بيروت مصابة بـ «لعنة الزمن» التي تجعله مجرد «عداد» لأيام سود وأشهر مأسوية

من الـ 2013 إلى 2014 ... لبنان يودّع «السيئ» إلى «الأسوأ»

تصغير
تكبير
• عدنا إلى الحلقة المفرغة في وضع المالية العامة ... فالعجز يزداد من جديد والدين أيضاً بمعدلات سريعة جداً

• 2013 عام التراجع في السياحة والصناعة والتجارة والقطاع العقاري ... أي كل الأسس التي كانت تغذي النمو

• النمو في 2013 سجل 1.5 في المئة من الناتج المحلي في حين بلغ بين 2007 و2010 نحو 8 في المئة

• 7.5 مليار دولار تقديرات البنك الدولي للخسارة في الحركة الاقتصادية للبنان جراء النازحين السوريين

• 2014 سنة المفاوضات حول سورية على إيقاع الجولات العسكرية ... والتصعيد سينعكس في لبنان

• لبنان بات مرتبطاً كلياً بالوضع في سورية و رئيس الجمهورية لم يتمكن من فك هذا الارتباط

• «حزب الله» ذهب إلى معركة بسورية فتغيّرت الديموغرافية في لبنان ... فما هذه الحذاقة العسكرية؟

• «حزب الله» اليوم في وضع العزلة الأكبر ... وهو منبوذ عربياً وبات منظمة إرهابية

• الرأي العام الشيعي يعيش تحت إرهاب السلاح وخطأ قاتِل لـ «14 آذار» عدم احتضانه

• 2013 الأسوأ على لبنان منذ الأزمة التي بدأت في 2005 وصولاً إلى تبادُل السيارات المفخخة

• الحرب المذهبية لم تكن معلنة واليوم هي قائمة ومظاهرها البشعة تظهر عبر السيارات المفخخة

• تورّط «حزب الله» في سورية استجلب المجموعات التكفيرية كي تردّ في لبنان

• 2013 شهد أكبر عزلة للبنان عن العالم العربي نتيجة تورط «حزب الله» في سورية
... من «السيئ إلى الأسوأ»، هكذا هي الأعوام اللبنانية تطوي سنة تلو الاخرى، فـ «عقارب الساعة» في البلاد التي لم تعرف الراحة، اقله منذ العام 2005 صارت تنذر بما هو ادهى، لم يعد من مكان، لا في الجغرافيا ولا في المواعيد «لما هو اجمل»، كل شيء يوحي ان مأزق «القعر المفتوح» في لبنان ينبئ بالأسوأ.

في السياسة، في الامن، في الاقتصاد، وكذلك في «المصير الوطني» برمته... تقدم ولكن نحو الهاوية التي صارت وكأنها «القدر المحتوم» في بلاد لم تستخلص الدروس من تجاربها المرة في الحروب او اشباه الحروب وكأنها إلى الحروب تعود، بلا كوابح او مواقع او روادع تحول دون المزيد من... الفواجع.

لبنان يودع الـ 2013 غير آسف عليها ويستقبل الـ 2014 غير مرحب بها... انه مصاب بـ «لعنة الزمن» التي تجعله مجرد «عداد» لايام سود وأشهر مأسوية وأعوام عجاف... الزمن الذي لا مكان فيه للاستقرار وراحة البال والبحبوحة والامل والحلم و... التفاؤل، انها ازمنة الدوران في الحفرة التي يكاد ان يكون من الصعب الخروج منها.

في الـ 2013 بدا لبنان وكأنه انتقل إلى سورية وكأن سورية انتقلت إليه... «وحدة الحال» بين دمشق وبيروت، العاصمتان الاقرب في الجغرافيا، جعلت بيروت اقرب إلى «النار»، فالهشيم السياسي والامني اللبناني بات قابلاً للاشتعال مع اي زلة لسان او قدم او استحقاق، وربما مع اي رصاصة طائشة او موقف طائش او خيار أطوش.

«حزب الله» كشف في الـ2013 عن انتقاله للقتال في سورية، ومع الخيارات الانتحارية التي جعلت البلاد مشرعة على اهوال المنطقة كانت المفاجأة غير المفاجئة مع اقتحام الانتحاريين المشهد اللبناني من بوابة السفارة الايرانية في بيروت.

في «الروزنامة» المتهاوية لـ 2013، علامات فارقة كثيرة... لا حكومة وبرلمان عاطل عن العمل وحياة سياسية مشلولة وواقع امني منكوب... خمس سيارات مفخخة انفجرت، آخرها استهدف الشهيد محمد وزير المال اللبناني السابق ومستشار رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وقبلها اثنتان في الضاحية الجنوبية لبيروت واثنتان في طرابلس، عاصمة الشمال واحداث امنية متنقلة كان لطرابلس وصيدا «حصة الاسد» منها.

أما في توقعات الـ 2014، فالمشهد مفتوح على الكثير من «الكوابيس»، وخصوصاً في ظل ترحيل المأزق الحكومي إلى السنة الجديدة وبلوغ الازمة السياسية - الكيانية اوجها مع الاستحقاق الرئاسي المشرع على المجهول، وسط تقديرات بأن لا رئيس جديد ولا تمديد للحالي، مما يعني ان الفراغ سيكون سيد الموقف، الامر الذي من شأنه دق المسمار الاخير في نعش الدولة.

ثلاثة لقاءات اجرتها «الراي» مع شخصيات لبنانية في محاولة لتقويم ما حدث في الـ 2013 واستشراف ما يمكن ان يحدث في الـ 2014.

«متجهون إلى مؤتمر تأسيسي أو إعلان وفاة لبنان كما نعرفه»

سامي نادر: عام 2013 كان المسمار الأخير في نعش الجمهورية

رأى المحلل السياسي سامي نادر، أن 2013 «كان عام الدولة المعلّقة»، لافتاً إلى أن أكثر ما آلمه «هو عملية الغاء الانتخابات النيابية، الأمر الذي يعد ضربة للديموقراطية ودقّ مسمار في نعش ما تبقى من الجمهورية».

واذ أعرب في حديث إلى «الراي» عن تشاؤمه من مسار الامور في لبنان، اعتبر «أننا متجهون إلى مؤتمر تأسيسي أو إعلان وفاة لبنان بشكل أو بآخر»، مشيراً إلى أن لبنان يواجه تحديات عدة طارئة مع السنة الجديدة وهي أولاً اقتصادية، ثم على صعيد مسألة النازحين السوريين إلى لبنان. ولفت إلى أن «الاستحقاق الرئاسي سيكون ضمن السلة الجديدة»، قائلاً: «أعتقد أنه في هذه الفترة سيتم التوصل إلى تسوية دولية بمشاركة ايرانية لاحتواء الفراغ، حتى لو لم يتم التوافق على رئيس جديد، اذ ليس من الصعب ايجاد فتوى دستورية لابقاء الرئيس على حاله».

وفي ما يأتي نص الحديث:

• بالنظر إلى الأحداث التي مرّ بها لبنان، كيف تصنّفون هذا العام وأي أحداث هي الأبرز نستذكرها عند نهايته؟

- 2013 كان عام الدولة المعلّقة، حيث كانت كل الأمور معلقة ولم يتم تحقيق أي جديد. أكثر ما آلمني هو عملية الغاء الانتخابات النيابية، الأمر الذي يُعد ضربة للديموقراطية ودق مسمار في نعش ما تبقى من الجمهورية. والأسوأ من ذلك كان شلّ المجلس الدستوري وهو ما ظهر من خلال تعامله مع هذا الموضوع، حيث بات من الواضح أنه اصطدم بالمربع الطائفي وسقط عند الحاجز الطائفي. المؤسسات كلها تعطلت من خلال ضرب الانتخابات النيابية، وهذا ما أعتبره الضربة الأكبر للجمهورية، ولا سيما مع تداعيات أحداث طرابلس التي كانت أولاً انعكاساً للأزمة السورية ثم باتت اليوم ساحة مفتوحة في موازاة الساحة السورية. وما أخشاه أن تكون الساحة اللبنانية أصبحت أخطر من الساحة السورية، لأسباب عدة اولها ان هناك تماساً مع اسرائيل، وان المجموعات المسلّحة التي يقاتلها الحزب في سورية قررت الردّ عليه في عرينه اي في الاماكن التي تؤلمه بين اهله واوساطه الشعبية.

وآلمني في مسألة طرابلس (الاشتباكات المتجددة) أنها مدخل لحرب أهلية جديدة. في العام 1976 كانت الحرب بين المسيحيين والمسلمين، والآن هذه حرب أهلية جديدة مكوناتها المسلمون في ما بينهم. وفي الحالتين البلد كله يدفع الثمن. أعتقد أن هذين الحدثين هما الأبرز، وبالطبع يمكن اضافة كل المشكلات الأخرى التي سببها غياب التوافق بين اللبنانيين وانفراط العقد المؤسس للدولة؛ اذ لا رؤية واحدة بل رؤيتان على الأقل. لا مشروع واحداً بل مشروعان. المؤسسات الرسمية التي كان لايزال بعضها يقف على قدميه تم ضربها بتأجيل الانتخابات النيابية وتجديد النواب لأنفسهم وبعدم قدرة المجلس الدستوري على القيام بدوره. هناك أناس مطلوبون للعدالة وليس بالامكان جلبهم اليها، وبات كل شخص يريد فرض عدالته.

• ماذا عن تدخل «حزب الله» بالأزمة السورية، ألم يشكل انعطافة ما في مسار الاحداث؟

- هو لم يبدأ في العام 2013.

• لكنه بات علنياً في هذا العام؟

- هذا الأمر لا يمكنني القبول به، لكن ما يحدث هو أن القوى الاقليمية كلها تتصارع في الداخل السوري. وإعلان المسؤولية أكبر لأن الحزب قوة رسمية أساسية ممثلة في مجلس النواب اللبناني ويشكل جزءاً من الحكومة اللبنانية، ولا يمكنه خطف السياسة الخارجية والسياسة الحكومية وتعريض لبنان لشتى انواع المخاطر. وموقفي معروف انني ضد تدخل «حزب الله» بالأزمة السورية وتشكيله دولة داخل الدولة وباتت دولة أكبر من الدولة، ولكن لا بد من الاشارة إلى أن كل الأطراف تدخلت بالصراع في سورية والكل يراهن على الحرب بسورية.

• على صعيد الحكومة، دخلنا الشهر التاسع من مرحلة انتظار التشكيل، ألا يعد هذا الأمر حدثاً بارزاً لهذا العام؟

- لا أعتبر سقوط الحكومة حدثاً بارزاً، لأن قيامها لم يكن بالحدث البارز. وأعتبر أن الأبرز هو الحدث الدستوري الذي كان منتظراً (الانتخابات النيابية) وتم الغاؤه وشكّل ضربة للجمهورية التي أعتبر أنها سقطت بسببه، ونحن متجهون إلى تركيبة أخرى.

• إلى مؤتمر تأسيسي؟

- نعم، مؤتمر تأسيسي أو إعلان وفاة لبنان كما نعرفه بشكل أو بآخر.

• أي صفة أو عنوان نطلقه على عام 2013؟

- عام 2013 هو المسمار الأخير في نعش الجمهورية، أنا متشائم جداً. أرى أننا لم نقدم أي انجاز، فنحن لم نخرج أصلاً من الحرب التي انتهت في العام 1990 بتوقيع اتفاق الطائف، فهي لم تنته باتفاق مصالحة حقيقية، بل بقانون عفو عام على قاعدة عفا الله عما مضى.

