اصطحبتها «الراي» بجواز سفرها وما جاد به أهل الخير

فوراحا... طارت على جناح الفرح إلى الكونغو

تصغير
تكبير
... و«طارت» فورحا... نعم طارت...

طارت مرتين أولاهما من الفرح بعد أن علمت أنها استعادت حريتها حين تسلمت «الراي» جواز سفرها من راعي المكتب الذي استقدمها... وثانيهما حين طارت إلى موطنها حاملة معها ذكريات كانت حزينة قبل أن تتبدد حسب وصفها لما رأت أيادي الخير تمتد إليها.


«ما أروعك يا كويت!... وما أروع أهلك!... كم كنت أتمنى أن أبقى فيك»...

تلك كانت آخر كلمات فوراحا هذه الفتاة الكونغولية التي قدمت إلى الكويت قبل ما يزيد على الشهر بقليل من أجل أن تنال منحة لدارسة اللغة العربية فوجدت نفسها في مكاتب الخدم.

تلك الكلمات قالتها وهي تعتلي مقعدها على متن الطائرة التي أقلتها إلى بلدها، وما بين زمن تبني «الراي» قضيتها ونشرها قبل اسبوع، وتلك اللحظة التي اصطحبتها فيها «الراي» إلى المطار مساء أول من أمس، في رحلة العودة قصة مختلفة لعبت فيها أيادي الخير الدور الكبير بعد أن امتدت بأنامل عطائها ليقولوا لفوراحا وغيرها ممن تعرضن للظلم في هذا البلد أن الكويت كانت ولاتزال أرض عطاء وواحة كرم.

ما أن نشرت «الراي» قصة فوراحا حتى انهالت -كالعادة- اتصالات أهل الخير الكل يطلب المساعدة بما يضمن لتلك الفتاة البقاء في أرض الكويت وتحقيق ما تمنته، لكن رغبة وإصرار فوراحا على الرحيل، جعلنا نفكر كيف يتأتى لنا ذلك.

وفي وسط ذلك الكم الهائل من الاتصالات التي أحيلت جميعها من قبل «الراي» إلى هاتف المحامية غدير النجدي «الـمُفجرة» لقضية فوراحا، للاستماع إلى الخيرين قبل أن تتلقى مساعداتهم... وسط ذلك كله جاءتنا مفاجأة تمثلت في اتصال من راعي مكتب الخدم الذي استقدم الفتاة الكونغولية، ظننا في البداية أنه سيتوعد أو يهدد إلا أنه بدا على خلاف ما توقعنا هادئا متزنا، وطلب منا تحديد الموعد والمكان لتسليم جواز سفر فوراحا مادامت تريد العودة إلى موطنها.

ولما سألناه أليس لك رد عما قالته فوراحا ونشرته «الراي» على لسانها، فاكتفى بعرض مشهد في قصة فوراحا لم يشاهده الناس ولم يقرأوه حيث قال «أعرف حرصكم يا صحيفة (الراي) على نشر الحقيقة والمساعدة في إيصال صوت المظلوم لينال حقه، وبالنسبة لموضوع فوراحا فأنا راعي مكتب للخدم أستقبل طلبات المواطنين والمقيمين واشتراطاتهم في ما يريدونه من خدم، وأسعى لتلبية طلباتهم من الخارج، وهنا عندما أطلب فإنني أطلب خادمات، وهنا يرسل إلي ما طلبته من الدول الموقعة معنا اتفاقات في هذا الأمر».

جاء راعي المكتب إلى «الراي» في الموعد المحدد، لم يحمل معه جواز السفر فوراحا كما وعد فحسب بل أنزل بيديه حقيبتها التي تحوي ملابسها وأغراضها الشخصية، وجاءت المفاجأة الثانية التي حملها معه أيضا والمتمثلة في تذكرة طيران باسم فوراحا من الكويت إلى أديس أبابا ومن أديس أبابا إلى كنشاسا، مدفوعة التكاليف، ومؤكدة الحجز.

لم يكن هذا أيضا كل ما كان يحمله راعي المكتب بل أخرج من حافظة نقوده مبلغ 300 دولار أميركي، وقال هذا المبلغ من فاعل خير بعث به للفتاة... لم يكن مطالبا أن يقول إن هذا المبلغ من فاعل خير إلا أنه أراد أن ينسب الفضل لصاحبه.

ودعنا راعي المكتب، وسارعنا بالاتصال بالمحامية غدير النجدي وزففنا إليها الخبر، ففرحت كثيرا، لكن حزننا بدا في فرحتها، بررته بأنها اعتادت على وجود فوراحا معها، ولم تنه المكالمة قبل أن تزف إلينا هي الأخرى خبر أن أهالي الخير يريدون أن ينقلوا كفالة فوراحا عليهم لكنها ترفض.

لم نختر نحن موعد السفر بل اختاره راعي مكتب الخدم الذي حجز لها بماله، وحدده بمساء أول من أمس، و«الراي» التي كانت حاضرة من البداية اختارت فوراحا أن يشهد مبناها النهاية، فحضرت ثانية برفقة فتوح عبدالله مديرة مكتب المحامية غدير النجدي، ولكن تلك المرة علا محياها البسمة وأشرق وجهها بالأمل بعد أن رأت كل هذا الاهتمام والرعاية من قبل أهل الخير في الكويت.

بلغتها الفرنسية قالت «ما أروعك يا كويت!... وما أروع أهلك!... كم كنت أتمنى أن أبقى فيك».

ثم توجهت بكلمة «مشكور» كلمة عربية واحدة يبدو أنها تعلمتها في تلك المدة القصيرة التي قضتها برفقة غدير النجدي ومديرة مكتبها.

في المطار كان المشهد مختلفا حيث فاجأتنا فتوح عبدالله بمبلغ من الدولارات لم يهمنا عده، ولم ننشغل بسؤالها عمن جاد به، لكنه كان على ما يبدو كافيا بل يزيد على الـ1500 دولار ذلك المبلغ الذي كانت تحلم به فوراحا لتسد به دين أبيها الذي اقترضه من أقاربه ليحقق لفوراحا حلم دراسة اللغة العربية في الكويت.

وبُعيد أن وزنت فوراحا أغراضها، وقبل أن تودعنا لتتخطى بجواز سفرها الحواجز الجمركية غير المسموح لنا بتجاوزها كانت هناك لقطة أخيرة لن تمحى كغيرها من مخيلة فوراحا، حيث رأها مواطن كان في المطار بالصدفة فعرفها من خلال نشر «الراي» لصورتها، فاقترب منا وتساءل أليست هذه الفتاة الكونغولية.... وقبل أن يكمل، أجابته فتوح بنعم، فما كان منه إلا انطلق إلى عدد من المحال المتواجدة في المطار وراح يشتري بضائع من هنا واكسسوارات من هناك تخطت قيمتها الـ250 دينارا، وقدمها هدية لفوراحا، رافضا التصوير وإعلان حتى مسماه.

وفي سؤال أخير لفوراحا لماذا لم تبق في الكويت على الرغم من العروض التي قدمت لك من أهل الخير لاحتضانك والتكفل بك؟

فجاء جوابها سآتي إلى الكويت ثانية لكن هذه المرة ليس بـ«فيزا» خدم... وراحت تودعنا متوارية عن الأنظار في رحلة العودة إلى أرض الوطن.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي