ضاد / لسان العرب

تصغير
تكبير
ليس بمستغرب قصر لسان العرب، ولست أقول العربية، في زماننا المعاصر بعدما ضمرت عقولهم؛ فكان غاية جهدها استيعاب منجزات عقول الأمم المتقدمة، وبعدما غلظت أكبادهم ؛ فكانوا رحماء مع الأعداء أشدة على إخوانهم ؛ فليس بمستغرب بعد ذلك كله أن تقصر ألسنتهم، فلا يفوه أحدهم بكلمة فصيحة إلا وكانت السخرية جزاء وفاقا، وأما إن رطن رطانة الأعاجم، فهو المبجل المسموع الكلمة!

إننا نحن المتخصصين بالعربية نعيش في هذا الزمان غربة اللسان في مهد بنت عدنان جزيرة العرب، بل إنك لا تسمع لغة عربية خالصة من الطلاب في أروقة أقسام اللغة العربية حيث العامية تزحزحها وتجثم فوق صدرها، والعربية ترزح من تحتها، هذا هو حالها، وهي في عقر دارها! وأما في المحافل الدولية، فإن اللغات الأجنبية تخرسها عنوة، فتطرق إطراق الكريم عن سفه الحمقى اللئام!

والحق أني في هذا المقال يَصْدُق في قول العربي الأول:

تكاثرت الظباء على خراش– فما يدري خراش ما يصيد

لِمَ كلما نادى غيور على لسان العرب والإسلام، كان حاله كمن ينادي على سلعة من سقط المتاع، لا يؤبه لها، ولا يحفل بها، وكلما كرر الدعوات إليها مغريا، ازداد الناس فيها زهدا، ومنه نفورا؟!

إن واقع اللغة العربية لا يحوج القلم إلى أن يذرف من الحبر المزيد، ولكن الذي يجعل القلم حرونا مترددا حبره فيه تردد الزئبق على الراحة المبسوطة، هو أن يسعى نحو النهاية التي يلوح منها فجر الأمل، ولكن هيهات؛ فقد اتسع الخرق على الراقع؛ فما اللغة إلا أهلها الناطقون بها، تحيا بحياتهم، أو تموت بموتهم ؛ وليس بخاف أن العرب في هذا الزمان لا أحياء ؛ فيرجون، ولا أموات؛ فيرثون، ولكنهم في سِنَةٍ طال أمدها، والله وحده أعلم متى سيفيقون من سباتها!

لِمَ هذا العقوق للغتنا، وهي لغة الحب والجمال، التي ترنمت بها قلوب العشاق: امرؤ القيس، وذو الرمة، وقيس، وجميل، وابن الأحنف، وثوبة، وابن زيدون...

وهي لغة الحمكة والعلم: لغة زهير، والمتنبي، وأبي العلاء، وابن سينا، والخوارزمي، والفارابي، وابن الهيثم...

وهي لغة السيف: لغة عنترة، عمرو بن معدي كرب، وقطري بن الفجاءة، وأبو فراس، والبارودي...

ولست هنا بصدد الاحاطة والاستقراء واستقصاء وصف لسان العرب، ولكني سرحت القلم حرا، فسعى بين السطور ذارفا دمعا يُدرُّه عقوق العرب للغتهم، ولست بمجهد القلم ببيان مكانة اللسان من الدين قرآنا وسنة؛ فمن ضيع ذاته؛ فقد صدق فيه قول أبي الطيب:

من يهن يسهل الهوان عليه– ما لجرح بميت إيلام

وقد اجتهدتُ غاية جهدي أن أنظم يوما لائقا بالعربية في يومها العالمي 18 – 12، ولكن آلت كل الجهود إلى خيط دخان من حرقة الحيرة، وكأني سعيت إلى استقدام بعض علماء العبرية من تل أبيب؛ ليعلمونا كيف نهضوا بلغتهم، وقطعنا نحن ألسنتنا؟!

وخروجا من النفق المظلم الذي كنت فيه أود أن أوقد شمعة، وهي كلمة شكر واجبة لطلاب كلية التربية الأساسية الذين بذلوا ما عجزت عنه من تقديم دعم للاحتفاء بلغتنا، فكان ما كان من كل مظاهر الاحتفال في الكلية إنما هو ثمرة توفيق الله تعالى، ثم جهودهم الذاتية الفردية، وليس لي منه سوى بذرة.

* كاتب وأكاديمي كويتي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي