مهما سِرْنا بعيداً ومهما سرحَت كتاباتنا في فضاء الكون، نرجع جارّين وراءنا أذيال خيبةٍ إنسانيّةٍ عظيمة نكتب عنها بحروفٍ معجونةٍ بالأسى مخبوزةٍ بفرن الظلم! ما هو التفسير المنطقي الإنساني لما حدث ويحدث في سورية؟ مَن أعطى الحق لأصحاب اليد العُليا أن يطحنوا كرامة الإنسان؟ أن يحقّروه؟ أن يدهسوه؟ مَن سمح لهم بممارسة أشد أنواع القمع عليه؟ هل يُعقل أنّ في جهةٍ ما من العالم قوى عُظمى تدندن حول الإنسانية وفي جهةٍ أخرى إنسانيةٌ تُسحَق؟ عينٌ تنظر، يدٌ تصفّق، قلبٌ لا يشعر! يحرصون بشدة على عقد اتفاقيات لصون حقوق الإنسان ثم ماذا؟ إنسان يُهان، فَقْدٌ للأمان، الموت والحياة سيان، لأن الإمضاء على الاتفاقيات كان غايةٌ بحد ذاته وقُضي الأمر!
في وقتنا الحالي أضحى تقبل الظلم ورؤية ألم المظلوم دون تأثر أمرا واردا وبشكلٍ مُثير، كثرة مشاهدة مقاطع التعسف الواقع على الشعب السوري، وكون هذه المشاهد في مُتناوَل اليد، لا ننتظر برنامجا يعرضها، وإنما بضغطة زر بسيطة نتمكن من معرفة ما يحدث في العالم، إنه عصر الأجهزة الذكية، عصر الأخبار التي تُفرَض فرضاً على الشخص عن طريق برامج التواصل الاجتماعي، كل ذلك ساهم في جَعْل الظلم ومناظر السفك والقمع أمرا مألوفا وأحياناً إلى درجةٍ يُنكرون معها أنه ظلم، لا بد أن نأخذ ذلك في الاعتبار، يبقى الظلمُ ظلماً والشر شراً حتى لو ألِفنا وجوده ولنا كل الحق في رفضه.
قد يحدث أن نختلف في قضايا كثيرة أكبر تعقيداً من كون القضية إنسانية لو بسّطْت عرضها لطفل لانتفض رافضاً، لا أكتب عن مذهب، طائفة، منهج، ديانة، عائلة، أو قبيلة دون أخرى إنما أكتب عن أمرٍ يُذيب كل تلك التقسيمات يصهرها معاً تحت مسمى الإنسانية، كنت أظن بدهياً أن الإنسانية من الأمور التي لا خلاف عليها، لأنها تلك الأشياء التي لا يقبلها آدمي على نفسه وبني جنسه من سفكٍ للدماء، إهانةٍ للكرامات، انتزاعٍ للحريات وانعدامٍ للأمان، إلى أنْ جاء اليوم الذي وضَع فيه البعض تبريراتٍ لا يمكن القول عنها سوى أنها تافهة، إن أكثر الأشياء سوءاً هو محاولة وضع تبريرات للقتل، التشريد والتعذيب الممارس على الأطفال، الشباب والكبار، إناثاً وذكوراً! بالفعل ذلك ما عجزت عن تفسيره!
أختم بغصةٍ اسمها عَرَب، لا يوجد حاكم عربي واحد استطاع أن يتخذ خطوة جادة تجاه ما يحدث في سورية، إنها خيْبة وأي خيْبة؟ هناك جهود فردية لكنها كالمسكّن وربما أقل تأثيراً، إن الأزمة السورية تحتاج تحرّك دُوَل! تحتاج لكلمة من أربعة حروف «تَوَحّد»، وإنْ كان هناك ما يقف أمام توحّد العرب فإنهم العَرَب أنفسهم ولا غير، لو حاولنا التوقف عن التفكير بطريقة التقسيم المذهبي أو المنهجي وخلافه لأصبحنا قوى عُظمى تخشاها القُوى التي يُقال عنها الآن أنها مسيطرة على العالم، إننا العرب ثلاثمائة وخمسون مليون إنسان، نتحدث لغة واحدة، نعبد رباً واحداً، ألا يعني ذلك شيئاً؟.. لأن قوّتنا باتحادنا وضعفنا بانقسامنا نجد مَن يهتم - منذ الأزل - بتقسيمنا.
[email protected]