيخ جامع الزيتونة ومن أبرز علماء المالكية، أيّد الاعتناء بيوم المولد النبوي في قوله: «فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِلْمَوَاقِيتِ الْمَحْدُودَةِ اعْتِبَاراً يُشْبِهُ اعْتِبَارَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ الْمُتَجَدِّدِ، وَإِنَّمَا هَذَا اعْتِبَارٌ لِلتَّذْكِيرِ بِالْأَيَّامِ الْعَظِيمَةِ الْمِقْدَارِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [إِبْرَاهِيم: 5] ، فَخَلَعَ اللَّهُ عَلَى الْمَوَاقِيتِ الَّتِي قَارَنَهَا شَيْءٌ عَظِيمٌ فِي الْفَضْلِ أَنْ جَعَلَ لِتِلْكَ الْمَوَاقِيتِ فَضْلاً مُسْتَمِرًّا تَنْوِيهاً بِكَوْنِهَا تَذْكِرَةً لِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ لِأَجْلِهِ سُنَّةَ الْهَدْيِ فِي الْحَجِّ، لِأَنَّ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ ابْتَلَى اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ إِسْمَاعِيلَ وَأَظْهَرَ عَزْمَ إِبْرَاهِيمَ وَطَاعَتَهُ رَبَّهُ وَمِنْهُ أَخَذَ الْعُلَمَاءُ تَعْظِيمَ الْيَوْمِ الْمُوَافِقِ لِيَوْمِ وِلَادَةِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَجِيءُ مِنْ هَذَا إِكْرَامُ ذُرِّيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَأَبْنَاءِ الصَّالِحِينَ وَتَعْظِيمِ وُلَاةِ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ الْقَائِمِينَ مَقَامَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَعْمَالِهِمْ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ وَالْأَئِمَّةِ».
- حسنين محمد مخلوف شيخ الأزهر، حيث قال: «إن إحياء ليلة المولد الشريف وليالي هذا الشهر الكريم الذي أشرق فيه النور المحمدي إنما يكون بذكر الله وشكره لما أنعم به على هذه الأمة من ظهور خير الخلق إلى عالم الوجود، ولا يكون ذلك إلا في أدب وخشوع وبعد عن المحرمات والبدع والمنكرات. ومن مظاهر الشكر على حبه مواساة المحتاجين بما يخفف ضائقتهم، وصلة الأرحام، والإحياء بهذه الطريقة وإن لم يكن مأثورا في عهده صلى الله عليه وآله وسلم ولا في عهد السلف الصالح إلا أنه لا بأس به وسنة حسنة».
- محمد الفاضل بن عاشور من علماء تونس البارزين، في قوله: «إن ما يملأ قلوب المسلمين في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول كل عام من ناموسِ المحبة العُلوي، وما يهزّ نفوسهم من الفيض النوراني المتدفق جمالا وجلالا، ليأتي إليهم محمّلا من ذكريات القرون الخالية بأريج طيب ينمّ عما كان لأسلافهم الكرام من العناية بذلك اليوم التاريخي الأعظم، وما ابتكروا لإظهار التعلّق به وإعلان تمجيده من مظاهر الاحتفالات، فتتطلع النفوسُ إلى استقصاء خبر تلك الأيام الزهراء والليالي الغراء؛ إذ المسلمون ملوكاً وسوقةً (أي عامتهم) يتسابقون إلى الوفاء بالمستطاع من حقوق ذلك اليوم السعيد».
- محمد الشاذلي النيفر، شيخ الجامع الأعظم في تونس، في قوله: «وَأَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ مَا يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ عَنِ «ابْنِ حَجَرٍ» وَ«السّيُوطِيِّ» أَنَّ اللَّـهَ أَوْجَبَ عَلَيْنَا مَحَبَّةَ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ مَحَبَّتِهِ جَلَّ وَعَلَا، وَذَلِكَ يُوجِبُ عَلَيْنَا تَعْظِيمَ كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمِنْ ذَلِكَ تَعْظِيمُ يَوْمِ مَوْلِدِهِ بِالاحْتِفَالِ بِهِ بِمَا يُجِيزُهُ الشَّرْعُ الكَرِيمُ».
- محمد متولي الشعراوي، حيث قال: «وإكراماً لهذا المولد الكريم فإنه يحق لنا أن نظهر معالم الفرح والابتهاج بهذه الذكرى الحبيبة لقلوبنا كل عام وذلك بالاحتفال بها من وقتها».
- المبشر الطرازي، شيخ علماء التركستان: حيث قال: «إن الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف أصبح واجباً أساسياً لمواجهة ما استجد من الاحتفالات الضارة في هذه الأيام» [بحاجة لمصدر].
- محمد علوي المالكي، حيث قال: «إننا نقول بجواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف والاجتماع لسماع سيرته والصلاة والسلام عليه وسماع المدائح التي تُقال في حقه، وإطعام الطعام وإدخال السرور على قلوب الأمة».
- يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، حيث قال عن ذكرى المولد: «إذا انتهزنا هذه الفرصة للتذكير بسيرة رسول الله، وبشخصية هذا النبي العظيم، وبرسالته العامة الخالدة التي جعلها الله رحمة للعالمين، فأي بدعة في هذا وأية ضلالة؟».
- محمد سعيد رمضان البوطي، حيث قال: «الاحتفال بذكرى مولد رسول الله نشاط اجتماعي يبتغي منه خير دينيّ، فهو كالمؤتمرات والندوات الدينية التي تعقد في هذا العصر، ولم تكن معروفة من قبل. ومن ثم لا ينطبق تعريف البدعة على الاحتفال بالمولد، كما لا ينطبق على الندوات والمؤتمرات الدينية. ولكن ينبغي أن تكون هذه الاحتفالات خالية من المنكرات».
- عبدالله بن بيه، حيث قال: «فحاصل الأمر أن من احتفل به فسرد سيرته والتذكير بمناقبه العطرة احتفالاً غير ملتبس بأي فعل مكروه من النّاحية الشرعية وليس ملتبساً بنيّة السنّة ولا بنيّة الوجوب فإذا فعله بهذه الشروط التي ذكرت؛ ولم يلبسه بشيء مناف للشرع، حباً للنبي ففعله لا بأس به إن شاء اللهُ وهو مأجور».
- نوح القضاة مفتي الأردن سابقاً، حيث قال: «ولا شك أن مولد المصطفى من أعظم ما تفضل الله به علينا، ومن أوفر النعم التي تجلى بها على هذه الأمة؛ فحق لنا أن نفرح بمولده».
- علي جمعة مفتي مصر سابقا، حيث قال: «الاحتفال بذكرى مولده من أفضل الأعمال وأعظم القربات؛ لأنه تعبير عن الفرح والحب له، ومحبة النبي أصل من أصول الإيمان».
- وهبة الزحيلي، حيث قال: «إذا كان المولد النبوي مقتصراً على قراءة القرآن الكريم، والتذكير بأخلاق النبي عليه الصلاة والسلام، وترغيب الناس في الالتزام بتعاليم الإسلام وحضّهم على الفرائض وعلى الآداب الشرعية، ولا يكون فيها مبالغة في المديح ولا إطراءٌ كما قال النبي (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ولكن قولوا عبدالله ورسوله) وهذا إذا كان هذا الاتجاه في واقع الأمر لا يُعد من البدع»
- محمد بن عبدالغفار الشريف، الأمين العام للأوقاف في الكويت سابقا، حيث قال: «الاحتفال بمولد سيد الخلق عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم أمر مستحب، وبدعة حسنة في رأي جماهير العلماء».
- محمد راتب النابلسي، حيث قال: «الاحتفال بعيد المولد ليس عبادة ولكنه يندرج تحت الدعوة إلى الله، ولك أن تحتفل بذكرى المولد على مدى العام في ربيع الأول وفي أي شهر آخر، في المساجد وفي البيوت».
- عمر بن حفيظ، حيث قال: «مجالس الموالد كغيرها من جميع المجالس؛ إن كان ما يجري فيها من الأعمال صالح وخير، كقراءة القران، والذكر للرحمن، والصلاة على النبي، وإطعام الطعام للإكرام ومن أجل الله، وحمد الله، والثناء على رسوله، ودعاء الحق سبحانه، والتذكير والتعليم، وأمثال ذلك مما دعت إليه الشريعة ورغبت فيه؛ فهي مطلوبة ومندوبة شرعاً».
-عبدالملك السعدي، المفتي العام للعراق سابقاً: «لم يكن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف معروفاً في عصر الصحابة الكرام. ولكن لا يَلزم من عدم وجوده في عصر النبي -صلى الله عليه سلم- أو في عصر الصحابة كونه بدعة سيئة أو منافياً للشريعة، فالاحتفال بالمولد إن أُقيم على أساس أنَّه عبادة مشروعة -كالصوم والصلاة والعبادات الأخرى-: فهو بدعة. وكذا لا نسمِّيه عيدا، بل إحياء ذكرى؛ لأنَّه لا يوجد سوى عيدين في الإسلام. وإن أقيم على أساس إحياء ذكرى مولد سيد المرسلين وإعادة ذكريات سيرته العطرة وخلا من المنكرات واختلاط الرجال بالنساء والمبالغة في مدحه صلى الله عليه سلم فلا يعد بدعة».
* المعارضون
- ابن تيمية: «اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب أو ثامن عشر ذي الحجة أو أول جمعة من رجب أو ثامن من شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها(...) فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه ولو كان خيرا محضا أو راجحا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له منا وهم على الخير أحرص»
- الشاطبي: قال في معرض ذكره للبدع المنكرة» ومنها التزام الكيفيات والهيئات المعينة كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا وما أشبه ذلك»
- تاج الدين الفاكهاني: «لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنّة ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين المتمسّكون بآثار المتقدمين».
- ابن الحاج: «ذلك زيادة في الدين ليس من عمل السلف الماضين، واتباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه، لأنهم أشد الناس اتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له ولسنته صلى الله عليه وسلم ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد ونحن لهم تبع فيسعنا ما وسعهم وقد علم أن اتباعهم في المصادر والموارد».
- محمد بن إبراهيم آل الشيخ: «لم يكن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم مشروعا ولا معروفا لدى السلف الصالح رضوان الله عليهم ولم يفعلوه مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه ولو كان خيرا ما سبقونا إليه فهم أحق بالخير وأشد محبة للرسول صلى الله عليه وسلم وأبلغ تعظيما له... فلما كان غير معروف لدى السلف الصالح ولم يفعلوه وهم القرون المفضلة دل على أنه بدعة محدثة».
- عبدالعزيز بن باز، حيث قال: «الاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم بدعة لا تجوز في أصح قولي العلماء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، وهكذا خلفاؤه الراشدون، وصحابته جميعاً رضي الله عنهم، وهكذا العلماء وولاة الأمور في القرون الثلاثة المفضلة، وإنما حدث بعد ذلك بسبب الشيعة ومن قلدهم، فلا يجوز فعله ولا تقليد من فعله.
- محمد ناصر الدين الألباني، قال: «هذا الاحتفال أمرٌ حادث، لم يكن ليس فقط في عهده صلى الله عليه وسلم؛ بل ولا في عهد القرون الثلاثة... ومن البدهي أنَّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حياته لم يكن ليحتفل بولادته؛ ذلك لأن الاحتفال بولادة إنسان ما إنما هي طريقة نصرانيَّة مسيحيَّة لا يعرفه الإسلام مطلقاً في القرون المذكورة آنفاً؛ فمن باب أولى ألاَّ يعرف ذلك رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم».
- محمد بن صالح العثيمين: «إذا كان كذلك فإن من تعظيمه وتوقيره والتأدب معه واتخاذه إماماً ومتبوعاً ألا نتجاوز ما شرعه لنا من العبادات لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى ولم يدع لأمته خيراً إلا دلهم عليه وأمرهم به ولا شراً إلا بينه وحذرهم منه وعلى هذا فليس من حقنا ونحن نؤمن به إماماً متبوعاً أن نتقدم بين يديه بالاحتفال بمولده أو بمبعثه، والاحتفال يعني الفرح والسرور وإظهار التعظيم وكل هذا من العبادات المقربة إلى الله، فلا يجوز أن نشرع من العبادات إلا ما شرعه الله ورسوله وعليه فالاحتفال به يعتبر من البدعة».
الاحتفال بالمولد النبوي... والتذكير بأيام الله ...!
لقد كان ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم منة عظيمة من الله تعالى على الناس، قال تعالى (لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) (164) آل عمران، فما دلالة الآية الكريمة على ما نحن بصدد الحديث عنه، وهو الاحتفال بذكرى ميلاد المصطفى صلى الله عليه وسلم؟
لقد ارسل الله تعالى رسلا كثيرين الى اقوامهم وتحدث عن حياتهم بالتفصيل ولقد احتفى القرآن الكريم ببعض الرسل من ساعة ولادتهم الى موتهم وبهذا اصبح الحديث عن ميلاد ذلك النبي قرآنا وشرعا (كما جاء في ذكر ولادة عيسى عليه السلام وموسى عليه السلام ويحيى عليه السلام) ونحن كمسلمين نحتفل كل ثانية بميلاد احد هؤلاء الانبياء لأنه ما من ساعة ولا ثانية تمر الا وأحد من المسلمين يقرأ هذه الآيات التي تحتفي بمولد الانبياء عليهم وعلى رسولنا افضل الصلاة والسلام فهناك من يحتفل هذا الاحتفال القرآني بولادة عيسى صلى الله عليه وسلم وما رافقه من عبر وكذلك بموسى صلى الله عليه وسلم من ساعة ولادته الى ان اصبح في قصر فرعون الى موته بالتفصيل.
نسأل لماذا فعل الله تعالى هذا، ولماذا قص علينا قصص ولادات الانبياء وآثارهم؟
الله تعالى لما احتفى بمولد الانبياء وآثارهم لأنه سبحانه وتعالى يعلم ان الامة عندما تتزعزع وتفقد الثقة يذكّرهم بأيام الله حتى يثبتوا، عندما انهزم المسلمون في أحد ذكرهم بقوله تعالى: (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون) (123) آل عمران. (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون) (26) الأنفال. التذكير بأيام الله وبالمنن والآثار خيرها وشرها عبرة ولهذا قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين) (120) هود، فالاحتفال بالنبي صلى الله عليه وسلم وحياته فكأنما يقول تعالى لنبيه: اذا كثر عليك المشركون اذكر كيف فعلنا مع موسى وعيسى حتى يتجدد الايمان والثقة بالله تعالى (وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين) (120) هود.
الحق هو المعجزات والموعظة لمن ينكر ذلك ولمن ضعف وتزعزع وعليه ان يعود، وذكرى للمؤمنين لأن (وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين). الله تعالى يعلم ان النفس البشرية مطبوعة على ما تحب ومن يحب يعشق كل ما يتعلق بالمحبوب.
عندما كان المسلمون على هذه القوة المعروفة لم يكن يشغل للمسلمين من شغل إلا الرسول صلى الله عليه وسلم وعلم السنة رواية وتحقيقا ومجالس ودراسة، ولم يُخدم علم في الدنيا كما خُدم هذا العلم، وكانوا يتحققون من كل شيء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فوصفوه صلى الله عليه وسلم وذكروا كم عدد الشعرات السوداء في لحيته، ووصفوا مشيته ووقفته وسواكه وصفاً دقيقاً، وهذا هو الاحتفاء به صلى الله عليه وسلم، وتحدثوا عن رضاعه، وكان المسلمون يحتفلون بالنبي صلى الله عليه وسلم وأيام النبي صلى الله عليه وسلم، وما من صغيرة ولا كبيرة في حياته إلا كانت محور الحديث، قال صلى الله عليه وسلم: «أدبوا أولادكم على حبي» كما تناول علم الحديث شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ونفعه حتى ينشأ الناس على حبه صلى الله عليه وسلم، وكان المسلمون يحتفلون به كل يوم من انشغالهم بالحديث والسيرة وكل ما يتعلق به صلى الله عليه وسلم وكان العلم الشائع في عصرهم. أما عندما انشغل المسلمون وانقسمت الدولة دويلات وضاع أمرهم، بدأ علماء المسلمين يحاولون إمساك الأمة على وحدتها، ووجد بعضهم في ذكرى مولده الشريف سبيلا لتجديد الايمان وتقوية حب الرسول صلى الله عليه وسلم في قلوب الناس، وكلنا يعلم مدى اهمية محبة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده والناس أجمعين»، ومن أحب شيئا أكثر من ذكره.
قال تعالى: (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا) منّ الله تعالى عليهم بأن جعلهم أقوياء عندما ذكرهم موسى صلى الله عليه وسلم بأيام الله عز وجل. فإذا كان القرآن الكريم احتفى بمولد موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام وبأنبياء محدودين بزمان ومكان فكيف بالرسول صلى الله عليه وسلم وقد أرسله الله تعالى الى العالمين جميعا الى يوم القيامة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وقال تعالى (لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا) في هذه الآية ذكر تعالى المنة على المؤمنين ولم يقل العالمين لأن المنة على الذين يحبونه صلى الله عليه وسلم، وآمنوا به واتبعوه.
ان الامة الاسلامية وهي تعيش اليوم حالة من التردي، ما أحوجها الى التماسك من خلال استذكار سيرة المصطفى العطرة، واستخلاص العبر والدروس حتى تستفيق وتنهض من عثرتها التي طالت... اعتقد انه سيكون خير احتفال بذكرى مولد الهادي البشير.
المخالفات الشرعية
1 - اتخاذ هذا اليوم عيدا وليس هناك أعياد في الإسلام غير عيد الفطر والأضحى ويوم الجمعة الأسبوعي روى أبو داود والنسائي والحديث صححه العلامة الألباني رحمه الله من حديث أنس بن مالك قال كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال: كان لكم يومان تلعبون فيهما وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما يوم الفطر والأضحى.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «الا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع» كل عيد ليس في الإسلام وضعه النبي صلى الله عليه وسلم تحت قدمه.
2 - والاحتفال بالمولد النبوي صورة من اتخاذ القبور عيداً، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور أعياداً.
روى ابو داود رحمه الله والحديث صححه العلامة الالباني رحمه الله من حديث أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم».
3 - الاتيان بأمر لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أحدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد» أي مردود غير مقبول وهذا للمبتدع الذي أنشأ البدعة وفي رواية أخري قال صلى الله عليه وسلم «من عمل عملاً ليس عليه امرنا فهو رد» وهذا للمتبع البدعة يعني لا تحتج بكثرة من يفعل ذلك وان كان من العلماء وان كان من المشايخ حتى لا يرد اليك عملك.
4 - تشبه بالكفار باتخاذ أعياد الميلاد كما هو معروف عند أهل الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من تشبه بقومٍ فهو منهم» وقال صلى الله عليه وسلم «خالفوا المشركين».
5 - أقوال وقصائد شركية تقال في هذا اليوم إياك أن تدندن معهم إنهم يدندنون بما يغضب الله والرسول صلى الله عليه وسلم.
صور من المحبة الحقيقية
المحبة الحقيقية للنبي صلى الله عليه وسلم لا بفعل الموالد وأكل الحلوى وإنما دليل المحبة الاتباع، وكثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم خصوصا يوم الجمعة عدم الشعور بالحرج بما جاء به في السنة والاحاديث الصحيحة:
1 - التسليم بكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى: «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم» علامة محبة الله عز وجل هو اتباعك للحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وكلما زاد حبك لله عز وجل زاد حبك للمصطفى ومحبة الحبيب تابعة لمحبة الله عز وجل هذه كرامة وشرف للنبي صلى الله عليه وسلم وروى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده».
2 - الشوق الى رؤيته صلى الله عليه وسلم روى مسلم من حديث أبي هريرة «من أشد أمتي لي حباً ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله».
3 - الرضا بما شرعه: قال تعالى «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما».
قال تعالى: «وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم» لا يوجد خيار الا بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم.
4 - كثرة الصلاة والسلام على خير الانام محمد صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى «إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً».
ظل الناس هكذا يتمادون في جاهليتهم حتى ظهر النور الذي بدد الظلام، وأضاء الكون بإشراقته في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الاول، الذي أُرخ له حسب البيئة «بعام الفيل» الموافق العام (571) من الميلاد.
«ذلك يوم ولدت فيه...» هكذا أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن سبب صومه ليوم الاثنين... وها هي الامة الإسلامية في شتى بقاع الأرض تعيش هذه الايام ذكرى مولده الشريف صلى الله عليه وسلم الذي غيّر وجه الأرض، وبه عمّ النور ارجاءها.
وجاء الحق وزهق الباطل، وانقشعت ظلمة الجهل وجبروت الجاهلية، وتنسمت الدنيا رياح التسامح والمودة والتراحم والأمن والأمان والصدق والإخلاص والإيثار، وكلها خصال وسلوكيات لم يكن لها وجود يذكر قبل مولده الشريف إلا من النذر اليسير. إنها ليست ذكرى عادية... بل ذكرى مولد خير الأنام، وسيد ولد آدم، وخاتم النبيين والمرسلين، صاحب الحوض والشفاعة.
إن ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم فوق أنها تجدد في الأذهان والقلوب ذكرى الهادي البشير والسراج المنير، فإنها تذكر الامة الإسلامية بأنها خير أمة أخرجت للناس، وأنها أمة الوسط والاعتدال، وأنها الأمة التي نالت الشرف العظيم بأن جعلها الله آخر الأمم، وأمة خاتم الرسل... إنه لفضل لا يدانيه فضل، وشرف لا يطاوله شرف... من هنا تأتي أهمية ذكرى المولد النبوي الشريف... لكن هل لنا ان نحتفل به ونقيم لذلك طقوساً خاصة بهذه الذكرى؟
هذه المسألة تحتاج الى شيء من التفصيل والتوضيح حتى تكون وسطاً في غير افراط او تفريط، وسنوضح في هذه العجالة أراء العلماء الذين يقولون بعدم جواز الاحتفال بذكرى المولد النبوي بأي شكل من أشكال الاحتفال لان ذلك بدعة ولهم في ذلك أدلتهم التي تؤكد وتعضد ما ذهبوا إليه.
وعلى الجانب الآخر فان هناك جمعا كبيرا من العلماء المعتبرين لدى الأمة من أجازوا الاحتفال بذكرى المولد النبوي بالذكر، او ما شابه في غير مغالاة.... بل ان هناك من العلماء من ألف كتباً في المولد النبوي منهم الحافظ عبدالرحيم العراقي، وابن الجوزي، وابن كثير، وابن دحية الكلبي، وابن الجزري، والخطيب الشربيني وغيرهم... وسنعرض في هذا التحقيق لأصحاب الرأيين بشيء من التفصيل مع بيان بعض المخالفات الشرعية التي تقع من الذين يغالون في الاحتفال بذكرى المولد النبوي ويتخذونه عيداً وهذا مخالف لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عليه اصحابه واجماع امته من بعده... أي فخر هذا تحمله هذه الأمة؟
وانني حقيقة لا أدري... هل قدَّر الله تعالى ان يكون الاحتفال بذكرى ميلاد سيد الأولين والآخرين ليقيم علينا الحجة لأننا فرطنا وأهملنا في جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهاون في اتباع أوامره وسنته، أم انها رسالة لاستدراك نسيان قد حصل، وايقاظ للنفوس التي غفلت حتى تنتفض من سباتها وتعود الى رشدها...؟
وأياً كان نوع الرسالة وفحواها من الاحتفال بذكرى ميلاد النور الذي بدد ظلام البشرية وأطل على الدنيا فسرى الخير في ربوعها، وعمّ الأمن أرجاءها، واصبحت الاخلاق الحميدة هي الحاكمة في علاقات الناس. مهما كانت الرسالة فإننا - للأسف - مقصرون في حق رسولنا صلى الله عليه وسلم، في الوقت الذي نهتم فيه بأشياء ما انزل الله بها من سلطان ولا تمت الى عقيدتنا وأخلاقنا بصلة، ونحتاج الى وقفة صادقة مع النفس حتى يكتشف كل منا قدر محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل هذه المحبة صدق أم ادعاء...؟
لماذا لا نتخذ من ذكرى مولد الهادي البشير نقطة الانطلاق لاستنهاض عزائم الأمة وشحذ هممها لاستعادة أمجادها وعزتها...؟ لا أظن... بل أجزم أننا قادرون على ذلك... لو أردنا...!!
يرجع المسلمون الذين يحتفلون بالمولد النبوي بداية الاهتمام بيوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى النبي محمد نفسه حيث كان يصوم يوم الاثنين ويقول «هذا يوم وُلدت فيه»، ويذكر الإمام السيوطي أن أول من احتفل بالمولد بشكل كبير ومنظم هو حاكم أربيل (في شمال العراق حالياً) الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين، والذي وثقه علماء السنة بأقوالهم:
قال السيوطي وابن كثير: أنه أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد، وكان له آثار حسنة، وهو الذي عمر الجامع المظفري بسفح قاسيون.
قال ابن خلكان في ترجمة الحافظ أبي الخطاب ابن دحية: «كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، قدم من المغرب فدخل الشام والعراق واجتاز بأربيل سنة أربع وستمئة فوجد ملكها المعظم مظفر الدين بن زين الدين يعتني بالمولد النبوي فعمل له كتاب (التنوير في مولد البشير النذير)، وقرأه عليه بنفسه فأجازه بألف دينار».
قال الحافظ الذهبي: كان متواضعا خيرا سنيّا يحب الفقهاء والمحدثين.
قال ابن كثير: كان الملك المظفر يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً، وكان شهماً شجاعاً بطلاً عاقلاً عالماً عادلاً.
الدولة الأيوبية
كان أول من احتفل بالمولد النبوي بشكل منظم في عهد السلطان صلاح الدين، الملك مظفر الدين كوكبوري، إذ كان يحتفل به احتفالاً كبيراً في كل سنّة، وكان يصرف فيها الأموال الكثيرة، والخيرات الكبيرة، حتى بلغت ثلاثمئة ألف دينار، وذلك كل سنة. وكان يصل إليه من البلاد القريبة من أربيل مثل بغداد، والموصل عدد كبير من الفقهاء والصوفية والوعّاظ، والشعراء، ولا يزالون يتواصلون من شهر محرم إلى أوائل ربيع الأول. وكان يعمل المولد سنة في 8 ربيع الأول، وسنة في 12 ربيع الأول، لسبب الاختلاف بتحديد يوم مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم. فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيئا كثيراً وزفّها بالطبول والأناشيد، حتى يأتي بها إلى الميدان، ويشرعون في ذبحها، ويطبخونها. فإذا كانت صبيحة يوم المولد، يجتمع الناس والأعيان والرؤساء، ويُنصب كرسي للوعظ، ويجتمع الجنود ويعرضون في ذلك النهار. بعد ذلك تقام موائد الطعام، وتكون موائد عامة، فيه من الطعام والخبز شيء كثير.
الخلافة العثمانية
كان لسلاطين الخلافة العثمانية عناية بالغة بالاحتفال بجميع الأعياد والمناسبات المعروفة عند المسلمين، ومنها يوم المولد النبوي، إذ كانوا يحتفلون به في أحد الجوامع الكبيرة بحسب اختيار السلطان، فلمّا تولى السلطان عبدالحميد الثاني الخلافة قصر الاحتفال على الجامع الحميدي. فقد كان الاحتفال بالمولد في عهده متى كانت ليلة 12 ربيع الأول يحضر إلى باب الجامع عظماء الدولة وكبراؤها بأصنافهم، وجميعهم بالملابس الرسمية التشريفية، وعلى صدورهم الأوسمة، ثم يقفون في صفوف انتظاراً للسلطان. فإذا جاء السلطان، خرج من قصره راكباً جواداً من خيرة الجياد، بسرج من الذهب الخالص، وحوله موكب فخم، وقد رُفعت فيه الأعلام، ويسير هذا الموكب بين صفين من جنود الجيش العثماني وخلفهما جماهير الناس، ثم يدخلون الجامع ويبدأون بالاحتفال، فيبدؤون بقراءة القرآن، ثم بقراءة قصة مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بقراءة كتاب دلائل الخيرات في الصلاة على النبي، ثم ينتظم بعض المشايخ في حلقات الذكر، فينشد المنشدون وترتفع الأصوات بالصلاة على النبي. وفي صباح يوم 12 ربيع الأول، يفد كبار الدولة على اختلاف رتبهم لتهنئة السلطان.
المغرب الأقصى
كان لسلاطين المغرب الأقصى بالاحتفال بالمولد النبوي همة عالية، لا سيما في عهد السلطان أحمد المنصور الذي تولى الملك في أواخر القرن العاشر من الهجرة، وقد كان ترتيب الاحتفال بالمولد في عهده إذا دخل شهر ربيع الأول يجمّع المؤذنين من أرض المغرب، ثم يأمر الخياطين بتطريز أبهى أنواع المطرَّزات. فإذا كان فجر يوم المولد النبوي، خرج السلطان فصلى بالناس وقعد على أريكته، ثم يدخل الناس أفواجاً على طبقاتهم، فإذا استقر بهم الجلوس، تقدم الواعظ فسرد جملة من فضائل النبي صلى الله عليه وسلم ومعجزاته، وذكر مولده. فإذا فرغ، بدأ قوم بإلقاء الأشعار والمدائح، فإذن انتهوا، بُسط للناس موائد الطعام.
الاحتفال بالمولد النبوي
* المؤيدون
- السيوطي، حيث قال: «عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف».
- ابن الجوزي، حيث قال عن المولد النبوي: «من خواصه أنه أمان في ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام».
- ابن حجر العسقلاني، حيث قال الحافظ السيوطي: «وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل ابن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كانت بدعة حسنة، وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم، فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون، ونجى موسى، فنحن نصومه شكرا لله، فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة، أو دفع نقمة... إلى أن قال: وأي نعمة أعظم من نعمة بروز هذا النبي... نبي الرحمة في ذلك اليوم، فهذا ما يتعلق بأصل عمله، وأما ما يعمل فيه: فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة».
- السخاوي، حيث قال عن المولد النبوي: «لم يفعله أحد من السلف في القرون الثلاثة، وإنما حدث بعدُ، ثم ما زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم».
- ابن الحاج المالكي، حيث قال: «فكان يجب أن نزداد يوم الاثنين الثاني عشر في ربيع الأول من العبادات والخير شكرا للمولى على ما أولانا من هذه النعم العظيمة وأعظمها ميلاد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم». وقال أيضا: «ومن تعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم الفرح بليلة ولادته وقراءة المولد».
- ابن عابدين، حيث قال: «اعلم أن من البدع المحمودة عمل المولد الشريف من الشهر الذي ولد فيه صلى الله عليه وآله وسلم». وقال أيضا: «فالاجتماع لسماع قصة صاحب المعجزات عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات من اعظم القربات لما يشتمل عليه من المعجزات وكثرة الصلوات».
- الحافظ عبدالرحيم العراقي، حيث قال: «إن اتخاذ الوليمة وإطعام الطعام مستحب في كل وقت فكيف إذا انضم إلى ذلك الفرح والسرور بظهور نور رسول الله في هذا الشهر الشريف ولا يلزم من كونه بدعة كونه مكروها فكم من بدعة مستحبة قد تكون واجبة».
- الحافظ شمس الدين ابن الجزري، حيث قال الحافظ السيوطي: «ثم رأيت إمام القراء الحافظ شمس الدين ابن الجزري قال في كتابه المسمى (عرف التعريف بالمولد الشريف) ما نصه: قد رؤي أبو لهب بعد موته في النوم فقيل له: ما حالك؟ فقال: في النار إلا أنه يخفف عني كل ليلة اثنين، وأمص من بين أصبعي ماء بقدر هذا- وأشار لرأس أصبعه -، وأن ذلك باعتاقي لثويبة عندما بشرتني بولادة النبي وبإرضاعها له. فإذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم به فما حال المسلم الموحد من أمة النبي يسر بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته، لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنات النعيم.
- أبو شامة (شيخ النووي)، حيث قال: «ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يُفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات، والمعروف، وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مشعرٌ بمحبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكراً لله تعالى على ما منّ به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين».
- الشهاب أحمد القسطلاني (شارح البخاري)، حيث قال: «فرحم الله امرءا اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعيادا، ليكون أشد علة على من في قلبه مرض وإعياء داء».
- الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي، حيث قال في كتابه المسمى (مورد الصادي في مولد الهادي): «قد صح أن أبا لهب يخفف عنه عذاب النار في مثل يوم الاثنين لإعتاقه ثويبة سروراً بميلاد النبي»، ثم أنشد:
إذا كان هـذا كافراً جـاء ذمـه
وتبت يـداه في الجحـيم مخـلداً
أتى أنـه في يـوم الاثنين دائـماً
يخفف عنه للسـرور بأحــمدا
فما الظن بالعبدالذي طول عمره
بأحمد مسرورٌ ومات موحـــداً
- محمد الطاهر بن عاشور شيخ جامع الزيتونة ومن أبرز علماء المالكية، أيّد الاعتناء بيوم المولد النبوي في قوله: «فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِلْمَوَاقِيتِ الْمَحْدُودَةِ اعْتِبَاراً يُشْبِهُ اعْتِبَارَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ الْمُتَجَدِّدِ، وَإِنَّمَا هَذَا اعْتِبَارٌ لِلتَّذْكِيرِ بِالْأَيَّامِ الْعَظِيمَةِ الْمِقْدَارِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [إِبْرَاهِيم: 5] ، فَخَلَعَ اللَّهُ عَلَى الْمَوَاقِيتِ الَّتِي قَارَنَهَا شَيْءٌ عَظِيمٌ فِي الْفَضْلِ أَنْ جَعَلَ لِتِلْكَ الْمَوَاقِيتِ فَضْلاً مُسْتَمِرًّا تَنْوِيهاً بِكَوْنِهَا تَذْكِرَةً لِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ لِأَجْلِهِ سُنَّةَ الْهَدْيِ فِي الْحَجِّ، لِأَنَّ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ ابْتَلَى اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ إِسْمَاعِيلَ وَأَظْهَرَ عَزْمَ إِبْرَاهِيمَ وَطَاعَتَهُ رَبَّهُ وَمِنْهُ أَخَذَ الْعُلَمَاءُ تَعْظِيمَ الْيَوْمِ الْمُوَافِقِ لِيَوْمِ وِلَادَةِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَجِيءُ مِنْ هَذَا إِكْرَامُ ذُرِّيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَأَبْنَاءِ الصَّالِحِينَ وَتَعْظِيمِ وُلَاةِ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ الْقَائِمِينَ مَقَامَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَعْمَالِهِمْ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ وَالْأَئِمَّةِ».
- حسنين محمد مخلوف شيخ الأزهر، حيث قال: «إن إحياء ليلة المولد الشريف وليالي هذا الشهر الكريم الذي أشرق فيه النور المحمدي إنما يكون بذكر الله وشكره لما أنعم به على هذه الأمة من ظهور خير الخلق إلى عالم الوجود، ولا يكون ذلك إلا في أدب وخشوع وبعد عن المحرمات والبدع والمنكرات. ومن مظاهر الشكر على حبه مواساة المحتاجين بما يخفف ضائقتهم، وصلة الأرحام، والإحياء بهذه الطريقة وإن لم يكن مأثورا في عهده صلى الله عليه وآله وسلم ولا في عهد السلف الصالح إلا أنه لا بأس به وسنة حسنة».
- محمد الفاضل بن عاشور من علماء تونس البارزين، في قوله: «إن ما يملأ قلوب المسلمين في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول كل عام من ناموسِ المحبة العُلوي، وما يهزّ نفوسهم من الفيض النوراني المتدفق جمالا وجلالا، ليأتي إليهم محمّلا من ذكريات القرون الخالية بأريج طيب ينمّ عما كان لأسلافهم الكرام من العناية بذلك اليوم التاريخي الأعظم، وما ابتكروا لإظهار التعلّق به وإعلان تمجيده من مظاهر الاحتفالات، فتتطلع النفوسُ إلى استقصاء خبر تلك الأيام الزهراء والليالي الغراء؛ إذ المسلمون ملوكاً وسوقةً (أي عامتهم) يتسابقون إلى الوفاء بالمستطاع من حقوق ذلك اليوم السعيد».
- محمد الشاذلي النيفر، شيخ الجامع الأعظم في تونس، في قوله: «وَأَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ مَا يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ عَنِ «ابْنِ حَجَرٍ» وَ«السّيُوطِيِّ» أَنَّ اللَّـهَ أَوْجَبَ عَلَيْنَا مَحَبَّةَ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ مَحَبَّتِهِ جَلَّ وَعَلَا، وَذَلِكَ يُوجِبُ عَلَيْنَا تَعْظِيمَ كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمِنْ ذَلِكَ تَعْظِيمُ يَوْمِ مَوْلِدِهِ بِالاحْتِفَالِ بِهِ بِمَا يُجِيزُهُ الشَّرْعُ الكَرِيمُ».
- محمد متولي الشعراوي، حيث قال: «وإكراماً لهذا المولد الكريم فإنه يحق لنا أن نظهر معالم الفرح والابتهاج بهذه الذكرى الحبيبة لقلوبنا كل عام وذلك بالاحتفال بها من وقتها».
- المبشر الطرازي، شيخ علماء التركستان: حيث قال: «إن الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف أصبح واجباً أساسياً لمواجهة ما استجد من الاحتفالات الضارة في هذه الأيام» [بحاجة لمصدر].
- محمد علوي المالكي، حيث قال: «إننا نقول بجواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف والاجتماع لسماع سيرته والصلاة والسلام عليه وسماع المدائح التي تُقال في حقه، وإطعام الطعام وإدخال السرور على قلوب الأمة».
- يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، حيث قال عن ذكرى المولد: «إذا انتهزنا هذه الفرصة للتذكير بسيرة رسول الله، وبشخصية هذا النبي العظيم، وبرسالته العامة الخالدة التي جعلها الله رحمة للعالمين، فأي بدعة في هذا وأية ضلالة؟».
- محمد سعيد رمضان البوطي، حيث قال: «الاحتفال بذكرى مولد رسول الله نشاط اجتماعي يبتغي منه خير دينيّ، فهو كالمؤتمرات والندوات الدينية التي تعقد في هذا العصر، ولم تكن معروفة من قبل. ومن ثم لا ينطبق تعريف البدعة على الاحتفال بالمولد، كما لا ينطبق على الندوات والمؤتمرات الدينية. ولكن ينبغي أن تكون هذه الاحتفالات خالية من المنكرات».
- عبدالله بن بيه، حيث قال: «فحاصل الأمر أن من احتفل به فسرد سيرته والتذكير بمناقبه العطرة احتفالاً غير ملتبس بأي فعل مكروه من النّاحية الشرعية وليس ملتبساً بنيّة السنّة ولا بنيّة الوجوب فإذا فعله بهذه الشروط التي ذكرت؛ ولم يلبسه بشيء مناف للشرع، حباً للنبي ففعله لا بأس به إن شاء اللهُ وهو مأجور».
- نوح القضاة مفتي الأردن سابقاً، حيث قال: «ولا شك أن مولد المصطفى من أعظم ما تفضل الله به علينا، ومن أوفر النعم التي تجلى بها على هذه الأمة؛ فحق لنا أن نفرح بمولده».
- علي جمعة مفتي مصر سابقا، حيث قال: «الاحتفال بذكرى مولده من أفضل الأعمال وأعظم القربات؛ لأنه تعبير عن الفرح والحب له، ومحبة النبي أصل من أصول الإيمان».
- وهبة الزحيلي، حيث قال: «إذا كان المولد النبوي مقتصراً على قراءة القرآن الكريم، والتذكير بأخلاق النبي عليه الصلاة والسلام، وترغيب الناس في الالتزام بتعاليم الإسلام وحضّهم على الفرائض وعلى الآداب الشرعية، ولا يكون فيها مبالغة في المديح ولا إطراءٌ كما قال النبي (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ولكن قولوا عبدالله ورسوله) وهذا إذا كان هذا الاتجاه في واقع الأمر لا يُعد من البدع»
- محمد بن عبدالغفار الشريف، الأمين العام للأوقاف في الكويت سابقا، حيث قال: «الاحتفال بمولد سيد الخلق عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم أمر مستحب، وبدعة حسنة في رأي جماهير العلماء».
- محمد راتب النابلسي، حيث قال: «الاحتفال بعيد المولد ليس عبادة ولكنه يندرج تحت الدعوة إلى الله، ولك أن تحتفل بذكرى المولد على مدى العام في ربيع الأول وفي أي شهر آخر، في المساجد وفي البيوت».
- عمر بن حفيظ، حيث قال: «مجالس الموالد كغيرها من جميع المجالس؛ إن كان ما يجري فيها من الأعمال صالح وخير، كقراءة القران، والذكر للرحمن، والصلاة على النبي، وإطعام الطعام للإكرام ومن أجل الله، وحمد الله، والثناء على رسوله، ودعاء الحق سبحانه، والتذكير والتعليم، وأمثال ذلك مما دعت إليه الشريعة ورغبت فيه؛ فهي مطلوبة ومندوبة شرعاً».
-عبدالملك السعدي، المفتي العام للعراق سابقاً: «لم يكن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف معروفاً في عصر الصحابة الكرام. ولكن لا يَلزم من عدم وجوده في عصر النبي -صلى الله عليه سلم- أو في عصر الصحابة كونه بدعة سيئة أو منافياً للشريعة، فالاحتفال بالمولد إن أُقيم على أساس أنَّه عبادة مشروعة -كالصوم والصلاة والعبادات الأخرى-: فهو بدعة. وكذا لا نسمِّيه عيدا، بل إحياء ذكرى؛ لأنَّه لا يوجد سوى عيدين في الإسلام. وإن أقيم على أساس إحياء ذكرى مولد سيد المرسلين وإعادة ذكريات سيرته العطرة وخلا من المنكرات واختلاط الرجال بالنساء والمبالغة في مدحه صلى الله عليه سلم فلا يعد بدعة».
* المعارضون
- ابن تيمية: «اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب أو ثامن عشر ذي الحجة أو أول جمعة من رجب أو ثامن من شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها(...) فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه ولو كان خيرا محضا أو راجحا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له منا وهم على الخير أحرص»
- الشاطبي: قال في معرض ذكره للبدع المنكرة» ومنها التزام الكيفيات والهيئات المعينة كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا وما أشبه ذلك»
- تاج الدين الفاكهاني: «لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنّة ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين المتمسّكون بآثار المتقدمين».
- ابن الحاج: «ذلك زيادة في الدين ليس من عمل السلف الماضين، واتباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه، لأنهم أشد الناس اتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له ولسنته صلى الله عليه وسلم ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد ونحن لهم تبع فيسعنا ما وسعهم وقد علم أن اتباعهم في المصادر والموارد».
- محمد بن إبراهيم آل الشيخ: «لم يكن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم مشروعا ولا معروفا لدى السلف الصالح رضوان الله عليهم ولم يفعلوه مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه ولو كان خيرا ما سبقونا إليه فهم أحق بالخير وأشد محبة للرسول صلى الله عليه وسلم وأبلغ تعظيما له... فلما كان غير معروف لدى السلف الصالح ولم يفعلوه وهم القرون المفضلة دل على أنه بدعة محدثة».
- عبدالعزيز بن باز، حيث قال: «الاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم بدعة لا تجوز في أصح قولي العلماء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، وهكذا خلفاؤه الراشدون، وصحابته جميعاً رضي الله عنهم، وهكذا العلماء وولاة الأمور في القرون الثلاثة المفضلة، وإنما حدث بعد ذلك بسبب الشيعة ومن قلدهم، فلا يجوز فعله ولا تقليد من فعله.
- محمد ناصر الدين الألباني، قال: «هذا الاحتفال أمرٌ حادث، لم يكن ليس فقط في عهده صلى الله عليه وسلم؛ بل ولا في عهد القرون الثلاثة... ومن البدهي أنَّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حياته لم يكن ليحتفل بولادته؛ ذلك لأن الاحتفال بولادة إنسان ما إنما هي طريقة نصرانيَّة مسيحيَّة لا يعرفه الإسلام مطلقاً في القرون المذكورة آنفاً؛ فمن باب أولى ألاَّ يعرف ذلك رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم».
- محمد بن صالح العثيمين: «إذا كان كذلك فإن من تعظيمه وتوقيره والتأدب معه واتخاذه إماماً ومتبوعاً ألا نتجاوز ما شرعه لنا من العبادات لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى ولم يدع لأمته خيراً إلا دلهم عليه وأمرهم به ولا شراً إلا بينه وحذرهم منه وعلى هذا فليس من حقنا ونحن نؤمن به إماماً متبوعاً أن نتقدم بين يديه بالاحتفال بمولده أو بمبعثه، والاحتفال يعني الفرح والسرور وإظهار التعظيم وكل هذا من العبادات المقربة إلى الله، فلا يجوز أن نشرع من العبادات إلا ما شرعه الله ورسوله وعليه فالاحتفال به يعتبر من البدعة».
الاحتفال بالمولد النبوي... والتذكير بأيام الله ...!
لقد كان ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم منة عظيمة من الله تعالى على الناس، قال تعالى (لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) (164) آل عمران، فما دلالة الآية الكريمة على ما نحن بصدد الحديث عنه، وهو الاحتفال بذكرى ميلاد المصطفى صلى الله عليه وسلم؟
لقد ارسل الله تعالى رسلا كثيرين الى اقوامهم وتحدث عن حياتهم بالتفصيل ولقد احتفى القرآن الكريم ببعض الرسل من ساعة ولادتهم الى موتهم وبهذا اصبح الحديث عن ميلاد ذلك النبي قرآنا وشرعا (كما جاء في ذكر ولادة عيسى عليه السلام وموسى عليه السلام ويحيى عليه السلام) ونحن كمسلمين نحتفل كل ثانية بميلاد احد هؤلاء الانبياء لأنه ما من ساعة ولا ثانية تمر الا وأحد من المسلمين يقرأ هذه الآيات التي تحتفي بمولد الانبياء عليهم وعلى رسولنا افضل الصلاة والسلام فهناك من يحتفل هذا الاحتفال القرآني بولادة عيسى صلى الله عليه وسلم وما رافقه من عبر وكذلك بموسى صلى الله عليه وسلم من ساعة ولادته الى ان اصبح في قصر فرعون الى موته بالتفصيل.
نسأل لماذا فعل الله تعالى هذا، ولماذا قص علينا قصص ولادات الانبياء وآثارهم؟
الله تعالى لما احتفى بمولد الانبياء وآثارهم لأنه سبحانه وتعالى يعلم ان الامة عندما تتزعزع وتفقد الثقة يذكّرهم بأيام الله حتى يثبتوا، عندما انهزم المسلمون في أحد ذكرهم بقوله تعالى: (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون) (123) آل عمران. (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون) (26) الأنفال. التذكير بأيام الله وبالمنن والآثار خيرها وشرها عبرة ولهذا قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين) (120) هود، فالاحتفال بالنبي صلى الله عليه وسلم وحياته فكأنما يقول تعالى لنبيه: اذا كثر عليك المشركون اذكر كيف فعلنا مع موسى وعيسى حتى يتجدد الايمان والثقة بالله تعالى (وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين) (120) هود.
الحق هو المعجزات والموعظة لمن ينكر ذلك ولمن ضعف وتزعزع وعليه ان يعود، وذكرى للمؤمنين لأن (وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين). الله تعالى يعلم ان النفس البشرية مطبوعة على ما تحب ومن يحب يعشق كل ما يتعلق بالمحبوب.
عندما كان المسلمون على هذه القوة المعروفة لم يكن يشغل للمسلمين من شغل إلا الرسول صلى الله عليه وسلم وعلم السنة رواية وتحقيقا ومجالس ودراسة، ولم يُخدم علم في الدنيا كما خُدم هذا العلم، وكانوا يتحققون من كل شيء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فوصفوه صلى الله عليه وسلم وذكروا كم عدد الشعرات السوداء في لحيته، ووصفوا مشيته ووقفته وسواكه وصفاً دقيقاً، وهذا هو الاحتفاء به صلى الله عليه وسلم، وتحدثوا عن رضاعه، وكان المسلمون يحتفلون بالنبي صلى الله عليه وسلم وأيام النبي صلى الله عليه وسلم، وما من صغيرة ولا كبيرة في حياته إلا كانت محور الحديث، قال صلى الله عليه وسلم: «أدبوا أولادكم على حبي» كما تناول علم الحديث شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ونفعه حتى ينشأ الناس على حبه صلى الله عليه وسلم، وكان المسلمون يحتفلون به كل يوم من انشغالهم بالحديث والسيرة وكل ما يتعلق به صلى الله عليه وسلم وكان العلم الشائع في عصرهم. أما عندما انشغل المسلمون وانقسمت الدولة دويلات وضاع أمرهم، بدأ علماء المسلمين يحاولون إمساك الأمة على وحدتها، ووجد بعضهم في ذكرى مولده الشريف سبيلا لتجديد الايمان وتقوية حب الرسول صلى الله عليه وسلم في قلوب الناس، وكلنا يعلم مدى اهمية محبة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده والناس أجمعين»، ومن أحب شيئا أكثر من ذكره.
قال تعالى: (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا) منّ الله تعالى عليهم بأن جعلهم أقوياء عندما ذكرهم موسى صلى الله عليه وسلم بأيام الله عز وجل. فإذا كان القرآن الكريم احتفى بمولد موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام وبأنبياء محدودين بزمان ومكان فكيف بالرسول صلى الله عليه وسلم وقد أرسله الله تعالى الى العالمين جميعا الى يوم القيامة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وقال تعالى (لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا) في هذه الآية ذكر تعالى المنة على المؤمنين ولم يقل العالمين لأن المنة على الذين يحبونه صلى الله عليه وسلم، وآمنوا به واتبعوه.
ان الامة الاسلامية وهي تعيش اليوم حالة من التردي، ما أحوجها الى التماسك من خلال استذكار سيرة المصطفى العطرة، واستخلاص العبر والدروس حتى تستفيق وتنهض من عثرتها التي طالت... اعتقد انه سيكون خير احتفال بذكرى مولد الهادي البشير.
المخالفات الشرعية
1 - اتخاذ هذا اليوم عيدا وليس هناك أعياد في الإسلام غير عيد الفطر والأضحى ويوم الجمعة الأسبوعي روى أبو داود والنسائي والحديث صححه العلامة الألباني رحمه الله من حديث أنس بن مالك قال كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال: كان لكم يومان تلعبون فيهما وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما يوم الفطر والأضحى.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «الا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع» كل عيد ليس في الإسلام وضعه النبي صلى الله عليه وسلم تحت قدمه.
2 - والاحتفال بالمولد النبوي صورة من اتخاذ القبور عيداً، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور أعياداً.
روى ابو داود رحمه الله والحديث صححه العلامة الالباني رحمه الله من حديث أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم».
3 - الاتيان بأمر لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أحدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد» أي مردود غير مقبول وهذا للمبتدع الذي أنشأ البدعة وفي رواية أخري قال صلى الله عليه وسلم «من عمل عملاً ليس عليه امرنا فهو رد» وهذا للمتبع البدعة يعني لا تحتج بكثرة من يفعل ذلك وان كان من العلماء وان كان من المشايخ حتى لا يرد اليك عملك.
4 - تشبه بالكفار باتخاذ أعياد الميلاد كما هو معروف عند أهل الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من تشبه بقومٍ فهو منهم» وقال صلى الله عليه وسلم «خالفوا المشركين».
5 - أقوال وقصائد شركية تقال في هذا اليوم إياك أن تدندن معهم إنهم يدندنون بما يغضب الله والرسول صلى الله عليه وسلم.
صور من المحبة الحقيقية
المحبة الحقيقية للنبي صلى الله عليه وسلم لا بفعل الموالد وأكل الحلوى وإنما دليل المحبة الاتباع، وكثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم خصوصا يوم الجمعة عدم الشعور بالحرج بما جاء به في السنة والاحاديث الصحيحة:
1 - التسليم بكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى: «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم» علامة محبة الله عز وجل هو اتباعك للحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وكلما زاد حبك لله عز وجل زاد حبك للمصطفى ومحبة الحبيب تابعة لمحبة الله عز وجل هذه كرامة وشرف للنبي صلى الله عليه وسلم وروى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده».
2 - الشوق الى رؤيته صلى الله عليه وسلم روى مسلم من حديث أبي هريرة «من أشد أمتي لي حباً ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله».
3 - الرضا بما شرعه: قال تعالى «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما».
قال تعالى: «وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم» لا يوجد خيار الا بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم.
4 - كثرة الصلاة والسلام على خير الانام محمد صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى «إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً».