نحو ألق ثقافي / مع (أفتحُ قوساً وأُغلقه)

| د. علي العنزي |


استمتعت بقراءة السرد الذاتي للقاصة ميس العثمان، والموسوم بعنوان (أفتحُ قوساً وأُغلقه)... والذي تصف ميس من خلاله، ما أسمته بـ(رحلة الشقاء والشفاء) التي صاحبت خلالها والدتها ذات شتاء قارس إلى لندن، عاصمة إنكلترا، في رحلة علاج.
من دون أدنى شعور بالمبالغة، يمكنني القول ان ميس تميزت خلال هذا السرد الذاتي بأنها قدمت مشروعاً مهما من وجهة نظري، أؤمن شخصياً كثيراً بأهميته؛ وهو ما يمكن تسميته بشروع (اللا صمت)!
لم تعد القدرات السردية لميس العثمان، بعد إصداراتها الـ8، محل بحث، لكن سأتوقف ملياً، عند مسردها رقم 9 في (أفتحُ قوساً وأُغلقه)، والذي جاء بعنوان (من غير اللائق شتم الموتى)، وقد اعتبرته شخصياً لوحة أدبية تستحق وصفها بأنها تمثلA decisive change على مستوى السرد المحلي!
بمعنى... أنه بعيداً عن كون الإصدار قيما ورشيقا بشكل عام، ويستحق الثناء، لنجاح الكاتبة بتحويل أحداث سنة من عمر والدتها في لندن، قطعت نياط قلب الأسرة، إلى عمل أدبي جاد، فإن كم بارز من البوح، غير التبسيطي في مسردها (من غير اللائق شتم الموتى) قد لفت انتباهي إلى حد بعيد!
هنا لابد أن أطرح الأسئلة الحادة التالي: هل عنت ميس ألا تقع في الفخ التبسيطي؛ وأن تبني عملها داخل إطار السياق التاريخي لحياتها الخاصة؟ كيف تجرأت ميس أن تترك المجتمع عارياً بكل شعاراته الممزقة؟؟ ولماذا لم تقفز فوق الواقع المتهرئ؟
قلنا ان ميس تحدثت على امتداد (أفتحُ قوساً وأُغلقه) عن رحلة والدتها مع ورم مقداره 4 سنتيمترات، وكذلك عن هم الأم الأكبر «كيف يمكنني أن أخبر أبنائي بمرضي»، وعن عيون المرضى الحائرة، وطنين المترو بالطريق إلى Cockfosters Station، لكن يظل إعلانها ما أسميه شخصيا (الإلحاد) على الواقع الاجتماعي المليء بالمجاملات في (من غير اللائق شتم الموتى) هام للغاية، حيث تقول:
سحقاً لمن ابتدع [عبارة] «الأهل عزوة»!
[الأهل] يشبهون أن تشرب الشاي من إبريق واحد...!
شخصيات لا تكبر ولا تشيخ في تصرفاتها نحو الرحمة!
لماذا الآباء أن يتمسكوا بفريق بائس!
والحق أنه... كم واحدا منا يخالجه ذات الشعور تجاه طرف ما، ومن منا لديه ذات الشجاعة لئلا يقفز فوق التاريخ، الذي عرته ميس ويحاكي شفافيتها؟؟ كم منا من يستطيع أن يتحلى بهذه الجذرية لمواجهة الواقع؟ الكل ينتظر على حرير الاعتقاد، تحولا إيجابيا غير ممكن وغير قادم من القلب «الأسود» الذي يحمله له الآخر... لكنه يظل في انتظار جودو!
أنا أعتقد بأن هذا النمط من الجرأة في الكتابة، هو باب مهم ينفتح بشكل كاف، أمام الكتاب، لمواجهة الأفكار الرجعية وازدواجية المعايير والتناقضات العارمة في سلوكيات الإنسان!
هذا التواصل مع الماضي، والثقة في مقولاتنا وأهدافنا، والشفافية المطلقة حد العري في التعامل مع واقعنا، هو نمط التفكير، بل الوسيلة الوحيدة - من وجهة نظري - لتفجير الثورة السلوكية الحضارية التي يحتاجها الإنسان... الإنسان العربي تحديداً بشكل أكبر؛ لأنه الأكثر معاناة من الحشوات الاجتماعية والدينية المسلولة، والأكثر فشلا في القادرة على إعادة التاريخ من جديد!!
ومن هاته... فإن السرد الذاتي لـ (أفتح قوساً وأغلقه)، والذي يتكون من 11 مسردا، قوامها العبارات السحرية سرد جميل، ولكن يبقى المشروع التنويري الذي قامت به ميس عبر (من غير اللائق شتم الموتى)، هو فرصة ذهبية يجب أن نحملها لتجريد وطرد أي أرواح شريرة من حياتنا، حيث انه لا سبيل لسعادتنا، من دون فتح النوافذ وإعلان الإلحاد على الهراء!
....آمل من كل قلبي أن تتفتح هذه التجربة الكتابية وتستمر!
* أستاذ النقد والأدب
[email protected]
من دون أدنى شعور بالمبالغة، يمكنني القول ان ميس تميزت خلال هذا السرد الذاتي بأنها قدمت مشروعاً مهما من وجهة نظري، أؤمن شخصياً كثيراً بأهميته؛ وهو ما يمكن تسميته بشروع (اللا صمت)!
لم تعد القدرات السردية لميس العثمان، بعد إصداراتها الـ8، محل بحث، لكن سأتوقف ملياً، عند مسردها رقم 9 في (أفتحُ قوساً وأُغلقه)، والذي جاء بعنوان (من غير اللائق شتم الموتى)، وقد اعتبرته شخصياً لوحة أدبية تستحق وصفها بأنها تمثلA decisive change على مستوى السرد المحلي!
بمعنى... أنه بعيداً عن كون الإصدار قيما ورشيقا بشكل عام، ويستحق الثناء، لنجاح الكاتبة بتحويل أحداث سنة من عمر والدتها في لندن، قطعت نياط قلب الأسرة، إلى عمل أدبي جاد، فإن كم بارز من البوح، غير التبسيطي في مسردها (من غير اللائق شتم الموتى) قد لفت انتباهي إلى حد بعيد!
هنا لابد أن أطرح الأسئلة الحادة التالي: هل عنت ميس ألا تقع في الفخ التبسيطي؛ وأن تبني عملها داخل إطار السياق التاريخي لحياتها الخاصة؟ كيف تجرأت ميس أن تترك المجتمع عارياً بكل شعاراته الممزقة؟؟ ولماذا لم تقفز فوق الواقع المتهرئ؟
قلنا ان ميس تحدثت على امتداد (أفتحُ قوساً وأُغلقه) عن رحلة والدتها مع ورم مقداره 4 سنتيمترات، وكذلك عن هم الأم الأكبر «كيف يمكنني أن أخبر أبنائي بمرضي»، وعن عيون المرضى الحائرة، وطنين المترو بالطريق إلى Cockfosters Station، لكن يظل إعلانها ما أسميه شخصيا (الإلحاد) على الواقع الاجتماعي المليء بالمجاملات في (من غير اللائق شتم الموتى) هام للغاية، حيث تقول:
سحقاً لمن ابتدع [عبارة] «الأهل عزوة»!
[الأهل] يشبهون أن تشرب الشاي من إبريق واحد...!
شخصيات لا تكبر ولا تشيخ في تصرفاتها نحو الرحمة!
لماذا الآباء أن يتمسكوا بفريق بائس!
والحق أنه... كم واحدا منا يخالجه ذات الشعور تجاه طرف ما، ومن منا لديه ذات الشجاعة لئلا يقفز فوق التاريخ، الذي عرته ميس ويحاكي شفافيتها؟؟ كم منا من يستطيع أن يتحلى بهذه الجذرية لمواجهة الواقع؟ الكل ينتظر على حرير الاعتقاد، تحولا إيجابيا غير ممكن وغير قادم من القلب «الأسود» الذي يحمله له الآخر... لكنه يظل في انتظار جودو!
أنا أعتقد بأن هذا النمط من الجرأة في الكتابة، هو باب مهم ينفتح بشكل كاف، أمام الكتاب، لمواجهة الأفكار الرجعية وازدواجية المعايير والتناقضات العارمة في سلوكيات الإنسان!
هذا التواصل مع الماضي، والثقة في مقولاتنا وأهدافنا، والشفافية المطلقة حد العري في التعامل مع واقعنا، هو نمط التفكير، بل الوسيلة الوحيدة - من وجهة نظري - لتفجير الثورة السلوكية الحضارية التي يحتاجها الإنسان... الإنسان العربي تحديداً بشكل أكبر؛ لأنه الأكثر معاناة من الحشوات الاجتماعية والدينية المسلولة، والأكثر فشلا في القادرة على إعادة التاريخ من جديد!!
ومن هاته... فإن السرد الذاتي لـ (أفتح قوساً وأغلقه)، والذي يتكون من 11 مسردا، قوامها العبارات السحرية سرد جميل، ولكن يبقى المشروع التنويري الذي قامت به ميس عبر (من غير اللائق شتم الموتى)، هو فرصة ذهبية يجب أن نحملها لتجريد وطرد أي أرواح شريرة من حياتنا، حيث انه لا سبيل لسعادتنا، من دون فتح النوافذ وإعلان الإلحاد على الهراء!
....آمل من كل قلبي أن تتفتح هذه التجربة الكتابية وتستمر!
* أستاذ النقد والأدب
[email protected]