• لكن المتصارعين اليوم لم يكونوا حينها أطرافاً في الحرب. «حزب الله» لم يشارك فيها؟

- نبيه بري كان طرفاً، وليد جنبلاط، وقسم كبير من المسيحيين.

• «المستقبل» أيضاً لم يكن طرفاً؟

- لا لم يكن، لكن ما الذي حدث؟ أنا أسأل بعد الخروج من الحرب، هل تريدون العودة اليها؟ أين الوعي، أين الحلم، هل تعلمنا شيئاً؟ لا. أرى المجتمع أكثر قبَلية أينما كان. ما يحدث في طرابلس يجعلني متأكداً أننا لم نخرج من الحرب السابقة، ما حدث هو أننا انشغلنا باعادة الاعمار ونسينا البشر. انشغلنا بالحجر ونسينا البشر، لم نوجِد حياة فنية وثقافية وحركة اجتماعية تشكل مساحة تواصُل وتَشارُك تكرّس طي صفحة الحرب، ولم تتم محاكمة مَن شاركوا في الحرب في حين ان من المهم جداً محاكمتهم.

• اذا أردنا استشراف الـ- 2014، ما التحديات التي تنتظر لبنان مع انطلاقته؟

- نحن متجهون إلى مرحلة مؤسِّسة لمنطقة الشرق الأوسط كلها، فسورية ما عادت سورية التي نعرفها وباتت ثلاثة أو أربعة كيانات. وكي تستقر ستستقر على الكائنات القائمة. والعراق أيضاً. والحدَث المهم الذي لم يُسلط الضوء عليه، هو التقارب التركي - الكردي، الذي سيكون له تأثير على الجيوسياسي في المنطقة.

عنوان التشاؤم الأكبر على مستوى المنطقة هو انيهار الأنظمة دون ايجاد البديل لها، هذا الأمر سيء وجيد في آن. جيّد لأنه يمنح الفرصة لطرح أكثر من بديل ولأن البديل الذي كان ظاهراً أي الاسلام السياسي سقط بدليل ما حصل في مصر وايضاً تونس، وذلك أن الاسلام السياسي لا يحمل مشروعاً اقتصادياً واجتماعياً أو مشروع حوكمة بل هو مشروع اعتراض ينجح طالما هو معترض، لكن في الحكم أثبت فشله أينما كان.

لقد سقط مشروع الاخوان وسقط مَن كان يدّعي أنه الحامي من تمددهم أي الأنظمة الحاكمة الديكتاتورية. وحتى على المستوى الايراني والعمق الشيعي، هناك تحوّل؛ فالموجة التي حملت روحاني إلى رئاسة الجمهورية، حيث يتم فتح دور السينما في ايران ودخول الموسيقى والأغنية، تدل على أن هناك ما يحدث على هذا المستوى وان كان هذا الأمر لم يتطور بعد ليشكل حركة تحديثية تحررية، فالثورة الخضراء تم قمعها بقوة، ولكن هذه عناصر التفاؤل.

عناصر التشاؤم هي في أن الخلطة لم تركب بعد وهناك فوضى عارمة.

الوزير السابق يرى أن بلده يعيش على إيقاعات الحرب المذهبية في سورية

بيضون: 2013 سنة تفكك لبنان ... ونخسره لأن «حزب الله» وإيران يحميان الأسد

أكد الوزير السابق محمد عبدالحميد بيضون، أن العام 2013 هو «الأسوأ على لبنان منذ الأزمة التي بدأت في العام 2005 مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري»، موضحاً أنه «في المراحل السابقة لم تكن الحرب المذهبية معلنة، فيما اليوم هي قائمة ومظاهرها بشعة جداً وتظهر عبر السيارات المفخخة».

واعتبر بيضون في حديث إلى «الراي»، أن «الحدث الأبرز في العام 2013 كان تورط «حزب الله» بالمعركة الدائرة في سورية وانعكاسها على لبنان»، مشيراً إلى ان «الصورة العامة للبنان في العام 2013 هي تفكك البلاد، اذ لا قوى سياسية قادرة على إعادة اللحمة».

وفي ما يأتي نص الحديث:

• في ختام العام 2013 اذا أردنا احصاء أبرز الأحداث التي شهدتها الساحة اللبنانية، أيها نستذكر؟

- نستذكر النقطة الأهم، وهي تورط «حزب الله» بالحرب المذهبية الدائرة في سورية وانعكاسها على لبنان. والحرب المذهبية في سورية، مستعرة ايضاً في لبنان وان كانت تحت الرماد. ومن أهمّ تعبيراتها ما حدث في عبرا - صيدا وما جرى ويجري في طرابلس، فضلاً عن انهيار الحكومة الذي جاء نتيجة وطأة هذا الصراع السني - الشيعي حول التورط في سورية من عدمه.

الصورة العامة للبنان في العام 2013 هي تفكك البلاد، من دون ان تكون هناك قوى سياسية قادرة على اعادة اللحمة. فالحوار معدوم والفريق الذي يقاتل في سورية - أي «حزب الله» - أغلق كل أبواب الحوار أو التفاهم؛ فهو يفرض شروطه على البلد ولا يحاور.

وفي المقابل، رئيس الجمهورية ميشال سليمان أعطى «حزب الله» الكثير من الفرص من العام 2008 وحتى 2011 كي ينخرط ببنية الدولة اللبنانية، وبينها حكومة اللون الواحد التي كان يريدها والتي يتحكم بها مئة في المئة. لكن «حزب الله» للأسف وقف ضدها، معتبراً أن سلاحه وقضيته - قضية ولاية الفقيه - أهم من الدولة اللبنانية وسخّر سلاحه لحماية نظام بشار الأسد.

لبنان اليوم يعيش هذا الواقع المرير جداً، فيما «حزب الله» مُنح كل الفرص ليظهر لبنانيته لكنه ظهر في النهاية أكثر ارتباطاً بالسياسة الإيرانية والمصالح الإيرانية من ارتباطه بلبنان. لذلك رأينا في العام 2013 وبدءاً من أول شهر أغسطس انتفاضة للرئيس سليمان على «حزب الله»، فهو لأول مرة وفي خطابه في عيد الجيش أكد أن كل سلاح خارج مؤسسات الدولة اللبنانية أي الجيش وقوى الأمن هو سلاح غير شرعي وبالتالي سلاح «حزب الله» غير شرعي. وثانياً دان تراجع «حزب الله» عن اعلان بعبدا الذي كان وافق عليه على طاولة الحوار، الأمر الذي أفقد الثقة به في أي جولات حوارية مقبلة. وأخيراً كان للرئيس سليمان خطاب قوي اذ رأى أن السلاح هو سلاح سلطة وهيمنة وهو سلاح تسعير الحرب المذهبية. فرئيس الجمهورية بقدر ما أعطى فرصاً لـ-«حزب الله» يقول اليوم الأمور كما هي، لكن للأسف القوى السياسية على الأرض عاجزة عن المبادرة ولبنان يعيش على ايقاعات الحرب المذهبية في سورية.

• ماذا عن تأجيل الانتخابات النيابية، وضياع العديد من الفرص لاقرار قانون جديد للانتخاب.. هل يندرج الأمر ضمن ملامح انهيار الدولة اللبنانية الذي أشرتم اليه سابقاً؟

- بالطبع، فـ «حزب الله» يرفض اجراء انتخابات في الوقت الذي يرسل فيه مقاتلين إلى سورية، وهو اليوم لديه عدد كبير من المقاتلين في سورية، وكان يعلم أن هذا العدد في ازدياد والفاتورة باهظة اذ ان ما من ضيعة في جنوب لبنان الا وتكبدت من أبنائها قتلى وجرحى سقطوا في سورية، بحيث يقال ان عدد قتلى الحزب في سورية تجاوز 550 قتيلاً فيما عدد الجرحى فاق الألف. فكيف بامكانه اجراء الانتخابات وسط هذه الأجواء؟ ولذلك الحزب أصرّ على ألا يُناقش قانون للانتخاب وأن يتم التمديد للبرلمان القائم. والرئيس بري لعب دوره المعتاد في هذا الاطار، بحيث عمل على المماطلة في مجلس النواب بعدما أرسلت الحكومة إلى مجلس النواب مشروع قانون انتخاب، وضيّع الوقت حتى وصلنا إلى شهر فاصل، فكان التمديد.

14 آذار لم يكونوا حاسمين بأنهم يريدون الانتخابات النيابية، فهم ما فتئوا يتلقون الضربات من «حزب الله» في صيدا (عبرا) وطرابلس. 14 آذار غير قادرة على ايجاد الأسلوب المناسب من أجل احتواء هذه الضربات.

• ربطاً بما تقدم، ماذا عن الانفجارات المتنقلة بين طرابلس والضاحية الجنوبية في أماكن مستبعد استهدافها؟

- كما سبق ان قلتُ، فالحرب المذهبية الموجودة في سورية موجودة في لبنان أيضاً تحت الرماد، والتفجيرات مرتبطة بما يحدث في سورية. تورط «حزب الله» بالدم السوري يستدعي فرقاء سوريين وغير سوريين للرد عليه وعلى السفارة الإيرانية. فالذي يعطي الأوامر هو إيران والكل يعرف أن مَن يدير الأمر ليس بشار الأسد على الأرض بل الحرس الثوري الإيراني.

«حزب الله» يقوم بدعاية مضللة من خلال قوله انه ذهب إلى سورية ليقاتل التكفيريين ويمنعهم من المجيء إلى لبنان، فيما الحقيقة ان تورطه في سورية استجلب هذه المجموعات كي تردّ. وهذه المجموعات الجهادية لها خلفية أصلا لقتال الشيعة حيث تعتبرهم رافضة؛ اذاً «حزب الله» ورّط لبنان والطائفة الشيعية بقضية ليست قضيتهم. وقلتُ مراراً لـ «حزب الله» ان لبنان أثمن من آل الأسد والطائفة الشيعية أهمّ من عائلة الأسد، فأنت تذبح الطائفة الشيعية كلها من أجل الحفاظ على بشار الأسد وحكم آل الأسد، فيما حكمهم انتهى وما من عاقل يرى أن الأسد بامكانه الاستمرار في الحكم أو ان هذا النظام قابل للبقاء، ففي سورية سينشأ نظام جديد يلغي مرحلة الاستبداد والفساد، وللأسف «حزب الله» يخوض معركة خاسرة ولكن هناك وهماً إيرانياً من ولاية الفقيه بأنه قادر على احياء هذا النظام واعطائه الأوكسجين، الا اننا في هذا الوقت نخسر لبنان، لأن «حزب الله» وإيران يحميان بشار الأسد.

• أي صفة أو عنوان بالامكان اطلاقه على 2013 في نهايته؟

- هو الأسوأ على لبنان منذ الأزمة التي بدأت في العام 2005 مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري. في المراحل السابقة لم تكن الحرب المذهبية معلنة، فيما اليوم هي قائمة ومظاهرها بشعة جداً وتظهر عبر السيارات المفخخة التي نشرت القلق في مناطق مثل الضاحية الجنوبية على سلامة أبنائها في تنقلاتهم اليومية، هذا فضلاً عن أن هذه المنطقة اختنقت اقتصادياَ بعدما بات الكل يخشى أن يقصدها.

هذه السنة استعرت فيها الحرب المذهبية إلى أقصى الحدود، في حين لم نكن نتخيل أن الطاقم السياسي الحاكم وعلى رأسه «حزب الله» سيأخذ الأمور إلى هذا المستوى، فيما كان بامكانهم اتباع سياسة مختلفة تحافظ على الحد الأدنى من لبنان، لكنهم أثبتوا للأسف أن إيران تهمهم أكثر من لبنان وأن مصدر التمويل هو الأهم بالنسبة لهم أكثر من البلد الذي يعيشون فيه.

• ما التحديات التي تنتظر لبنان في العام 2014؟

- لبنان بات مرتبطاً كلياً بالوضع في سورية، وقد حاول رئيس الجمهورية فك هذا الارتباط لكنه لم يتمكن من ذلك لأن «حزب الله» أسقط اعلان بعبدا المؤيَّد دولياً من الأمم المتحدة.

2014 في سورية هي سنة المفاوضات أي جنيف - 2 وكيفية تركيب الهيئة الانتقالية ورسم معالم المرحلة الانتقالية. وكما في كل مرحلة مفاوضات، ستشهد تصعيداً وتهدئة، وتكون فترة غير واضحة المعالم لكن يغلب عليها التصعيد، فكل جولة مفاوضات تشهد عادة جولات عسكرية تأخذ الامور إلى أماكن غير متوقعة، لذلك هذا التصعيد في سورية سينعكس تصعيداَ في لبنان. من هنا فان 2014 لا تشكل فرصة للبنان الا في حالة بلورة وعي لبناني من نوع جديد مع رئيس جمهورية قوي.

• هل سيتم برأيكم الاستحقاق الرئاسي في موعده؟

- لست متأكداً من هذا الأمر. اذا تمكن لبنان من انتخاب رئيس قوي يجمع اللبنانيين حوله، يمكنه أن يخفف من انعكاس التصعيد في سورية على لبنان، لكن هذا الأمر غير أكيد، فالأطراف عاجزون عن تشكيل حكومة فكيف يمكنهم الاتفاق على رئيس؟

• هل هذا يعني أن لبنان أمام الفراغ في 2014؟

- نحن نتحدث عن أكثر من فراغ، عن تفكك. فعام 2013 شهد أكبر عزلة للبنان عن العالم العربي نتيجة تورط «حزب الله»، الذي اتخذ مواقف إيرانية لم يراع فيها مصلحة لبنان. فراح يطلق التهديدات نحو دول خليجية، علماً أنه بعد حرب يوليو 2006 لم يجد غيرها لتساعده. هذه التهديدات جعلت لبنان بلداً معزولاً، واتخذت دول الخليج قراراً باعتبار «حزب الله» منظمة ارهابية، والأوروبيون أدرجوا ما اسموه الجناح العسكري للحزب على لائحة الارهاب؛ «حزب الله» اليوم في وضع العزلة الأكبر في حين كان العام 2006 في وضع عربي مميز. هو اليوم معزول ومنبوذ عربياً وبات منظمة ارهابية. فكيف يشارك في الحكومة وهو معلن ارهابياً. وهو فضلاً عن ذلك فرض على لبنان عزلة عربية خانقة ضربت الاقتصاد اللبناني في قطاعيْ السياحة والعقارات بالدرجة الأولى والثانية، ناهيك عن تدني مستوى التجارة. في حين ان الجالية اللبنانية في الخليج تعيش حالة قلق.

كان لبنان منارة العالم العربي، واليوم هو معزول، وأصبحت دبي منارة العالم العربي. ويعود ذلك إلى أن السياسيين يعملون من أجل مصالح خارجية لا مصلحة لبنان.

• ماذا عن الرأي العام الشيعي، هل سيشهد حراكاً ما يتجلى في 2014؟

- المشكلة انه اذا انتفض مَن سيحتضنه؟ في العام 2005 كان الرأي العام الشيعي الأكثر ادانة لاغتيال الرئيس الحريري وكان مع اللبننة التي هي أصلاً خط الامام الصدر. لكن الفريق الآخر أي 14 آذار لم يحتضن الشارع الشيعي ولم يخاطبه، اضافة إلى أن مؤسسات الدولة ولا سيما الأمن والقضاء باتت مشلولة. فما من دولة تحتضن الرأي العام الشيعي، والدليل الأكبر هاشم السلمان الذي قُتل أمام السفارة الإيرانية وأمام عيون الجيش واليوم يرفضون فتح ملف الجريمة، علماً أن هناك صوراً واضحة للقتَلة.

اليوم الرأي العام الشيعي كالرأي العام اللبناني يعيش تحت ارهاب السلاح. وصحيح أن جزءاً منه تتم تعبئته مذهبياً ضد الطرف الآخر، لكن القاعدة الشيعية متنورة ومنفتحة، وما تمر به هو أزمة تعكس أزمة الدولة اللبنانية؛ ولو كانت الدولة اللبنانية «واقفة على قدميها» لكان الشيعة أول من وقف إلى جانبها وقالوا لـ «حزب الله» وبري اننا نرفض ممارسات الفوضى والفساد والحرب المذهبية التي تستخدمونها في المنطقة. لكن مع الأسف كثر من الشيعة معارضين لكن اذا تكلموا لا يوجد مَن يحميهم. وهذا كان الخطأ القاتل لقوى الرابع عشر من آذار فهم لم يحتضنوا هذا الرأي العام.

• هل من تحديات أخرى؟

- الأهمّ هو أن يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فخلال المرحلة الماضية كل الرؤساء تم تعيينهم باسم التوافق. ربما كان الرئيس الوحيد المنتخب بارادة لبنانية هو الرئيس رينيه معوض، ولذلك لم يعش كثيراً. الرئيس يأتي بالانتخاب، أي أن النواب يذهبون إلى جلسة الانتخاب دون علم مسبق بالفائز، وهذا ما يفرضه النظام الديموقراطي، الا أننا لم نكن في ظل نظام ديموقراطي بل تحت الوصاية، والرئيس كان يتم اختياره بالتعيين.

• في الختام هل أنت متشائم أم متفائل... أو ربما «متشائل»؟

- في هذه المرحلة، وبالنظر إلى ما حصل منذ العام 2008 وحتى اليوم، نجد أنه بعد السابع من مايو (العملية العسكرية لحزب الله في بيروت والجبل) تدمّر البلد بسياسات «حزب الله» وحلفائه أي ثلاثي «حزب الله» - (العماد ميشال) عون - بري، الذي أعتبره ثلاثي الفوضى والفساد والفجور، فهم أحدثوا فوضى في البلاد، والمثال الأكبر ما حصل في طرابلس التي تم قتلها اقتصادياً وعمرانياً وثقافياً، فضلاً عن عدد الضحايا الهائل من قتلى وجرحى جراء جولات القتال. كذلك صيدا وما حصل فيها تحت اسم «سرايا المقاومة»؛ فـ «حزب الله» فرّخ ميليشيات بعد اتفاق الطائف، ولذلك نرى المدن الكبرى مثل بيروت وصيدا وطرابلس تعيش تحت «الاهانة» في ظل السلاح، فباتت مواقف الطوائف بين بعضها البعض مواقف تناحرية وصلت إلى حد تبادل السيارات المفخخة. تجربة 2008 إلى اليوم تقول ان السياسة الاقليمية التي يمارسها «حزب الله» وحلفاؤه تدمّر لبنان. هل هم مستعدّون للعدول عن هذه السياسات؟. من الواضح أنهم غير مستعدين لذلك. والأمين العام لـ- «حزب الله» زاد أخيراً من هجومه على السعودية بما يوحي أن معركتهم هي مع المملكة، وقد تخلى نصرالله عن شعار الموت لاسرائيل وأميركا واستبدله بـ-«الموت للسعودية»، وبالتالي اذا كان يأخذ البلاد إلى هذه المعركة، فهذا الأمر لا يبشر بالخير أبداً، ولبنان يتجه إلى واقع مزر جدي. من هنا فان أجواء التشاؤم تلف اللبنانيين جميعاً.

وزيرة المال السابقة اعتبرت أن «ما يُبقينا على قدمينا السياسة النقدية والمصرفية»

ريا الحسن: 2013 الأصعب ... و«النقزة» الخليجية تُرجمت انكفاءً عن مساعدة لبنان

وصفت وزيرة المال اللبنانية السابقة ريا الحسن الـ- 2013 بـ- «عام التأزم بالوضعين السياسي والامني الذي أرخى بثقله على الوضع الاقتصادي في لبنان وانعكس ركوداً وانكماشاً حاداً في القطاعات الانتاجية كافة»، مشيرة إلى «توقعات بالأسوأ في 2014 ما لم يُحلّ هذا التأزم».

وشددت الحسن في حديث إلى «الراي»، على أن «2013 هو عام سيئ جداً على لبنان والخوف من ألا تخبئ سنة 2014 حلحلة في المواضيع الشائكة التي عانى منها»، موضحة أن «أصعب التأثيرات وأقوى التحديات التي نعانيها اليوم ما يحدث على صعيد وضع المالية العامة»، لافتة إلى أن «العجز ازداد في عام واحد بنسب مخيفة»، معتبرة ان ما أسمته «النقزة» الخليجية من سياسات الحكومة الحالية تُرجمت انكفاءً عن مساعدة لبنان للخروج من محنته.

وفي ما يأتي نص الحديث:

• بين الاقتصاد والسياسة، أي أحداث تُعد الأبرز في لبنان ويمكن استذكارها في نهاية الـ 2013؟

- أولاً الأحداث الأمنية التي أرخت بثقلها على الوضع الاقتصادي؛ كل الأحداث الأمنية من اغتيالات ومتفجرات وتهديدات كلامية ضد دول الخليج وأزمة النازحين السوريين، استقالة الحكومة، التخبط بالقرارات الاقتصادية. هناك الكثير من الأحداث وهي في غالبيتها سلبية تفاقمت من العام 2012 حتى العام 2013، ولمسنا انعكاسها المباشر على الحياة الاقتصادية في لبنان.

في نهاية المطاف، هذا الأمر ظهر بالأرقام. وشكّلت استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وتكليف الرئيس تمام سلام تشكيل الحكومة فسحة أمل باحداث تغيير جذري في الانطباع السلبي الذي كان سائداً منذ اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، وأن يتم تشكيل حكومة جديدة تعبّر عن آمال اللبنانيين وطموحاتهم وتكون قادرة على وضع مسار جديد لحياة اقتصادية وسياسية جديدة.

ولكن مع طول انتظار اللبنانيين لتأليف الحكومة، بدأ هذا الأمل بالزوال. ونرى أننا اليوم وصلنا إلى نقطة الصفر، حيث تراجعت كل المؤشرات الايجابية التي انطلقت مع التكليف. فالأحداث الأمنية والسياسية تفاقمت بشكل فاضح في العام 2013.

وفي رأيي، من أصعب التأثيرات وأقوى التحديات التي نعانيها اليوم ما يحدث على صعيد وضع المالية العامة. فقد ازداد العجز في عام واحد بنسب مخيفة. فبحسب تقديراتنا، ارتفع العجز إلى الناتج المحلي الاجمالي من 9.5 في المئة في العام 2012 إلى نحو 10.5 في المئة اليوم، ومحتمل ان يصل في العام 2014 إلى 11 في المئة. وهذا الأمر ناتج من سوء الادارة والانفاق السياسي المتمادي وغير المسؤول الذي تم في العام 2013. كان الانفاق مرتفعاً ولم يواكبه تحسن في الواردات وهو ما ادى إلى ارتفاع العجز في الموازنة لمعدلات لم نشهدها منذ فترات طويلة، وهذا الأمر تسبب بدوره في اعادة وتيرة ارتفاع الدين إلى الناتج المحلي إلى حدود 144 في المئة بعدما كنا تمكنا من خفضه إلى 138 في المئة ابان حكومة الرئيس سعد الحريري. كما ارتفع الدين العام على اساس سنوي بواقع 10.2 في المئة اي انه زاد نحو 6 مليارات دولار ليصل إلى 62.4 مليار دولار اميركي. وهو ارتفاع سنوي لم نشهد له مثيلاً من قبل.

لقد جهدنا بعد مؤتمريْ باريس 2 و3 من أجل اعادة وضع المالية العامة على مسار تصحيحي مستدام، الا أن كل الانجازات التي تمت ضُربت عرض الحائط في ظل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. وبعد التصحيح الذي تم العمل من أجل الوصول اليه، عدنا اليوم إلى الحلقة المفرغة. العجز يزداد من جديد والدين ايضاً بمعدلات سريعة جداً، وهذا ما له انعكاس ليس فقط على المالية العامة بل على ثقة المستثمر والمودع باقتصاد لبنان وعافيته؛ وأعتقد أنه مع انخفاض شهية المجتمع الدولي لمساعدة لبنان على الخروج من محنته، فان تخوفنا أن يكون وضعنا أصعب من ناحية الاعتماد على المجتمع الدولي لاخراجنا من محنتنا.

إذاً لجهة المالية العامة، هناك انعدام بالمسؤولية لجهة الانفاق وتزايد مضطرد بالنفقات، وتراجع في كل المؤشرات الاقتصادية بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية، وهذا الأمر أرخى بثقله على الايرادات التي تتراجع للمرة الاولى، في حين يزداد العجز ويزداد الدين. وهذا ما سيدخلنا في دوامة سيكون من الصعوبة الخروج منها.

هذا كان التحدي الاول، أما الثاني فهو التراجع بالانتاج المحلي على مستوى بكل المقومات الأساسية للاقتصاد: السياحة، الصناعة، التجارة، القطاع العقاري، أي كل الأسس التي كانت تغذي النمو. فهذه القطاعات هي إلى تراجع فادح. فقطاع السياحة يشهد تراجعاً فاضحاً نتيجة الأزمة السورية وانخراط «حزب الله» بالمعارك في سورية وتهديدات من فريق سياسي معين لدول الخليج وهو ما دفع السائح العربي الذي يُعد أساسياً إلى ان يعكف عن المجيء إلى لبنان، الامر الذي انعكس سلباً على السياحة حيث نرى تراجعاً في كل المكونات التي تعتمد على السياحة.

• الا أن البعض تحدث عن انتعاش في اقتصاد لبنان يعود سببه إلى النازحين السوريين أنفسهم؟

- هذا الامر ليس دقيقاً، واذا حصل ذلك فبشكل بسيط جداً لا يؤمن ايرادات ولا يُقارَن بالنفقات التي يضطر لبنان إلى تحملها نتيجة ما يجري في سورية. صحيح أن هناك انفاقاً من جانب السوريين، وصحيح أن هناك حركة اعادة تصدير تغذي قليلاً النمو - وحركة المرفأ ربما تساعد إلى حد ما - غير أن هذه العوامل الثلاثة اي انفاق النازحين، وحركة المرفأ وحركة اعادة التصدير لا تستطيع تعويض الخسارة التي كان بالامكان تفاديها لو تمكنا من النأي بالنفس عما يحدث في سورية. ولو غاب الخطاب السياسي ضد الدول العربية لكان وضعنا أفضل بكثير.

النازح السوري ينفق على السلع الأساسية كالقمح والايجارات المنخفضة فقط وهناك هروب من النوعية ومن الانفاق على السلع ذات القيمة الاضافية.

النمو في 2013، هو 1.5 في المئة من الناتج المحلي، في حين بلغ بين اعوام 2007 و2010 نحو 8 في المئة. وبالتالي فان انفاق السوريين، وان كان يغذي النمو، الا أنه غير كاف للتعويض عن الخسارة الكبيرة مقارنة بمعدلات النمو التي شهدناها في نهاية العام 2010.

ويقدر البنك الدولي الخسارة في الحركة الاقتصادية من جراء النازحين السوريين على مدى أربع سنوات بـ 7.5 مليار دولار اميركي.

وفي قطاع العقارات، نشهد تباطؤاً وتراجعاً في حركة البيع. ورخص البناء التي تدل على حركة العقارات في المستقبل تشهد تراجعاً ملحوظاً ايضاً.

اما قطاع الانتاج ولا سيما ما يتعلق بالصناعة، فبدأ يشهد في الفصل الثالث من العام 2013 انخفاضاً في التصدير. وكل مؤشرات التجارة من البنوك لجهة ثقة المستثمر ومؤشر حركة التجارة منخفضة، والتوقع أنها إلى مزيد من الانخفاض. اذاً القطاعات الأساسية من صناعة، تجارة، عقارات، وسياحة والتي تُعد المحركات الأساسية للاقتصاد اللبناني، إلى تراجع.

وهذه العوامل تؤكد أن 2013 هو عام سيئ جداً على لبنان والخوف من ألا تخبئ 2014 حلحلة في المواضيع الشائكة التي عانى منها: موضوع الحكومة حيث تغيب أي بوادر حل، فضلاً عن استحقاق رئاسة الجمهورية الداهم الذي قد يُدخل لبنان في أزمة سياسية أخرى، ومجلس النواب الذي لا يلتئم فيما الحكومة مستقيلة، والأزمة في سورية التي لا تتحلحل، بالاضافة إلى انخراط «حزب الله» فيها وتداعيات الانخراط على الواقع الأمني في لبنان، والخليج الذي يصاب بـ- «صدمة» من لبنان، والأجنبي الذي ما عاد يأتي إلى لبنان، ناهيك عن الخوف على اللبنانيين من اعادتهم إلى بلدهم من دول الخليج، علما أن هذا الأمر يمس بتحويلات المقيمين في الخارج.

• رغم سودوية الصورة، ما الذي يعطي الأمل للبنانيين؟

- ما يعطي نفحة من الأمل والايجابية هو أن ما يُبقينا «على قدمينا» هو السياسة النقدية والقطاع المصرفي. فاليوم ما زلنا نجد نسبة معقولة من تدفق الودائع من الخارج إلى لبنان والتي هي بين 7 و7.5 في المئة. وهذا الأمر يدل على أن المودع في لبنان لا يزال مؤمناً بأن القطاع المصرفي متين وأن السياسة النقدية تمكن القطاع المصرفي من «الوقوف على قدميه» وأن الليرة لا تزال ثابتة. والفوائد المصرفية في الخارج لا تزال منخفضة وهذا الأمر يساعدنا أيضاً، لان شهية المودعين لا تزال موجودة لايداع أموالهم في لبنان.

وما يساعدنا أيضاً هو أن المصارف في لبنان لا تزال عندها القابلية لتحمل سندات خزينة على الدولة اللبنانية، ومن الملاحظ في الفترة الأخيرة ارتفاع في محفظة المصارف من سندات الخزينة. وتعود زيادة الاقبال إلى اطالة اجال الاستحقاقات وهو ما يعني عملياً ارتفاعاً مبطناً في الفوائد بمجرد اطالة امد الاستحقاقات.

90 في المئة من الدين محمول من الداخل من مصارف أو القطاع العام أو الأشخاص، وهذا الوضع يجعلنا محصنين، لأن مَن يستثمر بسندات الخزينة سواء المصارف أو الأشخاص، يعلمون ما هي المخاطر ولا يبيعون عند حدوث أول أزمة سياسية. هناك ثبات في هذه المحفظة يساعد لبنان لاستدامة التمويل للعجز والدين.

• بناء على ما تقدّم، أي عنوان أو صفة يمكن اطلاقها على العام 2013 في سجلّ تاريخ لبنان؟

- 2013 هو عام التأزم بالوضعين السياسي والامني، الأمر الذي أرخى بثقله على الوضع الاقتصادي، اذ نرى أنه كان من أسوأ الأعوام التي مر بها لبنان في العقد الأخير ومن أصعب الاعوام التي عرفناها، حيث نشهد انعداماً لأيّ رؤية اقتصادية لمعالجة هذه التحديات. نحن مررنا بالكثير من الصعوبات في السابق، في العام 2000 و2006 وقبلها عند انتهاء الحرب الأهلية، لكن في كل مرة كانت تأتي حكومة واعية للتحديات، وكان هناك اقبال من جانب المجتمع الدولي لمساعدة لبنان، فيما اليوم تنعدم الرؤية الاقتصادية وتغيب الأجندة الاصلاحية ولا تعي الحكومة المستقيلة ضرورة معالجة كل هذه التحديات. وهناك صدمة من المجتمع الدولي وخصوصاً من دول الخليج من الداخل اللبناني (تحديداً انخراط «حزب الله» بالأزمة السورية وتداعياته على الساحة الداخلية)، ما أدى إلى انكفاء المجتمع الدولي الذي لديه مصائب أعظم لمعالجتها، في حين تُرجمت «النقزة» الخليجية من سياسة الحكومة الحالية انكفاءً عن مساعدة لبنان للخروج من محنته.

وقد انعكس تأزم الساحة الداخلية سياسياً وأمنياً على الوضع الاقتصادي، ما يشير إلى أننا في أسوأ السنوات، والتوقعات تنذر بالأسوأ ان لم يتم حل هذه الأزمة. وبالمحصلة، 2013 هو عام الركود والانكماش الحاد في القطاعات الانتاجية كافة.

• بناء على ما تقدم، ووفقاً للتقديرات هل أنتِ متشائمة أم متفائلة؟

- بالنظر إلى سنة 2014 انني متشائمة. لكننا في لبنان معتادون على المفاجآت، اذ لا نعرف كيف تنقلب الأمور وتتغير. بامكاني تقديم قراءة ايجابية اذا أخذنا في الاعتبار التقارب الأميركي - الايراني وانعكاسه في المستقبل المتوسط الأمد على الوضع الاقليمي والأزمة بسورية ومنها إلى لبنان، فقد يحدث هذا الأمر وربما يتم تأليف حكومة حيادية تعي التحديات وتضع أجندة انقاذية تخرج لبنان من أزمته. تاريخنا حافل بالتصدي للتحديات وقدرتنا على الخروج من الأزمات التي توالت علينا أقوى من ذي قبل. لكن هذه المرة ينبئني احساسي بأن الخروج من هذه الأزمة سيكون أصعب من السنوات السابقة، لأن الوضع السياسي أكثر تعقيداً ولان انعكاس الأزمة الاقليمية مباشر على لبنان، فيما بدأ الاعتماد اللبناني اقتصادياً على الدول العربية يتزعزع. من هنا خوفي كبير إذا لم تستعد العلاقة بين لبنان السياسي ودول الخليج انتظامها كي يتوافد مجدداً السياح الخليجيون إلى لبنان ويتزايد دعم الدول العربية للبنان ويواظب اللبناني الموجود في الخارج على تغذية اقتصاد وطنه من خلال تحويلاته واطمئنانه على وجوده. علماً ان 80 في المئة من الاستثمارات التي كانت تأتي إلى لبنان هي استثمارات عربية (الترابط ناتج عن السياح والاستثمارات وعن التصدير واللبنانيين المقيمين في الدول العربية). في رأيي هناك خوف على الاقتصاد اللبناني، فاذا تزعزعت العلاقة بين لبنان والدول العربية فان هذه العوامل الأربعة ستتأثر، وأي حكومة سيتم تشكيلها عليها أن تدرك ضرورة اعادة هذه العلاقة لأن ارتباطنا العضوي هو مع الدول العربية وتزعزعها يوقعنا في مأزق كبير.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي