خواطر تقرع الأجراس / الشيخ الفتى والأحياء الأموات



هل أنت، في همتك، لا عمرك فتى؟ شاب؟ شيخ؟ كثير من الفتيان يشعرون ويعيشون على أنهم شباب. وكثير من الشباب يشعرون ويعيشون على أنهم شيوخ. وبعض الشيوخ يشعرون ويعيشون على أنهم شباب. إنها معادلة حياتية صارمة. فالفتوة، والشباب، والشيخوخة شعور، ومنهج حياة، وليس مسألة عمر زمني.
اليأس موت قبل أن تُقْبَض الروح. إنه موت سريري. وما أروع الزعيم الوطني مصطفى كامل في قولته الشهيرة: لا مجال للحياة مع اليأس، ولا مجال لليأس مع الحياة.
الأمل يقتل اليأس. والعمل يُحيل الشيخوخة إلى شباب وفتوة. لذلك أعلن المتنبي الحرب على اليأس بالأمل: أُعلّل النفسَ بالآمال أرقبها/ ما أضيق العيش لولا فُسحة الأمل!
سيزيف في الأساطيرالإغريقية حُكِم عليه، إلى الأبد، بأن يظل يرفع صخرة العذاب إلى قمة الجبل، حتى يُعفى عنه. وما إن يصل إلى القمة حتى تهوي به إلى القاع، فيُعيد المحاولة، فيصل، وتسقط، ويصعد... وهكذا إلى الأبد.
شغلتْ هذه الأسطورة الفلاسفة والشعراء والمسرحيين. ألبير كامو، وهو من روّاد مسرح اللا معقول العبثي، أراد إسقاطها على الواقع البشري الوجودي. كيف يتخلص سيزيف– وهو رمز لكل معذَّب في الأرض– من هذا العذاب الأبدي؟ وجد(كامو ) المَخرج: إنه الأمل. منح ألبير كامو سيزيفَ جرعة الأمل للتحرر من ذلك العذاب الأبدي: لا بد يوماً ما من الوصول إلى القمة، وترسيخ الصخرة عليها من دون هبوطها اللعين، وإن هبطتْ ففي المرة القادمة سأًصل، وتترسّخ على القمة حتماً، وإلى الأبد. وهكذا انتصر سيزيف.
أما أبو العتاهية في العصر العباسي فقد كان، برأيي، في حالة موت سريري. جثة تتنفس وتمشي في الأسواق لأن الموت كان يَلوح أمام ناظريه عَلَماً و كفناً أسود. ولم يبق سوى النّواح والدفن: بين عينَيْ كل حيٍّ، علَمُ الموت يَلوحُ/ نُحْ على نفسك يا مسكين إنْ كنتَ تنوحُ!
وما أروع أبا ماضي حين قرر: «إن شرَّ الجناة في الأرض نفسٌ/ تتوقّى قبل الرحيل الر حيلا»
زهير بن أبي سُلمى في الجاهلية سئمَ الحياة في الثمانين فقال:
سئمتُ تكاليف الحياة ومَنْ يعِشْ/ ثمانين حولاً- لا أبا لك- يسأمِ
لكن الشاعر والفيلسوف والعالِم والجيولوجي العظيم الألماني غوتّيه وقد بلغ الثمانين من عمره كتب في يومياته: «هل بلغت الثمانين؟ وهل يجب عليّ لذلك ألا أتغيّر؟ إني أحس كأني أختلف عن كل الناس، وأبذل مجهوداً أكبر منهم كي أفكّر كل يوم في شيء جديد، حتى أتجنّب السأم. أجل. يجب أن نتغيّر على الدّوام، وأن نجدّد شبابنا... وإلا تعفّنا»!
ما أروع هذا الشيخ الفتى الثمانيني! يشعر، ويعيش عيشة الشباب... حتى لا يتعفّن!
تعلّمْ من سيزيف قهر الألم والعذاب الأبدي بالأمل. كن كالمتنبي يروِّض نفسه على الأمل، أو كمصطفى كامل يرفض تزاوج الحياة واليأس. ولا تكن كأبي العتاهية، جثةً تمشي في الأسواق، يرفرف الكفن الأسود فوق جبهته وبين عينيه عَلماً جنائزياً... ينوح ويعلن موت الأمل. ادفنوا هؤلاء الشعراء من خيالكم وحياتكم، حتى لا تموتوا وأنتم أحياء.
*كاتب سوري
اليأس موت قبل أن تُقْبَض الروح. إنه موت سريري. وما أروع الزعيم الوطني مصطفى كامل في قولته الشهيرة: لا مجال للحياة مع اليأس، ولا مجال لليأس مع الحياة.
الأمل يقتل اليأس. والعمل يُحيل الشيخوخة إلى شباب وفتوة. لذلك أعلن المتنبي الحرب على اليأس بالأمل: أُعلّل النفسَ بالآمال أرقبها/ ما أضيق العيش لولا فُسحة الأمل!
سيزيف في الأساطيرالإغريقية حُكِم عليه، إلى الأبد، بأن يظل يرفع صخرة العذاب إلى قمة الجبل، حتى يُعفى عنه. وما إن يصل إلى القمة حتى تهوي به إلى القاع، فيُعيد المحاولة، فيصل، وتسقط، ويصعد... وهكذا إلى الأبد.
شغلتْ هذه الأسطورة الفلاسفة والشعراء والمسرحيين. ألبير كامو، وهو من روّاد مسرح اللا معقول العبثي، أراد إسقاطها على الواقع البشري الوجودي. كيف يتخلص سيزيف– وهو رمز لكل معذَّب في الأرض– من هذا العذاب الأبدي؟ وجد(كامو ) المَخرج: إنه الأمل. منح ألبير كامو سيزيفَ جرعة الأمل للتحرر من ذلك العذاب الأبدي: لا بد يوماً ما من الوصول إلى القمة، وترسيخ الصخرة عليها من دون هبوطها اللعين، وإن هبطتْ ففي المرة القادمة سأًصل، وتترسّخ على القمة حتماً، وإلى الأبد. وهكذا انتصر سيزيف.
أما أبو العتاهية في العصر العباسي فقد كان، برأيي، في حالة موت سريري. جثة تتنفس وتمشي في الأسواق لأن الموت كان يَلوح أمام ناظريه عَلَماً و كفناً أسود. ولم يبق سوى النّواح والدفن: بين عينَيْ كل حيٍّ، علَمُ الموت يَلوحُ/ نُحْ على نفسك يا مسكين إنْ كنتَ تنوحُ!
وما أروع أبا ماضي حين قرر: «إن شرَّ الجناة في الأرض نفسٌ/ تتوقّى قبل الرحيل الر حيلا»
زهير بن أبي سُلمى في الجاهلية سئمَ الحياة في الثمانين فقال:
سئمتُ تكاليف الحياة ومَنْ يعِشْ/ ثمانين حولاً- لا أبا لك- يسأمِ
لكن الشاعر والفيلسوف والعالِم والجيولوجي العظيم الألماني غوتّيه وقد بلغ الثمانين من عمره كتب في يومياته: «هل بلغت الثمانين؟ وهل يجب عليّ لذلك ألا أتغيّر؟ إني أحس كأني أختلف عن كل الناس، وأبذل مجهوداً أكبر منهم كي أفكّر كل يوم في شيء جديد، حتى أتجنّب السأم. أجل. يجب أن نتغيّر على الدّوام، وأن نجدّد شبابنا... وإلا تعفّنا»!
ما أروع هذا الشيخ الفتى الثمانيني! يشعر، ويعيش عيشة الشباب... حتى لا يتعفّن!
تعلّمْ من سيزيف قهر الألم والعذاب الأبدي بالأمل. كن كالمتنبي يروِّض نفسه على الأمل، أو كمصطفى كامل يرفض تزاوج الحياة واليأس. ولا تكن كأبي العتاهية، جثةً تمشي في الأسواق، يرفرف الكفن الأسود فوق جبهته وبين عينيه عَلماً جنائزياً... ينوح ويعلن موت الأمل. ادفنوا هؤلاء الشعراء من خيالكم وحياتكم، حتى لا تموتوا وأنتم أحياء.
*كاتب سوري