مشاهد / معرض الشارقة للكتاب



خمسة أيام وأربع ليالٍ قضيتها في الشارقة... وإذا خصمنا يوم الوصول ويوم السفر تبقى ثلاثة أيام، يوم منها خصص لندوة شاركت فيها، فلا يبقى سوى يومين وليلة واحدة خصصتها لمتابعة معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي وصل إلى عامه الثاني بعد الثلاثين هذا العام، ويعد بذلك من أقدم معارض الكتب العربية بعد معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي تعدى الأربعين سنة من عمره.
لا يستهين أحد منكم بـ 32 سنة بلغها معرض الشارقة... فهي فترة زمنية طويلة، كما أن زيارة المعرض ومشاهدة وقائع افتتاحه والتجول في أجنحته، وحضور بعض الفعاليات الثقافية فيه تؤكد أنه يخطو بأن يصبح من أهم معارض الكتب على مستوى العالم كله، وليس هذا بغريب على إمارة الشارقة التي يعتبر حاكمها الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، أن الثقافة حجر الزاوية في دور الإمارة داخل الإمارات العربية السبعة، وعلى مستوى الخليج العربي والوطن العربي كله.
يطالعك التنظيم الدقيق والصارم والحضور الأمني غير المرئي، الذي يمكن القول انه أمن ناعم، مع أن الأمن هو الأمن في النهاية، وأول القضايا التي تلفت النظر اعتبار فاروق حسني وزير الثقافة المصري الأسبق، والذي يعيش في دبي الآن شخصية العام الثقافية، وكان هذا اختيار العام الماضي، لكن لأن فاروق حسني كان ممنوعا من السفر بسبب القضايا المرفوعة ضده، تأجل الاختيار إلى هذا العام.
ورغم أن المعرض لم يعلن حيثيات اختيار فاروق حسني كشخصية للعام الثقافية، فإنه يمكن استشفاف الهدف من وراء ذلك، إنها رسالة موجهة لمصر تعلن موقفا ضد التيارات المتأسلمة وحكمها لمصر وما فعلته بمصر، أيضا فإن الخطر ما زال يطرق أبواب كل الدول العربية، في اليوم السابق على تكريم فاروق حسني كانت هناك جلسة لمحاكمة الخلية الإخوانية التي تم ضبطها في الإمارات العربية المتحدة.
هذا لا علاقة له باستحقاق فاروق حسني للتكريم، فهو يستحقه بجدارة، وعندما صافحته مهنئا قلت له في حضور وزير الثقافة المصري الدكتور صابر عرب إن مثل هذا التكريم كان يجب أن يتم داخل مصر، وأن حدوثه مصريا كان له طعم أكثر ألف مرة من حدوثه خارج مصر، رغم أن الدكتور سلطان تعلم في مصر وأخذ حروفه وأحلامه من مصر، فعندما توجد في الشارقة تشعر أنك في مصر، لولا شكل المباني وحالة الوفرة غير العادية، فإن الإحساس المصري طاغٍ في الإمارة كلها.
المعرض معرض كتب، حديقة مزدانة بالكتب، ويجب أن أكتب عن الكتب، لكني أعترف بصراحة أنني لم يكن لديَّ الوقت لكي أتفحص الكتب المعروضة، كنت موجودا في الجولة التي قام بها الدكتور سلطان ومعه وزير ثقافة لبنان، باعتبار أن لبنان ضيف شرف المعرض هذا العام، ووزير ثقافة مصر، ولكن هذه الجولة لم تتح لي فرصة التعرف على الكتب الموجودة، وتفحصها ومحاولة إدراك الجديد فيها من القديم.
أعتقد أن معارض الكتب الكبيرة تكتسب كبرها ليس من حجم الأجنحة ولا عدد الزوار – على الرغم من أن هذه أمور مهمة – فإن شرعية المعارض تتحدد بدور النشر التي تصدر كتبا يكون طرحها للمرة الأولي في هذا المعرض أو ذاك، وهذه الظاهرة كانت موجودة في معرض القاهرة الدولي للكتاب، أيام قوته وفتوته وانتشاره، لكنها تراجعت في السنوات الأخيرة.
أنا لم تتح لي فرصة التجول في الأجنحة بهدوء وروية حتى أعرف الكتب الجديدة التي طبعت من أجل المعرض، وأيضا الكتب القديمة، ولا أعرف إن كان معرض الشارقة الدولي للكتاب يصدر بيانا ضخما في نهاية المعرض يحدد فيه أكثر الكتب مبيعا، هل هي الروايات؟ أم الكتب التاريخية؟ أم الكتب العلمية؟ هل هي الأعمال المؤلفة؟ أو الأعمال المترجمة؟ وهذه الدراسة شديدة الأهمية لأنها تحدد موقف جمهور المعرض من فكرة القراءة نفسها، باعتبار أن أي دعوة للكتاب هي دعوة للقراءة وتحريض عليها وتحفيز لها، فهي الهدف النهائي من وراء إقامة مثل هذه المعارض.
في جولتي السريعة بحثت عن دور النشر المصرية، رأيت مكتبة مدبولي وجناح الهيئة المصرية العامة للكتاب وجناح دار نهضة مصر ودار نهضة مصر حصلت على أكثر من جائزة من جوائز المعرض، واعتبرت أن ذلك محاولة من الدار لاستعادة دور مصر الثقافي الذي توارى، وربما لم يعد له وجود.
لكني لاحظت أن دور النشر المصرية متناثرة في أكثر من مكان. وتمنيت لو أنها تم جمعها في مكان واحد، ومثل هذا الأمر تمنيته لكل الدول العربية الشقيقة: لبنان، الشقيقة سورية، ورغم كل ما يجري فيها كانت هناك دور نشر سورية وكان فيها الجديد من الكتب، ما أشعر الإنسان بحالة من الانبهار تصل بحدود الإحساس بالإعجاز.
لا أعرف هل هو تقصير من دور النشر أم إنه تنافس، لذلك لا تحب أن تتجمع في مكان واحد؟ أم إن إدارة المعرض هي التي لا تفضل هذا؟ لأنني أعتقد أن الكتاب لا يعرض في مثل هذه المعارض مفصولا عن الواقع الذي أنتج فيه... والمجتمع الذي أثمره، صحيح أن الكتابة عملية فردية، خاصة الإبداع الشعري أو القصصي أو الروائي أو المسرحي، لكن الفرد عندما يكتب – سواء وعي هذا أم لم يعه – فإنه لم يعبر عن مجتمعه وعصره وزمانه والقيم السائدة في المجتمع والعصر والزمان.
في اليوم الأول وعلى نفس المنصة الرئيسة التي جرى الافتتاح عليها، كان هناك كاتب أميركي تاه مني اسمه، كانت مؤلفاته تباع بسعر مضاعف بعد محاضرته، لأنه سيوقع عليها، وعرفت أنه يدون الحروف الأولى من اسمه فقط، ولا يكتب إهداء تقليديا كما نفعل نحن، فبعض الإهداءات التي نكتبها تصل لصفحة كاملة، بعد حالة الطرطشة العاطفية التي نعيشها.
كان هذا المؤلف لديه محاضرة عن العملية الإبداعية عنده، وقد فهمت من المحاضرة أنه كاتب بوليسي، وأن الرواية البوليسية أكثر أشكال الرواية توزيعا في أميركا، طبعا إن لم تبهرني الأرقام التي قالها لأنها كلها بالملايين، ولم تقل أبدا عن خمسة ملايين لأي كتاب من كتبه، وهذا ليس غريبا... فنظام الحياة الأميركي– وليس الحضارة الأميركية– يقدم كل شيء على أن يكون أكثر من حجمه الطبيعي في أرض الواقع، ولذلك فقد تحدث الرجل عن أرقام بالملايين باعتها رواياته.
وقبل أن أندهش من أرقامه... لاحظت عددا مهولا من الشباب يحضرون ندوته، ويصفقون ويصفرون ويضحكون بصوت عالٍ بعد كلماته، وكان الرجل يتحدث كأنه ممثل، لم يجلس على مقعد وأمامه منضدة، ولم يقرأ من أوراق معه، بل كان يمشي على المسرح، والمسرح طويل وعريض وضخم، ويتحدث ويأتي بحركات تمثيلية ليدلل على ما يقوله، لدرجة أنن خيل إليَّ أنه بدأ حياته ممثلا قبل أن يحترف الكتابة.
قلت لنفسي إنها أميركا، جئت إلى الشارقة لأجد نفسي أمام مؤلف روائي أميركي يكتب الرواية البوليسية، يتحدث عن نفسه فيقول إن روايته الأولى رفضت من خمسة عشر ناشرا إلى أن عثر على ناشر قبل نشرها، ثم وصلت مبيعاته في الرواية التالية إلى ستة ملايين نسخة، إنها أميركا التي تقدس المبادرة الفردية والموهبة الفردية وكل ما هو فردي في حياتهم.
لا يستهين أحد منكم بـ 32 سنة بلغها معرض الشارقة... فهي فترة زمنية طويلة، كما أن زيارة المعرض ومشاهدة وقائع افتتاحه والتجول في أجنحته، وحضور بعض الفعاليات الثقافية فيه تؤكد أنه يخطو بأن يصبح من أهم معارض الكتب على مستوى العالم كله، وليس هذا بغريب على إمارة الشارقة التي يعتبر حاكمها الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، أن الثقافة حجر الزاوية في دور الإمارة داخل الإمارات العربية السبعة، وعلى مستوى الخليج العربي والوطن العربي كله.
يطالعك التنظيم الدقيق والصارم والحضور الأمني غير المرئي، الذي يمكن القول انه أمن ناعم، مع أن الأمن هو الأمن في النهاية، وأول القضايا التي تلفت النظر اعتبار فاروق حسني وزير الثقافة المصري الأسبق، والذي يعيش في دبي الآن شخصية العام الثقافية، وكان هذا اختيار العام الماضي، لكن لأن فاروق حسني كان ممنوعا من السفر بسبب القضايا المرفوعة ضده، تأجل الاختيار إلى هذا العام.
ورغم أن المعرض لم يعلن حيثيات اختيار فاروق حسني كشخصية للعام الثقافية، فإنه يمكن استشفاف الهدف من وراء ذلك، إنها رسالة موجهة لمصر تعلن موقفا ضد التيارات المتأسلمة وحكمها لمصر وما فعلته بمصر، أيضا فإن الخطر ما زال يطرق أبواب كل الدول العربية، في اليوم السابق على تكريم فاروق حسني كانت هناك جلسة لمحاكمة الخلية الإخوانية التي تم ضبطها في الإمارات العربية المتحدة.
هذا لا علاقة له باستحقاق فاروق حسني للتكريم، فهو يستحقه بجدارة، وعندما صافحته مهنئا قلت له في حضور وزير الثقافة المصري الدكتور صابر عرب إن مثل هذا التكريم كان يجب أن يتم داخل مصر، وأن حدوثه مصريا كان له طعم أكثر ألف مرة من حدوثه خارج مصر، رغم أن الدكتور سلطان تعلم في مصر وأخذ حروفه وأحلامه من مصر، فعندما توجد في الشارقة تشعر أنك في مصر، لولا شكل المباني وحالة الوفرة غير العادية، فإن الإحساس المصري طاغٍ في الإمارة كلها.
المعرض معرض كتب، حديقة مزدانة بالكتب، ويجب أن أكتب عن الكتب، لكني أعترف بصراحة أنني لم يكن لديَّ الوقت لكي أتفحص الكتب المعروضة، كنت موجودا في الجولة التي قام بها الدكتور سلطان ومعه وزير ثقافة لبنان، باعتبار أن لبنان ضيف شرف المعرض هذا العام، ووزير ثقافة مصر، ولكن هذه الجولة لم تتح لي فرصة التعرف على الكتب الموجودة، وتفحصها ومحاولة إدراك الجديد فيها من القديم.
أعتقد أن معارض الكتب الكبيرة تكتسب كبرها ليس من حجم الأجنحة ولا عدد الزوار – على الرغم من أن هذه أمور مهمة – فإن شرعية المعارض تتحدد بدور النشر التي تصدر كتبا يكون طرحها للمرة الأولي في هذا المعرض أو ذاك، وهذه الظاهرة كانت موجودة في معرض القاهرة الدولي للكتاب، أيام قوته وفتوته وانتشاره، لكنها تراجعت في السنوات الأخيرة.
أنا لم تتح لي فرصة التجول في الأجنحة بهدوء وروية حتى أعرف الكتب الجديدة التي طبعت من أجل المعرض، وأيضا الكتب القديمة، ولا أعرف إن كان معرض الشارقة الدولي للكتاب يصدر بيانا ضخما في نهاية المعرض يحدد فيه أكثر الكتب مبيعا، هل هي الروايات؟ أم الكتب التاريخية؟ أم الكتب العلمية؟ هل هي الأعمال المؤلفة؟ أو الأعمال المترجمة؟ وهذه الدراسة شديدة الأهمية لأنها تحدد موقف جمهور المعرض من فكرة القراءة نفسها، باعتبار أن أي دعوة للكتاب هي دعوة للقراءة وتحريض عليها وتحفيز لها، فهي الهدف النهائي من وراء إقامة مثل هذه المعارض.
في جولتي السريعة بحثت عن دور النشر المصرية، رأيت مكتبة مدبولي وجناح الهيئة المصرية العامة للكتاب وجناح دار نهضة مصر ودار نهضة مصر حصلت على أكثر من جائزة من جوائز المعرض، واعتبرت أن ذلك محاولة من الدار لاستعادة دور مصر الثقافي الذي توارى، وربما لم يعد له وجود.
لكني لاحظت أن دور النشر المصرية متناثرة في أكثر من مكان. وتمنيت لو أنها تم جمعها في مكان واحد، ومثل هذا الأمر تمنيته لكل الدول العربية الشقيقة: لبنان، الشقيقة سورية، ورغم كل ما يجري فيها كانت هناك دور نشر سورية وكان فيها الجديد من الكتب، ما أشعر الإنسان بحالة من الانبهار تصل بحدود الإحساس بالإعجاز.
لا أعرف هل هو تقصير من دور النشر أم إنه تنافس، لذلك لا تحب أن تتجمع في مكان واحد؟ أم إن إدارة المعرض هي التي لا تفضل هذا؟ لأنني أعتقد أن الكتاب لا يعرض في مثل هذه المعارض مفصولا عن الواقع الذي أنتج فيه... والمجتمع الذي أثمره، صحيح أن الكتابة عملية فردية، خاصة الإبداع الشعري أو القصصي أو الروائي أو المسرحي، لكن الفرد عندما يكتب – سواء وعي هذا أم لم يعه – فإنه لم يعبر عن مجتمعه وعصره وزمانه والقيم السائدة في المجتمع والعصر والزمان.
في اليوم الأول وعلى نفس المنصة الرئيسة التي جرى الافتتاح عليها، كان هناك كاتب أميركي تاه مني اسمه، كانت مؤلفاته تباع بسعر مضاعف بعد محاضرته، لأنه سيوقع عليها، وعرفت أنه يدون الحروف الأولى من اسمه فقط، ولا يكتب إهداء تقليديا كما نفعل نحن، فبعض الإهداءات التي نكتبها تصل لصفحة كاملة، بعد حالة الطرطشة العاطفية التي نعيشها.
كان هذا المؤلف لديه محاضرة عن العملية الإبداعية عنده، وقد فهمت من المحاضرة أنه كاتب بوليسي، وأن الرواية البوليسية أكثر أشكال الرواية توزيعا في أميركا، طبعا إن لم تبهرني الأرقام التي قالها لأنها كلها بالملايين، ولم تقل أبدا عن خمسة ملايين لأي كتاب من كتبه، وهذا ليس غريبا... فنظام الحياة الأميركي– وليس الحضارة الأميركية– يقدم كل شيء على أن يكون أكثر من حجمه الطبيعي في أرض الواقع، ولذلك فقد تحدث الرجل عن أرقام بالملايين باعتها رواياته.
وقبل أن أندهش من أرقامه... لاحظت عددا مهولا من الشباب يحضرون ندوته، ويصفقون ويصفرون ويضحكون بصوت عالٍ بعد كلماته، وكان الرجل يتحدث كأنه ممثل، لم يجلس على مقعد وأمامه منضدة، ولم يقرأ من أوراق معه، بل كان يمشي على المسرح، والمسرح طويل وعريض وضخم، ويتحدث ويأتي بحركات تمثيلية ليدلل على ما يقوله، لدرجة أنن خيل إليَّ أنه بدأ حياته ممثلا قبل أن يحترف الكتابة.
قلت لنفسي إنها أميركا، جئت إلى الشارقة لأجد نفسي أمام مؤلف روائي أميركي يكتب الرواية البوليسية، يتحدث عن نفسه فيقول إن روايته الأولى رفضت من خمسة عشر ناشرا إلى أن عثر على ناشر قبل نشرها، ثم وصلت مبيعاته في الرواية التالية إلى ستة ملايين نسخة، إنها أميركا التي تقدس المبادرة الفردية والموهبة الفردية وكل ما هو فردي في حياتهم.