شبهات احتيال وفساد وتهريب أموال

كيف تسلل غسيل الأموال إلى بنك الفاتيكان؟

u0627u0644u0628u0627u0628u0627 u0641u0631u0627u0646u0633u064au0633 u064au062du0627u0648u0644 u0625u0639u0627u062fu0629 u0627u0644u0628u0646u0643 u0625u0644u0649 u0627u0644u0633u0643u0629 u0627u0644u0635u062du064au062du0629
البابا فرانسيس يحاول إعادة البنك إلى السكة الصحيحة
تصغير
تكبير
• البابا فرانسيس أكد أن بنك الفاتيكان ينبغي أن يعتمد الشفافية والنزاهة في أعماله
يعمل بابا الفاتيكان فرانسيس الأول إلى جانب دور الروحي والرعوي على مواجهة سلسلة من الأزمات والفضائح، والتي كان آخرها ما بات يعرف بـ «فضيحة بنك الفاتيكان».

أُسس بنك الفاتيكان في العام 1942 لخدمة أهداف الكنيسة الكاثوليكية حول العالم، غير أنّ اعتقال المونسينيور نونزيو سكارانو، الرئيس السابق لقسم المحاسبة في إدارة الوقف الكنسي في روما بتهمتي الاحتيال والفساد ومحاولة تهريب 20 مليون يورو بالتعاون مع سمسار مالي وعميل سابق في الاستخبارات السرية، بواسطة طائرات خاصة عير الحدود السويسرية تسبب بفضيحة كبيرة وأثار العديد من التساؤلات حول إدارة المصرف.


واتهمت السلطات سكارانو باستخدامه بنك الفاتيكان المعروف سابقاً باسم «معهد الأعمال الدينية» لتبيض أموال رجال الأعمال في نابولي، المعروفة بأنّها مركز للجريمة المنظمة.

وتتطلب معالجة هذه الأزمة حلولاً جذرية لتتماشى مع مطالب المشرعين والسياسيين الأوروبيين والشركات المالية الكبرى للتغيير في سياسة البنك على مدى السنوات الأربع الماضية، ومن بين هؤلاء الرئيس غير التنفيذي لبنك «غولدمان ساكس» الذي نصح مجلس الكرادلة بحسب المصادر باتباع الشفافية في هذا الموضوع.

وفي هذا الإطار أجرت «فايننشال تايمز» تحقيقاً موسعاً على أكثر من 11 شهراً استجوب خلالها عشرات المصرفيين والمحامين والمشرعين والكاثوليكيين المطلعين على الأوضاع داخل الفاتيكان حول مدى سوء الإدارة في البنك، وكيفية نجاح عمليات مشبوهة لمصرف تبلغ أصوله 5 مليارات دولار من إثارة مخاوف مصرفيين ومشرعين وحكومات في أوروبا وأميركا.

ضغوط مصرفية

وجاءت الإصلاحات المنفذة في الفاتيكان بجزء منها بسبب الضغوط التي مارستها مصارف على غرار «جي بي مورغان» والبنك الألماني «دويتش بنك» والبنك الإيطالي «يونكريديتو»، إذ وجد هؤلاء أنفسهم عرضة للتساؤل من قبل المشرعين بسبب علاقتهم بمصرف «الفاتيكان». وبحسب مصادر في المدينة، فإن المصارف كانت تنقل نحو 2 مليار يورو سنوياً من بنك الفاتيكان إلى حسابات مختلفة حول العالم. ووجدت هذه المصارف نفسها في موقف ضعيف نظراً لهذه العلاقة إبّان الأزمة الائتمانية، وخوفاً من عقوبات المشرعين عملوا على الضغط على البنك للإصلاح، كما أوقفوا العمليات السرية للفاتيكان.

وأفاد بعض الذين تحدثت معهم «فايننشال تايمز» أنّ طريقة عمل بنك الفاتيكان تختلف عن أي طريقة أخرى معتمدة من قبل المصارف في العالم، فقد كانت تتضمن القليل من الضوابط والميزانيات حول التدفقات المالية، وعدد أقل من الوثائق مما يمكن ان يتوقعه أي شخص.

وبحسب التقرير الصادر عن البنك في أكتوبر، يمتلك بنك الفاتيكان 19 ألف عميل حول العالم ونحو 33 ألف حساب مالي وخمسة مليارات يورو على شكل أصول.

ويقدم البنك القليل من القروض، ولكنه يحتفظ بالودائع ويحول الأموال ويجري الاستثمارات. ويأتي نحو 50 في المئة من عملاء البنك من جهات دينية و15 في المئة منهم عبارة عن مؤسسات تابعة للكرسي الرسولي، في حين أن 13 في المئة هي حسابات للكرادلة والأساقفة ورجال الدين و9 في المئة للأبرشيات الكاثوليكية حول العالم، مع الإشارة إلى أن أحد أبرز أصول البنك هو القصر البابوي.

وتكشف المصادر الداخلية أن البنك متخم بالأموال والتبرعات التي تقدم له سواء تبرعات يوم الأحد أو التبرعات الخيرية، لافتة إلى أن 25 في المئة من أعمال المصرف تجري على شكل عمليات نقدية، الأمر الذي يثير الشكوك حول إجراء عمليات غسيل أموال، أمّا ثلث عمليات البنك فتأتي من تبرعات الأعمال الخيرية.

وأشارت المدعية العامة لاورا بيديو إلى أنّه وخلال إجرائها تحقيق حول إفلاس المستشفى الكاثوليكي في العام 2011، وبسبب حاجتها لبعض المعلومات المالية، سمح لها الاطلاع على معلومات من بنك الفاتيكان، وتبيّن لها أن أكثر من شخص كانوا يمتلكون هوية تقنية، غير أن التفاصيل حول أصحاب هذه الهويات لم تكن مذكورة، ولم يكن هناك من طريقة لإجبار الأقلية التي تعلم هذه التفاصيل في الفاتيكان للإجابة عن هذا السؤال، ما يجعل المستفيدون النهائيون من هذه الحسابات غير معروفين.

وتمحورت الأهداف الرئيسة للبنك حول توفير حفظ وإدارة الأمول (على شكل سندات أو نقدية) والملكيات المحولة أو المؤتمنة تحت إشراف المعهد من قبل الأشخاص الماليين أو الاعتباريين لأهداف دينية. وقد أثارت تجربة البنك العديد من التساؤلات حول هذا شفافية عمله رغم التأكيدات أن الكنيسة تستخدم البنك لأهداف نبيلة.

وفي السنوات الأخيرة تناولت الوسائل الإعلامية تقارير حول تمويل البنك لنشاطات انسانية ودينية عبر العالم. وقد أكد مسؤولون في الفاتيكان لـ «الفايننشال تايمز» أنه تمّ استخدام البنك لتحويل الأموال بشكل سري أو من خلال تزويد معلومات محدودة للمصارف المراسلة إلى مجموعات دينية في كوبا ومصر.

وفي المقابل، تعترف مصادر داخلية من الفاتيكان أنّ النظام الذي يهدف إلى تحويل الأموال بشكل سريع للأماكن التي تعاني من صعوبات، تمّ استغلاله في قضايا غش ضريبي من قبل الجريمة المنظمة.

إجراءات الفاتيكان

وفي هذا المجال ساهمت الأزمة المالية الأوروبية أيضاً في زيادة الضغوط على البنك، فعندما ضيّقت المؤسسات المالية الأوروبية والإيطالية من القوانين المصرفية، كان لابدّ من أن تطول هذه الإصلاحات الفاتيكان أيضاً، وخصوصاً بعد أن رصدت السلطات في روما تدفق أموال مثيرة للجدل كان مصدرها الكرسي الرسولي إلى النظام المصرفي الإيطالي. وكان التركيز على فرع بنك «يونكريديتو» في الفاتيكان، حيث تم رصد فواتير لأفراد من دون تحديد أسمائهم، ما أدّى إلى إنهاء علاقة البنك مع الكرسي الرسولي.

وقد رد الفاتيكان على ازدياد الضغوط بتعيين المصرفي المحافظ ايتوري غوتي تيديشي رئيساً للبنك، وقدمت طلباً للمجلس الأوروبي لإجراء تحقيق من قبل لجنة الخبراء لدى الاتحاد الأوروبي لتقدير معايير مكافحة تمويل الإرهابية وغسل الأموال القذرة (مونيفال)، كما أعطى البابا بينيديكتوس مباركته لشكيل لجنة إشراف مالية ضمن جدران الفاتيكان.

وبحسب المصادر، لم يكن تيديشي مرحباً به وعومل بعدم ثقة من قبل مجلس الكرادلة الذي حاول تشجيعهم على اعتماد المزيد من الشفافية، ليصل الأمر إلى التصويت ضده في مايو 2012 الأمر الذي أدى إلى عزله من منصبه ومواجهته اتهامات جرمية تمّ اسقاطها لاحقاً.

أدّت هذه الخطوة إلى زيادة مخاوف المصارف المراسلة، إذ انّها أظهرت عدم قدرة الفاتيكان على الالتزام بالقوانين الدولية لمكافحة غسيل الأموال وما تتركه من تأثير على عملهم وزيادة ضغوط المشرعين عليهم. وفي مارس 2012 أغلق بنك «جي بي مورغان» حساب بنك الفاتيكان لديه بسبب نقص في تأمين المعلومات التي كانت يطلبها المصرف الأميركي حول نقل هذه الأموال.

وقد أشارت (مونيفال) في تقريرها في يوليو 2012 إلى أنّ الهيئة التي حصلت على مباركة البابا كان ينقصها القوة القانونية والاستقلالية لمراقبة المؤسسات المالية في الفاتيكان. كما أفادت أنّ البنك يلبي 9 من أصل 16 من المعايير الأساسية. وأدّى الضغط الممارس من قبل المشرعين على البنك الألماني «دويتش بنك» الذي كان يتولى إدارة ماكينات السحب الآلي في المدينة إلى إيقافها جميعاً في يناير من هذا العام.

وعمد الفاتيكان إلى تشديد معاييره المصرفية، وعيّن البابا بينيديكتوس الألماني إرنست فون فريبرغ رئيساً جديداً للمصرف والمحامي السويسري رينيه برولهارت رئيساً لقسم الإشراف المالي. وقد ساهم تسلم البابا فرانسيس لمنصبه في دعم هذه الجهود إذ انّه أصدر أخيراً قرارا أعطى فيه المشرف المالي صلاحيات أوسع ليحكم بأي عملية غسيل أموال أو غش في الضرائب. وعمل برولهارت جاهداً على إعادة خدمات ماكينات الصرف الآلي إلى المدينة من خلال تعيين مجموعة «أدونو» السويسرية لتولي هذه المهمة.

مبادرة البابا فرانسيس

وبالتزامن مع تسلم البابا فرانسيس لمنصبه في مارس 2013، أطلق خطاباً جديداً حول ضرورة إجراء إصلاحات مالية وخصوصاً أنّ الفساد والتهرب الضريبي قد بلغ مستويات عالية. كما بدأ البابا بإصدار مراسيم بابوية ساهمت في تسريع التفتيش وإجراء عمليات تغيير واسعة. وبحسب مصادر من بنك إيطاليا فقد أقدم البابا على خطوات مهمة تجاه إجراء إصلاحات حقيقية في إطار العمل المؤسساتي والقانوني.

كما طلب البابا مراجعة نشاطات البنك، وعيّن عضوين من كبار رجال الدين والمصرفيين السابقين لتقديم الاستشارة حول مستقبل المؤسسة لتتماشى مع مهمة الكنيسة الكاثوليكية، فضلاً عن ذلك، فقد شكّل برولهارت فريق إدارة أزمة لتتبع عمليات تحويل الأموال.

وبحسب المصادر من المتوقع أن تشمل الحركة الإصلاحية إخضاع جميع الحسابات في البنك للرقابة ومن ثمّ إغلاق مئات الحسابات بحلول العام المقبل التي لا ترتبط بالفاتيكان والتي تفتقد إلى المعلومات الأساسية. ويأتي القرار الأخير حول إغلاق الحساب لبرولهارت بعد أن يقيمها في ضوء قوانين مكافحة غسيل الأموال العالمية.

وتبرز الجهود لإجراء مزيد من التغييرات، فقد وقع برولهارت مذكرة تفاهم لتبادل المعلومات حول التحويلات المشبوهة مع الولايات المتحدة وإيطاليا واسبانيا وبلجيكا والدنمارك وسولفينيا.

وعلى الرغم من أنّ التفاؤل الحذر يسود أجواء المستشارين التقنيين في روما، إلّا انّهم لا يزالون يعترفون بوجود توتر بين كبار المسؤولين الماليين وبين الفاتيكان.

فإلى أيّ مدى ستصل الإصلاحات في الفاتيكان؟ فقد ألهمت مبادرة البابا فرانسيس الكثير من المحققين المصرفيين وشجعتهم على العمل.

وجاء تصريح البابا في يوليو الماضي ليزيد من هذه عندما قال «أثق بالجهود الذي يبذلها فريق عمل بنك الفاتيكان، وسواء سيكون بنكاً أو صندوقاً أو ما إلى هنالك في الستقبل، فلا بدّ أن يعتمد على الشفافية والنزاهة».

(فايننشال تايمز)
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي